أقلام حرّةانثروبولوجيا

صناعة السخاب المحلي بولاية تيفاست (تبسة) بين شبح زواله و الرغبة في بعثه

إذا كان صناعة السخاب ببعض المناطق بالجزائر عادت و بقوة من خلال عصرنته و إعادة بعثه من جديد عبر الوعي الاجتماعي لهذه المناطق بضرورة عدم التفريط في المكتسبات التراثية للأجداد والتمسك بالأصالة الشعبية خاصة منها مناطق الجلفة وقسنطينة، ففي ولاية تبسة، تشهد هذه الصناعة التقليدية جمودا تاما و حالة أقرب من الزوال نظرا لعدم إهتمام الأجيال الصاعدة بهذه الصناعة وعدم توظيفها و إدخالها في الأكسيسوارات و الزينة النسوية العصرية من أفراح و مناسبات محلية ، وهو الامر الذي عجل بتوقف صناعة السخاب المحلي من طرف حرفيها و صناعها ، اللهم بعض النسوة في بعض المناطق اللائي مازلن يحافظن على هذه الصناعة و المكسب عبر ممارسته ببيوتهن و بيعه في المحيط العائلي او الجواري.
و من لا يعرف أصل السخاب فهو ذلك العقد التقليدي النفيس الذي تغنى به شعرائنا و فنانينا ، ذو اللون البني او الاسود الذي تتزين به المرأة الجزائرية قديما و حاضرا و الذي تعبق منه أجمل روائح المسك و العنبر و باقي مكوناته ، و هي الروائح الطيبة التي لاتزول منه لعشرات السنين مهما تعدد ملبسه أو درجات حرارة محيطه و موضعه ، و تتشابه صناعة السخاب بولاية تبسة كثيرا بمثيلاتها من مناطق الجزائر خاصة منها مناطق خنشلة ، باتنة ، بوسعادة ، قسنطينة و قالمة .
ولأجل معرفة و التقرب من طريقة صناعة السخاب المحلي قمنا بزيارة أحد العجائز المعروفة بجودة منتوجها من السخاب المحلي و إجادتها تصنيع هذا العقد التراثي الأصيل و هي الحاجة الجيدة صاحبة 90 سنة و القاطنة بأحد مداشر بلدية قريقر 80 كلم غرب مدينة تبسة ، أين تمتهن هذه الحرفة منذ أزيد من 7 عقود ، و رغم كبر سنها و ضعف بصرها الشديد بسبب معانتها من مرض الغلوكوما إلا أنها فتحت لنا قلبها و عبرت لنا عن فرحتها بإهتمامنا بهذا التراث الأصيل مبدية لنا أسفها الشديد من عدم إهتمام بنات اليوم بحلي و تقاليد أفراح الأجداد كما تأسفت كثيرا لصعوبة حصولها على المواد الأولية التي تدخل في صناعة السخاب المحلي و التي قالت لنا بشأنها أن الحصول عليها يتطلب تنقل أحفادها الى بلديات و أسواق الضلعة أو عين البيضاء بولاية بأم البواقي أو عين الطويلة و تازقاغت ” المحمل حاليا ” بولاية خنشلة .

الحاجة “الجيدة” أو كما يناديها أحفادها ب”نانّا لجيدة ”  أوضحت لنا أن مكونات صناعة السخاب المحلي تتكون من : – طحين القمح أو نوى التمر بعد حرقهما
-الطارة : حبة كروية الشكل ذات رائحة طيبة تباع عند العطارين او العشابين سابقا .
-القمحة و هي ثمرة مجففة لأاحد النباتات الغير معروفة ببلادنا لكن رائحتها جد طيبة .
-المسك الطبيعي
– العطر الطبيعي القادم من أرض الحرمين الشريفين من طرف حجاجنا الكرام أثناء تأديتهم للركن الخامس من أركان الإسلام ، وهو أيضا ذو رائحة قوية و منعشة
– القرنفل أو ما يعرف محليا بالعود وهو ذو رائحته جميلة و يباع عند العطارين أو العشابين
– أحد البودرات الصفراء التي تباع عند العطارين وهي ذو رائحة قوية جدا
– العنبر الطبيعي يباع عن العطار او العشاب .

حيث تخلط هذه المكونات جميعا في إناء أو صحن بماء ساخن لأزيد من نصف ساعة و هذا لكي تساعد حرارة الماء في إختلاط هذه المكونات و المواد في بعضها البعض و تتكون بذلك عجينة صناعة السخاب ، ثم تقوم الحرفية و قبل جفاف و تصلب العجينة بتقطيعها و تجزيئها الى مئات القطع الصغيرة بإستعمال أصابع اليدين الإثنين “السبابة و الإبهام عن كل يد ” و ثقب كل جزء بإبرة كبيرة الحجم تسهيلا لمرور و إشراك هذه القطع في بعضها البعض بإستعمال خيط رفيع و متين يسمى محليا بخيط الصنارة أو السبيب ، و يتزين السخاب بالجوهر او المرجان إن كان السخاب موجه ليتزين به الولد في حفل ختانه و حسب العرف الشعبي المحلي يحدد عدد سلاسل و مجموعات السخاب بعدد الأطفال الذين سينجبهم الطفل المختن من زواجه و عادة ما تكون عدد سلاسل و مجموعات السخاب بين ستة او ثمانية نجد فيها ثلاثة او اربعة على كل جهة تتوسطهم قطعة كبيرة من المرجان او الجوهر دلالة للزوجة الصالحة و هي تحتضن و تربي أبناؤها الستة او الثمانية ، و يحتفظ بهذا السخاب من طرف والدي الطفل حتى عرسه اين يقدمه الولد كأحد هدايا عرسه الى عروسه ، اما السخاب الموجه الى العروس فيضاف و يزين بقطع فضية مثل الخمسة او قطعة ذهبية في قليل من الاحيان ، و تحتفظ العروس بسخابها الى ان تزوج إبنتها البكر أين تقدمه لها هدية في زواجها و في قليل من الأحيان تحتفظ به العروس حتى زواج حفيدتها لتقدمه لها كهدية منها إليها.

هذا و من أجل الحفاظ على هذا المكسب التراثي و العمل على عدم إندثاره تقوم مديرية الثقافة لولاية تبسة و منذ ثلاثة سنوات تقريبا على تشجيع الحرفيات المحليات على الظهور و تمثيل ولاية تبسة في مختلف التظاهرات الثقافية المحلية و الوطنية او الدولية بملبس وزينة تراثية محلية خالصة تعبر عن أصالة المنطقة و تراثها و تشجيعا على عودة هذه التراثيات بصورة جديدة تتماشى مع حاضرنا هذا .

بريكة صالح
رئيس مصلحة النشاطات الثقافية بمديرية الثقافة لولاية تبسة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى