مقدّمة كتاب “حروب فلّاحي نوميديا” بقلم: أحمد عكّاش

إنّ تاريخ الجزائر، مهما سافرنا عبر الماضي القديم، شهد كفاحات لا تنقطع من أجل الحرية والأرض، إذ كانت حروب الفلاحين تشكّل تقليدا دهريا عبر صخب السلاح وضجيج حوافر الأحصنة، في أزمنة غابرة كانت ترتسم فيها أولى إطارات الأمّة، وسبق ذلك التقليد الاستعمار الفرنسي بكثير.

هذا لأن الأراضي الجزائرية أثارت دوما جشع الأجنبي بحكم أنّها غنية، خصبة ومصدر عيش أقاطيع كبيرة وتجود في إنتاج القمح، الزيت، النبيذ والعسل. إنّ قائمة كل الغزوات التي حلّت على مر العصور على أرضنا من أجل نهب ثرواتها واستغلال سكانها لقائمة طويلة، انطلاقا من القرطاجيين والرومان إلى غاية الأتراك والفرنسيين.

والملفت للانتباه والدهشة هو أنّ جميع الاستعمارات سعت إلى الاستيلاء على الأراضي وانتهت كلها بالفشل بفعل المعارضة العنيدة من قبل الفلاحين وأهالي الريف.

لم يكن يبقى لسكان الجزائر القدماء إلّا خيارا ممكنا ألا وهو الكفاح من أجل استعادة أراضيهم ومراعيهم، بحكم أنه تم حرمانهم من إمكانياتهم المعيشية وتمت مصادرة مراعيهم وتم الدفع بهم نحو المناطق الجدباء. وجعل منهم ذلك المطلب التاريخي فلاحين أو رعاة محاربين، ماهرين في استعمال الأسلحة ومتمرّدين على أي سيطرة كانت، ومنظّمين في قبائل تتحرك باستمرار ولا تكاد تُقهر في الجبال وفي الصحاري التي كانت تشكل ملجأ لهم.

إنّ ثراء تاريخ أولئك الرجال، الذي يتم تناوله بإيجاز في الصفحات التالية، لهو ثراء مدهش. وفعلا لا ينحصر ذلك التاريخ على النشاط الهائل الذي قام به بضع ملوك أو بضع قادة حربيين ولا هو مرتكز على الإنجازات الفردية التي قامت بها شخصيات نخبوية، وإنما هو تاريخ مرتكز على حركة الجماهير البشرية التي لا تحصى ولا تعد والتي، من القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الخامس ميلادي، أي خلال كل فترة الاستعمار الروماني، حوّلت جيش الفلاحين بلا اسم ولا أرض إلى ناطقين باسم الأمّة.

الترجمة من الفرنسية: محمّد وليد قرين، كاتب قصص ومترجم، أستاذ مساعد بمعهد الترجمة بالجزائر (جامعة الجزائر 2) المقدمة مقتطفة من كتاب “Les guerres paysannes de Numidie”، لـأحمد عكّاش، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1973.

من كان أحمد عكّاش؟

كاتب ومؤرّخ جزائري. تاريخ الميلاد 10 نوفمبر 1926 بالقصبة ( الجزائر العاصمة)-تاريخ الوفاة 8 أكتوبر 2010، بالجزائر العاصمة. كان صديقا للشهيد ديديوش مراد وللأديب كاتب ياسين. ينحدر من عائلة فلاحين قبائل من مشدا الله (دائرة بولاية البويرة حاليا) صادرت سلطات الاستعمار الفرنسي أملاكها بعد مشاركتها في ثورة 1871 الكبرى. طفولته انقضت في ظروف البؤس والحرمان، مثلما قضاها أغلب الأطفال الجزائريين في عهد الاستعمار الفرنسي.

في حوالي السن الـ15 اكتشف الفكر اليساري والثوري وبدأ يقرأ كتبا عن الاشتراكية. في 1944 تم تعيينه معلّما في البويرة ولكنه قدم استقالته بعد مجازر 8 ماي 1945 وقرّر الانتقال إلى النضال السياسي.

من 1947 إلى 1952: انضم إلى حزب الشعب الجزائري ولكنه سرعان ما غادره والتحق بصفوف الحزب الشيوعي الجزائري أين تقلّد مختلف المسؤوليات الحزبية، في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي. وفي سنة 1950 شغل منصب رئيس تحرير جريدة Liberté ليبرتي (الحرية)، لسان حال الحزب الشيوعي الجزائري، وكانت تلك الجريدة قد نشرت قصة Le déshérité des Aurès “ابن آوراس المحروم من الإرث” من تأليف الكاتب الجزائري كاتب ياسين. بعد ذلك بسنتين تم تعيينه عضوا في أمانة الحزب.

في سنة 1955 نادى أحمد عكّاش الشبان خلال اجتماع منعقد في سوق الماشية بالحراش (بلدية في الجزائر العاصمة) إلى الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني. بعد ذلك قرّرت السلطات الاستعمارية الفرنسية حظر الحزب الشيوعي الجزائري وحظر جريدة ليبرتي. فانتقل أحمد عكّاش حينها إلى المقاومة السرية. اعتقلته السلطات الاستعمارية الفرنسية في 1957 وتم سجنه في فيلا سيزيني أين عذبه المظليون الفرنسيون ولكنه صمد ولم يخن رفاقه وإخوانه المجاهدين. تم نقله إلى سجن مدينة آنجي Angers بفرنسا ولكنه تمكن من الهروب في شهر جانفي 1962 بمساعدة شيوعيين فرنسيين وعاد خفية إلى الوطن.

بعد الاستقلال نشّط أحمد عكّاش مجلة La Revue du travail (مجلة العمل) وشغل منصب أستاذ في التاريخ بجامعة الجزائر العاصمة.

تم سجنه بتاريخ 19 جوان 1965 بعد تولّي الرئيس الراحل  هواري بومدين الحكم، لأنه كان قد انضم إلى منظمة المقاومة الشعبية المعارضة للانقلاب. لكن تمّ إطلاق سراحه فيما بعد.

من 1987 إلى 1992: شغل أحمد عكّاش منصب مدير المعهد الوطني للعمل.

اهتم أحمد عكّاش طول حياته بدراسة تاريخ الجزائر القديم وبتثمينه من خلال أغلب مؤلفاته، إذ أنّه كان من بين المؤرخين الجزائريين الأوائل الذين نفضوا الغبار عن شخصية المقاوم تاكفاريناس وعن كفاحه الشجاع ضد الاستعمار الروماني لنوميديا، الاسم القديم لوطننا جزائر، كما عمل في كتبه التاريخية على إبراز أن سكان الأرياف كانوا في طليعة المقاومة الشعبية ضد كل الغزوات الأجنبية على الجزائر وأنّ الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية، من أجل الأرض والحرية تقليد دهري في وطننا يضرب جذوره في فكر وعقلية أجدادنا النوميد الأمازيغ.

مؤلّفات أحمد عكّاش (ألّفها بالفرنسية):

الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1972.

 

من إعداد: محمّد وليد قرين

المصادر: