قطر واستراتيجية الهيمنة على الجامعات المغاربية: نموذج الجامعة المغربية

الهادي يوبا

ألح  كانط في كتابه “صراع الكليات، 1798”  على ضرورة حرية كلية الفلسفة، والجامعة عموما:

” لكونها ضامنة لحقيقة التعلّمات […]، ولأنها كذلك يجب أن تبقى حرة وخاضعة فقط لتشريع العقل، وليس للحكومة.”[1]

إن كانت الجامعة بالتعريف فضاء حر ومستقل وغير خاضع  لأية سلطة أخرى من غير سلطة العقل، فما رأيك في أن تكون جامعتنا ليس فقط تابعة للسلطة وبل تابعة لمشاريع إديولوجية مُفلسة وبل مخترقة عبر مراكز بحث وهمية مموّلة من دول الخليج، فماذا سيحصد هذا الوطن؟

ذلك هو موضوع هذه الورقة، أي محاولة تفكيك في خطوط عريضة استراتيجيات الهيمنة الخليجية على منطقة تامازغا، عبر تتبع ما وراء شخص عزمي بشارة.

بالإضافة إلى إنتاج كلام حول “الثورة” لتسويق الاسم والوجه، يُشرف عزمي بشارة على عدة مراكز أبحاث تنشر مجلات متعددة في مختلف النطاقات المعرفية المتعلقة بالإنسانيات لاستقطاب أقلام جديدة، خصوصا من الجامعات المغربية، وهذا مدخل لفهم علاقات عزمي بشارة بالجامعة المغربية أو بدقة أكبر مدخل لفهم محاولة قطر شراء ذمم بعض التجار في جامعة لم تكن مستقلة في يوم من الأيام والآن مهدّدة بفقدان السيادة خارجيا. فما هي الاستراتيجيات المعتمدة لتحقيق ذلك؟

الإستراتيجية الأولى: الهيمنة الإعلامية:

اعتقد أن دور قناة الجزيرة ونوع الضيوف الذين تستدعيهم والأجندة التي تخدمها بيّنة بذاتها، على أن الجزيرة مثلها مثل بشارة، شجرة تخفي غابة حقيقية من مرتزقة الإعلام، فالجرائد المغربية في معظمها تحوّلت إلى بوق إديولوجي تابع للدولة المغربية في مناسبات خاصة ولقطر طيلة بقية أيام السنة، وخير مثال عن ذلك جريدة توفيق بوعشرين “أخبار اليوم”، ولكن في هذه الورقة سنسلط الأضواء على جوانب لم ننتبه لها بما يكفي.

الإستراتيجية الثانية: الهيمنة بالنشر:

تُصدّر قطر للمغرب وباقي بلدان تامازغا العديد من المجلات من بينها “مجلة الدوحة” وهي مجلة يواظب على الكتابة فيها مجموعة من أساتذة الجامعات المغربية (فلسفة، آداب، اللغة…) ومجلات أخرى،

في هذه الورقة، سنتحدث فقط عن المجلات التابعة “للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” ومديره العام ليس سوى عزمي بشارة، ومن بين أعضاء مجلس الإدارة  “يساري” مغربي ووزير سابق وأستاذ جامعي هو عبد الله ساعف الذي يشرف بدوره على نشر مجلات وجريدة ويُدير مركز أبحاث مما يعني أن الأمر يتعلق بدمج لمؤسسات مختلفة أو لنقل بتعزيز الجهود وتوحيد الرؤى في قضايا معينة  وفق رؤية متعالية عن شعوب المنطقة ومتهافتة، فماذا يفعل جامعي مغربي ووزير سابق في مركز كل أهدافه إمبريالية وعرقية :” المركز (…) مؤسّسة ملتزمة بقضايا الأمّة العربيّة”[2] ؟
أما عن المجلات الصادرة عن المركز/قطر فهي:

تُساهم المجلات في التسويق لجماعات الإسلام السياسي في المنطقة ونشر ما تُسميه بالوعي القومي وتجنيد أقلام للدفاع عن المشروع القطري وتوطينه في الجامعات المغربية (ولا نقول بأن كل من ينشُر في هذه المجلات بالضرورة خاضع للشيخة موزة وسياساتها ولكن لا يُنشر إلا ما ينسجم مع قناعاتها).

 نقرأ في العدد السابع من مجلة يُقال أنها فكرية وفلسفية مقالا أقل ما يُمكن أن نقول عنه أن كاتبه يحلم بأعين مفتوحة، وربما عنوان البحث هو ما أثار دعاة المركز: “الأمازيغية المعيارية بين اختلاق لغة جديدة وصناعة الوهم الأيديولوجي” لمحمد الكوخي (العدد السابع من مجلة تبيّن)، وفي الواقع لا يخلو أي عدد من التهجم على الشعب الأمازيغي إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حيث ربط منطقتنا بالعروبة وأو اتهام كل من يُناضل من أجل وجوده ولغته بكونه يخدم مشروع تقسيم وطن وهمي هو الوطن العربي…

الإستراتيجية الثالثة: المنح/شراء الباحثين والبحث العرقي:

أعلن المركز عن تمويل أبحاث تنطلق من خلفية عرقية عروبية، وهو ما يدعونا للإستغراب والدهشة، نقرأ في شروط الأبحاث المموّلة:

“خلفية : السياق العربي (أو القطري) الذي أدى إلى تحفيز التفكير في، أو تبرير تناول، قضية معينة في إطار مشروع بحثي متوسط أو طويل المدى.”[3]

وما علاقة كل ما قلناه بالجامعة المغربية، وهل بالفعل كان عزمي بشارة سينوّر الطلاب بمعرفته الظلامية؟ ومن دعاه للمغرب؟ وما هي إنجازاته الفكرية المحض؟ أم أن كل خربشة إديولوجية أصبحت فكرا ونظرا؟؟

ما لم يُقل عن الندوة أنها كانت تمهيدا لإدماج جامعة تُموّل من أموال المغاربة في المشاريع القطرية، كما نقل ذلك موقع زنقة 20 الإلكتروني”وكان من المنتظر أن يتم توقيع اتفاقية تفاهم بين جامعة ابن زهر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة الذي يترأسه بشارة. “[4]

ولماذا اختيار جامعة ابن زهر لاستضافة من يرعى سياسة وأد الهوية الأمازيغية؟ ألا يعرف رئيس الجامعة أن جامعته تضم طلبة أمازيغ وأحد القلاع النضالية للحركة الثقافية الأمازيغية؟ وماذا ستسفيد جامعة من مركز، كما رأينا، أهدافه عرقية وقومية عربية تتناقض مع وطننا؟ هذه الأسئلة يجب طرحها على رئيس الجامعة الذي يتوجب أن يفسر ربط جامعة مغربية بمراكز عرقية تابعة لدول أخرى؟

هل كان يتعلق الأمر بضجيج مُفتعل كي لا نسائل عمق المشكلةّ؟ وماذا يُخفي موضوع المحاضرة والنقاش الدائر حوله بين مرحّب ورافض؟

يتعلق الأمر بقضيّتين خطيرتين في نظري:
– إشكالية استقلال الجامعة المغربية واستهدافها وعلينا أن نضع سؤال تبعيتها لبعض الدول بجدية أكبر وتفكيك أساليب الهيمنة الجديدة.

لنضحك معا مع هذا الخبر الطريف والذي يُلخص كل ما قلناه للآسف:

“لحسن الداودي وزير التعليم العالي وصديقه رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط أرسلا سبعة أساتذة لأميرة قطرية تسجلت في نفس الكلية لتجتاز الامتحانات في قصرها ضدا على القوانين وضدا على روح الجامعة وضدا على قدسية العلم”[5]

 والإشكال الثاني تُمهّد له المحاولة الأولى وهو الهدف النهائي من السياسة التي يرعاها عزمي بشارة:

الإستراتيجية الرابعة: محاولة التأصيل لوعي قومي عربي مضاد لمطالب الأمازيغ في شمال افريقيا:

 تلك هي قضية القومية العربية المعاصرة التي ترعاها قطر في شمال إفريقيا، إذ تهدف إلى تحويل الأمازيغ غير الناطقين بالأمازيغية إلى عرب وتنقلهم إلى مرحلة تبني العروبة العرقية، وتصوير مقاومة الحركة الأمازيغية لسياسات القوميين العرب وإيديولوجيات الاستيطان إلى صراع ضد العرب، أي تحويل القضية الأمازيغية إلى قضية عرقية، إلى قضية حقد ضد العرب.[6] والهدف النهائي هو إشعال حرب عرقية في شمال إفريقيا، وبما أن الحرب لا تحتاج فقط لأفكار بل لتنظيمات أيضا، فقد استثمرت دولة قطر في حركات الإسلام السياسي وأول تنظيم سياسي كشف بالملموس تبعيته لعزمي بشارة هو تنظيم العدل والإحسان.

الإستراتيجية الخامسة: الاستثمار التنظيمي في الإسلام السياسي (قطر والعدل والإحسان[7]: تحالف لتفكيك المغرب)

لنعد إلى دور عزمي بشارة وعلاقة كل ما قلناه بحركات الاسلام السياسي
أول تنظيم كشف أوراقه هو العدل والإحسان، فقد تبيّن بالملموس أن لبشارة أتباع داخل جماعة العدل والإحسان، وهذا ليس جديدا، فهذه الجماعة العرقية المتطرفة معادية للأمازيغية وللأمازيغ منذ تأسيسها وهي الحامل لمشروع قومي عروبي وديني إسلاموي، إذ أن العربية مقدسة في عُرف الجماعة قداسة الدين ذاته، وهو ما ترجمته بالانضمام إلى “منظمة” المؤتمر القومي-الإسلامي.
وقد تماهت مواقف الجماعة مع مواقف قطر وتركيا (افتتاح مركز للجماعة في تركيا أردوغان ويا للخرافة لنشر فكر عبد السلام ياسين: أنوارنا ستُشرق من تركيا أردوغان).
هل نتهم العدل والإحسان صراحة بإشعال نار عرقية في المغرب؟

الواقع الملموس يُبين أن ما أن يُهيمن تيار الإسلام السياسي ويتحالف مع القومية العربية حتى يتم تقسيم وتخريب دولة ما (السودان، العراق، ليبيا، سوريا، العراق).

لنقرّب الصورة أكثر:

نشر عمر أحرشان عضو الأمانة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، يوم 10 نونبر 2015 خربشة على “موقع كود” المغربي، سنلخّص بوضوح مضمونها:

لا يهمني تهافت ولا كشف عقم عقل الإسلاموي ولا التدليل على أن عقل الإسلاموي وريث لعقل العروبي وبيتهما واحدة، وما كنت لأهتم بعمر أحرشان لو كان ما كتبه مجرد رأي شخصي، فقد اعتدنا من جماعات دينية عرقية الكذب والتدليس والسب والشتم، لكن خربشته تكشف أن مواقف الجماعة هي مواقف غير مستقلة بل تعليمات، فلنقارن بين أحرشان يوم 10/11/2015 وعزمي بشارة يوم 11/11/2015:

مقالة أحرشان تغريدة عزمي بشارة
  • ليس من حق المحتجين انتحال صفة الممثل والناطق باسم الأمازيغ فلا أحد خول لهم هذه الصفة
  • أخشى أن يكون مبعث هذا الاحتجاج مرتبط لمواقف عزمي بشارة من اقضية الفلسطينية وانحيازه لخيار المقاومة، وإن هؤلاء المعترضين ممن ينادون بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا يرون في الصهيونية عدوا ويصبون جام غضبهم على العرب والعربية…
  • ولذلك يطرح أكثر من سؤال حول  دوافع الإعتراض وتوقيته والجهات التي يخدمها منعه مع التواصل مع جمهور …
  • جماعة عصبوية صغيرة تحرض على العرب عموما
  • جماعة عنصرية صغيرة معادية للعرب
  • لا يسعني إلا استغراب واستنكار منع أنشطة مثل هذه وأعتبر الطلبة أكبر متضرر
  • مفكر كبير مثل عزمي بشارة
  • تلك الجامعة التي تلح عليه للحضور وإلقاء محاضرة منذ عام

ثم تأتي الخاتمة ، خاتمة عبد مرشد الجماعة العرقية الفاشية :

“لعزمي بشارة ولغيره من المفكرين العرب …أقول مرحبا بكم في المغرب …”

 

هل يتعلق الأمر بصدفة، طبعا، يكفي أن تقوم بنقرة صغيرة في محرك البحث “غوغل” حتى تجد خيوط المحبة بين الرجلين/ عفوا بين قطر وجماعة العدل والإحسان، قطر التي تحولت لدى عمر أحرشان إلى مدينة الله الفاضلة وسط الدول الفاسقة والمتخلفة:

عمر أحرشان ومبايعة قطر:

 نجد هذه الجملة في صفحة عمر أحرشان على الفايسبوك بتاريخ 21 نونبر 2012، في ” د. أحرشان يرسم ثلاثة مسارات لتشكيل دعم حقيقي لغزة”: “ولكن هل هذه المعطيات كافية للقول بأننا إزاء موقف عربي مغاير؟ لا أعتقد. لأننا بالمقابل أمام صمت خليجي غير مسبوق، باستثناء قطر،”

وستجد كذلك عروض دعوات نفس المركز الذي تحدثنا عنه سابقا والذي يُشرف عليه عزمي بشارة، بمعنى أن فرضية إملاء خربشة أحرشان من طرف عزمي بشارة تجد سندا قويا في استضافته في مركز عزمي بشارة بقطر وبقية القصة أصبحت معروفة الآن.

هل يجب أن ننسى ما وقع في مدينة تغردايت بـ”دزاير”؟

وهل يجب أن نتحرك بعد أن تتحول منطقتنا إلى جحيم على يد بدو الخليج والأقلام المأجورة بالداخل؟

[1] Emmanuel Kant, Le Conflit des facultés [1798], trad. Par Alain Renaut, édition publiée sous la direction de Ferdinand Alquié, Paris, 1986 [Œuvres philosophiques 3], p.826.

[2] انظر الموقع الرسمي للمركز: إضغط هنا 

[3] الموقع الرّسمي لمعهد الدّوحة : إضغط هنا

[4] موقع زنقة 20 : إضغط هنا

[5] انظر الحكاية العجيبة الغريبة للوزير المعروف ببلادته في ركن شوف تشوف لرشيد نيني على الرابط: إضغط هنا

[6] لا تكتفي قطر بهذه الاستراتيجيات بل لها استراتيجية مسلحة أيضا تمثلت في تسليح الجماعات المسلحة الإسلامية في صحراء تامازغا لتصفية الحركة الأزوادية وتأسيس وتسليح ما سمي بالحركة العربية الأزوادية.

[7] نقدم العدل والإحسان نموذجا دون أن نستثني من ذلك بقية الحركات الإسلامية خصوصا حركة التوحيد والإصلاح وأذرعها الإعلامية والحزبية (منظمة التجديد الطلابي، حزب العدالة والتنمية، جريدة التجديد…)..