طوبونيميا

عندما يصبح “آمان إيبركانن” الما لكحل

أثار إهتمامي مؤخرا منشور على الفايسبوك كونه يعكس ظاهرة نفسية مرضية تأصلت عند جيل كامل من إيشاوين . نشر أحدهم صورة للمنبع الطبيعي “آمان إيبركانن” قرب يابوس و ذكر موقعه و أشاد بجودة مياهه . إن كان الترويج للسياحة الأوراسية شيئا إيجابيا في ذاته , إلّا أن تفصيلا صغيرا في المنشور أثار امتعاض و سخط عدة معلّقين, فصاحب المنشور قدّم الموقع تحت إسم “الما لكحل” وهي ترجمة تقريبية و مُشوّهة للإسم الأصيل بالشاوية “آمان إيبركانن” .
الغريب أن هذا الفايسبوكي لم يتقبل ملاحظات المعلقين الذين أنكروا عليه تعويض الإسم الحقيقي بترجمة رديئة بالعربية و ذهب إلى حد وصفهم بالعنصريين : ” خليو علينا هاذ الراسيزم ”  هكذا ردّ هذا الفايسبوكي على من أنكر عليه تشويه إسم الموقع .إنه من الغريب أن يصف المعلّقين ب”العنصرية” وهو العنصري الحقيقي .
إن هذا المنشور على صغره و تفاهته  يكشف لنا ظاهرة إجتماعية و طريقة تفكير منحرفة تعكس عقد نفسية و هوية  مؤزومة لبعض إيشاوين .

هوية شاوية , قناع عربي”

رغم أن موقع “آمان إيبركانن” لم تطله مخالب البيروقراطية  و لم تشوّه إسمه بعد, فإن هذا الفايسبوكي الشاب ظن نفسه مجبرا على القيام بهذه المهمة القذرة . إن عملية التعريب الممنهج للطوبونيميا الشاوية التي ورثتها الإدارة الجزائرية عن ” المكاتب العربية” الكولونيالية السيئة السمعة كرّست أفضلية العربية على الشاوية و أورثت بطريقة غير واعية عند جيل كامل من أبناء الأوراس إحتقارا و تبخيسا للغتهم , فهذا الشاب الذي شوّه إسم الموقع   (من خلال تعريبه ) أعاد إنتاج بطريقة غير واعية , منظومة دأبت منذ عقود على تبخيس و ازدراء كل ما يمت بصلة إلى  لغته , تراثه , عاداته و قيمه . هذه المنظومة كانت ترى أن الدفاع عن اللغة و الهوية مجرد “تطرف” و “عنصرية” وهو بالتحديد ما أجاب به الشاب مخالفيه . لقد تماهى كليا مع هذه المنظومة و أعاد إنتاجها بشكل كامل .
إن هذه الظاهرة النفسية تُعرف بالتماهي بالمتسلط identification à l’agresseur  و تلاحَظ عند الشعوب أو الجماعات المسودة (dominées)  في ظل إستعمار أو نظام توتاليتاري قمعي .
يقول الدكتور مصطفي حجازي  حول هذه الظاهرة  ” يقوم الإنسان المقهور , في عملية التماهي بأحكام المتسلط بإجتياف عدوانيته و توجيهها إلى الذات على شكل مشاعر ذنب و دونية و تبخيس للقيمة الذاتية . إنه ينخرط في عملية حط من قيمته  , وقيمة الجماعة الأصلية التي ينتمى إليها . وبقدر ما يذهب بعيداً في هذا الإتجاه , فإنه يُعلي من شأن المتسلط و يبالغ في إعتباره و في تثمين كل ما يمتُّ إليه بصلة “[1] .
و يُضيف ” الإنسان المقهور كائن مزيف فقد هويته و أضاع اصالته ووجد نفسه عارياً أمام غربته عن نفسه . و هو يحاول بشتى الأساليب , ومن خلال مختلف الأقنعة أن يجد هوية بديلة , وان يحصل على وهم الوجاهة ” .
يبيّن “فرانتز فانون” هذه الظاهرة في كتابه “بشرة سوداء , أقنعة بيضاء” حين يتحدث عن الأسباب التي تدفع الزنوج إلى كراهية ذواتهم السوداء  و بالتالي محاولاتهم المحمومة لتغيير ذاتهم الزنجية او رفضها كليا من خلال السعي الدائب لكي يصبحوا بيضا أو قريبين من البيض . يقول “فانون” أن كل هذه المحاولات هي مجرد “أقنعة” لا تخدع إلا لابسها .
لو أن صديقنا الفايسبوكي قدّم الإسم الحقيقي للموقع و أتبعه ببحث صغير عن أصل التسمية لكان موضوعه مثيرا للإهتمام و أكثر جذبا للسوّاح , فهم لا يبحثون فقط عن جمال المواقع الطبيعية بل عن ثراء موروثها اللامادي و أصالة ساكنيها .

يوغرطا حنّاشي

[1] التخلف الإجتماعي , مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور .د. مصطفي حجازي

زر الذهاب إلى الأعلى