العصور الوسطى

ثورة الأمازيغ ضد أعراب بني أمية

مقدمة:

يتناول هدا البحث التعريف بميسرة المدغري، العوامل المؤثرة في تكوين شخصيته ، أسباب ثورته التي ساهم في قيامها الى حد كبير انتشار المذهب الصفري في بلاد تامزغا (المغرب)، ثم نشاطه العسكري والانتصارات التي حققها على جيش عبيدالله بن الحبحاب ، وأخيرا تسليط الأضواء على بعض نتائج هده الثورة ..

اعتمدت في إعداد هدا البحث على مجموعة من المصادر والمراجع ، أغلبها لا يتناول الموضوع بشمولية ، إذ أن كل مافيها لا يزيد عن تلميحات ، وإشارات متفرقة ، تحتاج إلى التحري والتحقيق، وزيادة البحث وتحكيم العقل والمنطق، خاصة في غياب المصادر التي تمثل راي مؤرخي الخوارج الصفرية من الأمازيغ ، والتي بإمكانها أن تظفي شيئا جديدا حول موضوع البحث .

من هو زعيم الثورة ؟

لم تذكر المراجع والمصادر التاريخية المتوفرة شيئا كثيرا عن سيرة ميسرة المدغري ، وكل ما جاء عنه أنه زعيم أمازيغي، بتري ، تختلف المصادر في تسميته، فيأتي بالمدغري، والمطغري، أحيانا والمدغوري أحيانا أخرى، ويذكر عبد الرحمن الجيلالي بأنه مدغري، من قبيلة المداغر الذين هم إزاء ندرومة التلمسانية ، أما ابن خلدون فيذكره باسم المطغري ، ويؤكد بأنه كان زعيما لقبيلة مطغرة، وفي ذلك تأييد لقول ابن الخطيب الذي يقول عنه بأنه كان أميرا للغرب ،يوصف بأوصاف مختلفة : السقاء ، الحقير ،الفقير، في حين يصفه مؤرخو الخوارج وشيعتهم بالخفير تنزيها له عن وصف الحقارة والسقي، ويذكرون أنه كان وجيها من وجهاء قومه، تقيا عالما ، ووصفه ابن خلدون بالحسن وبأنه شيخ الصفرية ويقول ( كان مقدم الصفرية من الخوارج في انتحال مذهبهم.)

وأرجح أن يكون ميسرة عالما، وشيخا تقيا، شجاعا جريئا ، كما ذكر، لأن هده الصفات هي التي مكنته ورشحته لرئاسة وفد الأمازيغ إلى دمشق من جهة، ثم شيخا للصفرية وقائدا لجيشها، ثم أميرا للمؤمنين بعد مبايعته بالخلافة لأول مرة في تاريخ المغرب الإسلامي .

اختلف المؤرخون في أمر خلافته، فهناك من يذكر بأنه ادعى الخلافة ، وبايع لنفسه ، وهناك من يذكر بان الأمازيغ بايعوه عليها ، في حين أن ابن عبد الحكم جمع بين الرأيين، فيذكر بأن ميسرة ادعى الخلافة وتسمى بها ، ثم بويع عليها ،وأرى بأن ميسرة لايمكن له تنصيب نفسه خليفة بوحي من إرادته ، ثم يفرض على الناس مبايعته، لأنه لا يملك من القوة والنفوذ ما يسمح له بتحقيق ذلك، ولأن ذلك يتطلب منه إخضاع القبائل بالقوة وهو في ذلك فقير ، كما أن التاريخ لم يسجل أي صدام مسلح بينه وبين الأمازيغ بشأن توليته،

فالرأي الأرجح إذا هو أنه اختير أولا، ثم نصب وبويع تبعا لمبدأ الخارجية الصفرية ورأيهم في الخلافة ، وهدا يؤكده ابن خلدون في قوله ( وخاطبوه بأمير المؤمنين، وفشت مقالته في سائر القبائل بافريقية.) ).

لم تدم خلافة ميسرة أكثر من سنة واحدة، (122 هجرية) مليئة بالثورة والأحداث الجسام ضد ابن الحبحاب وعماله، عزل بعدها ثم أعدم بتهمة الخيانة والانحراف.

أسباب ثورة الأمازيغ بقيادة ميسرة:

ولي عبيد الله بن الحبحاب ولاية المغرب والأندلس سنة 116 هجرية، استخلف ابنه القاسم على مصر واستعمل ابنه اسماعيل على السوس وعمر بن عبد الله المرادي على طنجة وما جاورها ، كما عين عقبة بن الحجاج على الأندلس، وبعث حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة غازيا لبلاد السوس ، وأرض السودان ، وبعد رجوعه سيره غازيا إلى جزيرة سردينيا وصقلية، في عهد ولايته ثارت قبائل الأمازيغ في المغرب الأقصى سنة (122 هجرية) بزعامة ميسرة لأسباب يمكن حصرها في ثلاثة هي :

المظالم التي ارتكبها ابن الحبحاب وعماله:

احتقر العرب الغزاة ومنهم ابن الحبحاب وعماله أجدادنا الأمازيغ وأهانوهم رغم اسلامهم ، عاملوهم معاملة العبيد ، استخدموهم في الغزو دون أن يعترف لهم بالفضل عند تقسيم الغنائم ، تذكر المصادر بأن عبيد الله المرادي عامل ابن الحبحاب على طنجة خمس الأمازيغ وزعم أنهم وأموالهم غنيمة للأمويين ، ويقول الرقيق القيرواني في الموضوع: ((.. وكان ابن الحبحاب قد ولى طنجة وما ولاها عمر بن عبد الله المرادي فأساء السيرة وتعدى في الصدقات والقسم ، وأراد أن يخمس البربر، وزعم أنهم فيء المسلمين وذلك مالم يفعله عامل قبله…..))

ومما زاد من تجبر العمال مغالاة دار الخلافة الأموية في طلب تحف وطرائف المغرب ، فكان هشام وكبار دولته لا يكتفون بما يحصلونه من ثياب صوفية بديعة ترسل لهم من بلادنا ، بل كانوا يريدونها ثيابا أكثر نعومة تصنع من سخال الضأن أول ما تولد ، ولا يريدونها الا عسلية الألوان ، غير مصبوغة ولا ملونة ، بل هي بالطبيعة كذلك، واللون العسلي نادر في الغنم ، لهذا يضطر جند العمال إلى مهاجمة غنم الأهالي (الأمازيغ)للأستيلاء على النعاج التي هي على وشك الولادة ، فيشقون بطونها بحثا عن هذه السخال(صغار الخرفان) العسلية، يقول ابن خلدون ((وكانت الصرمة (القطيع)من الغنم تهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ، ولا يوجد فيها مع ذلك إلا الواحد وما قرب منه ، فكثر عبثهم بذلك في أموال البربر وجورهم عليهم ))، كما أنهم أخذوا كل جميلة من بنات البربر ، يبعثن إلى بلاط الخلافة الأموية في دمشق ، ولا يخفى ما لأثر ذلك في نفوس الأمازيغ الذين يحرصون في الحفاظ على شرفهم وكرامتهم وهم في ذلك أهل عزة ونخوة . .

ويتضح مما تقدم بأن سلوك العمال العرب الأمويين مع أجدادنا الأمازيغ المسلمين كان بعلم من دار الخلافة بدمشق التي سكتت عن ذلك حفاظا على ما يردها من طرائف الهدايا والتحف ، وهذا ما شجع العمال على اٍهانة الأمازيغ .

ظهور الحركة الخارجية:

ظهرت حركة الخوارج في بلاد المغرب الإسلامي بعد وصول طوائف كثيرة من الأعداء السياسيين للدولة الأموية ، الذين اختاروا هذه الولاية لبعدها عن دار الخلافة ، واتساعها وتشعب مسالكها ، وكثرة قبائلها التي تضمر العداء والحقد لعمالها لذا رحبت باللاجئين إليها لأنهم وإياها على هوى واحد ،ـ يشكلون معا جبهة معارضة ضد الأمويين ،ويقول ابن خلدون في هذا الشأن : (( استقر الإسلام بالمغرب وأذعن البربر لحكمه ، ورسخت فيهم كلمة الإسلام، وتناسوا الردة ، ثم نبضت فيهم عروق الخارجية فدانوا بها ولقنوها من العرب الناقليها من منبعها بالعراق ، وتعددت طوائفهم وتشعبت طرقها من الاباضية والصفرية ،

لم يجد أجدادنا الأمازيغ، سبيلا يتقون بها السلطة الأموية ، سوى الأخذ بدعوة الخوارج التي ينص دستورها على أنه إذا كان لابد من الخلافة فأصلح الناس لها أحق بها، قرشيا كان أو غير قرشي، عربيا أو غير عربي ، والخروج عن الخليفة الجائر . وأهم أشد من المعتزلة في التمسك بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في غير هوادة . .

اختلف الخوارج فيما بينهم في الفروع وليس في الأصول ، وانقسموا على أنفسهم إلى عدة طوائف منها طائفة الصفرية أتباع زياد بن الأصفر ، الذين تمسكوا بالتقية في القول دون العمل ، ومن أقوال زعيمهم زياد بن الأصفر : (( الشرك شركان ، شرك هو طاعة الشيطان ، وشرك هو عبادة الأوثان . والكفر كفران ، كفر بالنعمة ، وكفر بإنكار الربوبية .والبراءة براءتان، براءة من أهل الحدود سنة ، وبراءة من أهل الجحود فريضة.))

انتشرت الخارجية الصفرية في المشرق، وانتقلت إلى المغرب بواسطة دعاة مهرة أبرزهم عكرمة مولى ابن عباس، وميسرة المدغري ، وعبد الأعلى بن جريح . وأصبح لها أنصار ومؤيدون من مسلمي الأمازيغ وغيرهم ، وهذا ما شجع الأمازيغ على إشهار السيف في وجه الحكم الأموي. .

عرقلة الوفد الأمازيغي وافشاله في مقابلة الخليفة:

قرر الأمازيغ إرسال وفد يمثلهم لمقابلة الخليفة هشام قصد اطلاعه على حقيقة ما يجري في بلادهم من ظلم وجور واحتقار يقترفه عماله ضد الأهالي المسلمين قال ابن الأثير ((لم يزل أهل افريقية(بلاد المغرب) من أطوع أهل البلد وأسمعهم إلى زمن هشام … وكانوا يقولون لا نخالف الأئمة بما يجني العمال ، فقالوا لهم : إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك، فقالوا :حتى نخبرهم ؟

سار الوفد إلى هشام عام واحد وعشرين ومائة للهجرة (121هجرية) ، يتكون من بضعة وعشرين رجلا ، يرأسهم ميسرة المدغري ، لرفع شكواهم إليه، لكن الأبرش حال بينهم وبين رؤية الخليفة ، ولما طال انتظارهم ، ونفذت نفقاتهم ، طلبوا من الأبرش أن يبلغ أمير المؤمنين شكواهم، وقد أورد ابن الأثير نصها كالآتي : (( أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده ، فإذا أصاب نفلهم (الغنيمة)دوننا وقال هم أحق به ، فقلنا هو أخلص لجهادنا . وإذا حاصرنا مدينة قال : تقدموا وأخر جنده ، فقلنا تقدموا فانه ازدياد في الجهاد ، ومثلكم كفى إخوانه فوقيناهم بأنفسنا وكفيناهم ، ثم أنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرونها عن السخال ، يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين ، فاحتملنا ذلك وخليناهم وذلك ، ثم أنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا فقلنا : لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ، نحن مسلمون ، فأحببنا أن نعلم ، أعن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا . قال الأبرش نفعل ، فلما طال عليهم ونفذت نفقاتهم كتبوا أسماءهم في رقاع ورفعوها إلى الوزراء ، وقالوا هذه أسماؤنا وأنسابنا ، فان سألكم أمير المؤمنين عنا فاخبروه ، ثم كان وجههم إلى افريقية .))

لم يجد الوفد الأمازيغي آذانا صاغية من الخليفة ووزرائه رغم ما بذل من جهد ، لهذا زاد الأمازيغ يقينا باحتقار الأمويين لهم ، ويئسوا من الإصلاح بعد أن اتضح لهم عجز الخليفة في كبح جماح عماله ، وهذا دليل على تورطه معهم وإصراره على سياستهم حفاظا على ما يرده من تحف هذه الولاية الغنية ، لهذا تناذر الأمازيغ وانقلبوا معارضين ، والتجأوا إلى القوة لتحقيق مطالبهم والثأر لكرامتهم . .

مراحل الثورة :

انتفض الخوارج الصفرية في المغرب الأقصى بعد عودة الوفد مباشرة من دمشق بقيادة ميسرة الذي كان حاقدا على الحكم الأموي للأسباب التي ذكرناها ، كما أن نشاط حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع العسكري في بلاد السوس لا شك وأنه قد أساء للأمازيغ بانتهاجه سياسة القتل والتنكيل وسبي النساء ، والتلهف على جمع الغنائم ، لاسيما ضد قبيلة مسوفة الصنهاجية مما خلق جوا من الرعب وجرح الكرامة ، .

ومما يوضح دهاء ميسرة هو استغلاله لفرصة انشغال ابن الحبحاب وتوزع قواته وغياب معظم جنده في فتح سردانية وصقلية بقيادة حبيب بن أبي عبيدة ، وبعد مركز الثورة عن عاصمة الولاية ، معه انشغال الخلافة الأموية في إخماد ثورة زيد بن علي بن الحسين . .

النشاط العسكري :

جمع ميسرة جيشا من الأمازيغ بلغ حد الأربعين ألفا من الصفرية ،وخمسة وعشرين ألفا من الاباضية ، التفوا حوله ، فزحف بهم نحو طنجة فاشتبك مع عامل ابن الحبحاب عمر بن عبد الله المرادي في معركة قرب أحواز طنجة فقتله ، ودخل المدينة واستعمل عليها عبد الأعلى بن جريح الرومي مولى ابن نصير .

تعتبر هذه المعركة أول صدام مسلح لميسرة مع أعدائه ، وفيها ذاع صيته بين القبائل الأمازيغية ، وكثرت جموعه بعد أن انضم إليه أمازيغ مكناسة وبرغواطة بزعامة صالح بن طريف ، كما انضم إليه الأفارقة في طنجة بزعامة عبد الأعلى بن حديج ، وبايعه الأمازيغ إماما عليهم، ويذكر ابن خلدون : (وخاطبوه بأمير المؤمنين ، وفشت مقالته في سائر القبائل الافريقية)

إن انتصار ميسرة شجعه للعمل على تحرير كامل المغرب الأقصى من الأمويين ، فزحف بجيشه إلى إقليم السوس لقتال إسماعيل بن عبيدالله بن الحبحاب فهزمه وقتله ، وهذا ما يؤكده ابن الحكم : ( سار ميسرة إلى السوس ، وعليه إسماعيل بن عبيد الله فقتله )

كانت هذه الأحداث الجسام من انتفاضة الأمازيغ ومقتل عاملي طنجة والسوس ، ومبايعة ميسرة بالخلافة ، وفرح الأمازيغ بهذه الانتصارات التي كانت مفاجئة للوالي المستبد (ابن الحبحاب)الذي اختلطت عليه الأمور ، وخاف من امتداد الثورة إلى عاصمته ، فسارع إلى تجهيز جيش مكون من خيرة العرب ، عهد بقيادته الى خالد بن حبيب ، وأمره بالسير إلى طنجة لإخماد ثورة ميسرة ..

كان خالد بن حبيب قائدا وبطلا كأبيه ، سار إلى طنجة لمنازلة ميسرة ، ووقعت بينهما معركة عنيفة سقط فيها عشرات القتلى من الجانبين ، تختلف المصادر في ذكر هذه المعركة ، فابن عبد الحكم يسميها معركة الأشراف ، في حين أن الرقيق القيرواني ، وابن الأثير ، وابن عذارى يخالفونه الرأي ويجعلونها متقدمة عن غزوة الأشراف ، وأرجح الرأي الأخير لعدة اعتبارات منها : :

.أن هذه المعركة وقعت بأحواز طنجة ، وليس قرب نهر الشلف بالجزائر حيث وقعت معركة الأشراف.

أن ميسرة لم يكن قائدا للأمازيغ في غزوة الأشراف ، لأنه عزل قبل وقوعها .

.لعل الرواة الذين اعتمد عليهم ابن عبد الحكم ، اخلطوا بين المعركتين ، لعدم وجود فواصل زمنية كبيرة بينهما.

ومن خلال ما تقدم يمكن الوصول إلى استنتاج بأن معركة طنجة كانت مقدمة لغزوة الأشراف الشهيرة. .

رأى خالد شجاعة الأمازيغ وبطولتهم في القتال ، فقرر الانسحاب نحو تلمسان المحصنة ، فعسكر فيها ينتظر المدد من أبيه..

وصل جيش حبيب من صقلية ، وسار نحو المغرب الأوسط لمآزرة ابنه خالد ، فنزل جيشه قرب نهر الشلف فلم يبرحه قصد مراقبة شؤؤن المغرب الأوسط عن قرب ، وحتى لا يتسع شق الثورة عن الأمويين في المنطقة ، ورد أي زحف محتمل يأتي من الغرب يستهدف القيروان ، أما ميسرة فقد انسحب بجيشه من ميدان المعركة ، وعاد إلى طنجة ، فأنكر الأمازيغ عليه فعلته ، واتهمه رجال النحلة بالخيانة ، وعدم الكفاءة في القيادة ، يقول ابن خلدون ساءت سيرته فنقم عليه البربر ماجاء به ، فقتلوه ، وقدموا على أنفسهم خالد بن حميد الزناتي) )

يرى رجال النحلة بأنه يمكن تحقيق النصر على خالد بن حبيب ، لو كان ميسرة أبرع مما كان عليه ، كما أن انسحابه من ميدان المعركة جاء مخالفا لعادة أسلافه الذين يستميتون في المقاومة والدفاع حتى النصر أو الشهادة . لهذا لابد لهم من قائد أقوى يحقق لهم ماعجز عنه ميسرة ، فاتفقوا وأجمعوا على عزله فعزلوه بالفعل ، ثم حكموا بقتله ، وأعدموه لأسباب مجهولة ، لأن أخطاءه العسكرية ليست دليلا كافيا للحكم عليه بالاعدام ، وعين بدله خالد بن حميد الزناتي كما أسلفنا والذي حقق نصرا معتبرا على جيش خالد في المعركة المشهورة بغزوة الأشراف .

نتائج ثورة الأمازيغ بأمرة ميسرة :

تمخضت ثورة ميسرة المدغري على نتائج هامة منها :

قيام ثورات أمازيغية جديدة مكملة لثورته ، كثورة بربر الأندلس ضد عقبة بن الحجاج السلولي، الذي عزل سنة 123هجرية ، كما توالت الهزائم على الأمويين في معركتي الأشراف وبقدورة ، وتحرج موقف الوالي ابن الحبحاب الذي لم يصمد في وجه هذه الأحداث ، لذا اجتمع أعيان العرب في القيروان وأجمعوا على عزله . .

انتشار المذهب الخارجي على نطاق واسع بعد هذه الثورة ، كما أن عنف المقاومة الأمازيغية وصلابتها جعلت أمير المؤمنين يستبد به الغضب في دمشق حتى قال ( والله لأغضبن لهم غضبة عربية ، ولأبعثن إليهم جيشا أوله عندهم ، وآخره عندي ، ثم لا تركت حصن بربري إلا جعلت إلى جانبه خيمة قيسي أو تميمي.).

الخاتمة:

تعد ثورة ميسرة المدغري أول ثورة أمازيغية خارجية صفرية في تاريخ المغرب الاسلامي الذي عانى من استبداد الولاة الأمويين، الأمر الذي ساهم في سهولة انتشار المذهب الخارجي بين سكانه .

إن هذه الثورة لا يمكن تصنيفها أو اعتبارها من الثورات المضادة للعرب و المسلمين بقدر ما هي ثورة ضد الاستبداد و العبودية و الغطرسة و التجبر ،و هدفها التطبيق الفعلي للمبادئ الإسلامية السمحة في الإخاء و العدل و المساواة،ـ و هي دليل على كره الأمازيغ للعبودية و تفهما أعمق للإسلام، الذي لا يفرق بين العرب و غيرهم كما أن هذه الثورة تعد إنذارا مبكرا لم تتعظ به الدولة الأموية ، ويتضح ذلك من خلال قيامها بإسكات المعارضة بحد السيف ، الأمر الذي كلفها الخسائر المادية والمعنوية الجسيمة ، سواء كان ذلك في المغرب أو في مناطق أخرى من البلاد المفتوحة ، هذه السياسة التي جلبت لها نهايتها على يد الموالي سنة 135 هجرية . .

الطيب آيت حمودة

قائمة المصادر والمراجع:

  1. عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم/ فتوح افريقيا والأندلس / طبعة 1964 الصادرة عن دار الكتاب اللبناني. .
  2. أحمد أمين / فجر الاسلام/ مكتبة النهضة المصرية .
  3. الرقيق القيرواني /تاريخ ارفيقية والمغرب/ طبعة تونس 1968
  4. ابن عذارى المراكشي /البيان المغرب ج1/الطبعة الثالثة 1983
  5. ابن الأثير /الكامل في التاريخ /ج3و5 الطباعة الأزهرية 1301هج
  6. ابن خلدون / المقدمة / ج4و6و7/ الكتاب اللبناني للطباعة 1959.
  7. موسى لقبال / تاريخ المغرب الاسلامي/طبعة 1969
  8. محمد علي دبوز/ تاريخ المغرب الكبير ج2/دارالاحياء 1963.
  9. عبد الرحمن الجيلالي/ تاريخ الجزائر العام/ ج2 بيروت 1980.
  10. عبد العزيز سالم / تاريخ المغرب الكبير /ج2/ بيروت 1983.
  11. رابح بونار / المغرب العربي تاريخه وثقافته/ الجزائر 1968.

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى