أقلام حرّة

بودهان وعصيد يعترفان بإفلاس ترسيم اللغة الأمازيغية

كتب الأستاذ محمد بودهان 3 مقالات متسلسلة عنوانها “قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية” قام فيها بتحليل مفصل لمهزلة “القانون التنظيمي للأمازيغية” الصادر مؤخرا. وأوضح الأستاذ بودهان أن هذا القانون كارثة على الأمازيغية. وشبه الأستاذ بودهان هذا الترسيم الزائف للأمازيغية بـ”القتل الرحيم” euthanasia للأمازيغية. باختصار: “القانون التنظيمي للأمازيغية” صفر مضروب في صفر، وهدفه إعدام اللغة الأمازيغية.

أما الأستاذ أحمد عصيد (بمواقفه المتناقضة دائما) فقد صرح لموقع “يابلادي” Yabiladi في عام 2016 عن رأيه في مشروع “القانون التنظيمي” للأمازيغية هكذا: “أعتقد أن هذا القانون إيجابي بنسبة 90 في المائة”! ثم غير الأستاذ أحمد عصيد لاحقا رأيه فوصف مشروع “القانون التنظيمي” عام 2017 بأنه: “يكرس الميز بين المغاربة ويرسخ مظاهر التمييز بين العربية والأمازيغية” وأن “هذا مشروع قانون غير مقبول” وبأنه صيغ بـ”فقرات تحايلية”. ثم في 2019 وصف الأستاذ عصيد النسخة النهائية من “القانون التنظيمي” بأنه “قانون غير دستوري” وبأنه “غير واضح ومبهم” وبأنه “يجب تعديله”.

المشكل الجوهري هو أن الأستاذين أحمد عصيد ومحمد بودهان ونشطاء الحركة الأمازيغية يرفضون الاعتراف صراحة بأن الفصل الدستوري الخامس يظلم اللغة الأمازيغية ويضعها في مرتبة أدنى وأقل وأسفل من العربية. ويرفضون الدعوة صراحة إلى تعديل هذا الفصل الدستوري الخامس.

(طبعا هم بالتأكيد يفهمون هذا المرض العضال الموجود في الفصل الدستوري رقم 5 ولكن لسبب ما لا يريدون الاعتراف به صراحة، ويحاولون إقناع أنفسهم أو غيرهم بأن الدستور المغربي يساوي بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية! والدستور المغربي طبعا لا يساوي بينهما بل يظلم اللغة الأمازيغية.)

وبذلك يتجاهل أنصار الأمازيغية أن “القانون التنظيمي” الظالم هو ابن شرعي للفصل الدستوري الخامس الظالم. فهذا الزعطوط من ذلك القرد. ويحلم أنصار الأمازيغية بأن يصدر “قانون تنظيمي” رائع وجميل يساوي بين الأمازيغية والعربية بينما الفصل الدستوري الخامس (الذي هو الأساس) لا يساوي بينهما!

الأستاذان محمد بودهان وأحمد عصيد يرفضان هذا “القانون التنظيمي للأمازيغية” (ويريدان “قانونا تنظيميا” آخر أحسن منه) ولكنهما مثل بقية أنصار الأمازيغية يتجاهلان أن “القانون التنظيمي للأمازيغية” بأكمله هو مشكل مصطنع An artificial problem تم زرعه في الدستور لعرقلة اللغة الأمازيغية واستنزافها وتقزيمها وتضييع وقتها وإلهاء أنصارها وإدامة سياسة التعريب والفرنسة المستمرة منذ 1912.

لسبب مجهول يرفض الأستاذان عصيد وبودهان وبقية أنصار الأمازيغية أن يطالبوا الدولة صراحة بتعديل الفصل الدستوري الخامس لرفع الظلم الدستوري عن اللغة الأمازيغية ولمساواتها بالعربية.

أريد توجيه انتباه المغاربة إلى فخ سقط فيه أنصار الأمازيغية سقطة فادحة وهو فخ هذا السؤال المصطنع: كيف سيتم ترسيم اللغة الأمازيغية؟ ما هي الكيفيات والمراحل؟

هذا السؤال المصطنع الذي يكرره أنصار الأمازيغية قد يكون نتيجة لعدم ثقتهم بقدرات اللغة الأمازيغية أو لغفلتهم عن التاريخ اللغوي للدولة المغربية منذ 1912، أو قد يكون مجرد تقليد وتأثر بخطاب الدولة وتقليعات الدولة التي تنحو دائما إلى “التمييع” و”التأجيل” و”الاجترار” و”فرض المراحل والفرامل”.

(نلاحظ منذ زمن أن الدولة المغربية تلعب دور The trendsetter أي “مبدع الموضات والتقليعات والتخريجات والاصطلاحات” التي يقلدها المثقفون والسياسيون المغاربة ويتماهون معها).

تخيلوا معي شخصا يطرح هذا السؤال الغبي: إذا قامت الدولة ببناء مطار دولي في مدينتي الصغيرة فكيف ستقلع الطائرات منه إلى السماء؟ وبأية طريقة؟ وما هي الكيفيات والمراحل؟ يجب إصدار “قانون تنظيمي للمطار والطائرات” يوضح لنا الكيفيات والمراحل!!! صاحبنا هذا يتوهم بأن ذلك المطار الجديد الذي قد تبنيه الدولة قرب مدينته الصغيرة المهمشة هو أول مطار في تاريخ المغرب وأن الدولة لا تعرف كيف تجعل الطائرات تطير في السماء! صاحبنا غافل عن أن الدولة قد شيدت من قبل مطارات كثيرة منذ سنين طويلة، والدولة بذلك تعرف كيفية إقلاع وهبوط الطائرات وبناء المطارات لأنها تملك تجارب سابقة. فالأمر ليس جديدا على الدولة وإنما هو جديد على صاحبنا فقط. أما إذا أرادت الدولة أن تتهرب من بناء المطار الدولي في تلك المدينة المهمشة فهي ستكذب على السكان المحليين وتقول لهم: بناء المطار صعب جدا جدا ويحتاج دراسات جد جد معمقة! وسنحتاج أولا إلى مناقشة ثم إصدار “قانون تنظيمي” يحدد كيفيات وضوابط ومراحل بناء المطار مستقبلا! فالأمر جديد علينا وصعب علينا ولا نملك أية تجربة في ميدان المطارات!

بعد أن اخترعت الدولة في 2011 مفهوم “القانون التنظيمي للأمازيغية” (الذي لم يطالب به أحد من قبل بالمغرب) وزرعته في الفصل الدستوري الخامس (بهدف فرملة وعرقلة اللغة الأمازيغية) توهم كثير من أنصار الأمازيغية بأن الدولة المغربية المسكينة لا تعرف كيف ترسم اللغات وأنها فعلا ستحتاج إلى “قانون تنظيمي” يأخذ بيدها ويعلمها ويلقنها “كيفيات” ترسيم اللغة الأمازيغية، بينما الدولة المغربية آنذاك (في 2011) كانت قد راكمت خبرة قرن من الزمن بين 1912 وَ 2011 في ترسيم اللغتين الفرنسية والعربية معا، وراكمت الدولة تجربة طويلة في تطبيق الازدواجية اللغوية الفرنسية – العربية بالمغرب في كل مناحي الحياة العمومية ببراعة وإتقان وبدون أي “قانون تنظيمي للفرنسية والعربية”. ويكفي أن ينظر المرء إلى أية وثيقة إدارية أو لوحة طرقية ليرى مدى التفاني الذي أبدته وتبديه الدولة المغربية في ترسيم الفرنسية والعربية معا منذ 1912 وفي تطبيق الازدواجية الفرنسية العربية بدون أي “قانون تنظيمي للعربية والفرنسية”. وسيستنتج المرء بالتأكيد أن الدولة قادرة على ترسيم اللغة الأمازيغية كما فعلت مع الفرنسية والعربية بدون “قانون تنظيمي” (أي بدون أية ألاعيب سياسية ومماطلات بيروقراطية تأجيلية مراوغة).

الحقيقة هي أن الدولة المغربية خبيرة بفن ترسيم اللغات وبفن الازدواجية اللغوية bilingualism منذ 1912. ولم تكن الدولة المغربية يوما محتاجة إلى “قانون تنظيمي” يأخذ بيدها ويعلمها أبجديات إجراءات تكوين الموظفين والأساتذة والمترجمين (عبر تجنيد بضع عشرات أو بضع مئات من الخبراء اللغويين) وطباعة الوثائق الإدارية بالعربية والفرنسية. الدولة المغربية منذ 1912 وإلى حد هذه اللحظة تشتغل باللغتين الفرنسية والعربية كالسمن على العسل بدون أي “قانون تنظيمي”.

إذن، الدولة المغربية الآن في 2019 تتحامق وتستهبل وتتمسكن وتدعي العجز عن ترسيم اللغة الأمازيغية وتدعي أنها بحاجة إلى “قانون تنظيمي للأمازيغية” وأنها تحتاج إلى “الخشيبات” لترسيم اللغة الأمازيغية، بينما الدولة تملك خبرة أزيد من قرن (1912-2019) في ترسيم العربية بدون أي “قانون تنظيمي” وفي ترسيم الفرنسية (على الواقع) بدون قانون وبدون دسترة. الدولة المغربية ليست دولة مسكينة معدومة الخبرة في ترسيم اللغات كما يتوهم أنصار الأمازيغية وكما تدعي الدولة نفسها.

ومن يدعي بأن “الأمازيغية لغة غير جاهزة” فهو إما جاهل باللغة الأمازيغية أو لديه أجندة تيفيناغية أو أجندة تعريبية أو أجندة فرنكوفونية. اللغة الأمازيغية قادرة وجاهزة دائما منذ قرون للتعبير عن أي شيء وتملك مئات القواميس الغنية التي تم تأليفها ونشرها بالمغرب والجزائر وأوروبا قبل تأسيس الإيركام بوقت طويل. (راجع ترجمتي للدستور المغربي إلى الأمازيغية بالحرف اللاتيني، وراجع كتابي حول أسماء المدن والوزارات والمصطلحات الإدارية بالأمازيغية بالحرف اللاتيني).

ومن جهة أخرى فـ”القانون التنظيمي” لن يجبر الدولة على فعل شيء يعفيها منه الدستور. الدولة لن تكون عادلة مع الأمازيغية في ظل دستور يظلم الأمازيغية.

الحَكَم والفيصل هو الدستور: بما أن الدستور يظلم الأمازيغية فإن الدولة ستظلم الأمازيغية دائما وأبدا.

“القانون التنظيمي للأمازيغية” خدعة اخترعتها الدولة في 2011 وزرعتها في الدستور وباركها الإسلاميون والتعريبيون بهدف وحيد وهو: فرملة اللغة الأمازيغية وتضييع وقتها في المتاهات السياسية والمسرحيات البرلمانية والدهاليز البيروقراطية ريثما يستعرب ويتفرنس المغرب وتنمحي الأمازيغية.

إذن فقد انطلت الخدعة على نشطاء الأمازيغية فظنوا أن الدولة المغربية المسكينة فعلا لا تعرف كيف ترسم اللغات وأن هذه الدولة المسكينة تحتاج فعلا إلى “قانون تنظيمي” يقول لها “كيف” ترسم الأمازيغية ويدلها على “الكيفيات والمراحل”، بينما الدولة المغربية لها تجربة طويلة مع ترسيم الفرنسية والعربية منذ 1912!

الحقيقة هي أن ترسيم لغة ترسيما حقيقيا وظيفيا فوريا كاملا هو شيء في غاية السهولة على الدولة المغربية بشرط صدور أمر مباشر من الملك أو من رئيس الحكومة أو بشرط توفر نص دستوري قاطع حاسم ساحق ماحق ساطع يرسّم اللغة الأمازيغية بشكل:

– فوري immediate

– مطلق absolute

– غير مقيد unrestrained

– غير محدود unlimited

– وكلغة رسمية عليا as a supreme language لا تعلو عليها أية لغة أخرى.

ولكن بما أن نشطاء الحركة الأمازيغية قد انطلت عليهم الخدعة واقتنعوا بمشروعية السؤال المتحذلق المصطنع حول “الكيفيات والمراحل” فإن هؤلاء النشطاء قد تقبلوا واستساغوا الصيغة الدستورية الظالمة في الفصل 5 والتي رهنت وقيدت ترسيم اللغة الأمازيغية بـ”قانون تنظيمي يحدد الكيفيات والمراحل المستقبلية” تكتبه الأحزاب السياسية الإسلامية والتعريبية والإدارية المخزنية على هواها ووفق مزاجها وأجندتها.

تقنية “صناعة المشكل لإلهاء العدو وجعله يغرق فيه” هي تقنية سياسية وحربية قديمة. أعداء الأمازيغية صنعوا للأمازيغية مشكلا مصطنعا هو “القانون التنظيمي” زرعوه في الدستور وقالوا بأنه “سيحدد مراحل وكيفيات الترسيم مستقبلا” فتركوا أنصار الأمازيغية يصارعون هذا المشكل المصطنع ويغرقون في هذا الفنجان غافلين عن المطالبة بترسيم الأمازيغية ترسيما صحيحا صارما كاملا مطلقا فوريا قاطعا في منبع شرعية الحكم الأعلى ألا وهو: الدستور.

وبسبب استمرار نشطاء الحركة الأمازيغية في تصديق أكذوبة أن الدولة المغربية المسكينة لا تعرف “كيفية” ترسيم اللغات وأن هذه الدولة المسكينة ستحتاج إلى “قانون تنظيمي” يقول لها: “أيتها الدولة! رسّمي الأمازيغية على هذه البلاكة! واكتبيها على هذا الجدار! واطبعي بها شهادة الازدياد! ودرّسيها في هذه المدرسة!” فإن هؤلاء النشطاء مستمرون في توسل واستعطاف الدولة لكي تصنع لهم قانونا تنظيميا رائعا جميلا للأمازيغية غافلين أو متغافلين عن المشكل الجذري للأمازيغية في الفصل الدستوري الخامس.

نشطاء الحركة الأمازيغية غافلون أو متغافلون عمدا عن كون مشكل تعطل الأمازيغية كامنا في الفصل الدستوري الخامس الذي رسم الأمازيغية بشكل مشوه مجمد ثانوي مؤجل مقزم وفبرك لها مشكل “القانون التنظيمي” الذي يلعب دور “الحجرة في صباط الأمازيغية”. وبسبب هذا التعامي عن جوهر المشكل فكل أو معظم أنصار ونشطاء الأمازيغية بمختلف اتجاهاتهم، أي: المستقلون والمتمخزنون والإيركاميون (المنتمون إلى الإيركام) والمتأركمون (المتماهون مع الإيركام وسياسته اللغوية الفاشلة) ما زالوا يؤمنون بـ”القانون التنظيمي” (ويريدون الآن أن يتم تعديله وتحسينه وإجراء عملية تجميلية له) وفي نفس الوقت هم ساكتون عن الحقيقة الصارخة الواقفة أمام أنوفهم وهي أن: الترسيم الدستوري المشوه هو أصل المشكلة وجذرها.

الحل الوحيد لإنقاذ اللغة الأمازيغية هو استهداف أصل المشكلة وجذرها، أي أنه تجب مطالبة الدولة المغربية (ممثلة في السلطتين التنفيذية والتشريعية) بشكل واضح وصارم بتعديل الفصل الخامس من الدستور المغربي تعديلا جذريا لإقرار مساواة تامة كاملة قاطعة بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية شكلا ومضمونا والتخلي عن ألعوبة “القانون التنظيمي” البيروقراطية التأجيلية التسويفية (التي اخترعها المخزن في 2011 ولم يطالب بها أحد يوما) ويجب حذف “القانون التنظيمي للأمازيغية” من الدستور كليا وإلغاء “القانون التنظيمي” المهزلة الموجود حاليا والذي جاء “لإعدام ترسيم الأمازيغية” كما يقول الأستاذ بودهان.

وعندما يتم تعديل الفصل الدستوري رقم 5 والاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية عليا فورية للدولة المغربية بالمساواة الكاملة مع العربية فإن الدولة المغربية لن تجد مفرا ولا مهربا من تطبيق الفصل الدستوري مباشرة (بدون “قانون تنظيمي” ولا مراحل ولا خزعبلات أخرى). والمحكمة الدستورية ستكون بالمرصاد لأي قانون يصدر عن البرلمان (بما فيه قانون المالية السنوي) لا يساوي بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية في التمويل والتدريس والترسيم والإعلام والاستعمال الشفوي والكتابي.

إذن، هذا ما تعنيه حرفيا عبارة “الحماية الدستورية للغة الأمازيغية”: أن يكون ترسيم اللغة الأمازيغية ترسيما دستوريا حقيقيا فوريا كاملا مطلقا (تفهمه المحكمة الدستورية وتفهمه الدولة ويفهمه الجميع على أنه ترسيم دستوري حقيقي فوري كامل مطلق للأمازيغية) وليس ترسيما دستوريا مجمد المفعول ومؤجل التطبيق ومقزم الحجم ومقيدا بقانون وثانوي الدرجة وسفلي المرتبة كما هو الحال الآن.

أما المشكلة الثانية فهي فرض حرف تيفيناغ وحرمان الأمازيغية من الحرف اللاتيني.

فالتصويت الإيركامي في يناير 2003 الذي فرض حرف تيفيناغ بشكل فجائي على اللغة الأمازيغية كان تصويتا سياسيا خالصا (لا علاقة له بالعلم والمعايير الأكاديمية). وكان هدف هذا التصويت الإيركامي هو استرضاء وتهدئة الإسلاميين عبر منع حصول الأمازيغية على سلاح الحرف اللاتيني العالمي الخطير. وذلك التصويت الإيركامي في يناير 2003 ما كان ليتم تنظيمه لولا تهديدات الإسلاميين. فجميع أكاديميي الأمازيغية ونشطائها كانوا متفقين في أواخر عام 2002 على أن الحرف اللاتيني هو الحرف الذي ستدرس به اللغة الأمازيغية بالمغرب. ثم خرج الإسلاميون والتعريبيون يزمجرون في الشوارع والإعلام ويطالبون بمنع حصول اللغة الأمازيغية على الحرف اللاتيني العالمي حتى لا تصبح الأمازيغية لغة قوية بالمغرب. فتم تنظيم التصويت الإيركامي في يناير 2003 لتهدئة الإسلاميين. وفي ذلك التصويت الإيركامي في يناير 2003 تم تنظيم شوطين تصويتيين داخل بناية الإيركام بالرباط، حيث أنه في الشوط الثاني من ذلك التصويت قام 10 أعضاء من الإيركام بتغيير قناعاتهم الحرفية “الأكاديمية” بشكل فجائي بدون أي تبرير علمي أكاديمي، وهذا يدل على أن ذلك التصويت الإيركامي سياسي لا علاقة له بالعلم والمعايير الأكاديمية. فالخبير اللساني والأكاديمي لا يغير قناعاته العلمية الأكاديمية والبيداغوجية بشكل فجائي في بضع دقائق.

ففي الشوط الأول من التصويت الإيركامي في يناير 2003 صوت 14 عضوا لصالح الحرف التيفيناغي وصوت 13 عضوا لصالح الحرف اللاتيني وصوت 5 أعضاء لصالح الحرف العربي. وفي الشوط الثاني تغيرت وتشقلبت القناعات “العلمية والأكاديمية” لـ 10 من هؤلاء الأعضاء الإيركاميين بشكل فجائي فصوت 24 عضوا لصالح الحرف التيفيناغي وصوت 8 أعضاء لصالح الحرف اللاتيني ولم يصوت أحد لصالح الحرف العربي. وأنا أحدس أن هؤلاء الأعضاء الإيركاميين الخمسة (5) الذين صوتوا لصالح الحرف العربي في الشوط الأول قد غيروا جلدهم في الشوط الثاني فصوتوا لصالح حرف تيفيناغ متعمدين منع حصول اللغة الأمازيغية على الحرف اللاتيني العالمي الخطير.

والإسلاميون الذين يريدون فرض الحرف العربي على اللغة الأمازيغية هم الآن يقبلون بحرف تيفيناغ كـ”حل وسط” يرضيهم ويهدئ نفوسهم بشرط حرمان الأمازيغية من الحرف اللاتيني العالمي. فحصول اللغة الأمازيغية على الحرف اللاتيني العالمي هو السيناريو المرعب الذي يرعب الإسلاميين والتعريبيين لأنهم يعرفون جيدا أن الحرف اللاتيني العالمي سيساعد اللغة الأمازيغية على النجاح والانتشار بشكل عارم.

واليوم في 2019 فقد ثبت فشل حرف تيفيناغ فشلا ذريعا في لعب دور الوسيط الناقل للغة الأمازيغية. فنشطاء ومثقفو الأمازيغية قد تملصوا من تيفيناغ ولا يكتبون به في الإعلام والصحافة ولا يستعملونه إلا في الديكور والشكليات ولا أحد يقرأه أو يتعلمه (إلا نسبة ضئيلة من تلاميذ الابتدائي). وقد فشل تيفيناغ في مساعدة اللغة الأمازيغية على لعب أي دور وظيفي في المجتمع. ولا يوجد أي أفق لترسيم الأمازيغية بحرف تيفيناغ ترسيما وظيفيا نافعا، بل إن اللغة الأمازيغية قد تحولت إلى مهزلة بحرف تيفيناغ بسبب الأخطاء اللغوية والترجمية الفادحة التي لا يقرأها أحد والتي أصبح الإيركام نفسه يرتكبها ويروجها فضلا عن جمهور أشباه الأميين الذين لا تهمهم اللغة الأمازيغية وإنما يهمهم الديكور التيفيناغي الذي لا يقرأونه أصلا.

كما أن حرف تيفيناغ قد شفّر وصعّب اللغة الأمازيغية على ملايين المغاربة المتعلمين الناطقين بالدارجة وجعل الأمازيغية مستغلقة عليهم غير قابلة للقراءة، وفي نفس الوقت استفردت الفرنسية بالحرف اللاتيني بالمغرب. وأصبحت الفرنسية بالحرف اللاتيني تلعب دور النافذة الوحيدة على الحداثة والعصرنة بالمغرب.

هذا كله يحدث في وقت يتسارع فيه الاستعراب الطوعي والتفرنس الطوعي وانقراض الأمازيغية بالمغرب وتزداد فيه قبضة اللغة الفرنسية (بالحرف اللاتيني) على المغرب قوة وتغلغلا وسيطرة في المدارس والجامعات والمجال العمومي والإدارات والشركات والشوارع واللوحات الإشهارية. وأصبح ملايين الشباب المغاربة هجينين لغويا يتحدثون بخليط كريولي Creole مضحك من الدارجة والكلمات الفرنسية مثل لغة سكان أحياء باريس الفقيرة من المهاجرين واللاجئين أو مثل لهجة هايتي الهجينة. أما حروف تيفيناغ بالنسبة للشباب المغاربة فهي شفرة لا يستطيعون التعامل معها، فيزداد ابتعاد الشباب والطلبة عن هذه اللغة الأمازيغية المشفرة بشفرة تيفيناغ ويفضلون التعامل مع اللغات المكتوبة بالحرف اللاتيني السهل عليهم.

إذن فما هي الخطوات الإصلاحية الضرورية لإنقاذ اللغة الأمازيغية ولإنقاذ الهوية الأمازيغية للمغرب؟

ها هي باختصار:

– تعديل الفصل رقم 5 من دستور المغرب عبر التنصيص بصراحة قاطعة ووضوح ساطع على أن اللغة الأمازيغية واللغة العربية هما اللغتان الرسميتان المتساويتان للدولة المغربية. والترسيم الدستوري للغة الأمازيغية يجب أن يكون مطلقا وكاملا وقاطعا وفوريا وغير قابل للتأجيل.

– تعديل ديباجة دستور المغرب للتنصيص على أن المغرب دولة أمازيغية وبلد أمازيغي قوميته أمازيغية وأرضه أمازيغية وحضارته أمازيغية وينتمي إلى العالم الأمازيغي Amaḍal Amaziɣ.

– إفهام الدولة المغربية وإفهام الإيركام بأن الاسم الأمازيغي لـ”المغرب” هو Murakuc.

– تبني سياسة تعليمية لغوية ثلاثية “أمازيغية – عربية – إنجليزية” تتمثل في تدريس هذه اللغات الثلاث بنفس العدد من الساعات في الابتدائي والإعدادي والثانوي بشكل إجباري.

– الانتقال إلى استعمال الحرف اللاتيني في تدريس وترسيم اللغة الأمازيغية.

– البدء من الآن في إدخال مادة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني كمادة إجبارية في المدارس الثانوية دون انتظار تغطية كل المدارس الابتدائية أولا. فالتعليم الثانوي بوابة الجامعة ويستحق الأولوية على الابتدائي.

– البدء من الآن في إعداد خطة تدريجية متسارعة لطرد الفرنسية من المغرب والانتقال إلى تعميم الإنجليزية في التعليم، عبر برامج تكوين ثلاثي اللغة للأساتذة والمعلمين والأطر في الأمازيغية والعربية والإنجليزية. فبما أن المغرب يحتاج الآن إلى اللغة العالمية لتطوير تعليمه واقتصاده وصناعته وتجارته الدولية فهذه اللغة العالمية هي الإنجليزية طبعا، وليس القزم الجهوي الفرنسي ولا القزم الجهوي الإسباني.

– البدء من الآن في تحويل الفرنسية إلى لغة أجنبية اختيارية في التعليم الثانوي كالألمانية والإسبانية والإيطالية يختارها من يشاء ويرفضها من يشاء.

– استنساخ برامج ومقررات ومناهج جامعة الأخوين الأنجلوفونية في مدينة Ifran إيفران إلى كل الجامعات المغربية المجانية من أجل دمقرطة الإنجليزية بالمغرب وتدريسها والتدريس بها لكل أبناء الشعب وعدم ترك الإنجليزية بالمغرب حكرا على أبناء طبقة البورجوازيين وطبقة النبلاء وطبقة الإقطاعيين.
مبارك بلقاسم-المغرب

tussna-tamazight@outlook.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى