ثامزغا

شمال إفريقيا والعروبة .. الكذبة العظمى!

زين العابدين غبولي - مدوّن
زين العابدين غبولي – مدوّن

اختلاف الأعراق والأصول سنّة بشريّة؛ من حقّ كل شخصٍ الافتخار بعرقه، وبالمكان الّذي أتى منه، ولا خير في شخصٍ ينكر أصله وفصله. لكن حين يتحوّل الاختلاف إلى جريمة، ويتحوّل الافتخار إلى رغبة في الهيمنة والاستعمار والسّيطرة، تبدأ الكارثة ويصبح من الضّرورة وضع النّقاط على الحروف.

لا يمكنني بطبيعة الحال أن أكون عنصريًّا أو أن أشجّع التّمييز ضدّ أشخاصٍ معيّنين فقط لانتمائهم لعرقٍ معيّن، لكن من واجبي أن أقف ضدّ أولئك الّذين يحاولون استعمار باقي البلدان ثقافيًّا باسم دينٍ اختطفه بعض أصحاب المصالح ليتحوّل إلى إيديولوجيّة فاشيّة لا تريد إلّا الحصول على السّلطة. سأكون صريحًاً بالقول أنّ العروبة في صيغتها الإيديولوجيّة ما هي إلّا استعمارٌ فكريّ وثقافيّ موجّه لشعوب معيّنة. فليسمح لي القارئ الكريم بالحديث هنا عن شمال إفريقيا كوني ابن المنطقة؛ أعرف تاريخها وأدرك تمامًا لماذا لا يمكن لها أن تكون عربيّة، ولماذا لن نسمح للبعض بأن يحاول جعلنا نركع لإيديولوجيّة باسم دين، ولعرقٍ باسم عقيدة، ولتاريخ وثقافة الغير على حساب تاريخ أجدادنا وثقافتنا.

فليعلم القارئ الكريم بأنّني أرفض تمامًا وهم الأمّة العربيّة، فهي في نظري أمّة مشتّتة ولن تجتمع؛ أمّة قابعة في غياهب الجهل والتّطرّف؛ أمة تكفّر وتزندق بعضها البعض وتريد الاتّفاق حول مصير دولة توحّد الجميع.

إنّ الأمّة العربيّة ليست إلّا حلمًا يحسبه البعض جميلًا بينما أراه أنا مطمعًا استعماريًّا، لأنّه يحاول القضاء على أعراق أخرى باسم الإسلام، ويحاول أن يجعل من الدّين مطيةً لنشر ثقافة أحدهم على حساب ثقافة الآخر.

لذلك أحسن الحلول برأيي هو أن يحاول كلّ شخصٍ إصلاح وطنه وأن يغضّ بصره عن البلدان الأخرى، فلكلٍّ همومه ومشاكله، وحلم الوحدة سيبقى حلمًاً -أو كابوسًا- إن صحّ التّعبير.

شمال إفريقيا ليست عربيّة! سأقولها بالبند العريض في وجه كلّ من تسوّل له نفسه تزوير هويّة المنطقة والحديث باسمها، وكأنّ لا تاريخ لنا. شمال إفريقيا أمازيغيّة، ولها تاريخٌ مجيد بعيدًا عن تاريخ العرب وثقافتهم. شمال إفريقيا هي أرض الأمازيغ؛ لم تكن يومًا عربيّة، ولن تكون! كان لا بدّ من البدء بتصريحٍ كهذا لجعل الأمور جدّ واضحة. الآن سيصرخ أحدهم: لماذا تكره العرب؟! بينما في الواقع العلاقة ليست علاقة حبّ وكره، إنّما علاقة تاريخٍ وحقيقة.

أخبرونا منذ الصّغر أنّ كلّ من يتحدّث العربيّة هو عربيٌّ بالضّرورة، بينما أرى هذا اليوم قمّة الكذب والافتراء. نعم نحن نتحدّث العربية؛ نحب، نشعر، ونعبّر بالعربيّة، لكنّ هذا لا يعني أنّنا ولدنا عربًاً، فإتقان لغةٍ لا يعني الانتماء لعرق؛ إتقان لغةٍ ليس إلّا زادًا معرفيًّا جديدًا،ً وإذا أراد البعض أن يحوّله لمسيرة تغيير للعرق، فلا بأس بأن أقول أنّني فرنسيّ لأنّني أتقن الفرنسيّة، أو بريطانيّ أو أمريكيّ لأنّني أتقن الإنجليزيّة. لا بأس كذلك بإعلان كلّ المنطقة غربيّة كونه لا وجود لدولةٍ تغيب عنها اللّغات الأجنبيّة، في حال كانت اللّغة دليلًا على العرق. في شمال إفريقيا، نحن متعدّدو الألسنة؛ نتقن في الغالب ثلاث لغات، فلماذا يحاول البعض أن يجعل منّا تُبّعًا؟ لماذا يحاول البعض أن يجعل منّا عبيدًا فقط لأنّنا تكلّمنا ونطقنا بهذه اللّغة؟ قد يصرخ نفس الشّخص قائلًا: إنّ هذا قمّة الانفصام! تكتب بالعربيّة منتقدًا العروبة؟ في الحقيقة، أكتب بالعربيّة لأثبت أنّ العروبة وهم؛ أكتب بالعربيّة لأثبت أنّني لست عربيًّا؛ أكتب بالعربيّة لأفتخر بهويّتي غير العربيّة!

سيتساءل البعض: لكلّ أمّة لغة، فما هي لغتكم يا من ترفضون العروبة؟! هذا سؤال ملغم، وإجابته بسيطة في نفس الوقت: لغتنا الأمازيغيّة. نعم، أدرك أنّ كثيرًا لم يسمعوا بهذه اللّغة من قبل بسبب وسائل الإعلام الّتي لا تنفكّ تستعمل مصطلحي “الوطن العربيّ” و”الأمّة العربية”، لكنّها لغةٌ بأبجديّتها وحروفها وكلماتها وعباراتها. لهذا، لسنا في الحقيقة مجبرين على أن نتكلّم العربيّة كي نتمكّن من الحديث كما يقول البعض، فنحم نملك لغتنا الخاصّة الّتي -شاء من شاء وأبى من أبى- تبقى لغةً لها هيبتها ولها مكانتها في قلوبنا، نحن من يرفضون الاستعمار باسم العروبة.

بعد أن تجاوزوا مرحلة تلقيننا للعربيّة وإجبارنا على الاعتقاد بأنّ إتقاننا لها انتماءٌ للعرب وللعروبة، مرّوا إلى خطاباتهم الدّوغمائية حول الدّين، فجعلوا منه هو الآخر وسيلةً لإثبات هذا الانتماء المزيّف. الأسطورة تقول أنّ كل مسلمٍ عربيّ، بينما أراه أكبر درجات العنصريّة، فما معنى حصر دينٍ في عرق؟ ما المقصود من تقييد دينٍ عالميٍّ اعتنقه ملايين “ليسوا عربًاً” في عرقٍ يقطن منطقةً من هذا العالم الواسع؟ نعم، يمكن أن تكون مسلمًا دون أن تكون عربيًّا! نعم، يمكن أن تفتخر باختيارك للإسلام دون أن تكون مجبرًاً على الاقتناع بالعروبة وإعلان نفسك كعربيّ! ونعم، يمكن لك بكلّ تأكيدٍ أن تكون مسلمًا وأن تدافع عن عرقك “غير العربيّ” بانتقاد سياسة تعريب “الأصول” الّتي يمارسها البعض! في منطقتي، تربّينا على مفهومٍ بسيط: نحن أمازيغ عرّبنا الإسلام، وهذه هي الحجّة الأقوى لدى من يريدون أن يجعلوا من منطقة شمال إفريقيا عربيّة رغم أنف الحقيقة. بدايةً، الإسلام لا يعرّب؛ الإسلام ليس آلةً ضخمةً تُدخل عبرها شعوبًا غير عربيّة فيخرج لك ملاك قائلًا: أمرك طاعة! هؤلاء عرب رغم أنف التّاريخ! الإسلام هو رسالة روحيّة لم تنزل على العرب بل على العالمين؛ الإسلام ليس سلعةً “عربيّة احتكاريّة”؛ الإسلام ليس ماركةً مسجّلة؛ الإسلام دين يحقّ للجميع اعتناقه ولا يفرّق بين أحد، اللّهم إلّا إذا كان إسلام البعض رداءً للسّيطرة، والحديث باسم الإسلام جسرًاً للهيمنة، والافتخار بهذا الدّين ذريعةً لاستعمارٍ جديد. ما يجعلني أضرب كفًّاً بكفٍّ في الواقع هو تطبيق سياسة “عرّبنا الإسلام” فقط على أهل شمال إفريقيا، ولو طبّقنا نفس السّياسة على الجميع، لأصبح الفرنسيّ عربيًّاً بمجرّد دخوله الإسلام، ولأصبح الأمريكيّ والهنديّ والإندونيسيّ وحتّى الماليزيّ عربًاً كذلك بمجرّد دخولهم لهذا الدّين.

من الحجج الأخرى أيضًا الّتي يتراود ذكرها إلى مسامعي كلّما تمّت مناقشة عروبة شمال إفريقيا هو فلسطين!

لقد وقعت هذه القضيّة العادلة في بعض الأيدي الّتي يظنّ أهلها وأصحابها أنّه لا يمكنك الدّفاع عن فلسطين ما لم تعترف بعروبتك وإسلامك؛ هذه العنصريّة والعجرفة الّتي جعلت من فلسطين ضحيّة سجنٍ إسلاميٍّ وعربيٍّ -بل بعثيٍّ أحيانًا-. إنّ الدّفاع عن قضيّة فلسطين يستلزم أمرًاً واحدًا، وهو الوفاء للإنسانيّة، فمن يموتون في فلسطين هم بشر، ومن يجرحون برصاص الاحتلال هم بشر، ومن يعارضون سياسات الاحتلال هم بشر، ومن يدافعون عن أرضهم المغتصبة هم بشر. كلّهم بشر، ولا داعي لذكر انتماءاتهم العقائديّة والعرقيّة والإيديولوجيّة. هم بشر رغم أنف من يحاول استغلال قضيّتهم لأطماع استعماريّة، وبرأيي، حصر القضيّة في العرب والمسلمين هو ما تسبّب بتأخّر حلّها، بل إنّ حصر القضيّة لإدخال بعض الشّعوب رغمًا عن تاريخها في مجال العرب هو سببٌ من الأسباب الرّئيسيّة الّتي تسبّبت فيما رأيناه من كوارث على مرّ السّنين.

بالنّهاية، لهذا أرفض مفهوم العروبة، ولهذا أعرّف نفسي كأمازيغيّ، وأقول أنّ هويّتي أمازيغيّة، وأنّ تاريخ أرضي أمازيغيّ ولم يكن يومًا عربيًّاً. بطبيعة الحال، يبقى حقّ أيٍّ كان أن يفتخر بأرضه وعرقه وأصله، والعنصريّ وحده من سيسعى لإيقافه، لكنّ الغيّور على تاريخه أيضًا هو من سيحميه من التّزوير ومن بعض الصّرخات الإيديولوجيّة والدّوغمائيّة. الاختلاف والتّعدّد ليس جريمة، لكن رغبة الهيمنة مرفوضة بكلّ المقاييس.

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى