تاريخ

نفض الغبار على تاريخ إيريغِيَّنْ العريق بعد طول نسيان

تقطن قبيلة إيريغِيَّنْ حاليًا، بالمنطقة الجنوبية لولاية سطيف وذلك في المَجال الجُغرافي تقريبًا من بلاد المَحْجوبة برأس الوادي غربًا إلى ثيزي غنية بعين ازال شرقًا والذي يَتميز طَبيعِيًا، بجبلي يوسف وأزديم شَمالا ثُم تأتي السُهول مع جبل سكرين في الوسط إلى جبال بوطالب بجبال الحُضنة جنوبًا.

حسب بعض المَصادر التاريخية القديمة، فإن قبيلة إيريغِيَّنْ تنحدر من القبائل الزناتية، وكانت تبسط نفوذها القَبلي في العهد النوميدي على كل الَمناطق المُمتدة حالَيًا من شَمال ولاية ماكومادس (أم البواقي) إلى ولاية بسكرث (بسكرة) جنوبا ومن تبسة شرقا ووادي سوف وريغ بالجنوب الشرقي إلى الأوراس وولاية هباثنت (باتنا) غربا.

وكان قَصرهم يُسمى بالقصر الأحمر نسبة إلى تُربة مدينة تازڨاغت بخنشلا أي المدينة الحَمراء والتي تعرف بهذا النوع من التُربة إلى الآن.

ومن أبناءها البَرَّرَة المَلك ألقاتهن فريدهان ماسكيلوس أو ألقاتن فريدان ماسكيلوس، إبن مدينة خنشلة الذي أَرَّاد أن يُؤسِسْ مَمْلكة نوُميديا أسَاسُها العِرق الشَاِوي الأمازيغي الخَالصْ بِمُناصرة كَثيرًا من الأُمَراء الأمازيغ لكن لم يُحالفه الحظ في ذلك. فهو من المُلوك الأمازيغ الذين لم يُنصفهم المُؤرخون بِتَجَاهُلهم إِياهُ عن قَصْد ولا نقول التاريخ لأن التاريخ بيد من كتبوه.

و حسب ابن خلدون، يَرجع اصْل إيريغِيَّنْ الى مغراوا من قبيلة إيزناتن الأمازيغية الكُبرى. ومن بطون مغراوا : إيريغِيَّنْ ، آيث سنجاس ، آيث لغواط ، آيث وارا ، آيث بو سعيد ، آيث لنت ، آيث زنداك أو آيث زنداق ، آيث ورّاغ ، آيث ورتزمير وفي بعض النُسخ آيث ورتزيمان و آيث ورسيفان وفي بعض النُسخ آيث ورزيفان …

و حسب ماجاء به إبن خلدون في كتابه أيضًا، فإن إيريغِيَّنْ كانوا أحْياء كَثيرة ومُتعددة. ولما إفترق أمر القبيلة الأم إيزناتن تحيز منهم إلى ما يُعرف حاليًا بجبال بوطالب وجبال الحُضنة عُمُومًا، وذلك ما بين جبلي فوغال و قطيان شرقًا مُرورًا بجبل بوطالب إلى جْبل المْعاضيد (جْبل كُيانة سابقًا أين تُوجد به قلعة آيث حماد) غرباً، وما إليه من البسيط الى أنقاوس بِمَعنى السُهول الشَمالية والجنوبية لهذه الجبال حتى إلى بلد أنقاوس.

وبعد ابن خلدون تذكر المَصَادر والروَايات التَاريخية في فترة لاحقة على الزحف الهلالي وذلك تَقْريبًا، حوالي نهاية القرن السَّادس عَشَرْ ميلادي، رجل إسمه يحيى بن امساهل شيخا على قبيلة إيريغِيَّنْ وكان له سبعة اولاد، وهم على التوالي : اسماعيل، ابراهم، امْحمد، موسى، عيسي، عمر، امْطاع. والذين كَوَنوا بِدورهم : ستة (06) بُطُون أو فِرَقْ من إيريغِيَّنْ هم كالتالي :

1 ـ آيث ابْراهم : يرجع نسبهم الى ابْراهم بن يحي
2 -آيث ِبيبي و أزْغابة : يرجع نسبهم على التوالي الى امْحمد و اسْماعيل ابناء يحي
3 ـ لَمْوَّاسَة (آيث موسى بن يحي أو أيت مُوسى أويحي أو الشاوية) : يرجع نسبهم الى مُوسى بن يحي
4 ـ لَعْوّاسَة ( لفريقَّاتْ) : يرجع نسبهم الى عِيسى بن يحي
5 ـ آيث المَدَّاسي وآيث عْمُر بن اسباع : يرجع نسبهم الى عمر بن يحي
6 ـ آيث امْطاع : يرجع نسبهم الى امْطاع بن يحي

وإنتقلت فيما بعد رئاسة إيريغِيَّنْ ، من أبناء يحي بن أمساهل إلى وادفل ؛ الذي تعود أصوله إلى آيث سيدي بوعبد الله بِعَمَالة الجزائر والذي تنحدرمنه حاليًا فِرْقة آيث بُوعَّبْد الله.

قيادة إيريغِيَّنْ في العهد التركي و بداية الإحتلال الفرنسي :

هي القيادة الإدارية والسياسية لعرش إيريغِيَّنْ المُسماة مشيخة وقيادة قصر الطير معقل قبيلة إيريغِيَّنْ بقيادة عائلة آيث وادفل البُوعَبدلية. مُمثلةً في سنة 1838م، بأحمد شريف بن شيخ ساعد بن الحاج قسوم لِصَفْ إيريغِيَّنْ الظهارة و بصغير بن لعروسي بن شيخ مسعود لِصَفْ إيريغِيَّنْ القبالة. وهذه القيادة تضم الدَواوير التالية و التي تُشبه إلى حد بعيد ما يُقابل حاليًا البلديات وهم :

  •  إيريغِيَّنْ ظْهَّارة : خربة قصر الطير ، عين لقصر ، شط المالح ، قبلة أزديم ، آيث مْحَّلَة ، بلاد رأس الماء (المَّالَحْ و الرْمَايَلْ) ، بلاد محجوبة ، عين تيطيست ، آيث أبراهم ، آيث بوطارة ، آيث عبد الواحد ، بلاد لاَرْبَّاعْ ، آيث سي أحمد ، قَّلال ، جزء من آيث تبان .
  • إيريغِيَّنْ لَقْبَالة : لَفْريقَات ، سَكْرين ، تَنْزَّارْتْ ( لَمَّواسَة) ، بْيار حَدَّادَة ( آيث عْمر بن أسْباع) ، الرَّصفة ( وَرَّاغْ) ، بُوطَّالب ، الحَامَّة ، السَّبخة ( آيث المَدَّاسي).

ومن هذا التقسيم نُلاحظ أن هذه القيادة تضم إلى جانب إيريغِيَّنْ فرق أخرى مُجاورة أو مُنضوية مع قبيلة إيريغِيَّنْ وهي :

1- الفرق التي تُعْتبر من إيريغِيَّنْ وهم كالتالي : أهل الحامة (الشَّاوية)، أهل بوطالب، أهل آنوال، آيث قْمجـة، آيث حْجاز و آيث بوسلامة. تُعتبر هذه الفِرق : ٱهل الحَامة (الشَّاوية) ، ٱهل بوطالب ، أهل آنوال ، آيث قمجة، آيث حْجاز و آيث بوسلامة في نواتها الأصلية من إيريغِيَّنْ ونَزًلَ عليها ٱخرين من هُنا و هُناك. وهي تقطن جبال بوطالب وماجَاورها من السُفوح والبسائط.

2- الفرق التي ذكرتها المصادر التاريخية : 

  • آيث شِيبَا : منهم من إيريغِيَّنْ و منهم عائلات ٱتية من تْرونا السَّاحل بالقبائل الصُغرى.
  • آيث مَشْتَا : منهم من إيريغِيَّنْ و منهم عائلات ٱتية من ڨَرفا من نواحي قالمة.
  • آيث بُوطاَرَا : منهم من إيريغِيَّنْ و منهم عائلات ٱتية من آيث صَوْلا من نواحي بسكرة.
  • آيث أَشْكُر : منهم من إيريغِيَّنْ و منهم عائلات ٱتية من الحْوامد بالحضنة.
  • آيث أَمْحَلَا : منهم من إيريغِيَّنْ و منهم عائلات لا نعلم الموطن الذي جاؤوا منه ؟
  • آيث صْغِير : لا نعلم الموطن الذي جاؤوا منه ؟

آيث سي عمُر و آيث بُوعافية الشَّاوية من إيريغِيَّنْ : ذهبوا إلى الحْرّاكتة و سَّلاوة الخْرارب بأم البواقي.

3- الفرق المَوْجُودة مع إيريغِيَّنْ والمُجَاِورَة لها :

ـ آيث عبد الواحد :
حسب الارشيف الفرنسي عن تاريخ مدينة راس الوادي، فإن آيث عبد الواحد كان إسمها ردغون وفي بعض النُسخ ردغماون وكانت كثيرة التناحر في ما بينها على الأراضي، عندما جاء الشيخ عبد الواحد من مراكش في طريقه الى الحَج، صَادف هذه القبيلة فأقام بينهم كإمام وقاضي وانتشر نسله بينهم وأصبحت تسمى بآيث عبد الواحد وشاع صيته بين القبائل المجاورة وبعد موته تولى احد أبناءه الإمامة في القبيلة إلى ان ألت إلى حفيده الشيخ بلعيساوي ويقولون ان نسل الشيخ من المرابطين الصنهاجيين .

– اولاد سي احمد :
يذكر آيث سي أحمد أن نسبهم يرجع إلى أحمد بن سليمان، الذي قطن مع إيريغِيَّنْ الظهارة والذي بدوره ترك اربعة ذكور وبنتين وهم كالتالي :
– يحي، اسعيد، سليمان،العايب، صيغة و عائشة.
وكل واحد منهم ترك الفرقة المعروفة به حاليًا.
إلا القراس بن أحمد فإنه كان يدرس عند الشيخ احمد بن سليمان ، فتزوَّج من إبنته صيغة فنشأ منه القرارسة.

– آيث تبان :
حسب إبن خلدون هُم من عْياض الهلاليين نزل منهم بجبال الحُضنة وإستوطنوا مع من كان بها من قبائل الأمازيغ من إيريغِيَّنْ و هَوَّارة وعجيسة و صنهاجة ووو..

4 – الفرق المُجَاِورَة والمَوْجُودة مع إيريغِيَّنْ ولم تذكرها المصادر التاريخية :

آيث قاَّسم ( تابع لِدُوار قلال) ، آيث شْبَل ( تابع لِدُوار قلال ) ، لاَرْبَّاعْ ( تابع لقيادة آيث موصلي) ، آيث أرْشيد ، آيث مَحْنان …

مُلاحظة هَامة إستقرائية للتاريخ بالواقع :

حسب ما ذكر إبن خلدون أنَّ إيريغِيَّنْ كانوا فِئتين وهما :

  • إيريغِيَّنْ جبل القلعة وما يُحيط به من بسيط.
  • إيريغِيَّنْ بسيط نقاوس وما إليه من جبال الحُضنة.

ويَتبيَّن من هذا و الله أعلم أنَّ إيريغِيَّنْ حسب جُغرافية ذكرهم يتمثلون اليوم في :

  • إيريغِيَّنْ جبل القلعة و ما يُحيط به من بسيط هم اليوم إيريغِيَّنْ الظهارة و لقبالة
  • إيريغِيَّنْ بسيط نقاوس وما إليه من جبال الحُضنة هم اليوم آيث علي بن صابور و آيث سلام.

و هذا الإستنتاج راجع في رأيي الشخصي إلى سَبَّبَيْن و هما :

الموقع الجُغرافي التاريخي لقبيلة إيريغِيَّنْ الذي تحدث عنه المُؤرخون و على رأسهم إبن خلدون و الذي هو نفسه الموقع المُطابق الذي تقطنه هذه القبائل الثلاثة حاليًا.

اللهجة الأمازيغية الزَناتية الشاوية المُميزة لهذه القبائل الثلاثة ( إيريغِيَّنْ ، آيث سلام و آيث علي بن صابور) من فصيلة آيث لوقّا وتَمُيُزِها في إقلاب القَّاف البدوية إلى ألف، مثل : أرياز عِوض أرڨاز و كذلك خُصوصًا و بالذات في إقلاب غين المُتكلم خاءًا، مثل : زريخ عِوض زريغ ; نيخاس عَوض نيغاس وهذه الأخيرة هي صفة فريدة بهم يتصفون بها وحدهم عن باقي الشاوية الٱخرين.

والشيء الثاني المُهم و المُلاحظ عليهم أيضًا والذي يُؤكد ما قَاله حقيقة إبن خلدون عن لهجة إيزناتن المُميزَّة في رَّطَانتها عن باقي لهجات الأمازيغ.

ومنها طبعًا هُنا إيريغِيَّنْ الزناتيين ( إيريغِيَّنْ ، آيث علي بن صابور و آيث سلام). بحيث أنهم رغم مُجاورتهم لقبائل أمازيغية ذات الأصول اللواتية و الكُتامية مثل آيث سُلطان و آيث فاطمة و آيث بوعون، الذين يتحدثون لهجة شاوية من صنف ٱه إيميرا. إلا أنهم لم يتأثرو بهم بل حافظوا على لهجتهم من صنف آيث لوقّا وتَمُيُزِها في نُطقها ورَطَّانتها على الطريقة الزناتية الرِيغية عن باقي لهجات الشاوية والأمازيغ بصفة عامة. ضِفْ إلى هذا ،أنَنَا نُلاحظ أيضًا تَمُيُزهم حتى في طريقة تُحدثهم باللُغة الدَاِرجة والشَّاوية فهي حقيقةً مُمَيزة في نُطقها ورَّنَتها عن باقي جيرانهم الناطقين بالدَارجة والشاوية.

في الأخير ، مَهْمَا يكون من هذا الإستقرَّاء الإجتهادي، فإنَّ الشيء الذي لا نقاش ولا جِّدال فيه ، هو أنَّ : إيريغِيَّنْ ، آيث علي بن صابور و آيث سَّلام هم من أرُومَة واحدة ألا وهي قبيلة إيزناتن الأمازيغية الكُبرى.

نظرة وجيزة على اولاد امطاع ( أو ما يُعرف اليوم بريغة) :

اولاد امطاع ( أو ما يُعرف اليوم بريغة) هم بطن من إيريغِيَّنْ و يتوزعون على الأماكن و الفِرقْ التالية : لفريقات ـ الغرنوڨة ـ عين اولمان ـ ذراع الميعاد ـ الشط المالح و برباس ـ لبعادشة وملول ـ خربة قصر الطير و زْمالة ـ لقْرافة ـ قبلة ازديم ـ لعْوالمة ـ لعْرايس ـ لعْجاجنة ـ اولاد ازرير ـ اولاد بو كثير ـ مَشْتة لعْياضات ـ بير لحلو ـ بير لبرّايش ــ اولاد لحْمر بشيب شيب ـ لفْراوة ـ عين لقصر ـ العلوي – لكتافة ؛ حتى المناطق التالية : أرمايل و لارباع ـ عين تيطيست وبير الشْحم بالقرب من راس الوادي.
و مُنتشرون ايضا في أماكن عدة مثل : سطيف ـ قلال ـ عين ازال ـ عين لحْجر ـ عكريش والقَطار ـ التلة ـ حمام السُخنة ـ بيار حَدادة ـ صالح باي ـ تيكستار- رأس الوادي ـ عين تاغروت … مامعناه على جميع وطن إيريغِيَّنْ وخارجه.

نظرة وجيزة على اولاد ازرير :

اولاد ازرير هم فرقة من اولاد امطاع ، ينتشرون في وطنهم (إيريغِيَّنْ) و في مناطقهم الأصلية بالذات التالية : السَّطَارة آيثف معروف (قصر الطير)، الغَرنُوقة بلفريقات ( عين ولمان) وعين تِيطيست قرب رأس الوادي.
وعلى غيرها كذلك من وطن إيريغِيَّنْ و خارجه.

بعض القاب اولاد ازرير : زْريري ـ همساس ـ بخوش ـ جحيش ـ سعد الله ـ خلادي ـ عبد العزيز ـ قُلي ـ طرطاق ـ غالمي ـ زرقين ـ غرقي ـ حَمادي ـ لويفي ـ لطرش ـ َّروان …

والله أعلى وأعلم.

لمطاعي الريغي

الكتب و الوثائق و المراجع :

ـ المجلد 6 و 7 لتاريخ ابن خلدون في كتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)
ـ تاريخ المدن : سطيف ، البرج ، مسيلة و بوسعادة ؛ للمؤرخ الفرنسي لُورون شارل فيرو.
ـ الارشيف الفرنسي لبلدية عين اولمان Ex البلدية المختلطة لإيريغِيَّنْ مركزها كولبار
ـ ملخص لتاريخ إيريغِيَّنْ المنشور سنة 1991 م في جريدة الأنوار للأستاذ عاشور بوشامة مدير معهد الحضارة الاسلامية والتاريخ بالجامعة الاسلامية قسنطينة.
ـ تطبيق القانون الفرنسي سيناتوس كونسيلت ِب 22 أفريل 1863ِِ م على عرش إيريغِيَّنْ ظْهارة حسب القرّار الحكومي 1 مارس 1865 م.
ـ تطبيق القانون الفرنسي سيناتوس كونسيلت ِب 22 أفريل 1863 م على عرش إيريغِيَّنْ لقبالة حسب القرّار الحكومي 7 مارس 1881 م والقرّار الحكومي 4 ماي 1901 م.
ـ موسوعة المجلة الإفريقية (106 كتاب).
ـ كتاب مَمْلكة الجزائر للكاتب لوي رَّان.
– روايات تاريخية شَفوية من مصادر مَوثُوقة.

 

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى