لسانيات

ملاحظات حول اللغة الآمازيغية

بودي قبل البدء في عرض هذه الملاحظات أن أشير إلى أنه لدراسة اللغة الأمازيغية لابد من لإلمام بكل فروعها {لهجاتها} وخصائصها المميزة. الخوض في المجال يتطلب شرطين أساسيين أولهما المعرفة الجيدة للأمازيغية وثانيهما لإطلاع على الدراسات اللغوية بصفة عامة واللسانية بصفة خاصة.

أخي القارئ أتمنى أن تتمعن في هذه الملاحظات البسيطة وتعمل على إثرائها وأخص بالذكر المعربين، ولاسيما اللغويين والمختصين منهم لعلهم يتخلصون من عقدة اللهجة التي يعرفها لسان العرب بأنها نغم الكلام {جرس الكلام} وينهجون النهج العلمي الصحيح ليساهموا في البحث والتنقيب إذا أرادوا أن يثبتوا قوة اللغة الآمازيغية وقدرتها على مواكبة العصر. لإبطال إدعاءات أعدائها، وذلك بالتخلي عن فكرة التبني والتخلص من عقدة النظر بعين واحدة. ومع كل الأسف فإن أغلب الدراسات اللسانية الحديثة، وخاصة ما يتصل منها بالأمازيغية كتب باللغات الأجنبية. وإليكم خمس ملاحظات أو بالأحرى اجتهادات حول اللغة الأمازيغية.

دوام اللغة الامازيغية وإستمرارها

إن اللغة الأمازيغية من أقدم اللغات، وخط تيفيناغ هو الخط الأصلي لهذه اللغة. ويرجع ظهوره إلى ثلاثة آلاف سنة (ق, م). وهو الخط الذي لم تنقطع به الكتابة أصلا. و يشمل منطقة جغرافية واسعة في الصحراء و ينتشر في عدة بلدان صحراوية ويصل إلى حد بوركينافاسو والآن تحارب به الأمية في النيجر والمالي وأصبحت ثامازيغث من اللغات الوطنية والرسمية في النيجر.

واللغة الأمازيغية قاومت كل اللغات الوافدة إليها على كثرتها و لقد اعتمدت على معطياتها الذاتية ولم تعتمد على كتاب منزل ولا إيديولوجية معينة وبالرغم من قلة تدوينيها ومحاربتها من كل الوافدين إليها إلا أنها استمرت آلاف السنين جنبا إلى جنب مع كثير من اللغات القومية فسايرت مدة طويلة الفنيقية وبقيت حية ولم تستطع الفنيقية أن تزحزحها أو تهيمن على شعبها بل ظهرت لغة جديدة وهي عبارة عن مزيج أمازيغي فنيقي سميت باللغة اليونية، كما سايرت اللغة اللاتينية التي كانت تعتبر آنذاك لغة عالمية وبقيت حية إلى جانبها بالرغم موت كل اللغات المعاصرة لها مثل المصرية والإغريقية القديمة واللاتينية …إلخ.

إذن فبقاء اللغة الأمازيغية حية لآلاف السنين يعتبر معجزة كبرى وهو أهم شرط من شروط اللغة ألا وهو الحياة والاستمرار. وبالرغم من محاربتها من كل الوافدين إليها والعمل على استئصالها لكنهم فشلوا في القضاء عليها وحتى في وقتنا هذا أستغل الدين الإسلامي الحنيف باستعماله قصد القضاء عليها بواسطة أبنائها المتشبعين باالبعثية والقومية العنصرية ولم يزدها ذلك إلا إصرارا على المقاومة. وليس ذلك غريبا لأنها عظيمة عظمة قومها. وإذا قمنا بسرد سريع للتاريخ فإننا نكتشف سر ذلك ألا وهو أنه من الصعوبة بمكان أن يندمجوا في أي شعب آخر، بل بالعكس فإنهم يذيبون تلك الفئات الوافدة إليهم ويصبغونهم بطابعهم الثقافي، وأنه لمن الخطأ الكبير أن نفرق بين الناطقين بالأمازيغية والناطقين بالعربية لأنهم شعب واحد لهم ثقافة واحدة. فإذا قمنا مثلا بدراسة اجتماعية فإننا نجدهم يحملون نفس القيم ونفس العادات والتقاليد ونفس السلوكات. فرأس السنة الأمازيغية يحتفل به مثلا في كامل بلاد الأمازيغ وفي كل مناطقه. وإذا تفحصنا كتاب ”الحمار الذهبي“ للكاتب الجزائري آفولاي التي مرت عليه مئات القرون لوجدناه لازال يصور ويعبر تعبيرا صادقا على كثير من سلوك وقيم هذا المجتمع الذي نعيش فيه اليوم. وعلى هذا نجد أن لهذه اللغة قدرة على الاحتواء والاستيعاب ووضع كلمات أجنبية وإخضاعها لقوالبها وعلى سبيل المثال المدينة تصبح (ثامدينت) والجماعة تصبح (ثاجماعت) و البلدة تصبح (ثابليت) وشنط (التركية) ثاشناط (الأحبولة) و LA SEMAINE (ثسمانت) إلى غير ذلك من الكلمات المتعددة.

فبالرغم من دخول ألفاظ أجنبية إلى اللغة الأمازيغية إلا أنها من أغنى اللغات وانتقال الألفاظ من لغة لأخرى يعتبر شيئا طبيعيا يحدث لكل اللغات لأنها تؤثر وتتأثر. فالعبرة ليست في المفردات التي تمر من لغة إلى أخرى بل في مدى استقلال هياكل أية لغة عن الأخرى. لهذا فعيب اللغة الأمازيغية أنها تعانى من نقص في التدوين لأنها لو دونت وجمعت في قواميس لوجدنا مقابلا لكل الكلمات الوافدة إليها مستعملة في جهات دون الأخرى و يعتبر ذلك أحد الأسباب التي تعطى انطباعا بأن هناك اختلافات بين لغة وأخرى داخل اللغة الأمازيغية الأم. فالمفردات العربية مثلا والتي دخلت اللغة الأمازيغية وحلت محل المفردات الأصلية يختلف تأثيرها من منطقة إلى أخرى. فمثلا نجد مناطق محافظة على اسم التفاح وهو ”أظفو“ وكذا الحال بالنسبة ”لغرس“ و“رشق“ و“طلب“، نجد هذه المفردات تنطق أغرس، أرشق، ئطلب في بعض المناطق بينما في مناطق كثيرة ما تزال متواجدة ومستعملة وهي أزو ، ئثر (راء رقيقة). إلا أننا لو جمعنا هذه المفردات (زاي مفخمة) ئرزا اللغة لوجدناها متكاملة والكلمات الحديثة يمكن أن ننحتها عن طريق التركيب من الكلمات القديمة و هذه أمثلة شخصية الغرض منها التوضيح فقط لأن خلق الألفاظ الجديدة يجب أن تخضع إلى الدراسات العلمية و من لدن المختصين. فمثلا يمكن أن نسمي الألة الكاتبة ب(ثاروماست) و هي كلمة من “آرو”= أكتب ، آماس= الأداة وكذالك يمكن أن نسمي القمر الصناعي مثلا (أزنيور) وهو إسم مركب من “آزن”= أرسل و يور= القمر.

ولهذا يجب أن ننظر إلى هذه اللغة نظرة عملية لأنها جزء منا ونحن جزء منها وبدونها تبقى شخصيتنا مهزوزة واستقلالنا منقوصا وهي ملك لكل الجزائريين ولكل أبناء الشمال الإفريقي وكما يقول الدكتور محمد شفيق عضو أكاديمية الملكية المغربية في إحدى محاضراته {” فإما نحن مرتبطون بالأرض ومن عليها بصرف النظر عن السلالة و عن العرق، إذن ندرس هذه بالعرق أو بالسلالة فكل الأرض ومن كان عليها منذ القديم وإما نحن مرتبطون ولكل واحد منا الحق في البحث عن عرقه وسلالته وهذا السؤال مطروح فيما يهم التاريخ”}.

اللغة الأمازيغية لغة اشتقاق

هي عبارة عن لغة يسهل اشتقاقها مثلها اللغات السامية، لها القدرة على اشتقاق ألفاظ متعددة من جذر واحد ولها دلالات مختلفة ومتنوعة وإليكم الأمثلة على ذلك:

ئرغا= إشتعل، ءاوراغ = اللون الأصفر الشبيه بلون اللهب، ء ورغ = الذهب، ء يوريغ = الماء الأصفر الذي يرده المريض من فمه وخاصة المصاب بمرض المرارة، ساوراغ = مرض الصفاير بالإضافة إلى الاشتقاق فإن لها خصائص صرفية و نحوية و غيرها فلنأخذ مثلا جذر  قن=أربط ، أغلق ).

