أقلام حرّة

ما هو الفرق بين الدولة الديمقراطية والدولة الإسلامية؟

في مقال سابق تحت عنوان “هل يوجد توافق بين الإسلام والديمقراطية؟” ( أنظر هنا ) رأينا أنه في إحدى الدراسات الاستطلاعية عام 2015 ظهر أن 41% من المغاربة و37% من الجزائريين و64% من التونسيين يؤيدون “فصل الدين عن السياسة” (العلمانية). كما رأينا أنه لا يوجد توافق بين الإسلام والديمقراطية. فالإسلام والديمقراطية نظامان فكريان مستقلان عن بعضهما البعض ومكتفيان ذاتيا ومتناقضان في المحددات والصفات الأساسية. الإسلام والديمقراطية متناقضان في الأسس الفكرية وفي التطبيقات العملية وفي الأهداف النهائية.

فالإسلام يهدف إلى إنجاز مشروع “الدولة الإسلامية/الخلافة الإسلامية” وهي دولة دينية هدفها الأول والأهم هو خدمة الدين الإسلامي ونشره عالميا وتطبيق الشريعة المستقاة من القرآن والأحاديث النبوية والسيرة النبوية والتفاسير.

أما الديمقراطية فهي تهدف إلى إنجاز مشروع “الدولة الديمقراطية” وهي دولة علمانية (دنيوية صرفة) هدفها خدمة الشعب (مهما كانت أديانه وعقائده) وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان والحريات الفردية والمساواة التامة بين كل المواطنين والمواطنات مهما كانت أديانهم وعقائدهم وأيديولوجياتهم.

وفي هذا المقال سنقترب أكثر من التفاصيل بدون عموميات ولا نظريات. سنقارن بين شكل ومضمون “الدولة الديمقراطية” وشكل ومضمون “الدولة الإسلامية”.

أ) ما هو الفرق بين “الدولة الديمقراطية” و”الدولة الإسلامية”؟

لكي نفهم جيدا جوهر الاختلاف بين “الدولة الديمقراطية” و”الدولة الإسلامية” يجب أن نلاحظ جيدا هذه المقومات والصفات الأساسية للدولة:

1) ما هو تعريف الدولة؟

– الدولة الديمقراطية: حكم الشعب.

– الدولة الإسلامية: حكم الله.

2) ما هو مصدر السلطة والشرعية؟

– الدولة الديمقراطية: الشعب.

– الدولة الإسلامية: الله.

3) ما هي المرجعية الفكرية والتشريعية العليا للدولة؟

– الدولة الديمقراطية: مرجعيتها هي “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” لعام 1948 كمرجعية عالمية حديثة موحدة متعارف عليها بين شعوب كوكب الأرض. وهي مرجعية مبنية على تراكمات من الأخلاقيات والأدبيات والفلسفات الإنسانية القديمة والحديثة، كالفلسفات الإغريقية القديمة، و”دستور أثينا” المنسوب إلى أرسطو والمكتوب حوالي عام 330 ق.م.، ونظام الديمقراطية الإغريقية البدائية الأقدم في العالم في حوالي عام 500 ق.م.، و”وثيقة الحقوق” Bill of Rights التي أقرها البرلمان البريطاني عام 1689، و”إعلان فيرجينيا للحقوق” في أمريكا عام 1776، و”وثيقة الحقوق” Bill of Rights الأمريكية عام 1789، و”الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن” عام 1789، وبقية الفلسفات والتراكمات والأعراف كالشريعة العرفية الأمازيغية izerfan والتقاليد الأمازيغية في اختيار زعيم القبيلة بطريقة توافقية وتدبير أمور القبيلة بشكل جماعي تشاوري، والفصل لدى الأمازيغ بين وظيفة Aggag (الفقيه الديني) ووظيفة Amɣar “أمغار” (زعيم القبيلة أو الدولة)، وما يشابه ذلك لدى كل شعوب الأرض.

– الدولة الإسلامية: مرجعيتها هي القرآن والأحاديث النبوية والسيرة النبوية والتفاسير المقبولة لدى فقهاء الإسلام حسب كل مذهب إسلامي (سني، شيعي، إباضي، …إلخ).

4) هل نصوص المرجعية الفكرية والتشريعية للدولة قابلة للتعديل والتحسين والتطوير والتغيير؟

– الدولة الديمقراطية: نعم. يمكن تعديل وتحسين وتطوير وتغيير نص “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” ونص دستور الدولة الديمقراطية وكل قوانينها، شكلا ومضمونا، بشكل جزئي أو كامل، حسب إرادة الشعب، بشرط عدم تضييق الحريات والحقوق وإنما لتوسيعها أو لحمايتها.

– الدولة الإسلامية: لا. القرآن والأحاديث النبوية والسيرة النبوية والتفاسير الأصلية هي نصوص مقدسة غير قابلة للتعديل أو التغيير على الإطلاق، حتى لو أراد الشعب ذلك.

5) بِاسم من يحكم الحاكمُ أو الرئيسُ أو الملكُ أو الأمير؟

– الدولة الديمقراطية: يحكم باسم الشعب.

– الدولة الإسلامية: يحكم باسم الله.

6) من يحاسب الحاكمَ أو الرئيسَ أو الملكَ أو الأمير؟

– الدولة الديمقراطية: يحاسبه الشعب (عبر البرلمان وغيره).

– الدولة الإسلامية: يحاسبه الله يوم القيامة.

7) ما هو شكل الدولة المميز لها؟

– الدولة الديمقراطية: دولة علمانية / دنيوية لادينية، هدفها إرضاء الشعب.

– الدولة الإسلامية: دولة دينية، هدفها إرضاء الله.

8) ما هي كيفية تشريع وإقرار القوانين والإجراءات الجديدة؟

– الدولة الديمقراطية: عبر الشعب مباشرة أو عبر ممثليه المنتخبين (التصويت على القوانين).

– الدولة الإسلامية: عبر فقهاء ورجال الدين الإسلامي (إصدار الفتاوى).

9) كيف يتم حسم الخلافات والقضايا المثيرة للجدل؟

– الدولة الديمقراطية: عبر استفتاء الشعب.

– الدولة الإسلامية: عبر استفتاء فقهاء الإسلام.

10) ما هو المواطن؟

– الدولة الديمقراطية: المواطن هو إنسان يعيش داخل مجال الدولة بشكل مؤقت أو دائم، مهما كان دينه أو عقيدته أو فكره أو نمط حياته. وتسري عليه قوانين متوافقة مع حقوق الإنسان وبالمساواة مع غيره من المواطنين والمواطنات.

– الدولة الإسلامية: الرعية 5 أنواع. النوع الأول: مسلم. النوع الثاني: كافر ذِمّي (كافر مقيم في دولة الإسلام بعقد ذمة ويدفع لها الجزية). النوع الثالث: كافر مستأمِن (كافر أجنبي زائر أو مقيم بشكل مؤقت، أخذ أمانا مؤقتا من دولة الإسلام). النوع الرابع: كافر معاهَد (كافر أجنبي له عهد أو اتفاق مع دولة الإسلام وقد يزورها). النوع الخامس: كافر حربي (كافر رفض اعتناق الإسلام ورفض دفع الجزية ولا اتفاق بينه وبين دولة الإسلام).

11) ما هي وضعية الأقليات الدينية والفكرية أمام الأغلبية؟

– الدولة الديمقراطية: مساواة بين كل المواطنين مهما كانت أديانهم وعقائدهم وأيديولوجياتهم.

– الدولة الإسلامية: مساواة بين كل المسلمين. وضع خاص للذميين (اليهود والمسيحيين وغيرهم). وضع خاص لبقية الكفار (المستأمِنين والمعاهَدين والحربيين).

12) ما هي وضعية الرجل والمرأة في الدولة والحياة العمومية؟

– الدولة الديمقراطية: مساواة تامة بين الرجل والمرأة في كل شيء.

– الدولة الإسلامية: الرجال قوامون على النساء. الدولة يحكمها الرجال المسلمون.

13) ما هو موقف الدولة من وجود مواطنين في المجتمع من أتباع الأديان والعقائد المختلفة كالمسيحيين واليهود والمسلمين والبهائيين والزنادقة والمرتدين والوثنيين والمشركين والدهريين والملحدين واللادينيين؟

– الدولة الديمقراطية: كلهم مواطنون عاديون ينطبق عليهم قانون واحد. يحق لهم تولي كل المناصب بما فيها رئاسة الدولة وقيادة الجيش وممارسة الحكم بمساواة تامة مع غيرهم من المواطنين والمواطنات. وجودهم في المجتمع طبيعي. لهم حق نشر وترويج أديانهم وعقائدهم وأفكارهم في المجتمع بحرية كاملة كغيرهم.

– الدولة الإسلامية: غير المسلمين (الكفار) هم رعية / رعايا غير عاديين. لهم وضع خاص. لا يحق لهم تولي رئاسة الدولة ولا المناصب العليا ولا ممارسة الحكم. بقاؤهم في المجتمع بشكل دائم مشروط باتفاق (عقد الذمة) مع الدولة الإسلامية يتضمن دفع الجزية، وبشرط أن لا ينشروا أديانهم وعقائدهم وأفكارهم اللاإسلامية (الكفرية) في المجتمع. وتجب دعوتهم إلى الإسلام من طرف الدولة الإسلامية.

14) ما هو موقف الدولة من العلمانية (فصل الأديان عن الدولة)؟

– الدولة الديمقراطية: العلمانية أساس الدولة الديمقراطية.

– الدولة الإسلامية: العلمانية تنسف الدولة الإسلامية من الأساس.

15) هل للدولة دين رسمي؟

– الدولة الديمقراطية: لا.

– الدولة الإسلامية: نعم.

16) هل تنشر أو تروج الدولة دينا أو عقيدة بين الناس؟

– الدولة الديمقراطية: لا.

– الدولة الإسلامية: نعم، تنشر وتروج الدين الإسلامي والعقيدة الإسلامية.

17) هل تمنع الدولة رواج دين معين أو عقيدة معينة بين الناس؟

– الدولة الديمقراطية: لا.

– الدولة الإسلامية: نعم، تمنع رواج أي دين أو عقيدة أخرى غير الإسلام.

18) هل تعاقب الدولة المرتدين عن دين معين أو أيديولوجية معينة؟

– الدولة الديمقراطية: لا.

– الدولة الإسلامية: نعم، تعاقب المرتدين عن الإسلام بالإعدام، وتشجع الردة عن الأديان الأخرى من أجل اعتناق الإسلام.

19) هل تقيد الدولة حرياتِ الناس؟

– الدولة الديمقراطية: الأصل هو الحرية. لا تقيد حريات مواطنٍ إلا إذا هدد حياةَ أو حريةَ مواطنٍ آخر.

– الدولة الإسلامية: الأصل هو الإباحة. لا تحرّم الأقوال والأفعال إلا إذا حرّمها الإسلام.

20) هل يحق للمواطن أن ينتقد ويرفض ويَسْخَرَ ويتهكم على نظام الدولة ومرجعيتها التشريعية العليا؟

– الدولة الديمقراطية: نعم. يحق للمواطن أن ينتقد أو يسخر من أي شخص أو شيء بما في ذلك الديمقراطية والعلمانية والأفكار والفنون والعلوم والشعب والدستور والأديان والعقائد والكتب المقدسة وغير المقدسة، وأن ينتقد أو يسخر أيضا من رموز الدولة كالرئيس أو الملك أو الشعار أو الراية الوطنية، حيث أن ذلك كله يندرج ضمن حرية التعبير التي هي حق من حقوق الإنسان.

– الدولة الإسلامية: لا. لا يحق لأحد أن ينتقد أو يسخر من الإسلام أو الله أو النبي أو القرآن أو الأحاديث أو رموز الإسلام. ومن فعل ذلك فهو مرتد أو كافر وتعاقبه الدولة الإسلامية بالإعدام أو بعقوبة شديدة أخرى.

21) لمن يكون الحق في تولي رئاسة الدولة والمناصب العليا؟

– الدولة الديمقراطية: لكل المواطنين رجالا ونساءا مهما كانت أديانهم أو عقائدهم أو أيديولوجياتهم.

– الدولة الإسلامية: للمسلمين الرجال فقط. النساء والكفار ممنوعون منها.

22) هل يَحِقُّ لامرأة مواطِنة مُسلِمَة أن تحكم الدولة (رئيسة / زعيمة / ملكة)؟

– الدولة الديمقراطية: نعم.

– الدولة الإسلامية: لا.

23) هل يَحِقُّ لمواطن ملحد أن يكون رئيس أو ملك أو زعيم الدولة؟

– الدولة الديمقراطية: نعم.

– الدولة الإسلامية: لا.

24) هل يَحِقُّ لمواطن مسيحي أن يكون رئيس أو ملك أو زعيم الدولة؟

– الدولة الديمقراطية: نعم.

– الدولة الإسلامية: لا.

25) هل يحق لمواطن مسلم أن يكون رئيس أو ملك أو زعيم الدولة؟

– الدولة الديمقراطية: نعم.

– الدولة الإسلامية: نعم.

26) من يختار حاكِمَ الدولة؟

– الدولة الديمقراطية: ينتخبه / ينتخبها الشعب.

– الدولة الإسلامية: يختاره أو يبايعه فقهاء الإسلام أو أهل الحل والعقد (الأعيان) المسلمون.

27) ما هو الهدف النهائي والأسمى للدولة؟

– الدولة الديمقراطية: هدفها النهائي والأسمى هو تطبيق حقوق الإنسان في المجتمع، وتنفيذ إرادة الشعب، وحماية الحياة والحرية، وتحقيق رفاهية وسعادة المواطنين والمواطنات في الحياة أو مساعدتهم في ذلك.

– الدولة الإسلامية: هدفها النهائي والأسمى هو تطبيق الإسلام، وتنفيذ شرع الله في المجتمع، ونشر الإسلام عالميا، والاستعداد ليوم القيامة.

ب) هل المسلمون قادرون على بناء دولة علمانية؟

نعم. هم قادرون، بل نجحوا في ذلك. والأدلة موجودة على أرض الواقع. توجد في العالم الآن 15 دولة علمانية ذات أغلبية سكانية مسلمة تنص دساتيرها صراحة وحرفيا على أن “الدولة علمانية” أو على أن “الدولة محايدة دينيا وليس لها دين رسمي”.

وهذه الدول العلمانية رسميا ودستوريا هي: تركيا، السنغال، أزربيجان، ألبانيا، بوركينا فاسو، كوسوفو، تشاد، غينيا – كوناكري، قرغيزستان، مالي، كازاخستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان، وبنغلاديش. وتبلغ الكتلة السكانية الإجمالية لهذه الدول العلمانية حوالي 400 مليون نسمة، وهذا دون احتساب إندونيسيا (258 مليون نسمة) التي تملك دستورا علمانيا من حيث المضمون العام رغم أنه لا يذكر كلمة “العلمانية” (وهو طبعا شيء غير ضروري لأن المهم هو المضمون وليس الشكل).

إذن فرغم كون الديمقراطية والإسلام مختلفين ومتناقضين في كل شيء تقريبا فإن المسلمين نجحوا في بناء عدة دول علمانية وذلك بتخليهم عن الجزء السياسي من الإسلام واحتفاظهم بجزئه التعبدي والعقائدي فقط في حياتهم الشخصية والاجتماعية (مثلما تخلى المسلمون في المغرب والجزائر وتونس وليبيا مثلا عن شراء وبيع العبيد والجواري الذي يبيحه الإسلام وعن عقوبات قطع يد السارق وجلد أو رجم الزاني وقتل المرتد).

في مقال قادم سنركز على دساتير هذه الدول العلمانية الـ 15 ذات الغالبية السكانية المسلمة وسنكتشف النصوص الدستورية التي تنص على علمانية تلك الدول.


مبارك بلقاسم

tussna@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى