ماذا قدمت “تيمقاد” للسياحة والثقافة في آوراس ؟!

لامية رحّال

تطل علينا كل سنة، الطبعة تلو الأخرى لمهرجانٍ لا تكف الأبواق الإعلامية عن تضخيمه، كحدث ثقافي دولي هام، يغرس الغرورَ في نفوس مستضيفيه (سكان آوراس) الذين لا يدركون من صفة “الدولية”[1] غير المعنى اللغوي. آوراس، هذا الغول “الساذج” النائم على جغرافيا أقل ما يقال عنها أنها ثراء!

تقام التظاهرة بولاية باتنة[2] (هباثنت) الولاية التي لا تملك من أمرها شيئا في هذا المهرجان، غير الرعاية “السامية” للوالي، وضمان توفير الحشود التي تملأ المسرح. في تيمڨاد تحديدا، وثاموڨادي، بعيدا عن الآثار، بعيدا عن مدينة الرومان، هي منطقة نائية، منطقة لا تمت بنيتها التحتية بصلة للحضارة والتحضّر. مازالت أقصى الإنجازات فيها طريقا معبّدا ورصيفا قد لا تصل جودتهما لجودة الآثار الصامدة حتى ليوم …

منذ ما يقارب الأربعين سنة والمدينة التاريخية تحتضن هذا المهرجان، النموذج الروماني المتكامل في هيئة مدينة، الذي يعتبر الوحيد على مستوى القارة الافريقية وإحدى المنشآت المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي. هذا المهرجان الذي يتبجح الكثيرون بأنه ساهم في التعريف بالمنطقة، وأظنه يفعل، يجلب لها المزيد من التضامن والتأسّف والحسرة !! على المقومات السياحية التي تتآكل في صمت.

  حين تقرأ عن تيمڨاد – المهرجان – ستستهلك كل العبارات الرنانة والجذابة التي جادت بها اللغة على الصحفيين : العراقة، الأصالة، العالمية، الثقافة، الفن .. إلى مالا نهاية. وأنت تشاهد الأحداث – بعيدا عن تعليقات الصحفيين – لن ترى سوى جموعا من الشباب تتراقص دون وعي، على كل الأنغام والكلمات، وأنت تشاهد هستيريا الرقص، لن يتبادر إلى ذهنك مفهوم الثقافة إطلاقا .. الجموع هناك ذهبت لإفراغ شحنات فائضة من الطاقة .. حتى الجنس اللطيف والعائلات عموما، يقال أنَّ المكان “خطرٌ” عليهم !!

 أسبوع من الرقص كفيل بأن يخدّر الجمهور حول المعنى الحقيقي للثقافة، وطبعات متتالية كفيلة بمحوِها من قاموسه للأبد .. وأي ثقافة في منطقة تبارك كل لغات العالم إلا لغتها الحقيقية ؟؟ وتنبهر بكل ثقافات العالم لتغتال ثقافتها أيضا ؟؟  بينما الحق في الرقص مضمون، يبقى حق المواطن في هذه الثقافة قيد الرّجاء!

قراءة بسيطة للأسماء[3] التي تنشّط ليالي المهرجان كافية للحكم على مستواه، والتأكد من أن المغني ” ياكل فـ الخبز ” لا غير، ويبحث عن مصروفه الذي يبقى مشروعا، وأن عقد المصلحة  – والاستحمار-  هذا، يجعل من الثقافة الخاسر الأكبر ، ويصور تجمعا لمغنيي الأعراس و الملاهي على أنه مهرجان دولي بذوق رفيع !! ونوعية ما يُقدم هناك تحدد نوعية الجمهور.

لست هنا للإساءة لأي مغنٍّ، لكن من حقي أن أتساءل عن سبب وجود أمثال: الشاب خلاص، كادار الجابوني، الشابة جميلة، الشاب زينو، سليم الشاوي الذي أصبح شاوي – بقدرة قادر – في مهرجان ثقافي دولي ؟؟ وعن الإضافة التي قدمها هؤلاء للفن العالمي أو حتى للثقافة في الجزائر ؟؟ حتى لا أقول في بلاد إيشاويّن!! ماذا قدم هؤلاء ليستحقوا شرف المشاركة في مهرجان “ثقافي دولي” ؟؟

  ربّما نحن أمام مجتمع عقيم؛ لم ينجب من الفنانين من يحمل لواء الثقافة والعالمية غير هؤلاء، أو ربّما نحن نعاني خلطا في تصنيف الثقافة العالمية مع الملاهي والأعراس ؟؟  أظن أنه علينا تسمية الأمور بمسمياتها وإعطاء كل ذي ” فن ” مكانته الأصلية، حتى لا تختلط علينا الملاهي بالمهرجانات، وحفلات الزفاف بتظاهرات الثقافة.

تشعر بالعار وأنت  تشاهد المهرجانات الدولية الثقافية عبر العالم، كيف تبدع الدول في تثمين ثقافاتها، في صناعة التبادل و الوعي الثقافي بين الشعوب، للدرجة التي تبرمج فيها العروض المسرحية و السنيمائية الضخمة التي تدفع بدرجات الوعي إلى مستويات متقدمة خلال عمل فني واحد!

تيمقاد، مهرجان يوفر الميكروفون، هو مهرجان متخصص في الثقافة .. و بدرجة أدق في الفن .. و بشكل أدق و أدق في الغناء .. وبشكل فضيع في طابع الأعراس والملاهي !!  لذلك لن نحلم بالعروض السنيمائية و المسرحية على الرّكح ، لأن ذلك يعتبر إخلالا بمبدأ الاختصاص !!

تشعر بالخجل الشديد حين يصبح فنان الملاهي صورة لثقافتك في العالم، ويمثلك في مهرجان “دولي ” تحتك فيه مختلف الثقافات. تشعر بالألم يعتصر قلبك، حين ترى من يفنون أعمارهم في خدمة الثقافة مهمشين منسيين لا يسمع عنهم أحد غير المقهورين أمثالهم. تشعر بالإهانة، حين يمثل ” سليم الشاوي ” الأغنية الشاوية و يغيب العمالقة الذين حفِظوها لغة و معنى و لحنا .. حين يغيب نواري نزّار وديهيا وماسيليا وماركوندا و يُعوَّضون بكادار الجابوني و الشابة جميلة والشّاب زينو… حين يغيب ميهوب عبد السلام وجمال صبري وهشام بومعراف… (ولست هنا بصدد الترويج لأي فنان) تقرأ السلام على ثقافة تؤرخ لها أغاني الملاهي والأعراس على ثقافة لا يفقه منها أهلها غير الفلكلور والتهريج!

اقتصاديا، أتساءل عن المقابل المالي لكل مدعو لتنشيط السهرات، وأتساءل بالمقابل عن ثمن تذكرة الدخول لمشاهدة هذه ”الوجوه الثقافية الفنية” .. وهل يجوز في العرف الاستثماري أن تنفق الدولة دون مقابل ؟؟ عوض أن يكون النشاط تبادليا في الجانب المالي على الأقل: يغطي فيه ثمن التذاكر تكاليف دعوة الفنانين أو ربما يفوق إذا “طمعنا ” في القليل من الفاعلية l’efficience  في التسيير .. وعلى المدى الطويل نستثمر في تكوين أجيال مثقفة، إذا طمعنا أكثر في تفكير استراتيجي!

بغض النظر عن المقابل المالي الذي يتقاضاه كل ضيف والمقارنات التي أراها سخيفة بين ميزانية تظاهرة ثقافية وأولوية بناء مستشفى أو سد أو مسجد!! لأن الثقافة وقود للشعوب التي تكرّسها، وشريان آخر من شرايين الحياة التي لا استغناء عنها، تتساءل “أختي” بالكثير من العفوية و البداهة: ماذا لو خصصت مصاريف طبعة واحد لتشييد مُنشأة سياحية ؟؟ فعلا، ماذا لو جُمّدت طبعة أو طبعتين – بما أنها نسخ رديئة متكررة – ووُجّهت الملايير المخصصة لها لإنشاء مشروع قرية سياحية بكافة المرافق ؟؟ أو فندق يستجيب لمعايير العالمية بما أننا بصدد الحديث عن مهرجان “دولي”، أم أن معايير العالمية تُطبق في الشعارات ؟؟ مصاريف الاستغناء عن طبعة واحدة كفيلة بتجسيد مشروع ضخم، على الأقل فندق يقينا “بهدلة” الغناء في باتنة والمبيت في العاصمة في ليلة واحدة! يحتاج فيها الضيف لقطع أكثر من 400 كلم ليحظى بغرفة “لائقة “، يقينا “شفقة” مغنية أجنبية تأخذ الملايير من منطقة يحلم سكانها بمشاريع تعيد إليهم الحياة.

 عن أي سياحة نتحدث يا مدير السياحة ؟؟ أي نوع من السياحة نقدم ونحن عاجزون عن توفير غرفة نوم “محترمة ” ؟؟

يُسدل الستار الليلة، ليُرفع السنة القادمة في طبعة جديدة، ولن تكون مخلفات الطبعة الحالية عِبرة لها، تقييم التظاهرات ليس من تقاليدنا، فإيماننا بالعبثية عميق و راسخ للأسف.

لا علينا؛

للسياحة: فندق شيليا، وللثقافة: كادار الجابوني !!

هذا ما قدمت المدينة الأثرية.


[1]  هناك مطار على مستوى ولاية باتنة مصنف كذلك على أنه دولي

[2] الولاية المصنفة الخامسة وطنيا من حيث عدد السكان ( 1.186.832 نسمة حسب تقديرات 2012 )  .

[3]  لمطالعة البرنامج المفصل لأسماء المدعوين لتنشيط السهرات إضغط هنا