أقلام حرّةمجتمع

سجل؛ أنا عربي وأمْزَغَنَتْنِي الجزائر

عبد المجيد سجال : كاتب وباحث
عبد المجيد سجال : كاتب وباحث

قد تبدو هذه الجملة غير مألوفة للوهلة الأولى، لكنني أشعر بأنه حان الوقت لوضع النقاط على الحروف والحد من الجدل القائم في الجزائر حول قضية الهوية، جدل يطفوا إلى السطح في كل مرة برائحة عنصرية مقيتة نتنة، لن تجني منها الجزائر إلا كل شر.

 كثيرا ما ترددت على مسامعنا هذه الجملة المشهورة: ” أنا أمازيغي وعرّبني الإسلام “. وكثيرا ما يرى إخواني الأمازيغ أن جملة كهذه تحمل في طياتها طمسا لهويتهم والتي هي هوية كل الجزائريين من تاء تبسة إلى تاء تلمسان من تاء تندوف وإلى تاء تمنراست، والحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن الإسلام لم يأت ليُغيّر الأعـــــراق بل أتى ليُتمّم مكـــــــارم الأخـــــلاق، كما أن الإسلام لا يتعارض أبدا مع الحفاظ على الهوية ولا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى. فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك ابا لهب. ونلاحظ في هذا الصدد أن الفارسي بقي فارسيا رغم إسلامه والتركي تركيا والهندي هنديا والماليزي ماليزيا والصيني صينيا والكردي كرديا وكذلك سيبقى الأمازيغي أمازيغي الهوية والثقافة والعرق والروح.

 من هنا يتضّح أن الإسلام لا يتعارض مع الهوية والعرق واللغة، بل الإسلام هو إضافة روحية أسمى من كل الظواهر المرئية والملموسة والمسموعة، وفي وطننا الغالي الجزائر وسائر بلاد شمال افريقيا جاء الفتح المبين واعتنق جلُّ الأمازيغِ الإسلامَ ورفعوا رايته وبلّغوا رسالته، بل ويشهد التاريخ أن الأمازيغ الأحرار هم من فتح الأندلس تحت راية طارق بن زياد الأمازيغي ويشهد التاريخ أنهم درّسوا في الأزهر كالمشدالي الذي قال عنه الخساوي في القرن السابع عشر أن هذا العالم لا ينبغي أن يحضر دروسه إلا حُدّاق العلماء، كما لا ينسى التاريخ الإسلامي فضل العلماء الأمازيغ الثُّقَاة من أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس ومحمد الحسن البليدي ممن أعطوا للإسلام زادا علميا لا ينضب.

 إن الإسلام أضاف لغة أخرى إلى جعبتهم فأصبح لسانهم ثريا لغويا وهذا يدخل في باب الثراء اللغوي وليس في باب طمس الهوية، بل إن أكثر الشعراء فصاحة في الجزائر هم أمازيغ ولن ينكر ذلك أحد.

ما أريد أن أقوله من كل هذا هو أنه بمثل ما أضاف الإسلام للأمازيغي روحيا وثقافيا، كذلك أضافت الأمازيغية لعرب الجزائر كاريزما وثقافة لن تجدها إلى عند الأمازيغي الحر، فأنا عربي وكل عربي أصيل في هذا الوطن الغالي، يشهد أن أمازيغية الجزائر أضافت للجميع روح التحرر التي طردنا بها المستعمر الغاصب والتي بسببها سمّى الرومانُ الأمازيغَ بالبربر، تلك الروح التي انبجست في منطقة القبائل الكبرى وذاع صيتها في جبال الأوراس فلبت جبال بني شقران ذاك الندا، تلك الجينات هي التي أنجبت لالا نسومر وعميروش وبن مهيدي وهي التي أنجب الأمير عبد القادر وأحمد زبانة. كما أن اللمسة الأمازيغية واصلت نحتها للشخصية الجزائرية بصفة عامة، فالجزائري يعشق التميز ويمحق الهوان، متفتح الثقافة مرن اللسان على كل لغات العالم، أخذ من الشاوي حماسه ومن المزابي ذكائه ومن التارقي أصالته ومن القبائلي جسارته، عاشق لوطنه لا يرضى له بديلا.

 لهذا سجل يا تاريخ، أنني عربي وأمزغنتني الجزائر، عربي أمازيغي لا ينافق ولا يداهن ولا يبيع هويته بيع النعال وإن بيع الهوية غالي. ولا مكان بيننا للعنصرية المقيتة، فلنرتقي لبناء الوطن، للنهوض بالجزائر، فإذا أردنا الصلاة فقبلتنا الكعبة وإذا أردنا النهضة فقبلتنا العمل والتكاتف سجادتنا.

 سجّل يا تاريخُ بكـل فخـــرٍ أنا عربي أمزغنتني الجزائر

 سجّل يا من دوّنت يوم بـدرٍ أمــازيغي أنا كــُــلِّي مـَـــآثِر

عبد المجيد سجال / كاتب وباحث – دزاير

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى