أقلام حرّة

بل الحرف اللاتيني أنفع للأمازيغية يا د. بنسالم حميش

عبرت يا أستاذ بنسالم حميش في حوار صحفي لك مع جريدة هسبريس عن رأيك في أن الحرف العربي هو الأنفع لتدريس ونشر اللغة الأمازيغية بالمغرب.

وحيثياتك التي بنيت عليها رأيك هي حيثيات جيدة وسليمة وهي: التيسير أحسن من التعسير، والتبشير أفضل من التنفير، أو ما مفاده أنه “يجدر تدريس الأمازيغية بحرف سهل على عامة المغاربة صغارا وكبارا”.

ممتاز!

ولكن ماذا عن الحرف اللاتيني؟ أليس يسيرا وسهلا وشائعا لدى عامة المغاربة صغارا وشبابا وكبارا؟

وأنت بالتأكيد مطلع على التجارب الناجحة لدى كثير من اللغات الأفريقية والآسيوية التي انتقلت في القرن العشرين إلى الكتابة بالحرف اللاتيني وأشهرها: اللغة التركية، اللغة الإندونيسية، اللغة الماليزية، اللغة الفيتنامية، اللغة الأزربيجانية، اللغة الكردية في كردستان تركيا، واللغة السواحيلية Swahili في كينيا وتنزانيا، ولغة Kinyarwanda الرسمية في رواندا، واللغة الصومالية، ولغات جنوب أفريقيا وغيرها.

أما دولة كازاخستان فقد بدأت حاليا عملية الانتقال إلى كتابة اللغة الكازاخية بالحرف اللاتيني والتخلي نهائيا عن كتابتها بالحرف الكيريلي/الروسي وستكتمل العملية بحلول عام 2025. ويشمل انتقال كازاخستان إلى الحرف اللاتيني كل مجالات الحياة العامة من الكتب المدرسية والوثائق الإدارية إلى لوحات الشوارع.

وأنت يا أستاذ بنسالم حميش حين تقول أنك حاليا تتعلم اللغة الألمانية، ألا يسهل الحرف اللاتيني مهمتك في تعلم هذه اللغة الأوروبية المعقدة؟

لا شك أنك في عذاب أليم مع der وَ die وَ das وَ dem وَ des وَ den وَفي عذاب مقيم مع ein وَ eine وَ einen وَ einem وَ eines وَ einer وفي عذاب عظيم مع بقية أفخاخ هذه اللغة العجيبة ولكن الحرف اللاتيني يجعلك تبدأ بسرعة عملية التعلم لأن أي عارف بالحرف اللاتيني سيتخطى الكتابة بسرعة ويشتغل مباشرة على جوهر اللغة من نحو وصرف ومعجم. أما إذا كان الحرف والكتابة يطرحان في حد ذاتهما مشاكل فسيصرف المتعلم وقتا ثمينا يصارع الحرف والكتابة يجدر أن يصرفه في تعلم جوهر اللغة.

إن التعقيدات النحوية والصرفية في اللغة الأمازيغية لا تقل عن تعقيدات اللغة الألمانية (وخصوصا في ما يسمى grammatical case) وفي المقابل فإن نطق اللغة الأمازيغية سهل جدا على المغاربة الناطقين بالدارجة، ولهذا وجب تسهيل قراءة وكتابة الأمازيغية على التلاميذ والطلبة والمتكوِّنين المغاربة (بالحرف اللاتيني) لكي يركزوا جهدهم فورا على تعلم النحو والصرف والمعجم الأمازيغي.

فالحرف اللاتيني يسهل مهمة تلاميذ الثانويات المغربية وطلبة الجامعات في بدء تعلم اللغة الأجنبية الإضافية انطلاقا من الصفر: الألمانية، الإيطالية، الإسبانية، الإنجليزية.

ألا ترى بأنه يجدر تدريس اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لتلاميذ الثانويات المغربية وطلبة الجامعات بالضبط مثلما يتعلمون الألمانية والإيطالية والإسبانية والإنجليزية؟

وحينما تقول يا أستاذ بنسالم حميش: “ووالله أعتبر نفسي من أكبر المدافعين عنها [عن اللغة الأمازيغية]” فهذا شيء طيب. ولكن موضوع اللغة الأمازيغية يجب أن يناقش بالعقلانية والمنطق والحقائق.

يا أستاذ بنسالم حميش،

هنالك حرفان منتشران بقوة في المغرب لدى كل الطبقات المتعلمة من الأطفال والمراهقين والطلبة والشباب والأطر والموظفين، وهذان الحرفان هما:

– الحرف اللاتيني Asekkil Alatin

– الحرف العربي Asekkil Aɛrab أو Asekkil Aserɣin

ولكي ينجح تدريس لغة تدخل المدرسة والجامعة والإدارة لأول مرة نجاحا سريعا بأقل التكاليف المالية والبشرية يجب أن يتم استعمال حرف يكون:

1) حرفا يكتب تلك اللغة بدقة عالية (أي بطريقة ألفبائية كاملة وليس بطريقة أبجدية ناقصة).

2) حرفا منتشرا بقوة في المجتمع أو في جزء كبير من كل شرائحه، وأن يسهل ذلك الحرف قراءة تلك اللغة على الجميع ويسهل تدريسها وترسيمها بسرعة وفعالية وبشكل وظيفي نافع يفيد الجميع.

3) حرفا مرغوبا أو مقبولا شعبيا من طرف الناطقين بتلك اللغة والكاتبين بها وأنصارها وبقية الشعب.

وهذه الشروط الثلاثة متوفرة في الحرف اللاتيني وحده بالمغرب، وليست متوفرة في أي حرف آخر.

فلنشرح قليلا كيف أن الحرف اللاتيني يستجيب لكل هذه الشروط التي تجعله أنفع وأصلح حرف لكتابة وتدريس ونشر وترسيم اللغة الأمازيغية في الظروف الحالية بالمغرب:

1) الحرف اللاتيني يكتب اللغة الأمازيغية بالدقة الأعلى:

فالحرف اللاتيني الأمازيغي يتوفر على 35 حرفا (وكل حرف هو متخصص في صوت واحد وحيد) وهذه الحروف اللاتينية الأمازيغية الـ 35 هي:

ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKL

MNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ

وهذه تغطية أكبر وأشمل من الحروف العربية (28) والحروف التيفيناغية الإيركامية (33).

باستعمال الحرف اللاتيني في كتابة اللغة الأمازيغية فنحن نبني على المعرفة السابقة المتراكمة لدى المغاربة ونضيف إليها حروفا سهلة الاستيعاب وهي: C (ش)، Č (تش)، Ḍ (ض)، Ɛ (ع)، Ǧ (دج)، Ɣ (غ)، Ḥ (ح)، Q (ق)، Ř (راء خفيفة قريبة من اللام)، Ṛ (راء غليظة)، Ṣ (ص)، Ṭ (ط)، X (خ)، Ẓ (زاي غليظة).

أما الحروف اللاتينية الأخرى المتبقية فهي منطوقة في اللغة الأمازيغية كما هي معروفة لدى المغاربة حاليا.

فحين نكتب أسماء المدن المغربية: Eṛṛbaṭ وَ Anfa وَ Ṭanja وَ Agadir وَ Tiṭwan وَ Wejda وَ Ennaḍor وَ Elḥusima وَ Fas وَ Meknas وَ Meṛṛakec وَ Warzazat وَ Xnifṛa وَ Qniṭra وَ Xribga وَ Asfi وَ Ifran وَ Aẓro وَ Tarudant وَ Azemmur وَ Leɛrayec وَ Leɛyun وَ Eddaxla وَ Bojdoṛ وَ Mřič وَ Sebta وَ Accawen وَ Anefgu وَ Tawrirt وَ Berkan وَ Ṣefro وَ Qelɛet Essraɣna وَ Maziɣen (أو Ejjdida) وَ Ayt Maziɣ وَ Figig وَ Lexmisat وَ Tawnat وَ Tinɣir وَ Jṛada وَ Ayt Mellul وَ Tiṭ Mellil وَ Ulmas وَ Walili وَ Gelmim وَ Arfud وَ Taliwin وَ Tmara وَ Sla وَ Tifelt وَ Ben Grir وَ Aẓila وَ Targist وَ Gersif بالطريقة الإملائية الأمازيغية المغربية الصحيحة (وليس بالطريقة الفرنسية المشوهة) فالمغربي سيستطيع قراءتها بسهولة بالحرف اللاتيني.

كما أن حركة التشفيه (الضم الخفيف المختلس) الأمازيغي (ʷ) يكتبها الحرف اللاتيني بطريقة سهلة:

bʷ، gʷ، ɣʷ، kʷ، mʷ، nʷ، qʷ، xʷ

كما في الكلمات: aseggʷas (السنة، العام)، asaɣʷed (الهدف)، yessakkʷaḍ (يوصل، يُبلغ)، iqʷebba (الجلاليب)، ixʷba (الثقوب)، yenʷa (انطبخ الطعام واستوى)…..إلخ.

والألفبائية اللاتينية تمتلك حروف MAJUSCULES وَ minuscules وهي جد مهمة في الاصطلاح العلمي والتاريخي والطوبونيمي (أسماء المدن والأماكن) والشخصي (أسماء الأشخاص) والثقافي (أسماء الظواهر الثقافية والأفلام والماركات التجارية). أما الحرفان العربي والتيفيناغي فلا يمتلكان خاصية التمييز بين MAJUSCULES وَ minuscules.

كما أن الحرف اللاتيني الأمازيغي يميز بين الراءات الأمازيغية الثلاث RŘṚ.

فالراء الأولى R r هي الراء العادية التي نجدها مثلا في اسم مدينة Tawrirt.

والراء الثانية Ř ř هي راء خفيفة تشكل أحد أركان أمازيغية الريف وشائعة أيضا في جزء من الأطلس المتوسط والكبير وفي عدة مناطق في الشمال الجزائري. وفي كل هذه المناطق ينطق الناس مثلا كلمة awař بالراء الخفيفة والتي تقابلها awal في المناطق الأخرى. وصيغة الجمع هي iwařen وفي المناطق الأخرى هي iwalen. الحرف Ř حرف مهم لا يمكن إغفاله أو إخفاؤه بل يجب تدريسه لكل التلاميذ مثلما يتم تدريس الحرف C (ش) والحرف K في الكلمتين الأمازيغيتين المترادفتين acal (أشال) وَ akal اللتين تعنيان: التراب، الأرض. فمثلما أن acal وَ akal كلمتان مترادفتان فكذلك awař وَ awal كلمتان مترادفتان. وكلها كلمات أمازيغية يجب أن تدرّس لكل التلاميذ المغاربة بمنهج متدرج وبالحرف اللاتيني.

والراء الثالثة Ṛ ṛ هي الراء المفخمة الغليظة التي نجدها مثلا في اسم مدينة Meṛṛakec أو في كلمة aṛeṭṭal (القرض، الاستلاف) أو في العبارة Netta yeṛẓem (هو فَتَحَ).

إذن هنا أيضا نجد الحرف اللاتيني أدق في كتابة الأمازيغية من الحرفين العربي والتيفيناغي.

كما أن الحرف اللاتيني الأمازيغي يميز بين C (ش) وَ Č (تش).

وكذلك يميز بين G (گ) وَ Ǧ (دج) وَ J (ج). وهذا كله جد مهم.

أما الحرف العربي فيضطر إلى استعمال حرفين متلاصقين للتعبير عن الحرف الأمازيغي Č (تش) أو الحرف الأمازيغي Ǧ (دج). الحرف العربي غير عملي وغير دقيق بالمرة.

والحرف G لا نجد له مقابلا واضحا في الحروف العربية فنجد الناس يعبرون عنه بـ: (گ) أو (ج) أو (ك) أو (ق) أو (غ) أو (ڭـ) أو (ڨ) كل حسب مزاجه. هذه فوضى. ولا نريد استيرادها إلى اللغة الأمازيغية.

أما كارثة الكوارث التي يقدمها الحرف العربي للغة الأمازيغية فهي متاهة غابة حروف التشكيل (الضمة، الفتحة، الكسرة، السكون، الشدة، الهمزات بأنواعها، التنوين…إلخ).

وهذه فعلا كارثة، بدون أية مبالغة، تعاني اللغة العربية نفسها منها وسوف تلحق ضررا أكبر باللغة الأمازيغية لأن اللغة الأمازيغية تعتمد على دقة النطق ودقة الكتابة لتحديد المعنى.

فلتقريب الفكرة من القارئ المغربي الغير المتمرس باللغة الأمازيغية سأقدم مثالا جد بسيط وهو طريقة كتابة كلمة Tamaziɣt بالحرف العربي:

الحرف اللاتيني يكتب كلمة Tamaziɣt بطريقة واحدة بسيطة واضحة ألا وهي: Tamaziɣt.

أما الحرف العربي (بمختلف طرق التشكيل وطرق استعمال الصوائت) فهو يكتب كلمة Tamaziɣt بما لا يقل عن 16 طريقة بالتمام والكمال متسببا في فوضى إملائية عارمة مما سيسبب مشاكل ضخمة للتلاميذ المغاربة وللأساتذة على حد سواء. انظروا إلى هذه الطرق الـ 16 التي يقدمها الحرف العربي واحكموا بأنفسكم:

1 – تامازيغْتْ

2 – تامَزِيغْتْ

3 – تامَزِغْتْ

4 – تَمَزِغْتْ

5 – تَمازِغْتْ

6 – تَمازيغْتْ

7 – تامازِغْتْ

8 – تَمَزيغْتْ

9 – تامازيغت

10 – تامزيغت

11 – تامزغت

12 – تمزغت

13 – تمازغت

14 – تمازيغت

15 – تامازغت

16 – تمزيغت

والآن أيها القارئ، تخيل معي عشرات الآلاف من الكلمات الأمازيغية التي يخول الحرف العربي (بعلاماته التشكيلية وطرقه الإملائية الفوضوية) كتابتها بهذه الطرق الـ 16. ستكون فوضى عارمة.

هل هذا يخدم التلميذ المغربي والطالب المغربي؟

هل هذا يبسط ويسهل اللغة الأمازيغية على التلميذ المغربي والطالب المغربي؟

هل هذا يسهل مهمة المعلم والأستاذ في تدريس الأمازيغية وتدريس المواد العلمية والأدبية بها؟

لا. الحرف العربي يعقد تدريس الأمازيغية ولا يبسطه.

الحرف اللاتيني هو الأفضل لأنه هو الأدق والأسهل.

2) الحرف اللاتيني منتشر بالمغرب وأغلب القواميس والمؤلفات الأمازيغية مكتوبة به:

تقريبا كل الدراسات اللسانية الأمازيغية مكتوبة بالحرف اللاتيني. وأغلب القواميس الأمازيغية المنشورة بالمغرب والجزائر وأوروبا مطبوعة بالحرف اللاتيني. وأغلب المؤلفات الأدبية الأمازيغية المغربية والجزائرية مطبوعة بالحرف اللاتيني.

وفي الجزائر توجد تجربة مستمرة لتدريس اللغة الأمازيغية في الابتدائي والإعدادي (المتوسط) والثانوي والجامعات بالحرف اللاتيني منذ 1996. ومنذ 2009 ينظم بالجزائر امتحان باكالوريا وطني موحد في مادة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني يشارك فيه آلاف تلاميذ الباكالوريا الجزائريين سنويا.

الحرفان اللاتيني والعربي منتشران بقوة في المغرب. أما حرف تيفيناغ فليس منتشرا بالمغرب ولا تستطيع الغالبية الساحقة من الأطفال والمراهقين والطلبة والشباب والأطر والموظفين المغاربة قراءته فما بالك باستعماله، وهذا كله يصعب ويؤجل تدريس الأمازيغية وترسيمها الإداري ويضع الأمازيغية في حالة شلل مصطنع لمدة طويلة وإلى أجل غير مسمى.

الحرفان اللاتيني والعربي منتشران بالمغرب ولكن الحرف اللاتيني هو الأعلى كعبا ومكانة بالمغرب لأنه الأكثر استعمالا من طرف المغاربة على أجهزتهم الإلكترونية من هواتف ذكية ولوحيات وكومبيوترات وكذلك في المصالح الإدارية والتعاملات الاقتصادية والبنكية والتجارة الإلكترونية فضلا عن التعليم العالي العلمي. وبسبب غياب الأمازيغية بالحرف اللاتيني فاللغة الفرنسية تحصد كل شيء بالمغرب وتحتكر جزءا ضخما من المجال المكتوب المغربي وخصوصا في المجالات الحيوية (المالية والعلمية والتقنية).

والمغاربة يتواصلون فيما بينهم بالإيميلات والرسائل القصيرة غالبا بالحرف اللاتيني ويكتبون به الفرنسية والدارجة (بالحرف اللاتيني المرتجل مع حروف التشات 7 وَ 9 وَ 5 وَ 3) ويكتبون به الأمازيغية وحتى العربية الفصحى رغم توفر الحرف العربي على تيليفوناتهم وكومبيوتراتهم. ومعظم المغاربة يفضلون استعمال Windows وبقية البرمجيات بالنسخة الفرنسية ذات الحرف اللاتيني (بما أنهم لا يعرفون الإنجليزية)، فالحرف اللاتيني أسهل عليهم دائما ويجذبهم أكثر.

ويجدر التنبيه إلى أن الكيبورد اللاتيني الأمازيغي (Le clavier Tamaziɣt) متوفر الآن في كل التيليفونات الذكية smartphones واللوحيات tablets التي تشتغل بنظام Android (مثل تيليفونات Samsung وَ Acer وَ Lenovo وَ Sony وَ Huawei وَغيرها كثير). ويجد المستخدم الكيبورد الأمازيغي اللاتيني في تيليفونه تحت اسم Tamaziɣt في إعدادات اللغة. ولوحة المفاتيح اللاتينية الأمازيغية متوفرة في تلك التيليفونات بجانب كل اللغات الأخرى وبترتيب QWERTY الأمريكي العالمي وبترتيب AZERTY الفرنسي وبترتيبات أخرى يختار منها المرء ما يعجبه. إذن يستطيع أي شخص يملك هاتفا ذكيا أو جهازا لوحيا يشتغل بنظام Android أن يكتب الآن بسهولة على تيليفونه وجهازه tablet اللوحي بالحروف اللاتينية الأمازيغية abcčdḍeɛfgǧɣhḥijklmnoqrřṛsṣtṭuwxyzẓ.

3) الحرف اللاتيني مقبول ومرغوب ومستخدم من طرف المغاربة:

يقبل المغاربة بكثافة وحماس على استعمال الحرف اللاتيني وتدريسه لأولادهم.

وأغلب أنصار الأمازيغية لا يعارضون كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني بينما يعارضون الحرف العربي بشدة لأن الحرف العربي مرتبط بالتعريب وبالكراهية التعريبية والإسلامية التي أبان عنها أنصار حزب البعث العربي وأنصار الإسلام السياسي ضد الأمازيغية طيلة القرن العشرين وخصوصا بعد استقلال المغرب وإلى حد الساعة في 2020. وهذا نلاحظه يوميا عبر تعليقات الإنترنيت. فكل كاره للأمازيغية يكون دائما ذا خلفية بعثية أو إسلامية أو “بعثية+إسلامية=داعشية”.

وفي أواخر 2002 وأوائل 2003 أصيب الإسلاميون في المغرب بنوبة جنونية من معاداة الأمازيغية لما سمعوا بأن الأمازيغية سوف تدرس في المدارس المغربية بالحرف اللاتيني. فلما سمعوا أن أكاديميي الأمازيغية بالمغرب مجمعون في 2002 على ضرورة تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني استنتج الإسلاميون بسرعة أن الأمازيغية ستتحول إلى لغة قومية ناجحة قوية على منوال اللغة التركية في تركيا المكتوبة بالحرف اللاتيني. فتمثل لهم ربما شبح كمال أتاتورك العلماني في كوابيسهم (على ما يبدو). وهكذا بدأ الإسلاميون يزمجرون ويرغون ويزبدون ويهددون بعظائم الأمور ولم يرتاحوا إلا بعد أن حرموا اللغة الأمازيغية من استعمال الحرف اللاتيني العالمي الخطير وأرغموا الإيركام على دفن الأمازيغية في حرف تيفيناغ الذي سيضعف حركية الأمازيغية ويسجنها في الفولكلور والشكليات ويطيل مدة وكلفة نشرها وتدريسها وترسيمها أضعافا مضاعفة. والواقع اليوم في 2020 يؤكد ذلك، حيث يجمع الجميع على أن اللغة الأمازيغية وصلت إلى باب مسدود بالإسمنت المسلح. وما زال الإسلاميون بالمغرب يحلمون من حين لآخر بإرجاع اللغة الأمازيغية إلى بيت الطاعة وإلباسها حجابها الإسلامي الذي هو الحرف العربي المقدس لديهم لاستكمال مشروع التعريب والأسلمة الذي يحملونه.

إذن هذا هو البعد الأيديولوجي للمسألة الحرفية الأمازيغية.

ارتباط الحرف العربي المقدس بالأجندة التعريبية الإسلامية المعادية للأمازيغية التي يحملها التعريبيون والإسلاميون هو شيء يجعل الحرف العربي مولودا ميتا أو “ميتا وقت وصوله” Dead on arrival أو DOA فيما يخص حرف كتابة اللغة الأمازيغية. الحرف العربي مرشح مرفوض وقت وصوله.

لن يلعب الحرف العربي بالمغرب دور حرف كتابة وتدريس وترسيم اللغة الأمازيغية مثلما يلعبه في إيران مع الفارسية وفي باكستان مع الأردية وفي أفغانستان مع البشتونية.

اللغة الأمازيغية يناسبها السيناريو التركي والإندونيسي والماليزي والأزربيجاني والفيتنامي حيث تكتب لغات تلك البلدان بالحرف اللاتيني (مع حروف لاتينية إضافية على مقاس تلك اللغات).

فالشروط الثلاثة التي بينتها أعلاه متوفرة في الحرف اللاتيني لكتابة وتدريس وترسيم اللغة الأمازيغية وليست متوفرة في أي حرف آخر.

وعندما يذكر الأستاذ بنسالم حميش كتاب “أربعة وأربعون درسا في اللغة الأمازيغية” للأستاذ العلامة الكبير محمد شفيق وكذلك قاموسه العملاق “المعجم العربي الأمازيغي” وهما كتابان مطبوعان بالحرف العربي فأنا أقول للأستاذ بنسالم حميش أن الأستاذ العلامة محمد شفيق كان مضطرا لاستعمال الحرف العربي بسبب المناخ العدواني التعريبي الإسلامي المعادي  للأمازيغية في تلك الفترة من تاريخ المغرب في الثمانينات والتسعينات. ولو استعمل الأستاذ محمد شفيق الحرف اللاتيني آنذاك لطباعة كتبه النحوية والمعجمية الأمازيغية لتم منعها أو مضايقتها. والأستاذ محمد شفيق أشار إلى هذا في إحدى حوارته مع أحد الصحفيين.

السيناريو الفارسي الإيراني والأردي الباكستاني والبشتوني الأفغاني لن يحدث مع الأمازيغية لأن كل أنصار الأمازيغية والكاتبين بها يرفضون الحرف العربي لأسباب تقنية وعملية وأيديولوجية متشابكة ومندمجة.

وأستطيع أن أؤكد للأستاذ بنسالم حميش (رغم نيته الطيبة الحسنة) أن دخول بعير في ثقب إبرة أو دخول كوكب المشتري في كوكب زحل (الأصغر منه) هو أقرب إلى الحدوث من تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف العربي في المغرب لكل الأسباب التقنية والعملية والأيديولوجية المذكورة أعلاه.

الحل العقلاني يا أستاذ بنسالم حميش ويا بقية المهتمين باللغة الأمازيغية هو الانتقال إلى كتابة وتدريس وترسيم اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني لأنه الحرف الأدق والأنفع والأكثر مقبولية وسهولة.

أما حرف تيفيناغ الذي أصله من جنوب الجزائر ومالي والنيجر وأبوه الحرف الليبي الأمازيغي Libyco-Berber الذي توجد نقوشه بالمغرب وشمال العالم الأمازيغي فإنهما حرفان يمكن تدريسهما للتلاميذ المغاربة كتراث تاريخي أمازيغي، في الفترة الحالية. وربما في المدى المتوسط أو المستقبل البعيد سيكون لهما دور أكبر.

أما من الناحية العملية في هذه الظرفية الحرجة فالحرف اللاتيني هو الأقدر على نشر اللغة الأمازيغية وتدريسها وترسيمها في الإدارات المغربية بسرعة وفعالية كلغة يقرأها الجميع الآن ومن بينهم المغاربة الناطقون بالدارجة.

الحرف اللاتيني ضروري لكي تتحول اللغة الأمازيغية بسرعة إلى لغة لتدريس العلوم والمواد الأدبية للتلاميذ والطلبة المغاربة وإلى لغة إدارية واقتصادية وإعلامية ذات وظيفة نافعة تنفع الجميع وتساهم في الدمقرطة والتنمية وتحسين أوضاع الشعب.

مبارك بلقاسم-المغرب

tussna-tamazight@outlook.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى