أقلام حرّة

بل المغرب أمازيغي الهوية القومية يا أستاذ حتوس

نشر الأستاذ عبد الله حتوس مقالا عنوانه “الهوية المغربية والخطايا الأصلية” يزعم فيه أن هوية المغرب مركبة من عدة هويات تسمى “مقومات ومكونات وروافد” تكون “خيمياء هوياتية” وتشكل “فرادة النموذج الهوياتي المغربي”. وهذا الزعم غير صحيح بتاتا. فلا يوجد شيء يميز هوية المغرب القومية الحقيقية عن شقيقتيه الجزائر وتونس. الحقيقة هي أن المغرب بلد أمازيغي الهوية وأمازيغي القومية كالجزائر وتونس. وحتى تلك الهجرات القليلة العبرية والعربية والأندلسية فقد حدثت بالجزائر وتونس مثل المغرب تماما.

والمشكل الخطير في كل هذا هو أن الحركة الأمازيغية المغربية تعيش حاليا ردة هوياتية حقيقية تتمثل في تخليها عن الإيمان بأن “المغرب أمازيغي الهوية وأمازيغي القومية” وانتقالها إلى ترديد وتقليد ما تقوله الدولة من أن هوية المغرب خليط من ثمانية (8) شعوب أو هويات (عربية، إسلامية، أمازيغية، صحراوية حسانية، أفريقية، أندلسية، عبرية، متوسطية)، وأنه في ذلك الخليط الثماني (8) تشكل الهوية الأمازيغية مجرد “مكون” عادي كبقية “يا أيها الناس” أي كبقية الأجانب العرب والعبريين والأندلسيين وغيرهم.

وبجانب هذه الردة الهوياتية عن الهوية الأمازيغية حدثت أيضا ردة لغوية عن اللغة الأمازيغية، حيث أصبحت الحركة الأمازيغية تختزل اللغة الأمازيغية في حرف نيوتيفيناغ Neo-Tifinagh وتزعم بأن اللغة الأمازيغية عاجزة عن تدريس العلوم في الثانويات وتدعو إلى فرنسة التعليم. بينما الحقيقة هي أن اللغة الأمازيغية قادرة تماما على تدريس كل المواد العلمية في الثانويات الآن. والحرف اللاتيني يسرع التمزيغ.

كما أن الحركة الأمازيغية تدعم حاليا سياسة الفرنسة الشاملة (في التعليم والإدارة والإعلام) التي تطبقها الدولة في نطاق “سياسة التعريب والفرنسة” منذ 1912. ولا تتساءل الحركة الأمازيغية عن محل الفرنسية من الإعراب في المغرب ولا عن الأموال الطائلة التي تنفقها الدولة المغربية على ترويج وترسيم اللغة الفرنسية بالمغرب. وتساهم الحركة الأمازيغية في دفع المغرب نحو مزيد من الفرنسة مما سينتج شعبا مفرنسا لغويا ثم ثقافيا ثم هوياتيا. وسينتج هذا “هويةً فرنسية بالمغرب” ستتحول لاحقا إلى “مكون فرنسي فرنكوفوني” في هوية المغرب الخليطة العجيبة التي تروجها الدولة والحركة الأمازيغية واليساريون.

1) ما معنى “الخيمياء الهوياتية” التي يتحدث عنها الأستاذ عبد الله حتوس؟

تقترح يا أستاذ حتوس مفهوما اصطناعيا للهوية الوطنية للمغرب تسميه “خيمياء هوياتية” تدور فكرتها حول تخليط ومزج عدة هويات أجنبية (عربية، عبرية، أندلسية…) مع الهوية الأمازيغية لـ”تصنيع” هوية مغربية.

هذه “الخيمياء الهوياتية” التي تقترحها وتزعم وجودها يا أستاذ حتوس هي قراءة خاطئة وسطحية للتاريخ المغربي وتضخيم لهجرات أجنبية سطحية محدودة عرفها المغرب ككل بلدان العالم. هذه الهجرات المحدودة لم تغير هوية المغرب القومية الأمازيغية قديما ولا يحق لأحد تغيير و”تعديل” هوية المغرب باسمها اليوم. الشيء الوحيد الذي تغير هو اختراع مفهوم هوية خليطة مكوناتية روافدية مصنوعة من 8 شعوب عام 2011 بدأت الدولة واليساريون والحركة الأمازيغية يروجونها ويحاولون إقناع المغاربة بها منذ 2011.

بالنسبة للقراء الذين لا يعرفون معنى “الخيمياء” فتعريفها هو: كيمياء بدائية وخرافية كانت تدعي تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب أو فضة، وتحاول صناعة مواد خرافية أخرى مثل مشروب “إكسير الحياة الأبدية”، والدواء الخرافي باناكيا panacea الذي يشفي كل الأمراض، وخرافة “حجر الفلاسفة” الذي زعموا أنه يحول كل المعادن الرخيصة إلى ذهب أو فضة.

ففي العصور القديمة في أفريقيا وأوروبا وآسيا كان “الخيميائيون” (دجالون ومشعوذون وباحثون) يشتغلون في صهر المعادن وتجريبها والتلاعب بها، ويحاولون أو يزعمون تحويل المعادن الرخيصة كالحديد والرصاص والقصدير والزئبق والنحاس إلى ذهب أو فضة. وكان كثيرون من “الخيميائيين” يستغفلون السذج من عامة الناس بصباغة الحديد أو النحاس أو الرصاص بطبقة من الذهب أو مادة صفراء أو بخلط كمية قليلة من الذهب المصهور بمعادن رخيصة زاعمين أنهم حولوا المعادن الرخيصة إلى ذهب.

“الخيمياء” معروفة في اللغة الإنجليزية بكلمة Alchemy (ألكيمي). بينما العلم الحقيقي هو “الكيمياء” المعروف في الإنجليزية بكلمة Chemistry (كيميستري). وباللغة الأمازيغية Takrura هي الكيمياء.

الخيمياء خرافة وكيمياء بدائية.

الكيمياء علم حقيقي مرتبط بالفيزياء.

والأستاذ عبد الله حتوس يقدم لنا نظريته “الخيميائية الهوياتية” التي يقول فيها ثلاثة أشياء متناقضة:

– أن هوية المغرب ليست أمازيغية بل هي متكونة من الأمازيغية وعدة هويات أجنبية متساوية معها!

– أنه يجب صهر هذه الهويات بعملية “خيمياء هوياتية” لتصنيع هوية مغربية خليطة متجانسة!

– أنه يجب الحفاظ على الانتماءات الهوياتية الثانوية المزعومة وصيانة حقوق كل العناصر الهوياتية المزعومة على قدم المساواة! (ألم تصهر تلك الهويات المزعومة منذ لحظات يا أستاذ حتوس؟!).

ماذا تقترح بالضبط يا أستاذ عبد الله حتوس؟ هل تريد صهر وطحن كل هذه الهويات الثماني (8) المزعومة وتكوين معدن مغربي جديد (“هوية مغربية” جديدة)؟ أم تريد الحفاظ على تلك الهويات المزعومة؟

ومن قال لك بأن الأمازيغ/المغاربة سيقبلون بالذوبان في هوية العروبة أو العبرية أو الأندلسية؟!

هذا خطاب هوياتي متناقض يا أستاذ عبد الله حتوس. أنت تزعم بوجود عدة هويات بالمغرب، ثم تريد صهرها في هوية مغربية خيميائية خليطة، ثم تريد الحفاظ على تلك الهويات والمساواة بينها!

ما هذا الكائن المغربي العجيب الذي تريد صناعته؟ مغربي ولكنه عربي ولكنه عبري ولكنه أمازيغي ولكنه أندلسي ولكنه إسلامي ولكنه متوسطي ولكنه أفريقي ولكنه صحراوي حساني!

تقول كل هذا الكلام “الخيميائي” العجيب لكي لا تقول الحقيقة الواضحة القاطعة الساطعة للمغاربة وهي: المغرب أمازيغي الهوية وأمازيغي القومية، والشعب المغربي أمازيغي شقيق للشعب الجزائري الأمازيغي والشعب الموريتاني الأمازيغي وبقية الشعوب الأمازيغية الشقيقة.

هذه هي الحقيقة البسيطة التي أصبحت الحركة الأمازيغية بالمغرب تراوغها وتروج بدلها نظرية المكونات الهوياتية الأجنبية والتخلاط والتجلاط، لتتماهى الحركة الأمازيغية بذلك مع خطاب الدولة أو اليساريين.

هويتك المخلوطة الخليطة المكوناتية الروافدية الخلائطية الخيميائية مرفوضة يا أستاذ عبد الله حتوس. فهي هوية اصطناعية اخترعتها الدولة عام 2011 لأسباب سياسية مرحلية صرفة ولا محل لها من الإعراب في المغرب ولا معنى لها في المغرب.

لقد قلنا هذا الكلام للأستاذ أحمد عصيد ونقوله لك أيضا: المغرب أمازيغي القومية وأمازيغي الهوية. العبث بالهوية القومية الأمازيغية للمغرب مرفوض. وديباجة الدستور المغربي يجب أن يتم تعديلها لكي تعترف بأن المغرب دولة أمازيغية وبلد أمازيغي وشعب أمازيغي وقوميته هي القومية الأمازيغية المغربية.

إن الهوية القومية الأمازيغية للمغرب هي حقيقة تاريخية، والحفاظ عليها هو ضمان لوحدة المغرب ولرابطته مع الدول الأمازيغية الشقيقة: الجزائر وموريتانيا وغيرها. أما تشظية هوية المغرب إلى 8 شعوب أو 8 هويات مصطنعة وتصنيع “كانتونات هوياتية” و”جاليات هوياتية” و”غيتوهات هوياتية” مدسترة بالمغرب (بمبرر “التسامح والتعايش” مع عبريين وعرب وأندلسيين مفترضين لم يطالبوا يوما بدسترة بلدانهم الأجنبية وقبائلهم الأجنبية في دستور المغرب) فهي وصفة للتقسيم والبلقنة واللبننة والطوائفية بـ”نية حسنة”. فالطريق إلى المكان المعلوم مفروشة بالنيات الحسنة كما يقول المثل المعلوم.

أما هوية العرب فمكانها هو السعودية. وهوية العبريين مكانها إسرائيل. وهوية الأندلسيين مكانها إسبانيا. وهوية السنغاليين مكانها السنغال. والفرنكوفونية مكانها فرنسا.

إن الذي يهاجر إلى المغرب Murakuc إنما هو يهاجر إلى بلد أمازيغي وعليه أن يندمج في الهوية القومية الأمازيغية للمغرب ليبرهن عن احترامه للمغرب وأهله. أما أن يتم فرض هويات قومية أجنبية على المغرب فهذا هو الاستعمار بعينه. لا يعقل أن تتم دسترة كل قبيلة من اللاجئين الأجانب هربت إلى المغرب في دستور المغرب وتحويلها إلى “مكون هوياتي” أو “رافد هوياتي” للمغرب. هذا غير مقبول لأنه غير معقول.

هل تقبل بأن يتحول ضيوفك وزوارك الذين يزورونك في منزلك أو يكترون منك كراجا أو شقة في منزلك إلى شركاء يملكون هم وعائلاتهم منزلك معك وأن يتم تسجيلهم في السجل العقاري (دستور العقار) كشركاء لك في ملكية منزلك؟! لا يوجد عاقل يقبل بهذا الجنون.

هل سيقبل الإسرائيليون بإدخال الرافد الهوياتي الأمازيغي في هويتهم العبرية اليهودية مثلما فعل المغرب مع ما يسميه “الرافد العبري”؟ لن يقبل الإسرائيليون أبدا بالعبث بهويتهم. فهوية إسرائيل يهودية عبرية. والعرب يسمون إسرائيل بـ”الدولة العبرية” يوميا في الإعلام.

هل سيقبل السعوديون بإدخال المكون الهوياتي الفارسي أو الحبشي أو اليهودي الخيبري القينقاعي النضيري القريظي في هويتهم العربية الوطنية؟ لن يقبل السعوديون أبدا بالعبث بهويتهم الوطنية القومية العربية.

هل سيقبل الإسبان بإدخال الرافد الأمازيغي في هويتهم الوطنية الدستورية كما فعل المغرب مع “الرافد الأندلسي”؟ لن يقبل الإسبان أبدا بإقحام الأمازيغية في دستورهم أو هويتهم. فهوية إسبانيا إسبانية إيبيرية.

فلماذا إذن يجب على المغرب إقحام هويات كل من هب ودب من قبائل وشعوب الأجانب وأقوام كوكب الأرض في هويته الوطنية القومية الأمازيغية؟! هل يعقل هذا؟! لا يعقل.

المغرب أمازيغي. وليس خليطا من 8 شعوب.

Murakuc d-Amaziɣ

2) العنف الهوياتي؟ ماذا عن العنف الديني والاقتصادي والأيديولوجي والإمبريالي؟

يقول الأستاذ حتوس بأن “العنف الهوياتي” تسبب في الفظاعات والمآسي، ولعله يشير إلى مختلف الحروب الدولية والأهلية. ولكن التحذير من العنف الهوياتي يستدعي أيضا التحذير من العنف الديني وخصوصا منه الإسلامي المتمثل في الإرهاب الإسلامي العالمي والجماعات الإسلامية المسلحة والغير المسلحة التي عطلت الديمقراطية والتنمية بالمغرب وغيره. كما أن الإمبريالية الممزوجة أحيانا بالأديان قتلت الملايين ومن بينها الإمبريالية الرومانية البيزنطية والإمبريالية الصليبية المسيحية والإمبريالية الإسلامية العربية (الأمويون والعباسيون) والإمبريالية الإسلامية الأمازيغية (الفاطميون، المرابطون، الموحدون، المرينيون، السعديون…) والإمبريالية العثمانية الإسلامية التركية. والآن لدينا الإمبريالية التركية الإخوانية الأردوغانية التي تعبث بليبيا الأمازيغية وبلاد الكرد بشمال سوريا. والأمازيغ الإمبرياليون المسلمون احتلوا الأندلس وبلاد مالي. وفي القرون الأخيرة ظهرت الإمبرياليات الإسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية والهولندية والبلجيكية والبرتغالية والبريطانية واليابانية والروسية القيصرية وكلها قتلت عشرات الملايين.

كما أن الإمبريالية الاشتراكية الشيوعية هي أيضا واحدة من أخطر الأنواع وهي متمثلة في الاتحاد السوفياتي الذي غزا عدة بلدان وقتل الملايين. وأيضا الصين الشيوعية قتلت الملايين في القرن العشرين.

ومن بين تناقضات مقال الأستاذ حتوس هي أنه يحذر من “العنف الهوياتي” الدموي ثم يزعم بأن المغاربة صنعوا “خيمياء هوياتية” مكنتهم من صنع “ملاحم تاريخية” في العصرين المرابطي والموحدي!

المعنى الحرفي لكلمة “ملحمة” هو: مجزرة، مذبحة، معركة. فكلمة “ملحمة” مشتقة من “اللحم” ومرتبطة بـ”الالتحام” في معركة. ولأن المعارك تسير بذكرها الركبان فقد ظهر معنى فرعي لـ”ملحمة” هو: أسطورة.

ويصور الأستاذ حتوس عصر المرابطين والموحدين (وهما إمبراطوريتان أمازيغيتان إسلاميتان) على أنه عصر عظيم، بينما الحقيقة هي أن المرابطين والموحدين صنعوا استبدادا إسلاميا دمويا مقلدين الأمويين والعباسيين. وقتل المرابطون والموحدون أمازيغيين كثيرين بسبب أديانهم ومذاهبهم المخالفة للإسلام السني. وقام المرابطون والموحدون بمحو أديان ومذاهب وأنماط عيش أمازيغية من بينها ديانة برغواطة التوحيدية الأمازيغية ومملكة برغواطة (في منطقة Tamesna تامسنا) التي ثبت تاريخيا أن الأمازيغ المغاربة البرغواطيين فيها كانوا يصلون صلاتهم باللغة الأمازيغية من بينها هذه العبارات الأمازيغية التعبدية:

A bisem en Yakuc = يا بسم الله.

meqqeṛ Yakuc = كبير هو الله.

ijjen Yakuc = واحد هو الله.

urd am Yakuc = لا أحد مثل الله (ما كاينش بحال الله).

المرجع: “كتاب المسالك والممالك”، باب: “ذكر ممالك برغواطة وملوكهم”، للمؤرخ: أبو عبيد البكري.

ويقول المؤرخ أبو عبيد البكري حول أمازيغ دولة برغواطة ما يلي:

“… وبعض صلواتهم إيماء بلا سجود وبعضها على كيفية صلاة المسلمين. وهم يسجدون ثلاث سجدات متصلة ويرفعون جباههم وأيديهم عن الأرض مقدار نصف شبر، وإحرامهم أن يضع إحدى يديه على الأخرى ويقول: “ابسمن ياكُش”، تفسيره بسم الله، “مقّر ياكش”، تفسيره الكبير الله، ويضعون أيديهم مبسوطة على الأرض طول ما يتشهدون ويقرأون نصف قرآنهم في وقوفهم ونصفه في ركوعهم، ويقولون في تسليمهم بالبربرية: الله فوقنا لم يغب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، ثم يقول “مقّر ياكش” خمسا وعشرين مرة، “إيجن ياكش” مثل ذلك ومعناه: الواحد الله، “وردام ياكش” مثل ذلك ومعناه: لا أحد مثل الله.”

انتهى كلام المؤرخ أبو عبيد البكري الذي توفي عام 1094م (القرن 11 الميلادي).

أما اليوم فلا يجرؤ المغاربة على الصلاة باللغة الأمازيغية وإلا تعرضوا للتكفير من طرف رجال الدين الإسلامي كما حدث مع أجدادهم الأمازيغ البرغواطيين الذين أبادهم المرابطون المسلمون السنيون.

وفرض المرابطون والموحدون الإسلام السني والشريعة الإسلامية بالسيف والعنف والإكراه في المغرب وتامازغا والأندلس. كما أن التعريب اللغوي الدولتي الممؤسس (الذي تحول إلى استعراب ثقافي ثم هوياتي) بدأ مع المرابطين والموحدين واستفحل مع المرينيين. وجهاز المخزن الأمازيغي (الدولة الأمازيغية المركزية المتسلطة) صنعه المرابطون ورسخه الموحدون والمرينيون واستمر إلى يومنا هذا.

3) العرق مختلف عن القومية/الإثنية يا أستاذ عبد الله حتوس:

تمرر يا أستاذ حتوس في مقالك كلمة “العِرق” للقراء وتقدمها لهم على أنها مساوية للإثنية (القومية). وهذا خطأ معرفي فادح يسمم الحوار ويدخل المغاربة في متاهات لا نهاية لها.

التمييز بين “العرق” و”الإثنية/القومية” ضروري جدا.

– العِرق (بالإنجليزية: race وبالأمازيغية: acettal) هو لون البشرة وشكل الجسم والجينات التي تحدد ذلك. فالأعراق هي: العرق الأبيض، العرق الأسمر، العرق الأسود، العرق الأحمر، العرق الأصفر…إلخ.

– القومية / القوم / الإثنية (بالإنجليزية: ethnicity وبالأمازيغية: aɣalac أو taɣalca) هي الشعوب والقبائل. ومن بين القوميات والقبائل والإثنيات والأقوام نجد: القومية الأمازيغية، القومية القبطية، القومية النوبية (السودان)، القومية العربية، القومية الآرامية/السريانية، القومية العبرية/اليهودية، القومية الجرمانية، القومية السلافية، القومية الكلتية (سكان بريطانيا وأيرلندا)، القومية الإيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، القومية اللاتينية/الإيطالية/الرومانية، القومية الكردية، القومية التركية، القومية الفارسية….إلخ.

الأمازيغ ليسوا عرقا بل الأمازيغ قوم وقومية. الفرس ليسوا عرقا بل هم قوم وقومية. القبط أيضا قومية. العرب كذلك ليسوا عرقا بل العرب قوم وقومية. وكل قومية لها بلدها الأصلي أو بلدانها الأصلية.

فالقومية الأمازيغية مكانها ليبيا والمغرب وما بينهما.

القومية القبطية مكانها مصر.

والقومية العربية مكانها السعودية وقطر والإمارات.

من لا يميز بين العِرق (race) من جهة والإثنية/القومية (ethnicity) من جهة أخرى فكلامه سيكون متناقضا ومضطربا ولن ينشر إلا الاضطراب والتشويش بين الناس.

4) الهوية الوطنية القومية خالصة متميزة وإلا فليست بهوية بل تصبح مجرد ثقافة:

الغوغائيون والمدلسون والمزورون يخلطون عمدا بين “الهوية القومية” و”العِرق” ليسهل عليهم اتهام أنصار الهوية القومية الأمازيغية للمغرب بأنهم “عنصريون/عرقيون/عرقانيون” racists.

بينما الحقيقة هي أن أنصار الهوية القومية الأمازيغية للمغرب هم مجرد قوميين وطنيين أمازيغيين مغاربة nationalists مثلما يوجد في قارة آسيا قوميون عرب وقوميون أتراك وقوميون كرد وقوميون فرس وقوميون هنود.

يحاول الأستاذ عبد الله حتوس القفز على التعريف القاموسي الأساسي الواضح لكلمة “الهوية” الذي هو: “الخصائص والصفات الذاتية التي تميز شخصا أو شيئا أو شعبا عن غيره”.

ويحاول الأستاذ حتوس تقديم “الهوية” وكأنها “ثقافة” قابلة للتعديل والتغيير حسب الطلب وحسب الموضة.

أصحاب هذا النوع من التفكير الخاطئ والفهم الخاطئ لمعنى “الهوية” لن يمانعوا مثلا في إقحام “الرافد أو المكون الهوياتي الفرنسي الفرنكوفوني” في هوية المغرب دستوريا وقانونيا بما أن الفرنسية شائعة ومسيطرة في المدارس والإدارات المغربية. من يقبل بإقحام العروبة والعبرية والأندلسية في هوية المغرب فلماذا سيرفض الهوية الفرنسية الفرنكوفونية كمكون من مكونات الهوية المغربية الخالوطة الجالوطة؟!

هذه هي الحفرة التي يؤدي إليها التخليط الهوياتي والعبث الهوياتي بالهوية الأمازيغية القومية للمغرب.

5) تهرب الأستاذ حتوس من مواجهة مزاعم “عروبة المغرب”:

تقول يا أستاذ عبد الله حتوس في مقالك ما يلي: ” يمكن لأي مغربي أن يعيش أمازيغيته دون أن يتوقف عن أن يحس بفخر الإشتراك مع مغاربة آخرين في الحفاظ على اللغة العربية كرصيد مشترك، كما يمكن لكل مغربي أن يعيش عَرَبيته دون أن يتوقف عن المساهمة في الحفاظ على اللغة الأمازيغية كرصيد مشترك.”

يا أستاذ حتوس، العروبيون يتحدثون عن “عروبة المغرب” ويزعمون أن المغرب “بلد عربي” و”أرض عربية” و”شعب عربي” ينتمي إلى “العالم العربي”. وأنت تقول: “يمكن لكل مغربي أن يعيش عَرَبيته”. العربية لغة يا أستاذ حتوس. ما يتحدث عنه العروبيون هو “العروبة” أي “هوية العروبة”.

فماذا ستقول للعروبيين يا أستاذ حتوس؟ هل ستقول لهم: “يمكن لكل مغربي أن يعيش عروبته”؟!

إذا قلت لهم هذا فأنت عروبي تعريبي مثلهم قَبِلْتَ بعروبة المغرب المزعومة وانتمائه إلى “العالم العربي” بدل “العالم الأمازيغي” Amaḍal Amaziɣ.

هذا الموضوع لا مجال فيه لـ”لكلام لمسّوس” والديبلوماسيات والترويضيات يا أستاذ حتوس.

إما أن تقول للعروبيين: “نعم، المغرب عربي الهوية ويحق للمغربي أن يعيش عروبته بمغرب عربي”، وإما أن تقول للعروبيين: “لا، المغرب أمازيغي الهوية القومية، لا مكان للعروبة بالمغرب، وإنما العروبة شيء ينتمي إلى قارة آسيا. من يهاجر إلى المغرب فهو يصبح أمازيغيا ينتمي إلى بلد أمازيغي ولا يحق له فرض العروبة على المغرب الأمازيغي، مثلما لا يحق للمهاجرين العرب بفرنسا فرض عروبتهم على فرنسا.”

ولتعلم يا أستاذ حتوس أن الزعم بأن المغرب “عربي جزئيا” هو أيضا تعريب هوياتي للمغرب الأمازيغي. فسواء قال العروبيون والتعريبيون بأن المغرب “عربي كليا” أو “عربي جزئيا” فهذا تعريب هوياتي للمغرب الأمازيغي. إنهما تكتيكان تعريبيان لنفس الإستراتيجية التعريبية المتربصة بالمغرب الأمازيغي.

كن واضحا يا أستاذ حتوس وقدم ردا واضحا صادقا صريحا على العروبيين والتعريبيين الزاعمين بعروبة المغرب عروبة هوياتية قومية.

6) ما معنى “ترويض الهوية المغربية المركبة”؟!

من بين أشكال اضطراب هذا الخطاب الهوياتي “الخيميائي” الذي يقدمه الأستاذ حتوس وغيره هو التردد في كيفية معاملة هذه الهويات الثماني (8) المزعومة الموجودة بالمغرب بين هذه الخيارات: “الصهر” (إعدامها وإتلافها) و”الترويض” (تحجيمها وتقزيمها) و”الحفاظ” (ترسيخها وحمايتها).

حقا لا نعرف ما يريده الأستاذ عبد الله حتوس بالضبط على المستوى العملي.

ولكننا فهمنا بوضوح أن الأستاذ عبد الله حتوس، مثل الأستاذ أحمد عصيد، لم يعد يؤمن بأن المغرب أمازيغي الهوية وأمازيغي القومية، وإنما يؤمن الأستاذ حتوس (والأستاذ عصيد) الآن بأن المغرب خليط من 8 هويات وهو ما يسمونه بـ”التعددية الهوياتية” و”المكونات والروافد”. ويتوهم الأستاذ حتوس والأستاذ عصيد أن ترويج هذه “التعددية الهوياتية” المزعومة هو “تسامح” و”تعايش” بينما هو هجوم عنيف على طبيعة المغرب الأمازيغية، وهو تشظية وتقسيم للمغرب إلى ثمانية “كانتونات هوياتية” و”جاليات هوياتية” و”غيتوهات هوياتية” مصطنعة سوف تنتج شعبا متشظي الهوية منقسما على نفسه تابعا لهويات بلدان ودول الأجانب ذات الهويات القومية القوية القاطعة الصارمة.

فالمغربي الذي يبرمَجُ على أنه عربي سيكون تابعا للعروبة في السعودية وقطر وفلسطين. والمغربي الذي يبرمَجُ على أنه أندلسي سيكون تابعا للأندلس أي إسبانيا. والمغربي الذي يبرمَجُ على أنه عبري سيكون تابعا لإسرائيل. والمغربي الفرنكوفوني المفرنس المبرمَج بالفرنسية لغويا وثقافيا سيكون تابعا لفرنسا.

ليس هكذا تبنى الوحدة الهوياتية الوطنية يا أستاذ حتوس ويا أستاذ عصيد.

الوحدة الهوياتية الوطنية تبنى على ما هو محلي أصيل وليس على ما هو أجنبي دخيل.

الهويات العربية والعبرية والأندلسية والفرنكوفونية والإيفوارية والسنغالية كلها أجنبية عن المغرب.

تشظية هوية المغرب الأمازيغي إلى مكونات وروافد أجنبية سوف تنتج بوليساريوهات انفصالية لا حصر لها مثلما أنتجت القومية العربية التعريبية الأجنبية عن المغرب كارثة البوليساريو التي هي جماعة انفصالية مستعربة عروبية تعريبية مسلحة قتلت آلاف الأمازيغ المغاربة وكلفت المغرب عشرات ملايير الدولارات وتريد سرقة الصحراء الأمازيغية المغربية لتقيم عليها دويلة عربية عروبية تعريبية.

ومن يظن أن إقحام العروبة و”المكون الهوياتي” الصحراوي الحساني في الدستور وهوية المغرب سيجعل الانفصاليين العروبيين التعريبيين يتخلون عن الفكر الانفصالي العربي فهو واهم. ها هي البوليساريو لم تغير موقفها ميليمترا واحدا منذ 2011 وما زالت تطالب الآن في 2020 بدويلة عربية عروبية تعريبية على أرض المغرب الأمازيغي.

الشيء الذي سيقضي على الفكر الانفصالي العربي الذي أصاب المغرب هو تربية شباب المغرب الشمالي والجنوبي على أن المغرب أمازيغي الهوية القومية وتعليمهم اللغة الأمازيغية Tutlayt Tamaziɣt.

7) ردة الحركة الأمازيغية عن “الهوية الأمازيغية القومية للمغرب”:

تعيش الحركة الأمازيغية حاليا ردة هوياتية حقيقية تتمثل في تخليها عن الهوية القومية الأمازيغية للمغرب وانتقالها إلى ترديد نظرية اخترعت عام 2011 تزعم بأن المغرب خليط من هويات أجنبية تشكل فيه الهوية الأمازيغية مجرد “مكون” كبقية “يا أيها الناس” أي كبقية الأجانب العرب والعبريين والأندلسيين وغيرهم.

والغريب في الأمر أن الحركة الأمازيغية في المغرب تسير في اتجاه معاكس لظاهرة الاستفاقة والاستيقاظة الهوياتية لشعوب الدول الأمازيغية التي نلاحظها منذ عدة سنوات.

ففي بلدان الدول الأمازيغية: المغرب (Murakuc)، الجزائر (Dzayer)، تونس (Tunest)، ليبيا (Libu)، موريتانيا (Cengiṭ) نلاحظ استيقاظة مستمرة ومتزايدة لدى الشعوب الأمازيغية سواء الناطقة بالأمازيغية أو بالدارجة. وأصبح المازغانيون (المغاربيون) IMAZƔANEN يكتشفون أكثر فأكثر أنهم أمازيغ وأن بلدانهم أمازيغية وأن حضارتهم أمازيغية وأن لغة أجدادهم هي اللغة الأمازيغية.

أما الحركة الأمازيغية في المغرب فهي تسير في اتجاه معاكس لأنها أصبحت الآن تنكر أن المغرب أمازيغي الهوية ذو قومية أمازيغية وأصبحت تزعم أن المغرب خليط من 8 شعوب: عربية، إسلامية، أمازيغية، صحراوية حسانية، أفريقية، أندلسية، عبرية، متوسطية! بينما هذه الهوية الخالوطة العجيبة اخترعتها الدولة في عام 2011 حين وضعتها في ديباجة دستور 2011. لا أقل ولا أكثر.

هذه الردة عن الهوية القومية الأمازيغية قد تكون بسبب رغبة نشطاء الأمازيغية بالمغرب في مسايرة وتقليد خطاب الدولة (لأغراض ريعية أو سياسوية أو حزبوية مثلا) أو بسبب خوفهم من انتقاد الدستور المغربي الذي كتبته الدولة. أو قد تكون هذه الردة عن الهوية القومية الأمازيغية بسبب الفكر اليساري الذي يسيطر على الحركة الأمازيغية. ونحن نعلم أن الفكر اليساري في عمقه يحارب الهوية القومية الوطنية ويروج هوية أممية عالمية Globalism مفادها أن العالم شعب واحد وأن الهويات الوطنية القومية تسبب الحروب. بينما الحقيقة هي أن العالم جد معقد يتكون من شعوب وقوميات متعددة لها هوياتها وتاريخها وسيادتها الوطنية كل في بلدها الأصلي المستقل، أما الحروب فهي تقوم بسبب انعدام الحرية وأساسيات العيش وأيضا بسبب الهجرات الاستيطانية والاحتلالات الأجنبية ومحاولات تقسيم الشعوب والدول بالقوة.

والفكر اليساري الاشتراكي والشيوعي فاشل مفلس اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ويحمل بذور الاستبداد لأنه يريد بناء دولة بيروقراطية متحكمة تتدخل في كل شيء وتقنن كل شيء وتخطط معيشة السكان لتتحكم بذلك في حرياتهم. بينما الحريات الفردية السياسية والاقتصادية والفكرية والدينية هي أساس رفاهية الشعوب.

من الضروري أن يفهم المغاربة أن الهوية القومية الأمازيغية للمغرب لا يجب أن تكون محل عبث أو تخليط أو تعديل أو عمليات جراحية أو تجارب خيميائية أو كيميائية.

وبدل محاولة إقناع المغاربة بأن المغرب خليط من الأجانب يتكون من 8 شعوب (عربية، عبرية، أمازيغية، أندلسية….إلخ) وبدل ترويج الفرنكوفونية وفرنسة المغرب تعليما وإدارة وإعلاما، فإنه يجدر بالحركة الأمازيغية والمثقفين المغاربة أن يدافعوا عن الهوية القومية الأمازيغية للمغرب ولغته الأمازيغية Tutlayt Tamaziɣt وتمزيغ التعليم المغربي بمواده العلمية والأدبية وتمزيغ إدارات الدولة تمزيغا لغويا وظيفيا حقيقيا وليس ديكوريا.

كما أنه يجب تعديل الدستور المغربي في ديباجته وفصله الخامس لرفع الظلم عن الأمازيغية لغة وهوية.

مبارك بلقاسم _المغرب

tussna-tamazight@outlook.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى