أقلام حرّة

فتنة الجرابيع الإلكترونية

لقد كان  الحراك الشعبي المستمر منذ ال22 فيفري فرصة لتحرير طاقات جبّارة داخل المجتمع الجزائري استطاعت ان تتحدّ النظام و تحقّق  مكتسبات ديمقراطية معتبرة في ظرف قياسي . بالموازاة مع ذلك ظهرت على السطح قوى رجعية اخرى لم تتوانى عن استعمال وسائل دنيئة لمحاولة كسر هذا الحراك الشعبي واضعاف ديناميكته .
نقترح اليوم التعريف بأحد “أمراء الفتنة الرقمية ” الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي و المدعو ” محمد جربوعة”.
يتبنى الأخير الخطاب العروبي التقليدي المعادي للأمازيغية لكنه يتخلى عن “التقية” المعتادة و الخطاب الوِحْدوي الوطني الذي يستبطن التخوين لمنطقة القبائل , بل يهاجمهم مباشرة و يصفهم بأنهم “عملاء لفرنسا ” و يحرض بقية الجزائريين ضدهم .
محمد جربوعة “شاعر” مغمور  و شخصية هزلية تعوّد رواد الفايسبوك على أن يتندّروا بنرجسيته و طريقة لباسه الغريبة التي يُحاكي فيها أبطال المسلسلات المصرية القديمة . ينشر في مواقع مشرقية مغمورة قصائد مديح لصدام حسين و تباكي على العصر الذهبي للبعث العربي مستجديا بذلك بعض الاهتمام الاعلامي في تلك الدول . كما لديه بعض المنشورات الرديئة التي نجح في طبعها في دول المشرق  منها كتاب بعنوان ” تبرئة هتلر من المحرقة اليهودية” .
بعد الحراك الشعبي تم توظيف محمد جربوعة من طرف بعض الأطراف داخل النظام للتشويش على الثورة الشعبية القائمة و بث خطاب طائفي و جهوي .
مثال محمد جربوعة مهم من عدة جوانب كونه يكشف لنا أين وصل خطاب التيار العروبي بعد أن رفعت عنه السلطة التغطية السياسية في السنوات الأخيرة بعد ترسيم الأمازيغية و جعل رأس السنة الأمازيغية عطلة مدفوعة الأجر .
هذا التيّار لم يعد مربحا سياسيا و اصبح يعاني من نزيف بشري رهيب بعد ان توقفت حنفية الامتيازات  و الترقيات الاجتماعية و المهنية التي كان يستفيد منها المنخرطون فيه منذ عقود عقود .
ويمكننا إختصار خطاب محمد جربوعة في فكرتين أساسيتين :
– أن خارطة الطريق التي اقترحها الجيش (و التي يرفضها الحراك الشعبي) هي الأنسب للجزائر و أن المناهضين لها هم “أذناب فرنسا” .
– أن الحراك الشعبي تسيّره نخب منطقة القبائل الفرنكوفونية التي تمثل “الدولة العميقة” .

غزوة الجلفة و هزيمة “قريش”
في خضم الأحداث المتسارعة و تصاعد الأصوات المنتقدة لرئيس اركان الجيش الفريق قايد صالح اثناء مسيرة كل جمعة قررت الميليشات الرقمية الترويج ل”مليونية دعم الجيش” بمدينة الجلفة يوم الأربعاء 1 ماي .
كان محمد جربوعة في مقدمة الدعاة لهذه المسيرة رفقة شخصيات مشبوهة مثل : النائبة المثيرة للجدل نعيمة صالحي رئيسة حزب العدل و البيان , الإعلامي اسامة  وحيد و نور الدين ختال المعروفان بتوجهاتهما العنصرية و الجهوية .
المليونية المزعومة فشلت فشلا ذريعا ولم تجمع أكثر من عشرات الأشخاص و تم طرد نعيمة صالحي و اسامة وحيد من طرف سكان المدينة بطريقة مُهينة (انظر المقال) .
على صفحته الفاسبوكية قام محمد جربوعة بالترويج لهذه المسيرة طيلة اسبوع باستعمال خطاب شعبوي بليد يخلط  بين التخويف من حرب اهلية و نظرية المؤامرة مع بهارات عنصرية  .
يكتب جربوعة على صفحته الفايسبوكية عشية المسيرة :

تذكرون أم درمان رغم البُعد ؟ اليوم (الجلفة ) أوجبُ من أم درمان على كل جزائري ذي وعي ..
أنت مع عقبة أم مع مانعي الصلاة والبسملة والعربية؟
أنت مع الشهداء أم مع الحركى ؟
أنت مع بيان أول نوفمبر أم مع الجمهورية الثانية ؟
أنت مع جنرالات الباديسية ، أم مع كابرانات فرنسا في الجزائر ؟
أنت مع العدالة والقضاء أم مع الفاسدين، ربراب وكل ربرابات النهب الذين استعبدوا الشعب بماله ؟ 
أنت مع وحدة الجزائر أم مع الانفصال ؟
أنت مع الراية الوطنية أم مع راية ضرار التي صنعها الأعداء ؟

 

من صفحة محمد جربوعة على الفايسبوك
من صفحة محمد جربوعة على الفايسبوك


يستعمل  محمد جربوعة في هذا المقطع مجموعة من الكليشيهات الشعبوية و يقوم بتوظيفها بطريقة سمجة :
يقارن مسيرة الجلفة بالمباراة الشهيرة ضد مصر في ام درمان سنة 2009 و يحاول ان يثير الحماس “الكروي” لمتابعيه .
ثم بطريقة إبتزاز ساذجة يقوم بوضع متابعيه أمام اختيارين و يصور الأمر على أنه استفتاء و يجعل من يدعم الحراك هو مع “مانعي الصلاة و البسملة و العربية ” و “كابرانات فرنسا”  و “الإنفصاليين” و ” الفاسدين”  و في المقابل من يدعم الجيش (في مليونية الجلفة المزعومة ) فهو مع “عقبة” (بن نافع) و مع “الشهداء” و “بيان أول نوفمبر” و “الجنرالات الباديسية” و مع “العدالة ” و “الراية و الوحدة الوطنية” .
ثم يردف في نفس المنشور :
الأربعاء سيكون ردا على فرنسا ، وردا على الذين نهبوا وأجرموا وقتلوا وخانوا ..
الأربعاء ، يومٌ لإعلان الوفاء لعقبة والفاتحين ، للثوابت ، للشهداء ، للراية الوطنية ، ولبيان أول نوفمبر ،ولوحدة الجزائر ولاستقلالها ولجيشها.

يقوم جربوعة هنا باستحضار احداث تاريخية مليئة بحمولة رمزية : ثورة التحرير , و حرب عقبة ابن نافع ضد أكسل و يقوم بإسقاطها على الأحداث الراهنة .

الوطنيون ضد الحَرْكة
يقوم باستدعاء رمزية الثورة التحريرية و يضع من يدعم قيادة اركان  الجيش (و هم قلة قليلة) في كفة “المجاهدين” و المقاوِمين و الشهداء . فيما يحشر الشباب الثوري (الذي خرج بالملايين ضد نظام بوتفليقة) مع “الحَرْكة” و الخونة و العملاء .

المسلمون ضد الكفار
مساء يوم الأربعاء بعد الفشل الذريع لمسيرة الجلفة كتب محمد جربوعة متحسراً على صفحته الفايسبوكية :
“ما آلمني فعلا هو أن يأتي الطعن والخذلان من أبناء قريش قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مؤلم جدا …وحين لا تحمي قلعة عربية أحرارها و حرائرها ، فتلك الطامة ” .

من صفحة محمد جربوعة على الفايسبوك . اضغط لتكبير الصورة .
من صفحة محمد جربوعة على الفايسبوك . اضغط لتكبير الصورة .


يبدو أن المرجعية الوحيدة لمحمد جربوعة هي فيلم “الرسالة” .  فتفكيره لا يزال رهينة ثنائية “الكفار” و “المسلمين” . فالكفار هم بالطبع  شباب الحراك الثوري و المسلمون هم : القايد صالح , نعيمة صالحي , اسامة وحيد و من يتبعهم .
بالإضافة الى ذلك يفرط محمد جربوعة في استحضار شخصية “بن باديس ” بصفته مصلح ديني و مؤسس جمعية العملاء المسلمين الجزائريين و “عقبة” قائد جيش “العرب المسلمين ” و يزج بهما في جميع الموضوعات . فيكتب : “وقد آن الأوان لتتحول أنظار العالم من البريد المركزي إلى ساحة عقبة بن نافع بالجلفة “ و هي ساحة غير موجودة اصلا كما كتب احد مثقفي مدينة الجلفة على موقع الجلفة آنفو (أنظر المقال الجلفة وخدعة المليونية.. انقضى عهد التصحيحيات) .

المؤامرة الكولونيالية
يقوم محمد جربوعة بمناسبة و بدون مناسبة  باستحضار المؤامرة الاستعمارية بكل ما تمثله في المخيال الشعبي الجزائري .وهي طريقة قديمة في تخوين المنافسين و من التقاليد المتجذّرة في ممارسات النظام الجزائري  . فكل من يعارض النظام او يتبنى افكارا تحررية و تقدمية يدخل تحت اطار “الأيادي الخارجية” .
استحضار مؤامرة “الأيادي الخارجية” تسمح لمحمد جربوعة بوضع قيادة اركان الجيش و بقايا النظام في موضع المقاوِمين للمشروع الكولونيالي الفرنسي الذي يحرك الشارع “لزرع الفوضى” في البلاد .

بالطبع , مسيرة الجلفة كانت اخفاقا ذريعا للميليشيات الالكترونية و من يقف ورائها و الذين فشلوا في كسر ديناميكية الحراك الشعبي الذي واصل مسيراته المطالبة برحيل جميع رموز النظام البوتفليقي رغم تعنّت بقايا النظام و مناوراتهم المتكرّرة.
الخطاب الجربوعي العروبي الذي اثبت ضحالته و شعبويته بالاضافة الى الخرجات الغبية لنعيمة صالحي اثبتوا افلاس الايديولوجيا العروبية  التي فشلت في التعبئة و الحشد بعد ان كشفت وجهها الحقيقي المتطرف و العنصري .

يوغرطا حنّاشي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى