التاريخ الحديث

ثورة آوراس 1879، بقيادة موحند ؤُو جار الله (بوثاَسيلتْ)

مسيرته:

الشيخ “موحند الصالح ؤو عبذ رحمان” (محمد الصالح بن عبد الرحمن) المدعو محمد بن جار الله، وكان سكان المنطقة يلقبونه بالشيخ “بوثاَسيلتْ”، أو “بوهقنّوشث”. ولد حوالي عام 1849 بقرية جار الله من عرش آيث بوسليمان، ينتمي إلى الطريقة الرحمانية . ويرتبط اسم هذا البطل بأهم مقاومة في الشرق الجزائري وهي مقاومة آوراس .
كان إماماً بجامع قرية الحمّام وشيخاً للزاوية الدينية بها، اشتغل بتدريس القرآن والإمامة في مسجد سيدي عيسى بوقبرين بقرية جار الله قبل أن يلتحق بقرية الحمّام. كان إماماً متديناً وتابعاً للطريقة الرحمانية، وكان قد ورث المشيخة الدينية كرئيس للرحمانية عن الشيخ إبراهيم ؤو سي الصاذق واستطاع أن ينشر نفوذه على العديد من القبائل ويشحنهم بروح المقاومة والجهاد ضد العدو الفرنسي وبهذا العمل أصبح له أنصارا واتباعا ومريدين، وقام بإتصالات متتالية مع العديد من رفقاء سي الصاذق لتدارس الأوضاع و إمكانية القيام بمقاومة عارمة في المنطقة ضد العدو الفرنسي، ومع مطلع سنة 1879 تهيأت كل الظروف لإندلاع هذه المقاومة الشعبية بزعامته.

اندلعت مقاومة آوراس عام 1879 بزعامة الشيخ “مُحند ؤو عبذ رحمان” لتثبت الإحتلال الفرنسي أن عهد المقاومات مازال قائما وأن التواجد الإستعماري في الجزائر لا يختلف بين نظامه العسكري ونظامه المدني فهما وجهان لعملة واحدة هي الإستعمار الفرنسي، خاصة وأن المعمرين في ظل النظام المدني وجدوا ظالتهم في تطبيق سياستهم على أساس أنهم سعوا إلى إقامته منذ أمد لأن النظام العسكري لم يحقق لهم مطالبهم بل كان عائقا كبيرا أمام مصالحهم، لذلك جاءت هذه المقاومة لتبرهن مرة أخري أن الشعب الجزائري يرفض كل أشكال الإحتلال من خلال مقاومته التي لم تنقطع خلال القرن التاسع عشر.

أسباب مقاومة 1879:

كانت هناك أسباب جوهرية وعوامل أساسية وراء إندلاع هذه المقاومة ، منها ما ميز المرحلة الإنتقالية التي شهدتها الجزائر من نظام الحكم العسكري إلى نظام الحكم المدني ثم العامل الإجتماعي الذي إعتمدت السلطات الإستعمارية عليه كثيرا من خلال دور المكاتب العربية في تجزئة طبقات المجتمع الجزائري والعمل على تفرقة وحدة صفّه ، حيث برزت الصراعات الطائفية والعشائرية بين العائلات لتنتقل إلى القبائل، يضاف إليها العامل الإقتصادي الذي كان مرتبطا بالوضع الزراعي الذي كان يعتمد عليه كثيرا سكان منطقة آوراس ولكن الأوضاع المزرية من مجاعات وجفاف وقحط زاد من معاناتهم أمام تزايد الضرائب التي أثقلت كاهلهم في الوقت الذي فتحت فيه كل المجالات وأعطيت كل الوسائل للمعمرين على حساب السكان وكذلك العامل الديني كان له نصيبه في تأجيج هذه المقاومة .

1. العامل السياسي :

عرف نظام الحكم في الجزائر منذ الحملة العسكرية الفرنسية عام 1830 إلى غاية سقوط فرنسا أمام ألمانيا في معركة سيدان عام 1870 أنه إعتمد على الظلم والقهر وسوء المعاملة تجاه الجزائريين، بل تفنن في ذلك من خلال عدة أنماط جهنمية كان أبرزها سياسة الأرض المحروقة التي إعتمدها الجنرال بيجو في السابق، وقد إتبعه في ذلك كل القادة والحكام العسكريون نزولا عند رغبة المعمرين الذين لم يرضو بدلك لكثرة جشعهم فكانوا وراء النظام المدني الذي حقق لهم أكثر مما يريدون سياسياً لكونهم أصبحواهم الأداة الفاعلة سياسيا في الجزائر وفي باريس.

2. العامل الإجتماعي :

أذكت السلطات الإستعمارية الفرنسية نار الفتنة بين القبائل من خلال توسيع الصراعات الخطيرة بين العائلات ذات النفوذ القبلي والعشائري، وقد برز الصراع في منطقة آوراس بين عائلة بن قانة أخوال زعيم مقاومة الشرق الجزائري الحاج أحمد باي وعائلة بن شنوف المنتمية إلى عائلة سي بوعكاز، وكان سبب الصراع هو من بمقدوره السيطرة على القبائل في تلك المنطقة، وقد كان التحريض ضد عائلة بن قانة حتى تقدم السلطات الفرنسية على عزلهم من المنصب الذي أوكلته لهم وهو “آغا العرب” (شيخ العرب) حيث إتهموا من طرف عائلة بن شنوف بإنهم وراء إثارة سكان الأوراس على القيام بالثورة ضد التواجد الفرنسي، وضد تطبيق الإجراءات القمعية والزجرية التي إنهكت كاهل الطبقات الإجتماعية، وهو ما جعل العامل الإجتماعي سببا من الأسباب الرئيسية في التعجيل بإندلاع هذه المقاومة.

3. العامل الإقتصادي :

كانت الظروف المأساوية التي كان بعيشها سكان منطقة أوراس قد زادت في شقائهم خاصة وأنهم أصبحوا يعانون من القحط والجفاف الذي أثر سلبا على المنتوج الزراعي والحيواني خاصة وأن هؤلاء السكان هم مجتمع رعوي يعتمد في معيشته على الزراعة المعيشية فقط ، وما زاد في سوء الأوضاع و فجرّالإنتفاضة هو تشديد جباة الضرائب ضدهم من خلال دفع القياد و الاغوات و شيوخ القبائل في إجبار السكان رغم الظروف القاسية على دفع الضرائب هذا إلى جانب دفع نسب الفوائدو الربا التي تتعارض مع الدين الإسلامي و بذلك جاء هذا العامل ليزيد من معاناة السكان و يدفعهم إلى تفجير هذه المقاومة .

مراحل مقاومة 1879

لقد مرت مقاومة 1879 بأوراس بمراحل هامة تمثلت فيما يلي:

المرحلة الأولى :

بدأت بإنطلاق الشرارة الأولى في 30 ماي 1879 عندما وقعت محاولة اعتقال إمام مسجد الحمّام وسط فرقة اللحالحة وهو الذي أصبح الزعيم الروحي لهذه المقاومة. لتبدأ آنذاك مرحلة الهجوم على المتعاونين مع السلطات الفرنسية وعلى رأسهم القيّاد. بعد ذلك كان الهجوم على القائد السي “الهاشمي بشتارزي” الذي تحصن ببرج “تكوت” وقد تمكنوا من قتله ليعودوا إلى منطقة “العناصر”، بعدها قام كل القائد “محمد بن بوضياف” وقائد “آث وجانة” و “محمد سديرة” قائد “الأعشاش” بالتمركز بمحاذاة منطقة “العناصر” إستعداداً للهجوم على الثوار في 1 جوان 1879 مدعمين بقوة فرنسية لكنهم فوجئوا بهجوم ليلي غير منتظر، قتل فيه القائد بوضياف، ليأتي دور القائد “الحسن بلعباي” مع خليفته “دعاس” وقد كلّلت هذه المرحلة بالنجاح وزرع الرعب في نفوس القيّاد الذين كانوا الأداة الفاعلة في يد السلطات الفرنسية.

المرحلة الثانية:

تميزت بشمولية هذه الثورة في منطقة أوراس بانضمام العديد من الثائرين ضد ممثلي السلطة الإستعمارية وبذلك اتسعت القبائل المساهمة في المقاومة من فرق “آث دّاوذ” و”آث بوسليمان” و اعراش جبل “ماڨ آزوڨاغ” (أحمرخدو) وفرقاً من “آث وجانة” و”آث عبذي” إلى جانب التأييد المطلق من شيخ الزاوية الرحمانية لـ إغزر ناث عبذي (وادي عبدي)، الشيخ “الهاشمي ؤو دردور”. لم يكتف زعيم هذه الثورة الشيخ “موحند ؤو عبذ رحمان” (محمد بن عبد الرحمن) عند هذا الحد بل راسل كل مقدمي الطريقة الرحمانية في كل من “إغزر ناث عبذي” و”بوزينة” و “آث وجانة” و”إيغاسيرن” (غسيرة) و”آث ملول” و”البعادشية”، وكذلك الشأن بالنسبة لباقي القبائل منها قبيلة الحراكتة والسقنية وقرفة وغيرها يطالبهم بإعلان الجهاد وقد وصلت رسائله إلى قبائل زواوة قصد توسيع الثورة وفي خضم هذه الإستعدادات كان الطّرق الإستعماري قد جهّز جيشاً من ثلاثة طوابير بقيادة اللّواء فرجمول Forgemol، كان الطابور الأول المتوجه من “باثنت” (باتنة) يتكون من ستة فيالق بقيادة فرجمول، أمّا الطابور الثاني الآتي من “بسكرث” (بسكرة) بقيادة العقيد كجار Cajard كان يتكون من ثلاثة فيالق، أمّا الطابور الثالث الآتي من “ماسكولا” (خنشلة) ويتكون من فيلق واحد بقيادة الكولونيل غوم Gaume . وجرت إثر هذه التحركات معارك ضارية غير متكافئة بين جيوش مدججة بالسلاح ومنظمة ولها خبرة عسكرية في حين كان الجانب الجزائري يتشكل من متطوعين عاديين تنقصهم الخبرة الميدانية والعتاد العسكري المتطور.وكان من أهمها معركة الأرباع شمال مدينة باثنت في الثامن والتاسع جوان 1879 تليها معركة قرية توبة قرب وادي أم العشرة في 15 جوان من نفس العام، ومعارك أخرى في العديد من مناطق الأوراس.

المرحلة الثالثة:

تميزت بتراجع الثوار أمام القوة الإستعمارية مدعمة بالقوة المحلية وعلى رأسها القيّاد وهذا ما أثّر سلباً على استمرارية المقاومة وتحقيقها لإنتصارات معتبرة. وكان تعثر الثوار في مرات عديدة وراء ضعف صفوفهم، حيث تمّ أسر العديد منهم وكانت البداية بـ 168 رهينة لتصل إلى 103، ممّا دفع العديد منهم إلى الهجرة إلى تونس بناءً على النداء الذي وجهه زعيم الثورة “موحند ؤو عبذ رحمان” إلى سكان المنطقة حتى لا يتعرضوا إلى الهلاك على يد الجيش الإستعماري أمّا الذين بقوا فقد تعرّضت قراهم إلى الحرق والدمار وسلبت أملاكهم، وقتل البعض منهم.

نتائج مقاومة 1879

– أثبتت مقاومة 1879 أنّ الشعب الجزائري بإمكانه نقل المقاومة عبر ربوع الوطن.
– بروز البعد الديني والوطني لهذه الثورة على غرار الثورات السابقة .
– تلاحم القبائل فيما بينها على إعتبار العدو الفرنسي قوة كافرة ودخيلة ضد الإسلام.
– سقوط ضحايا جزائريين وصل عددهم 562 شخص.
– إبعاد 20 عائلة إلى القل وتوقرت (ورجلان/ورقلة) و26 عائلة إلى سطيف و 12 عائلة إلى جيجل.
– فرض غرامة مالية على القبائل الثائرة وصلت 70 372 355 ف.
– تسليم 1705 بندقية.
– الإستيلاء على أكثر من 2777 هكتار.
– تسليم السلطات التونسية للسلطات الفرنسية زعيم المقاومة الشيخ موحند الصالح ؤو عبذ رحمان ورفاقه والتي بدورها أصدرت ضدهم أحكاماً متفاوتة بعد إجتماع المجلس العسكري بسطيف في جوان 1880 وكان كالتالي:
– 14 ثائر حكم عليهم بالإعدام ومن بينهم الشيخ “موحند ؤو عبذ رحمان”.
– 10 أشخاص بالأشغال الشاقّة لمدّة 10 سنوات.
– 7 أشخاص بالأشغال الشاقة لمدّة 5 سنوات.
– شخصان بالإقامة الجبرية لمدّة 5 سنوات.
– 7 أشخاص بعامين سجناً عادياً.
– النفي إلى كورسيكا وكيان بغويانا الفرنسية.
– إبعاد العائلات إلى المناطق النائية .

التحرير

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى