أقلام حرّةتاريخ

الهوية الأمازيغية لولاية سعيدة ” تيرسيف ” و تاريخها المجهول

بينما كنت أتصفح بعضا من الوثائق القديمة التي تخص الجزائر , حتى وقعت عيني على هذه الوثيقة , المسماة ب Carte de répartition des différentes races en Algérie الخاصة بـ 1830-1962 ENCYCLOPEDIE de L AFN.
هذه الوثيقة الخاصة بالتركيب العرقي للشعب الجزائري , الذي قام الاستعمار الفرنسي باصدارها في القرن التاسع عشر و في السنوات الاولى من دخولها للجزائر , و لعدم وجود تحاليل الحمض النووي ADN لاثبات العرق في ذلك الزمن , قد يكون الاستعمار الفرنسي اعتمد في هذا التقسيم على حسب لهجات المناطق , ما أثار دهشتي فعلا هو أن العرق البربري الصافي تماما كان يشمل سعيدة أي النصف الشمالي لسعيدة ( سعيدة و سيدي بوبكر و شمال عين الحجر و تيرسين و بالول و يوب و تيرسين و الحساسنه ) و قد اشتركت في هذا المجال مع منطقة الشاوية و منطقة القبائل و منطقة بني سنوس و بني بوسعيد بتلمسان الذين لا زالوا يتحدثون تمازيغت الى حد الآن , و هذا يدل على أن معظم سكان النصف الشمالي لسعيدة كانوا بربرا اقحاحا يتحدثون تمازيغت , اضافة الى النصف الجنوبي لسعيدة الذي يعتبر حسب الوثيقة يحتوي غالبية بربرية اضافة الى عنصر عربي قليل ( أمازيغي مستعرب ) , و تشترك في هذا المجال أيضا مع أمازيغ بشار و النعامة و البيض الذين يتحدثون تمازيغت لحد الآن أيضا .
و حسب معظم المؤرخين فإن بربر سعيدة كانوا يتحدثون الشلحة ( تاشلحيت ) التي يتحدث بها سكان بني سنوس و بني بوسعيد بتلمسان و سكان بشار و كذا بوسمغون و عسلة بالبيض و النعامة اللتان كانتا تابعتين لسعيدة قبل التقسيم الاداري الجديد بعام 1984 , ﻣﺎ ﻳﺸﺪ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻳﻀﺎ ﺍﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺳﻌﻴﺪﺓ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﺳﻤﺎﺀ ﺍﻣﺎﺯﻳﻐﻴﺔ ﺍﺻﻴﻠﺔ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻘﺪﻡ ‏( تاجرمارت , تاقورايا  , (Tagouraia )  سفيد , تيدرناتين , تيرسين , هونت , تيمطلاس , طافراوة , راس غرسيف , تيفريت , تافرنت , تامسنة , تبودت ( تبودة ) , يوب ( يوبا) ,تاقدورة ,تاخمارت , تاورويت , تاسلت … ﺍﻟﺦ ‏) ﺑﺪﻭﻥ ﻧﺴﻴﺎﻥ ﺍﻥ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻟﺴﻌﻴﺪﺓ ﻛﺎﻥ ” ﺗﻴﺮﺳﻴﻒ ” ﻭ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﻌﻨﻲ ” ﺍﻟﻤﺤﺎﺫﻱ ﻟﻠﻮﺍﺩ ” ﺍﻭ ” ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﻮﺍﺩ ” ﻭ ﻫﻮ ﻭﺍﺩ ﺍﻟﻮﻛﺮﻳﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺸﺘﻬﺮ ﺑﻪ ﺳﻌﻴﺪﺓ ﻭ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪﺍ , ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺴﻤﻰ ﺑﺎﺳﻤﺎﺀ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﻳﺘﻢ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩﻫﺎ ﺇﻻ ﺍﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭﻳﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺎﻧﺸﺎﺀ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﺎﺕ ﻭ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ .
حتى أن اسم ” سعيدة ” بالذات اطلقه الامير عبد القادر على هذه المدينة في العهد الاستعماري إشارة إلى مرابطة أمازيغية كانت تعيش بسعيدة و تدعى بـ ” لالة سعيدة ” , كما أن سعيدة كانت تابعة لتيهرت ( تيارت حاليا ) , و التي تعني بالامازيغية الأسد و لكن تم تحريف الاسم بسبب عدم مقدرة الفرنسيين على نطق حرف الهاء فأصبحت” تيهرت” تيارت .
و المطلع على اللهجة  سعيدة يجد أنها تحمل قاموسا كبيرا من الكلمات الأمازيغية ذات اللهجة الشلحية , فنجد خصوصا أن المجتمع السعيدي لا زال محافظا لمفردات الشلحة و يقول الكلمات التالية : دادا ( للجد و في بعض الاحيان لزوجة العم الكبرى ) , حنا ( للجدة ) , با بتشديد الباء للأب , ما بتشديد الميم للأم , و هي كلها كلمات من اللهجة الشلحية الامازيغية .
كما ان ابن خلدون و معظم المؤرخين المعاصرين اجزموا ان سعيدة سكنتها القبائل الامازيغية و معظمها كان من الامازيغ الزناتيين كامازيغ الجدار و بني توجين و كشاوة و قبائل بني عبد الواد. بني ومانو بني يلومي و العديد من القبائل .
فبالتالي فقد عرفنا أن البعد الأمازيغي في الهوية الجزائرية بولاية سعيدة، هو بعد قديم وأساسي. وانضاف له البعد العربي، بتعرب السكان تدريجيا، وتحول العربية الدارجة الى لغة معاملات واسعة النطاق، هذا عمل على تقلص اللغة الامازيغية وانحصارها في جيوب لغوية، أخذت تختفي تدريجيا، وتترك آثارها في تسمية الاماكن، وفي بعض المصطلحات او الصيغ التعبيرية التي لا زالت موجودة في اللهجة الجزائرية السعيدية .
السؤال المطروح : بما أن معظم مناطق سعيدة هي أمازيغية الاصل و الاسماء و كون سعيدة امازيغية الاصل ايضا و عاشت فيها القبائل الامازيغية و كانت تتحدث الامازيغية الشلحة منذ زمن و حتى زمن دخول الاستعمار الفرنسي , أين هم أمازيغ سعيدة الآن ؟ أين اللهجة الامازيغية بين أبناء سعيدة الآن ؟
هل ساهم الاستعمار الفرنسي في تحطيم هذه الهوية المتجذرة بين اوساط المجتمع السعيدي ؟ أم ان هذه الحلقة المفقودة قد تم ابتلاعها من طرف ثقب اسود و لا يمكن ايجاد جواب نهائي لها أبدا ؟

محمد سليمان – الحوار المتمدن 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى