الموسيقىبورتريهات

“قدور آيابوسي” عملاق أغنية الـ”دّْمام” الشّاوية

جريدي عبد العالي
جريدي عبد العالي

 كانت قرية “آسكوم” التابعة لبلدية “يابوس” بماسكولا (ولاية خنشلة) شاهدة على مولود اسمه “عبد القادر بورزازم” الذي لقب في البداية بـ “قدور آسكوم”، نسبة للقرية التي ولد وتربى فيها وعبر قمم جبالها وسفوح وديانها تعلم وأبدع اللون الفني الأوراسي الـ”دّْمَامْ” ⴷⵎⴰⵎ والذي يعتبر من أشهر الطبوع الأوراسية الفولكلوريّة إلى اليوم. والّذي يحن إليه بالرغم من السنين إيشاويّن لأنه ببساطة الغناء الذي يعبر عن ذواتنا ومعاناتنا ويحكي لنا قصة عشق للهوية الامازيغية.

“قدور آيابوسي” عاش في طفولته حياة ريفية صعبة فكان رعي ماشية أهل قريته مصدر رزقه. وحرم كغيره آنذاك من التعلم والاستقرار فعاش بحكم مهنته مرتحلا صيفا وشتاء يبحث عن الكلأ والماء والنار لماشيته .. وكان قدور حينها يبحث لنفسه، أيضا، عن لحن موسيقيا يعبر عن ذاته ومعاناته.

وباعتبار والده من الأعضاء المؤسسين لفرقة “إيثران نواوراس” (نجوم آوراس) الّتي كانت تؤدّي فنّ “إيرحابن” في “يابوس” فقد مكّن هذا “قدور” من حفظ كل القصائد وروائع “هارحبيث” الأصيلة التي كانت تغنى، تقليديا، على إيقاع ووزن ضربات الأرجل دون آلة “آبنديرⴰⴱⴻⵏⴷⵉⵔ” كما هو الحال في فنّ “إيرحابن” اليوم، ويطلق على هذا الإيقاع اسم : “ثارداست وُضارⵝⴰⵔⴷⴰⵙⵜ ⵓ ⴹⴰⵕ”.

صنع “قدّور آيابوسي” لنفسه، وعمره لا يتجاوز 17 سنة، اسما ومجدا وتميزا في أداء أغنية الـ”دْمَام” التي انفرد بها بمنطقة “بلاد إيشاويّن” حتى عن عمالقة الأغنية الشاويّة كـ”عيسى آجرموني” و”علي آخنشلي” فهؤلاء لم يؤدّوا هذا اللون الفني.

كان الدمام بمثابة النقلة النوعية في الأغنية التقليدية الشّاوية، وكان حدثا فنيا وثقافيا كبيرا لدى سكان آوراس آمقران، ومن هنا أصبح اسم “قدور آيابوسي” حديث العام والخاص فارتبط اسمه بالـ”دمام” وأصبح مطلوبا في أفراح ومناسبات إيشاويّن قاطبة

أغنية “دْمام” التي لخصت حياة “قدور آسكوم” كانت سببا في انطلاقه نحو النجومية سنة 1976، في تلك الفترة بحث عن عازف “هاقصبث” (الناي الشّاوي) ليشكل ثنائيا ويدخل عالم الموسيقى بأغنيته الشهيرة، وكلماتها الحزينة ولحنها وموسيقاها المتميزة. بعد فترة اختار العازف “عبروز ⵄⴻⴱⵕⵓⵥ” ليكون رفيق دربه في الساحة الفنية وانطلق نحو “تلاغما” (ولاية ميلة) ليسجل أول شريط له عام 1977، في 6 أغان من بينها دمام، عياش، والأغنية الثورية “آنتش بلسيغ”. مع الإشارة أن الاسم الفني الذي اختاره قدّور الفنان هو اسم “قدور آيابوسي” وهذا للتشهير والتعريف بمنطقته “يابوس”.

نزول الشريط الأول لـ”قدور آيابوسي” في الساحة المحلية جعله أكثر شهرة وحقق مبيعات كبيرة وفتح له باب المشاركة في المهرجانات الجهوية والوطنية. واستطاع في تلك الفترة أن يؤسس جمعية ثقافية ويضم معه العازف الجديد “لْحاج زرِيبا” الذي صنع لنفسه أيضا اسما فنيا لامعا ذائع الصيت في فنّ العزف على “هقصبث”.

بعد تأسيس الجمعية الثقافية “يابوس” للتراث والفولكلور . تلقت الجمعية لأول مرة دعوة للمشاركة في مهرجان الأغنية الجزائرية عام 1979. وتوجه الفنان “قدور آيابوسي” رفقة الفنان “الهادي بهلولي” والعازفين “عبروز” و”لحاج زريبا” نحو العاصمة لتمثيل الأغنية الشاوية التقليدية هناك، وكان الاتفاق مع القائمين على المهرجان أن تحيي الفرقة حفلا واحدا، حتّى تفسح المجال لممثلي الطبوع الأخرى المشاركة في احياء ليال المهرجان.

لحظات فقط قبل بدء السهرة الفنية الخاصة بمنطقة بلاد إيشاويّن، شعر “قدور” الشاب بارتباك كبير وتضايق من مكبرات الصوت التي ستعيق حركاته ورقصات فرقته الأوراسية. فطلب من القائمين على المهرجان فسح مجال للحركة والتنقل على منصة الحفل دون مكبر للصوت فكان له ما أراد.

بعد أداء الفرقة لعدد من الاغاني الشاوية الأصيلة استطاعت ان تخطف قلوب الحاضرين الّذين وقفوا وصفّقوا لها مطوّلا، الحضور الذي تفاعل طوال السهرة راقصا تارة على وقع أهازيج “هقصبث” و”آبندير” ومتأثرا تارة أخرى مع ألحان “دمام” و”عياش” الحزينة

بعد أن أبدعت فرقة “قدور آيابوسي” في أول سهرة فنية في إطار فعاليات مهرجان الأغنية الجزائرية، بدزاير العاصمة عام 1979 تقدم محافظ المهرجان إلى الفنان “قدور آيابوسي” طالبا منه تمديد فترة إقامته بالعاصمة لإحياء ليال فنية أخرى وبعد موافقة الفرقة تم برمجتها في سهرات فنية جديدة سمحت للفنان وفرقته بالتعريف بالأغنية الشاويّة التقليدية مؤكدين على جمالية التراث الفولكلوري الشاوي الأصيل وأصبح الجمهور في كل سهرة يطلب اغنية “دمام” التي كانت مليئة بشحنة من العواطف القوية والأحاسيس المرهفة تقشعر لها الابدان فكان “دمام” بمثابة الشرارة الاولى التي أعلنت عن بداية عصر جديد للأغنية الشاوية التقليدي الفردية والجماعية بلسان شاوي أصيل.

مقطع من أغنية الـ”دمام ⴷⴷⵎⴰⵎ Ddmam

ⵊⴻⴱⴱⴰⴷ ⴰⵢⴻⵎⵎⴰ ⴰⵀⵡⴻⵍⵍⵉ-ⴷ, ⴰⴳⵔⴻ-ⴷ ⵍⵓⵊⴰⴱ ⴼⴻⵍⵍ-ⴰ ⵄⴻⴷⴷⵉ-ⴷ

Jebba-d ayemma ahwelli-d, agre-d lujab fell-a ɛeddi-d

ⴰⵢⴻⵎⵎⴰ, ⵀⴻⵙⵍⵉⴸ-ⵛ ⴰⵢⵓⵝⵎⴰ ⵎⴰ ⵏⴻⵛⴷⴻⵏ-ⵛ ⴼⴻⵍⵍ-ⴰ, ⴰⵢⴻⵎⵎⴰ ⴰⵄⴻⵎⵔ ⵉⵏⵓ ⴰⵝ ⵢⵄⴻⴷⴷⴰ

Ayemma, heslid-c ayetma ma necden-c fell-a, ayemma aɛemr inu at iɛedda

ⵊⴻⴱⴱⴰ-ⴷ ⴰⵢⴻⵎⵎⴰ ⴼ ⵍⴱⴰⴱ, ⵉⵏⴰⵙⴻⵏ ⵢⵓⵎⴰⵎ ⵢⴻⵎⴹⵉ ⵍⵄⴸⴰⴱ ⵢⴻⵎⵖⴻⵔ ⵓ ⵢⵛⴰⴱ

Jebba-d ayemma f lbab, inasen yumam yemḍi leɛdab yemɣer u icab

ⵢⴻⵎⵎⴰ ⵎⴰ ⵀⴻⵍⵍⵉ-ⴷ ⵜⴰⵊⴱⴰⵔⵜ ⵏ ⴷⴻⴳⵍⴻⵜ ⵏⵓⵔ .. ⵃⴻⴷ ⵍⵃⴰⴷⵊ ⵢⴻⵜⵜⴻⴱⴱⵉ ⵃⴻⴷ ⴰⵙⴻⵏⵙⵓⵔ

Yemma ma hellid tajbart n deglet nur .. ḥed lḥaǧ yettebbi ḥed asensur

ⴰⵛⵜ ⵏ ⵢⵓⵎⴰ-ⵎ ⵢⵓⴹⴻⵏ ⵢⴻⵏⴷⵓⵕⵕ

Act n Yuma-m yuḍen yenduṛṛ

 

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى