انثروبولوجيا

ثاكورث ، الرياضة الوطنية الأمازيغية

إذا كانت هناك لعبة تقليدية مشتركة لكل شمال إفريقيا فهي بالتأكيد: ثاكورث. المُمارسة في بداية الربيع محاطة بعدة طقوس، من المقرر أن ثاكورث أن تؤمّن محاصيل زراعية وفيرة.

بالنسبة لـ Emile Laoust ، الأمر لا يتعلق بمجرد رياضة بسيطة لأن اللعبة كانت دائما تحمل طابعا فلسفيا ودينيا. Edmond Doutté  أشار إلى أنه في العديد من المناطق هذه ” اللعبة مخصصة للطُلْبة (بضم الطاء وسكون اللام)، وهنا حيث الكل يلعب ، الطُلْبة  يلعبون  بشكل مستقل أو بطريقة خاصة “[1]

بالنسبة لـ Lucien Joseph Berthlon،  الذي قام بدراسة  ثاكورث بتونس :

“من المحتمل جدا أنه قديما كانت الفتيات الليبيات (اللّيبيون هو الإسم القديم للأمازيغ) يمارسن لعبة طقوسيّة بمناسبة عيد  إلاهة ثانيت. وما لعبة الكرة حاليا (إسم لعبة ثاكورث في المناطق الناطقة بالعربية) إلا ماتبقّى من اللعبة الأصلية، والهدف من هذه اللعبة قديما، كان طلب المطر من إلاهة تريتوجان  Tritogène “[2].

ثاكورث عند إيشاويَّن

في أوراس تلعب ثاكورث ابتداءا من 15 فورار بمعنى آخر 28 فيفري من التقويم الغريغوري. أمّا الأطفال، فيمكنهم لعبها متى شاؤوا : “لأن براءتهم ستجلب المزيد من العشب و الحليب”، وهذا وفقا لشيخ من كباش سألته Germaine Tillion عن الموضوع خلال رحلتها الاثنوغرافية في المنطقة.

في ثاڨوست، العادة تفرض المنافسة بين قسمين من القرية. كل فريق يحمل أسماء تقليدية، دون شك جدّ قديمة، حتى أنه لا أحد يعرف معناها. Germaine Tillion كانت أشارت لكلمة “شيش” وأشارت بها لـ André Basset. هذا الأخير قاربها من المصطلح الفرنسي شيش Chiche[3]. حيث ظن أن هذه الكلمة تندرج ضمن معجم مشترك لكل الشعوب المتوسطية.

عند آيث فرح : خلال هذا اليوم تتقابل عشيرتين “عدوتين” منذ القديم. أما في ثفيلزي ( الإسم الأصلي لـ منعا)، فالمباراة  يتقابل  فيها فريقين، في كل منهما، رجال من نفس الصنف : المتزوجين ضد العزاب.

الانثروبولجي الشاوي ، ومساعد André Basset ، السيد أعمر نزال،  كان قد وصف جزء من مجريات ثاكورث قائلا :

”  تلعب ثاكورث في أماكن مرتفعة نسبيا… ينقسمون إلى مجموعتين ، عند تعيين حدود الملعب أو “بوَايْرا“، يأخذ أحد ما ثاكورث ويضعها في الحفرة الصغيرة  والتي تسمى “تارڨا” الموجودة في في وسط الملعب وتوضع فوقها ثلاثة أو أربعة من الحجارة. عندما يقول لأصحابه  ليقف كل واحد في جهته !  إحذروا  ! يبدأ في إبعادها بعقب العصا شيئا فشيئا، مع أحد من منافسيه : عندما تخرج ثاكورث،  من يوجد بجانبها يضربها بعقب عصاه ، أولئك الذين يوصلونها إلى أقصى حد من منطقة اللعب يصيحون : ” نحن جعلناها تشرب “.

ثاكورث هي أضخم من قبضة اليد : تنحت من الخشب الأخضر ، وهي ثقيلة،  مما يفسر صفيرها ( في الهواء ) عندما يرميها أحد ما بإتقان تام . الفتيان لا يحبذون تلك الخفيفة فالنساء هن من يلعبن بها.

العصي التي تُلعب بها،[…] تكون مقوسة  يمكن أن تقول عنها “عكاز ” يطلق عليها : ثيقبّالين. وتصنع من شجر البلوط أو من مواد خشبية أخرى لا تنكسر بسهولة […]

يوم الربيع، ليس فقط الفتيان من يلعبون بثاكورث ، في هذا اليوم الرجال يلعبون بها أيضا مجموعة ضد مجموعة.عند آيث فرح، آيث عثمان، يلعبون ضد آيث أومّاس  ابتداءا من نهاية الظهر  إلى أن يحل الظلام. آخر من “يشربّها” من الفريقين يصعد (عندهم) مستهزئين بالمهزومين. النساء أيضا يلعبن ثاكورث يوم الربيع لكن في أحيائهن.

ثاكورث بالمغرب

في بلاد إيشلحيَّن، كتبت Germaine Tillion :  يُشكّل كلا الفريقين كما في ثفيلزي. بمعنى الرجال المتزوجين ضد الرجال العزاب، غير أنه في آعالي الأطلس بـ أڨودال، يتواجه القسمين (كما في ثاڨوست) من القرية اللّذين لا توجد بينهم أي عداوة. يطلق على اللعبة” أَوُجّا ” ما يعني أختي.

حسب Emile Laoust، لعبة الكرة بالمغرب لا تقتصر على مساعدة العشب لينمو، لكن لها أيضا هبة جعل الامطار تهطل :

إذا كان الجفاف يهدد المحاصيل تنظم لعبة الكرة . الرجال يتجمعون في جهة والنساء في جهة أخرى ، والفريقين….. يرميان الكرة ممسكين إيّاها بأرجلهم.”… في تجڨالت (حوز مراكش) النساء يلعبنها فقط بينهن”، في حين أنه عند “آيث وراين” بعض النسوة فقط” يجتمعن في مكان أين يعلمن أنهنّ لن يلاحظهن الرجال –  و هنا –  يلعبن الكرة بالعصي عاريات تماما.

عند ” تْسوُل” النساء أيضا ينغمسن عاريات في نفس اللعبة، لكن برمي الكرة بملعقة كبيرة” الغرُاف”.يتم اللعب بالكرة خاصة في الربيع، عندما يكون الشعير عشبا لينا ، أڨيلاس (نتيفة)، أو سنابل أزمبو (مْتوقة) [4]

ملاحظة : هناك إرتباط فيما سبق قوله حول ثاكورث في المغرب، بين إحتفالات قدوم الربيع وبين طقوس قديمة أخرى وهي مايُسمّى ثاسليث م آنزار (عروس إله المطر آنزار). لذلك ربطها Emile Laoust بالجفاف.

ثاكورث عند إيموهّاڨ (إيتارڨيَّن)

Germaine Tillion كانت قد أشارت إلى أن إيمَكلْكْالنْ، يسمون اللعبة : “تاكريكرا” ( جمعها: تيكَريكرْوان)، ويسمون الكرة : “كاري”، في جانات يقولون عنها : “تكيكرا” .أما André Chaventré  أشار  ل: “كاريكاري” عند ” كَالْ تيمَطَاي”، وبالنسبة للأهڨار الأب Foucauld  كتب “تاكريكا ( جمعها : تيكريكرون).

عند إيموهّاڨ كما في موريتانيا، ولنفس الأسباب المناخية، نمو النبات من جديد لا يسمى بالربيع ولكن دخول الشتاء. إيموهّاڨ يلعبون تاوسيت ضد تاوسيت ،

تاوسيت الترقية تشبه العشيرة، وبالنتيجة هي تختلف نوعا ما عن الفرقة (ثارفيقث) عند إيشاويَّن، أين الكلّ أقارب، عن العرش، أين يمثّل المواطن. في تاوسيت، الفرد يمثل في نفس الوقت كلاهما، إذا كان العرش في شمال إفريقيا عبارة عن جمهورية مصغرة  فإن تاوسيت هي هي نظام ملكي مصغّر.

الكرة تسمى “كاري” وتوضع تقريبا بين الفريقين بنفس المسافة، حيث يكونان دائما جد متباعدين عن بعضهما البعض. مساحة اللعب هي إذن غير محدودة تطبيقيا، لأنها محددة بالصحراء . الفريق الذي يرسل الكرة في  معسكره يعتبر فائزا.

عند انتهاء اللعبة وعودة الفائزين لمخيمهم بالكرة، تقوم النساء للتعبير عن سعادتهن بـ طرقعة باللسان ، يسمى “ثاغليليت”.

Germaine Tillion  نقلت أن الفائزين، ينخرطون في شكل موكب : ” الفائزين يقومون بدورة حول كل خيمة قائمين بضربات خفيفة  على الأعمدة وهم يرقصون. النساء يقدمن الهدايا، مثل العطور أو الجلود المدبوغة والمسبوغة… أما الخاسرون، فيختبؤون”.

إذا كانت النساء الترقيات لا يلعبن كما هو الحال عند باقي النساء الأمازيغيّات، فإنهن يتمسكن بدور جد مهم :

” نساء كل تاوسيت يتجمّعن في أقصى كلتا الناحيتين للمساحة الشاسعة للعب…( هنّ) يمثّلن  بشكل ما كلا المرميين والحكام”.

ثاكورث في بلاد إيقبايليَّن

حسب Jean Servier [5]  في بلاد القبائل ، هذه اللعبة تحمل ثلاثة أسماء : “ثاغيلات” في القبائل الكبرى (لاربعا ناث إيراثن) ” داباغ” في القبائل الوسطى( منطقة عزازڨا)، ” أشُفّار”  القبائل البحرية (إيفليسن).

كما عند إيشاويَّن، لعبة ثاكورث يتقابل أحيانا  فيها فريقين – تقليديا متضادين – من القرية،” نصف من الأعلى ضد “نصف من الأسفل”. أحيانا الرجال المتزوجين ضد الرجال العزّاب بنفس النسبة”. إعداد الكرة يتنوع من جهة إلى أخرى فهي : تصنع من قطع جلد الثيران لأضحيات الخريف في القبائل الكبرى ، أو من عظم ركبة الثور في القبائل البحرية، وهي من  الفلّين في منطقة عزازقة وتحمل اسم ” ثاخنشت”، يشير Jean Servier.

” في القبائل الوسطى  عند آيث غُربي…، كما في الغرب الجزائري، لاعب واحد يحاول أن يسقط الكرة في الحفرة، وكل اللاعبين الآخرين يقومون بمنعه. إذا سقطت الكرة يخرجها اللاعب ويرميها أمامه أبعد مايمكن، الآخرون يجب عليهم أن يرموا عصيهم واحد تلو الآخر محاولين بلوغها، عندما  يرمي أحد اللاعبين عصاه يصيح بقية اللاعبون : أتّان ذ يلّيك ” هاهي بنتك” .اللاعب الذي سقطت عصاه أبعد عن الكرة من العصي الأخرى، يجب أن يقوم بدوره بإعادة إدخالها في الحفرة”.

ثاكورث عن إيشنْوِيَّن

عند آيث حوّا ( بني حوّا، 95 كلم شمال شرق الشلف)، كباقي المناطق، يقوم اللاعبون بوضع حفرة وسط الميدان، يحاول أحد اللّاعبين المعين عن طريق القرعة، إدخال الكرة في الحفرة، في حين يحاول باقي اللاعبين منعه. إذا نجح في الوصول اليها بعصاه أحد ما من خصومه يجب أن يأخذ مكانه. عندما تسقط الكرة في الحفرة، الّلاعبون يأخذون إستراحة ويصحون إيسّسْويتْ ” قام بتشريبها” ثم يضيفون : ربي أسّيسْوغ  ذ وَمان ” الله يرزقنا الماء”.

ثاكورث عند آيث سنوس (تلمسان)

عند إنطلاق المباراة ،   يتموقع لاعبين من كل فريق في منتصف الميدان، يتقدم طفل بالكرة ويقول ” هل تفضلان السماء أم الماء؟”، وحسب الإجابة التي يتلقّاها يُرسل الطفل الكرة في الهواء أو يضعها في الأرض. الهدف من اللعبة هو رمي الكرة في حدود الخصم عبرخطوط دفاعه. عندما يتم تسجيل هدف، يصيحون الرابحون  “حمار ! ” ولكن المزاح والهزل لايقتصر على تسجيل الأهداف، بل خلال كل المباراة، فتسمع مثلا :” هيا إلتقطوا العشب لتطعموا أحمرتكم !” …إلخ. الفريق الرابح هو ذلك ، الأول، الذي نجح في تسجيل إثنا عشرة (12) “حمارا”  في مرمى الفريق الخصم، بمعنى ضمان خصوبة  الإثنا عشرة (12) شهرا للسنة.

ثاكورث في الأطلس البليدي

في متيجا تسمّى أيضا ثاكورث، وكما في باقي المناطق، نجد نفس القواعد ونفس الطقوس. تُلعب رياضة ثاكورث في بداية فصل الربيع لإبعاد ثاغاريتّ “الجفاف”  وللحصول على زرع وفير. يحاول الفريقين تسجيل أهداف ووضع ثاقشوشت “الكرة” في مرمى الخصم باستعمال عصي مصنوعة للعبة تُسمى إيمجغاف.

ثاكورث في موريطانيا

كل الموريطانيين، ناطقين بالأمازيغية أو بالعربية يعرفون ثاكروث ويلعبونها في نفس الفترة… كلا الفريقين يتشكلان من أفراد في نفس الفئة العمرية. في موريتانيا الفتيات كما الأولاد الذكور ينتظمون ويبدؤون التدريب في حدود عمر العشرة سنوات، ويختارون إسما مثل ” النبلاء” أو “اللامبالين”… عندما يحين الوقت للعب ثاكورث يتم إختيار ميدان جبلي وكل فريق يأخذ موقعا على إحدى المرتفعات ما يسمح بتسميتهم “الشمال” و”الجنوب”. ثم يقوم أحدهم برمي الكرة في وسط الملعب ويتم تسجيل الأهداف عند وضع الكرة في مرمى الفريق الخصم. يلعب الفريقين حتى غروب الشمس.

ثاكورث بفرنسا

Germaine Tillion التي درستها عند الشاوية والتوارق، تشير إلى وجود تشابه كبير بين ثاكوث ولعبة أخرى تمارس في فرنسا وتسمى حسب المناطق:la soule, la chole ,l’etoufe, la pelote  أو  Bazig-kam بالبروتونية (Bretagne). :تقول هي ” مثل الكرة المغاربية ، يتضادون  فيها بتاريخ محدد ( تاريخ يتوافق مع تجدد النبات) مجتمعيْن ريفيّيْن ، مثل الكرة، هذه المنافسة كانت تعتبر كضرورة لنمو العشب”.

ثاكورث اليوم

خلال سنوات الستينات تنبأ “جون سارفيي” بزوال ثاكورث وقال بأن هذه الرياضة ستُعوَّض بكرة الكدم. لكن سعي الجمعيات الثقافية الحثيث أعاد بعث هذه الرياضة الأصيلة في ربوع أوراس، خاصة خلال الإحتفالات السنوية لقدوم الربيع، ثيفسوين بـ ثفيلزي (منعا).

   

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

خديجة أولم
خديجة أولم

كاتب المقال (بالفرنسية) : يوغرطا حناشي

ترجمته للعربية : خديجة أولم


لمطالعة المقال الأصلي على موقع إينوميدن إضغط هنا

مراجع :
[1] Edmond Dotté, “ Religion et magie en Afrique du nord”

[2] Bertholon Dr., Essai sur la religion des Lbyens, Revu Tunisienne, 1999.p.485.

[3] Germaine Tillion, «  il était une fois l’ethnographie »

[4] Emile Laoust, «  mot et choses berbere »

[5] Jean Servier, » les portes de l’année »

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى