انثروبولوجيا

شعائر الدفن عند الأمازيغ القدامى : الحرق و التجريد من اللحم

إلى جانب الدفن العادي  , تبنى الأمازيغ مثل الشعوب الأخرى طرق أخرى لدفن الميت , تمثلت في الحرق و تحريد الجثة من اللحم .

الحرق   incinération :
إذا كانت عادة الحرق نادرة الإستعمال و متأخرة في مدافن المناطق الشرقية , فإنّها قد مورست بشكل أوسع و منذ القدم في الجهات الغربية , حيث عثر على آثار حرق في مغارة تيفريت (ولاية سعيدة) التي سُكنت من طرف النيوليتيين , و إستعملت في جزيرة  رشقون (عين تيموشنت) في القرنين الخامس و السادس ق.م , و في مواقع عديدة من الغرب الجزائري و شرق المغرب الأقصى أيضا .
يرى  بعض الباحثين أن  الامازيغ الشرقيين نقلوا هذه العادة عن الفينيقيين حوالي القرن الثالث ق.م , وهؤلاء بدورهم إقتبسوها عن الإغريق  في القرن الخامس ق.م , فيما يرفض الأستاذ ” رابح لحسن” هذا الرأي و يكتب  :

” يظهر أن هذا الرأي يتنافى مع المعطيات الأثرية التي دلّت على قدم هذه العادة في غرب المغرب , و الرأي الأصوب في نظري أن يكون النوميديّون الشرقيّون  نقلوها في أول الأمر عن النوميديين الغربيين و الموريطانيين , قم أزدادت إنتشارا تحت تأثير الفينيقيين ” .

لقد أثبتت الحفريات أن هناك نوعان من الحرق , الأول جزئي يدخل عادة ضمن شعيرة تجريد الجثة من اللحم , و الثاني كامل  يتم من خلاله تحويل جثة الميت إلى رماد .
أستعمل هذان النوعان  في ضريح ماسينيسا (في لخروب) و يحتمل كذلك في سيغا , ومورس الحرق الكامل  في الجثوة (Tumulus) القريبة من “إيمدغاسن” كما أثبتته الحفريات .

-تجريد الجثة من  اللحم (
décharnement ) :
إن العثور في كثير من هذه القبور القديمة على عظام مكسورة و مخلوطة يستحيل إعادة تشكيلها و احيانا غير كاملة كما في المقبرة الميغاليتية  بونوارة  (قسنطينة) , يدل بوضوح على إستعمال الأمازيغ القدامى لهذه الشعيرة .
لقد مورست هذه العادة أيضا عند كثير من الشعوب : في أمركيا الشمالية و الجنوبية , إفريقيا , أقيانيوسيا , شبه الجزيرة الإيبيرية و إيران .
يقول غابريال كامبس أن عملية تجريد الجثة من اللحم  كانت تتم بطريقتين هي :
-تجريد طبيعي وضع  الجثة مدة من الزمن في قبر أولي , أو تركها  في الهواء الطلق عرضة للطيور و الحيوانات الضارية .
-تحريق نصفي للجثة (crémation partielle) الغرض منه التخلص من الأجزاء الرخوية
لقد حاول بعض الباحثين تفسير هذه الشعيرة , ف”ڨزال”( Stéphane Gsell)  يرى أن عملية  التجريد و ما تبعها من خلط العظام في القبر , تُعد مظهرا من مظاهر عقيدة الخوف من رجوع الميت لتعكير صفو الحياة على الأحياء , بينما يعتقد “لوجيار” أن هذا الطقس جاء إستجابة لرغبة الأشخاص في الحفاظ على متانة العلاقات بين أفراد العائلة .
يقول “لحسن رابح” : “من المحتمل جدا أن شعيرة التجريد لها علاقة وطيدة بالحياة بعد الموت , قد تُفسر بحرص الأحياء على أن يتخلص الميت من جسم عاش في عالم العصيان , و الرغبة في الحياة من جديد في هيئة روحية تتناسب مع العالم السرمدي” .

يوغرطا حنّاشي
مراجع :

Rabah Lahcen ,Les mausolées des rois numides et maures –
G. Camps, « Inhumation », in Encyclopédie berbère, 24 | Ida – Issamadanen [En ligne], mis en ligne le 01 juin 2011, consulté le 22 mars 2017. URL : http://encyclopedieberbere.revues.org/1577

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى