الفعالياتالموسيقى

اليوم تنتهي الدّعارة في بلاد إيشاويّن !…

اليوم تنتهي الدّعارة في بلاد إيشاويّن !

ڨاسمي فؤاد : مدون
ڨاسمي فؤاد : مدون

ترحل اليوم، عائدة من حيث أتت، قوافل المغنين “الأجانب” والدزيريين، والصحفيين، والمسيرين والمسؤولين، وأقربائهم وأصدقائهم ومعارفهم، والعاملين – تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية الجزائرية، بأموال “الشّعب” – على “مهرجان تيمڨاد الدولي” المحتفى به كلّ صيف، على أرض : “ثامورث نيشاويّن” (بلاد إيشاويّن)، بمدينة “ثاموڨادي” التابعة لولاية هباثنت (باتنا) بعد أسبوع باهض الثمن، كلّف أكثر من 1.5 مليون أورو، لم تبلغ عائداته 2% من مصاريفه حتّى، أجزم !

مقارنة سريعة بين قسنطينة عاصمة الثقافة الأجنبية التي تستهلك قرابة  90 مليون أورو على مدار سنة، تجنّد لها كلّ إمكانيات الدولة، وتنتج خلالها مسرحيات وأوبيرات وأغان وتطبع كتب وأبحاث، وترمم (معالم ومسارح)، وبين “مهرجان تيمڨاد” الذي يستضاف إليه عدد من الأجانب والدزيريين، ليغنوا على ركح المسرح، ويرحلوا .. فإن هذا الأخبر (مهرجان تيمڨاد) جاء أعلى تكلفة بكثيرّ، لانعدام المردودية، أيا كانت: أدبية أو ثقافية أو اقتصادية، على المدينة التي يحط بها الرحال كلّ سنة، أو على المنطقة التي يقتحمها دوريا، أو على الدولة التي تخصص له هذا الغلاف الماليّ الضخم، وكل وسائلها، من أجل تأمين راحة الضيوف .. أو المواطن؟ لست أدري.

آوراس أحقر من أن يليق بمقام ضيوف مهرجان ثاموڨادي:

لا أظنّ نسخة هذه السنة اختلفت عن نسخة السنة الماضية التي سخرّت لها الدولة، كلّ وسائلها من أجل راحة ورفاه الزوّار (المغنين) لا المواطنين ! حتّى سلاح الجو، في الجيش “الشعبي” الوطني، الذي تجنّد إلى ساعات متأخرة من أجل نقل المغنّين والمغنيّات الأجانب والشخصيات المرموقة وأقاربهم، جيئة وذهابا إلى العاصمة من آوراس، فآوراس آمقران الذي يتربّع على مساحة ضخمة، لا يمكن بحال أن يليق بمقام أصحاب الشأن الرّفيع الذين اعتادوا الفنادق الفاخرة والمدن الكبرى بينما لا يملك هذا الأخير، فندقا لائقا بسائح محلّي من الطبقة الوسطى فما بالكم بعلية القوم: ضيوف فخامته الأشراف ! التظاهرة التي كلّفت “دافعي الضرائب” مالكي المال العام (أقصد الشعب طبعا) 1.5 مليون أورو، وتسببت لمستعملي الطريق الوطني رقم 88 مضايقات لا تحصى، أعني الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذت لحماية معالي المغنّين وجلالة المغنيّات، من تهديدات محتملة، وصدّعت رؤوس ساكنة ثاموڨادي لأسبوع كامل، لا نوم فيه ولا راحة، دون عائد أو طائل، فهم حتّى لا يقربون المهرجان! تحطّ رحالها كلّ سنة في نفس المنطقة، التي تعاني من انعدام البنى التحتية وأزمتي سكن وبطالة تحوّلتا إلى ظاهرة، كان الاهتمام الذي أولته الدولة لضيوفها –فيها–  سيحلّ جميع مشاكل المنطقة، إن وجّه نحوها.

هذا ليس مهرجانا محليّا حتّى يغنى فيه بالشاوية، إنه مهرجان دولي !

حتى وإن كانت هذه الاسطوانة مكررة حدّ السأم، لكنّ المنطق يفرض علينا التساؤل: لماذا لا يغنّى في هذا المهرجان بالشاوية؟ أم أنّ فناني إيشاويّن كبلادهم، لا يليقون بمستوى هذا المهرجان؟ لنتكلّم بصراحة .. ما معنى أن يأتى بفرق مغمورة من كلّ بقاع العالم، وتدفع لها الملايين، بينما يعمل فنانو إيشاويّن في تكسير الصخور والبناء ودهن المنازل من أجل كسب قوتهم؟ أليس لهم رضعة من حليب هذه البقرة التي تزور بلادهم كلّ سنة؟ لننكر عليهم هذا جدلا ! فلهم مهرجان الأغنية الآمازيغية في إيليزي (الذي يدعى إليه بالوجوه) ولا يتجاوز أجرهم بضع عشرات آلاف من الدنانير، لا أظنها تكفي حتى لصيانة آلاتهم الموسيقية .. لكن لهم مهرجانا خاصّا بهم ! مهرجان الأغنية الشاوية بماسكولا (خنشلة) … فلتضحك ما شئت لكنّ الشاب “رضوان” (أعلم أنكم تعرفونه) يغني في هذا المهرجان ويتلقى أجرا ضخما، لكن عميروش، وميهوب، وماسيليا، ومركوندا، وديهيا، ووو… لا يدعون إليه حتّى.

هو مهرجان كل الطبوع إلّا الأغنية الشاوية.

يعني ببساطة و”ملّخر” كما نقول بالعامية، الفن الملتزم الناطق بالشاوية لا مكان له في محافل وزارة الثقافة … لماذا؟

و”نتا واش دخلك؟ باغي تدير الفتنة؟!”

الأهمّ والمهم في هذا المهرجان، هو أنّه مهرجان دولي، عالمي، كوني، يدعى إليه (فنانون) من كلّ بقاع العالم ليتفرّجوا علينا .. بوه ! أقصد ليتفرّجوا على آثارنا وحضارتنا الشاوية الآمازيغية العريقة، ويطلّعوا، وينبهروا بثقافتنا الثرية الأنيقة…لحظة ! لكن آثارنا تتآكلها العوامل الطبيعية، وتردم تحت الإسمنت المسلح من أجل عيون المشاريع الخاصة، وتسرق على مرأى ومسمع من الجميع .. وثقافتنا تحتقر وتهمّش، ولغتنا تمنع من التعليم، وتحارب أينما وجدت، فأين ما يجذب السّائح؟

ثمّ لنفرض جدلا أنّ السائح انبهر ببدائيتنا بوه ! (مرة أخرى) أقصد بحضارتنا، أين سنستقبله ونحن لا نملك أدنى أشكال المرافق السياحية، أو حتى الحياتية .. بل كيف نعيش أصلا دون ماء شروب، ورعاية صحية، ومدرسة لائقة، وشبكة طرقات سليمة ووو… ونحن أولى من السّائح (أظنّ وأرجو ألّا يخيب ظنّي !). فكيف لنا أن نقيم مهرجانا بهذه التكلفة الضخمة في أسبوع واحد، بينما نفتقد قاعديات الحياة في مدننا التي تعود أحدثها إلى ألف سنة؟ !

لا أعلم…

كثيرا ما تحفّظت على مصطلح الدّعارة، لكن لا أعرف أجدرَ بوصم “الدعارة” من هذه المهزلة المسمّاة : “مهرجان تيمڨاد الدولي”.

وها قد انتهت !

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى