لا للقانون التنظيمي ! الأمازيغية تحتاج العدل الدستوري والحرف اللاتيني

هنالك خدعة سياسية انطلت على كثير من أنصار الأمازيغية ومفادها هو أن الدولة المغربية لا تعرف كيف ترسّم اللغات وأنها ستحتاج إلى “قانون تنظيمي” يساعدها على ترسيم اللغة الأمازيغية!

الحقيقة هي أن الدولة المغربية قد رسّمت العربية والفرنسية منذ 1912 و1956 بدون أي “قانون تنظيمي” وبأسلوب بسيط وعملي ألا وهو توظيف المترجمين والمتخصصين في اللغتين العربية والفرنسية في المدارس والإدارات. فكل منشورات ووثائق الدولة المغربية كتبها وما زال يكتبها موظفون درسوا العربية والفرنسية.

أما مشكلة الأمازيغية فهي أن الفصل رقم 5 من الدستور المغربي الحالي يظلم الأمازيغية ويعتبرها لغة رسمية ثانوية أقل درجة من العربية، وكذلك يقوم هذا الفصل الدستوري بتأجيل وتقييد وتقزيم ترسيم الأمازيغية بـ”قانون تنظيمي” بيروقراطي مستقبلي سيكتبه السياسيون وفق مزاجهم وأجنداتهم المشبوهة.

1) تعديل الفصل 5 من الدستور ضروري لإزالة الظلم عن الأمازيغية:

لقد نجحت الدولة المغربية في ترسيم الفرنسية والعربية بدون أي “قانون تنظيمي” وفقط بتوفر الإرادة السياسية التي أدت إلى تكوين وتوظيف بضعة آلاف من الموظفين الذين يتقنون الكتابة بالعربية أو الفرنسية. هذا كل ما في الأمر. أما “القانون التنظيمي للأمازيغية” فهو مضيعة للوقت وتكريس للفصل الدستوري الخامس الظالم للأمازيغية.

وقد يعترض البعض بواحد من هذه الاعتراضات الثلاث:

– الاعتراض رقم 1: ولكن الإرادة السياسية لترسيم وتدريس الأمازيغية مفقودة ومعدومة في المغرب لذلك تأتي ضرورة “القانون التنظيمي” لإجبار الدولة!

– الرد على الاعتراض رقم 1 هو: الدستور هو أعلى قانون وأقوى قانون. ومن أجل خلق الإرادة السياسية يجب تعديل الفصل الخامس من الدستور المغربي لرفع الظلم عن الأمازيغية ولترسيم اللغة الأمازيغية بمساواة كاملة مع العربية. الإرادة السياسية في أية دولة تكون إما نابعة من حاكم الدولة أو من نص دستوري قاطع واضح ساطع لا يترك مجالا للشك والتلاعب. أما الفصل الخامس من الدستور المغربي الحالي فهو يظلم الأمازيغية ويجعلها لغة ثانوية في مرتبة أدنى من العربية ويفرض على الأمازيغية “قانونا تنظيميا” هدفه تأجيل وتسويف وتقييد ترسيم الأمازيغية، ويجعل اللغة الأمازيغية تحت رحمة أمزجة وأجندات السياسيين في الحكومة والبرلمان والأحزاب. ما دامت اللغة الأمازيغية مظلومة في دستور المغرب فلن تنفرج مشاكلها أبدا ولن تنصلح أمور المغرب أبدا. و”القانون التنظيمي” المبني على هذا الفصل الدستوري الظالم سيضاعف مشاكل الأمازيغية بل سيقتل الأمازيغية.

– الاعتراض رقم 2: حالة الفرنسية والعربية مختلفة عن حالة الأمازيغية، فالأمازيغية لغة غير جاهزة وغير قادرة!

– الرد على الاعتراض رقم 2 هو: بل اللغة الأمازيغية جاهزة وقادرة على التعبير عن كل شيء. وقد ترجمت أنا شخصيا الدستور المغربي بأكمله إلى اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني (www.freemorocco.com/tamendawt.pdf) بالاعتماد على عشرات القواميس والمراجع الأمازيغية العلمية والمعجمية الموجودة منذ عقود طويلة قبل تأسيس الإيركام. وبعض القواميس والمراجع الأمازيغية يعود إلى قرون مثل “كتاب الأسماء” و”كتاب البربرية”. من يزعم بأن اللغة الأمازيغية غير جاهزة أو غير قادرة فليتفضل ويخبرني حول كلمة أو جملة يظن أن الأمازيغية لا تستطيع ترجمتها وسأترجمها له وأزوده بالمراجع العلمية والقواميس الأمازيغية التي اعتمدت عليها في الترجمة وسأزوده برقم الصفحة.

– الاعتراض رقم 3: الترسيم الدستوري الكامل والعادل للغة الأمازيغية بالمساواة الكاملة مع العربية سيضع عبئا على الدولة لا طاقة لها به!

– الرد على الاعتراض رقم 3 هو: الخطوة الأولى لإنقاذ المغرب هي إقرار العدالة الكاملة في الدستور. لا أحد يطالب المخزن أو الدولة أو الحكومة بمعجزات. فنشر اللغات في الإدارات والمدارس يتطلب وقتا بطبيعة الحال، ولكن الخطوة الأولى هي إقرار الحقوق كاملة غير منقوصة في الدستور لكي لا تكون هناك عراقيل على أرض الواقع ولكي لا يجد التعريبيون والإسلاميون مسمار جحا الذي يعشقونه. أما من يبدأ عملية الإصلاح بالظلم في الدستور فهو يبدأ الإيمان بالكفر ويبدأ الإصلاح بالإفساد ويبدأ السلام بالحرب ويبدأ النظافة بالقذارة، وهو يبرهن على أنه لا يريد إزالة الظلم بل يريد تأبيد الظلم.

إن أي مغربي عاقل يقرأ الفصل رقم 5 من الدستور المغربي لا بد له من أن يخرج بنتيجة منطقية وهي أن هذا الفصل الدستوري الكارثي يكرس “التمييز اللغوي” Language discrimination وأنه مصمم خصيصا لجعل العربية لغة رسمية أولى وعليا ولجعل الأمازيغية لغة رسمية ثانوية سفلية تحتانية مؤجلة الترسيم ومحدودة الترسيم ومقيدة بـ”قانون تنظيمي” سيكتبه السياسيون والبرلمانيون على مقاس أيديولوجياتهم وأجنداتهم السياسية المشبوهة.

الأولوية القصوى هي تعديل وتصحيح الفصل الخامس الكارثي الظالم في الدستور المغربي وتعويضه بشيء من قبيل:

“الأمازيغية والعربية هما اللغتان الرسميتان للدولة المغربية ويجب على الدولة استعمالهما بالتساوي في كل المؤسسات والإدارات والمحاكم ويجب تدريسهما بالتساوي في كل المدارس لجميع المغاربة”.

هذه الجملة أفضل وأرحم من مليار “قانون تنظيمي”.

2) “القانون التنظيمي” اختراع مخزني إسلامي تعريبي هدفه فرملة وعرقلة الأمازيغية:

“القانون التنظيمي” فكرة اخترعها المخزن مع الإسلاميين والتعريبيين في عام 2011 بهدف فرملة ترسيم الأمازيغية وتأجيله وتسويفه وتقييده بقيود بيروقراطية ولمعاملة الأمازيغية بعقلية المراحل البطيئة والجرعات الصغيرة من أجل تضييع أكبر قدر ممكن من وقت الأمازيغية وإفساح المجال للتعريب والفرنسة.

لم يطالب نشطاء الحركة الأمازيغية ولا أنصار الأمازيغية ولا بقية الشعب المغربي قبل 2011 بأي “قانون تنظيمي للأمازيغية” وإنما طالبوا بالترسيم الدستوري العادل الذي يساوي بين الأمازيغية والعربية.

هل تتذكرون عبارة “الدسترة”؟ لقد اختفت الآن من ألسن نشطاء الأمازيغية رغم أن الجبل المخزني تمخض فولد “دسترة” مشوهة. نشطاء الأمازيغية نسوا “الدسترة” وانتقلوا إلى “القانون التنظيمي”.

العجيب في الأمر هو أن الحركة الأمازيغية وأنصار الأمازيغية أصبحوا اليوم يستميتون في المطالبة بتطبيق اختراع مخزني اسمه “القانون التنظيمي” لم يسمع به أحد قبل يوليوز 2011، حتى أصبحوا أكثر مخزنية من المخزن نفسه.

وبالمقابل لا نسمع نشطاء وأنصار الأمازيغية يهمسون همسة واحدة حول ضرورة تصحيح الفصل 5 من دستور 2011 رغم كونه أصل المشكل وأصل الأزمة وسبب ضياع كل هذا الوقت.

هذا السلوك الانبطاحي لا يمكن أن نتفهمه.

خلال حراك 20 فبراير 2011 طالب الشعب المغربي بترسيم اللغتين الأمازيغية والعربية بالمساواة التامة في الدستور.

فكيف رد المخزن على الشعب المغربي؟

رد المخزن وأحزاب الإسلاميين والتعريبيين بصيغة دستورية كارثية مشوهة مراوغة تجعل الأمازيغية لغة رسمية ثانوية تحت العربية عبر خدعة إنشائية بلاغية وضعت العربية لغة رسمية أولى في مطلع الفقرة الأولى ووضعت الأمازيغية في فقرة سفلية تحتانية كلغة ثانوية. والهدف واضح: ترسيخ الطبقية اللغوية Language classism والتمييز اللغوي Language discrimination ضد الأمازيغية التي هي اللغة الأصلية للمغرب.

وكأن هذا لم يكن كافيا لإذلال الأمازيغية فقرر كاتبو الدستور أن تكون رسمية اللغة الأمازيغية مقصورة على المجالات ذات الأولوية (وليس كل المجالات، والفرق شاسع!) وأن تكون رسميتها مؤجلة ومرهونة بـ”قانون تنظيمي” يكون تحت رحمة دكاكين السياسة ومزاج السياسيين في سراديب البرلمان ودهاليزه.

إن أقوى وأخطر نوع من أنواع الظلم هو ذلك الذي يتم بالقانون ويدبّج في قانون ويصبغ بصبغة القانون.

الوهم الذي سقط فيه أنصار الأمازيغية اللاهثون وراء “القانون التنظيمي” هو أنهم يتوهمون أن مجرد أن تمتلك الأمازيغية “قانونا خاصا بها” هو دليل على تمتعها بتكريم الدولة المغربية وعنايتها الفائقة. وهذه طريقة تفكير العوام والأميين والسذج والمدجنين. فالعبرة هي بالأسس الدستورية لأي قانون وليست بالقانون نفسه. والقانون قد يكون أداة لتكبيل وتقييد الحقوق وظلم الناس، وحينئذ فإن عدمه خير من وجوده. وحين يكون القانون مبنيا على دستور ظالم فذلك القانون سيكون ظالما أيضا.

رغم استمرار هرولة الحركة الأمازيغية وأنصار الأمازيغية وراء سراب “القانون التنظيمي” لسنين طويلة منذ 2011 فلا يبدو أنهم قد تعلموا شيئا. ما زالت عقلية الانتظار والانبطاح راسخة لدى الكثيرين. وما زال كثيرون من أنصار الأمازيغية يقنعون أنفسهم بحلم وردي يقول: “الدستور يعترف بالأمازيغية رسمية إلى جانب العربية”، بينما الدستور المغربي يفند مزاعمهم الخيالية ويقول إن العربية هي اللغة الرسمية الأولى الحقيقية أما الأمازيغية فيعتبرها الدستور مجرد لغة رسمية ثانوية جزئية الترسيم ومؤجلة الترسيم ومقيدة بـ”قانون تنظيمي” مستقبلي تحت رحمة السياسيين الإسلاميين والتعريبيين.

لقد نجح المنطق المخزني والإسلامي والتعريبي في احتواء واستيعاب منطق الحركة الأمازيغية لأنه جعلها تنسى مشكلة الترسيم المشوه وتلهث وراء “قانون تنظيمي” مبني على ترسيم دستوري مشوه ظالم للأمازيغية.

3) “القانون التنظيمي” سيكون كارثة على الأمازيغية:

كيف ذلك يا ترى؟ الجواب هو:

– لأن “القانون التنظيمي” مبني على الفصل الدستوري الخامس الظالم للأمازيغية والمهين للأمازيغية. فكل ما بني على باطل فهو باطل.

– بما أن الفصل 5 من الدستور يعتبر الأمازيغية لغة ثانوية تحت العربية وأقل شأنا من العربية وأقل درجة من العربية فسيفعل “القانون التنظيمي” نفس الشيء لأنه تابع للفصل رقم 5.

– لأن “القانون التنظيمي” سيقيد الأمازيغية بآلاف القيود البيروقراطية التي لا تخطر على بال، عبر كل المغرب. فبسبب تدخل “القانون التنظيمي” في “الشادّة والفادّة” لن يستطيع أي موظف مغربي أن يتحرك ميليمترا واحدا في مجال الأمازيغية بدون الرجوع إلى قيود هذا “القانون التنظيمي”. فـ”القانون التنظيمي” سيجعل مجال الأمازيغية ملغوما قانونيا ومكلفا ماليا. (قارن هذا مع حالة العربية والفرنسية المعفيتين من أية قيود قانونية).

– لأن “القانون التنظيمي” سيفرض على الأمازيغية جداول زمنية معينة وإيقاعا معينا وهذا سيشرعن تأجيل ترسيم الأمازيغية وتمطيط الإجراءات البيروقراطية وتعقيد الإجراءات الإدارية وتضييع وقت الأمازيغية، بينما المطلوب هو أن تشتغل الإدارات والمدارس مباشرة مع متخصصي اللغة الأمازيغية ومترجمي الأمازيغية بشكل سلس بدون سمسرة سياسية وبدون تعقيدات قانونية بيروقراطية وإجرائية.

الفكرة الأساسية من وجود الدستور هي ترسيخ وحماية حقوق الشعب من مخالب الدولة ومخالب محترفي السياسة ومخالب رجال الدين ومخالب أصحاب السطوة الاقتصادية. أما أن يتخلى الدستور عن وظيفته وعلة وجوده ويقوم بتفويض تحديد وتأويل ترسيم الأمازيغية (وبقية الحقوق) إلى المخزن التنفيذي ومحترفي السياسة في البرلمان ودكاكين السياسة فهذه كارثة ما بعدها كارثة.

ما قيمة الدستور إذا لم يضمن حقوق الشعب بشكل صارم وقاطع ونهائي؟

ما قيمة دستور يفوض كل شيء إلى السياسيين والبرلمانيين ويمنحهم شيكا على بياض اسمه “القانون التنظيمي” يقومون فيه بتحديد مصير الأمازيغية وغيرها من قضايا الشعب!

لماذا يجب على الشعب المغربي أن يتسول حقوقه الأساسية من سياسيي “العدالة والتنمية” أو “الأصالة والمعاصرة” أو “حزب الاستقلال”؟!

لقد خلق المخزن والإسلاميون والتعريبيون للأمازيغية “حاجة مصطنعة” artificial need هي في الحقيقة “مشكلة مصطنعة” artificial problem هي بمثابة “حجرة فالصبّاط” متمثلة في “القانون التنظيمي”.

فمثلما خلقت الجزائر للمغرب في 1975 مشكلة مصطنعة أي “حجرة فالصبّاط” ألا وهي “حركة البوليساريو القومية العربية الانفصالية” لإشغال المغرب واستنزافه وصرف نظره عن مشكل الحدود مع الجزائر فكذلك خلق المخزن والإسلاميون والتعريبيون “حجرة فالصبّاط” للأمازيغية ألا وهي “القانون التنظيمي” لكي تُضَيِّع الأمازيغية فيها وقتها ولكي تَضِيع حقوقها في دهاليز البرلمان بين أنياب الإسلاميين والتعريبيين ولصرف نظرها عن مشكل الدستور بينما تستمر سياسة التعريب والفرنسة.

من يريد “قانونا تنظيميا للغة رسمية” فعليه أن يطالب بـ”قانون تنظيمي” يقيد الأمازيغية والعربية معا ويساوي بينهما في القيود وفي كل شيء. وإلا فلا نريد قانونا تنظيميا يقيد ويحاصر الأمازيغية بينما يترك الحرية للعربية والفرنسية لتسرحا وتمرحا في المغرب بلا قيود.

4) خلاصة:

باختصار، ما تحتاج إليه اللغة الأمازيغية الآن هو:

– ترسيم دستوري صارم قاطع واضح كامل يأمر الدولة بترسيم الأمازيغية بالمساواة الكاملة مع العربية.

– إعطاء المجال للسانيين والمترجمين ليعملوا عملهم في الإدارات والمدارس.

أما من ناحية الحرف فقد بينت سابقا للقراء بالدلائل القاطعة الساطعة أن اختيار حرف ثيفيناغ من طرف الإيركام في عام 2003 لم يكن اختيارا أكاديميا نزيها وإنما كان اختيارا سياسيا تحكمت به السياسة والحسابات السياسية، وأكبر دليل على سياسيته هو تغيير المصوتين لقناعاتهم الحرفية بشكل فجائي وبدون أي مبرر علمي. وإن فشل الأمازيغية بحرف ثيفيناغ كما هو واضح للجميع يستوجب الانتقال بسرعة إلى استعمال الحرف اللاتيني العالمي لتدريس وترسيم الأمازيغية من أجل تسهيل قراءتها من طرف الجميع ومن أجل نشرها بين الشباب خصوصا في التعليم الثانوي الذي هو بوابة الجامعة التي فيها يتم تكوين الأطر والموظفين والمترجمين.

إذن:

لا للقانون التنظيمي!

“القانون التنظيمي” كارثة ستقتل الأمازيغية.

يجب تعديل الفصل 5 من الدستور المغربي لإزالة الظلم عن اللغة الأمازيغية ولترسيمها ترسيما كاملا.

والصيغة الدستورية المقترحة هي:

“الأمازيغية والعربية هما اللغتان الرسميتان للدولة المغربية ويجب على الدولة استعمالهما بالتساوي في كل المؤسسات والإدارات والمحاكم ويجب تدريسهما بالتساوي في كل المدارس لجميع المغاربة”.

مبارك بلقاسم-المغرب
tussna@gmail.com