ء وغن = الربط ( والغين في الأمازيغية يبدل قافا أو خاءا) غان = الحبل الصغير كما يطلق على المجرى المائي الفرعي ءسغون = الحبل الطويل المستعمل في الشد أو في قياس المساحات.

ساغن = الشيء الذي يربط به ( إسم أداة

ثامقونت = الرابطة (الحزمة )

أمقان = المربوط ( إسم المفعول )

ءيسقن = السدادة ( أسم أداة ) و هذه مستخرجة من فعل زائد و هو ( سقن ) كما انه فعل متعد وهو عبارة عن صيغة التفعيل أو الإفعال كما يطلق على السدادة اسم “ء اسمور.” أسقين = إسم الهيئة أو الحالة . و يمكن أن نصرف هذين الفعلين ( قن، سقن ) إلى جميع الحالات وجميع الصيغ.

قن = فعل امر ، ئقن = فعل ماض ، ئتقن = في الحاضر المستمر ، أذيقن = في المستقبل ، ئتواقن = مبني للمجهول ، مقانن = المفاعلة كل واحد ربط الآخر ( المتبادل ) ، ئموقن = التفعل بمدلول الإنفعال ( المنعكس.

كما يمكن أيضا أن يأخذ جذر هذه الكلمة صيغة التركيب مع جذر كلمة أخرى وخلق لفظ جديد له معنى جديد ، مغاير ، يشترك في دلالته جذرا الكلمتين اللتين تكون منها اللفظ الجديد وسنوضح ذلك فيما بعد، وإليك الأمثلة :

غنس أربط بإحكام ( الرابط مع الشد ) اصلها قن = اربط ن آس، و المصدر أغناس .

ثامقناست ( ثامنغاست ) = أصل التسمية واحد ولكن نسمي بهما شيئين مختلفين .

ثامقناست = المسلك الضيق أو المصيدة (مضيق) و المعبر الخطير. ثامغناست = النديل الذي يشد به الدماغ، كما يمكننا أن نشتق من هذا الجذر الجديد صيغا عديدة و هناك مثال آخر بالنسبة لجذر قن بالاشتراك مع جذر ؤنظ = اللف فيتكون جذر جديد هو أقنونْظ = بمعنى الربط الملفوف، يقال قنونظنت- بمعنى تجمعوا على أي المشاكل أو الصائب، و لكلمة أقنظ تبدو للوهلة الأولى أنها كلمة عربية لكن الحقيقة غير ذلك بالرغم من أنها تؤدي معنى الحيرة و التخبط في المشاكل لأنه بالتحليل نكتشف أن اللفظ مركب من جذرين ( قن، نظ ) و يمكن أن يحدث الإدغام بين النونين فيصبح اللفظ الجديد أقنط هذا في حالة تكون اللفظ من فعلين أما إذا ركب من فعل و مصدر يصبح أقنونظ و كذلك الحال بالنسبة ل” آقمظ” التقميط يا لعربية ” فهي في الأصل آقنظ أي استبدلت النون ميما لأن عملية التقميط هي ربط ولف للرضي.

اللغة الأمازيغية لغة نحت و تركيب

تمتاز اللغة الأمازيغية بأنها لغة نحت و تركيب ولها قدرة كبيرة على خلق الألفاظ الجديدة من الألفاظ القديمة مما يسهل عملية إنمائها و تطويرها بسرعة. والنحت يبرز فيها بالأشكال الآتية

1 ـ إيصال اسمين احدهما بالآخر

وتكوين لفظ جديد يحمل دلالة جديدة يشترك فيها معنيا الاسمين. ومثال دلك ئشمول (قرن القلب ) إسم جبل وتسمى به بلدية ودائرة واقعة في منطقة آريس و هدا الاسم مركب من اسمين ورابطة تربطهما ببعضهما البعض.

ئش = القرن ، ؤل = القلب ، م = فهي رابطة أصلها ن+و،ن = للملكية أدغمت في الواو وصارت تلفظ “م” ونطقها يخرج من الأنف وهذه ظاهرة فونولوجية مألوفة في اللغة الأمازيغية والاسم المنحوت أصله ئش ن وول أغصد يس = عظم الجنب وفي مناطق أخرى مثل المغرب الأقصى، ينطق أغصديس أو ئغسديس وأحيانا تقلب السين زايا وينطق أغزديس و هذه تغيرات فونولوجية لها قواعد معينة. وآغسديس اسم مركب من  ءيغس = “العظم ” ، ءيذيس = ” الجنب ” وهو ما يسمى بالدارجة” الشطوب” LES COTES . باو شال: نبات طبيعي موسمي ينمو بسرعة و يدفع التربة إلى الأعلى وهو إسم مركب من باو= الفول, شال= التراب.

2 ـ إيصال الاسم بالفعل أو بالعكس: يتم تركيب اللفظ بالنحت عن طريق إيصال الاسم بالفعل أو الفعل بالاسم وتكوين لفظ جديد له دلالة معينة .

آرذوز = من الحشرات الثاقبة يحفر بيته في ألواح ( خشب ) المنازل وله صوت مميز به زئير، كما يطلق هدا الاسم أيضا على آلة الثقب ( الهروال )، و هو إسم مركب من آر = الأسد ، ذوز = إدفع ، أفوسكر = التقتير ، الشح ، إسم مركب من ، أفوس = اليد ، كر ( الكاف تنطق جرمانية ) و لهذا يمكن أن يكون الجذر ير أو كر ومعناها إنكمش و المعنى العام اليد المنكمشة.

ملوافر = طائر بجانبه بياض وهو اسم مركب من الفعل ” ءيمل “= إبيض لأن في الأمازيغية يمكن أن يستخرج الفعل من الصفة و يقوم مقامها والصفة هي” أملال = الأبيض و ” ءيمل ” = فعل ، افر = الجناح ( الطرف ) جناح الطائر .

3 ـ من فعل وفعل يمكن أن ينحت لفظ جديد  ب إيصال فعل بأخر مثل أغدو = ساق الطلع ( الجزء الطري من الساق الذي ينمو في فصل معين )، وهو إسم مركب من ” أغ ” = خذ ، أثبت ( يستعمل للنمو ) و ” آغ ” بألف ممدودة عبارة عن لاسم ” أدو “= سر  فيقي = صمغ الشجرة ، أسم مركب من فعلين ” أفي = صب ، أقي = اقطر أي بمعنى الصب الذي يتكون عن طريق القطرة ” أزرقن = الرؤية الغير واضحة و يمكن أن تؤدي معنى ” عشا” في العربية.

زر = ر ، ” من الرؤية ” ، قن = أغلق ، بمعنى الرؤية الغير واضحة.

4 ـ من أدوات لغوية مختلفة ثليورا = الحاجب ( حشرة ) هذه الحشرة نرها في الليل مشعة ثم تخمد ثم تشع مرة أخرى و هكذا و هو اسم مركب من فعل + ظرف مكان.

ءلي = أمشي ، ثورا = الآن

ثاورغلا = النجدة، والاسم مركب من أور = بمعنى عليك إلي ( تعالى)

أغلى = اسم الجهة التي تقع وراء الجبل و أي حاجز يفصل بين المكان و الشخصين أو بين المكانين .

4 ـ  فراندا = إسم مدينة في الغرب الجزائري وهو اسم مكون من فعل + إسم إشارة .

5 ـ فرن = إختبأوا ،-6 ذا = هنا

6 ـ ئسما =  كثير من الناس يعتقدون أنها كلمة عربية بمعنى يسمى وهذا غير صحيح أصلها

ئس = به أو بها، أما = هكذا

أبرغقال = طائر اسود له صوت جميل ، و هو اسم يتكون من أبر = صادرة تؤدي مفهوم عاتم أو غير عادي كقولنا أبرقاز = الرجل الغير العادي ( القوي مثلا ) و هنا تؤدي مفهوم السواد الغير العادي

أغقال= الأسود  ئسقنمي = الوثاق أو الرباط الذي تربط به فوهة المزود أو أي كيس آخر وهو اسم مركب من ئس = به أو بها ، قن = أربط ، ئمي = الفم.

ملاحظة 1:  ئس = صادرة تتصدر الإسم و تدل غالبا على إسم الأداة في بعض المناطق يقال ” ئسقلمي ” و هنا وقع الإبدال بين النون و اللام

أنفيف = القمع ، اسم مركب من ” ن ” = للملكية، كأن نقول مثلا ” ثادارث ن موحند ” و بالدارجة المترجمة حرفيا عن الأمازيغية الدار ” نتاع موحند ”

أفي = صب ، ئيف = السائل بمعنى ” الأداة الخاصة بصب السوائل أنفونزر = الرعاف ، اسم مركب من

أنفو = النفس ، ئنزر = المنخر ، بمعنى نفس المنخر كما تلفظ أيضا ” أفونزر” وذلك بإدغام النون في الفاء،أسيظن = النهار ما قبل البارحة أو النهار ما بعد الغد و هو إسم مركب من ” أس = النهار ، ئيظن = الآخر .

ملاحظة 2: لقد لاحظنا أن هناك ألفاظا تم نحتها بالتركيب في مناطق ولم يتم ذلك في مناطق أخرى و أسوق لكم مثالا على ذلك. ففي منطقة وادي عبيد يطلق إسم ” ء مي ن ديست” “فم البطن “على العشاء الذي يغلف المعدة من الداخل بينما عند أيثداود تم نحتها و تلفظ منديس .

من العلوم أنه من الصعوبة التميز بين حرفي الدال و الذال ونقول ” ئذيس ” أو “ئديس = الجنب و هو ما يسمى بالدارجة عند نا ب ( الشطوب ) LES COTES و كذلك الحال بالنسبة لحرفي الطاء والضاد نقول “أسيضن او أسيطن .”

علاقة اللغة الأمازيغية باللغة العربية

1 – علاقتها بالدارجة : لقد سبق وأن قلنا إن اللغة الأمازيغية اعتمدت على معطياتها الذاتية ولم تعتمد على إيديولوجية أو كتاب منزل كما أنها غير مدونة واستمرت آلف السنين جنبا إلى جنب مع كثير من اللغات وسايرت العربية مدة طويلة ثم تمازجنا فتكونت منهما اللغة الدارجة وهي عبارة عن مفردات عربية في معظمها في قوالب وتركيبات أمازيغية، وبعبارة أخرى تكونت بالاقتباس من العربية والأمازيغية، وإذا القينا نظرة عابرة على تركيبات اللغة الدارجة فلا نحتاج إلى مجهود كبير لنكتشف علاقتها بالأمازيغية سواء من حيث البنية والتركيب أو من حيث المفردات. فمن حيث البنية والتركيب نسوق أمثلة لتوضيح ذالك:” روح تلعب على روحك ” ، ” يضرب لي التيليفون ” ، ” عندك لا تجي ” ، ” دار الضيقة ” ، ” يضرب هذي بهذي ” ، ” أوقف على روحك ” ، ” أجري على روحك ” ، ” كاين البرد ” ، ” الماء كاينين ” إلى غير ذلك من التركيبات العديدة. فلو قمنا بتحويل هذه الجمل لوجدناها ذات بنية وتركيب أمازيغي. فالجملة الأولى ترجمة حرفية للجملة الأمازيغية ” ؤقير (أدو ) ” ” آتيرارذ فيمنانك ” وفي الجملة الثانية يقال بالعربية ” يهتف لي ” وليس ” يضرب لي ” و في الجملة الثالثة لا يقال ” عندك ” بل يقال ” إياك أن تأتي ” وبالأمازيغية ( غرك = عندك )، ترجمة حرفية تستعمل للتحذير، وفي الجملة الرابعة يقال بالعربية “أقام الوليمة” وفي الخامسة “يضرب هدي بهذي” تدل على الحكمة وحسن التصرف وهي ترجمة حرفية للجملة الآمازيغية ” يتشاث ثاي ستاي ” ، وكذا الحال مع ” أوقف على روحك ” فإنها تدل على الاستعداد للعمل و التغلب على المشاكل و مواجهة الأخطار وهي ترجمة حرفية ( بد فيمانك ) و ” اجري على روحك ” لها دلالة ألاهتمام بالذات وتجنب ما لا تحمد عقباه والتخطيط للمستقبل وهي أيضا ترجمة حرفية ( ازل فيمانك ) و في نفس السياق – كاين البرد ففي اللغة العربية يقال الجو بارد و في الأمازيغية ” أيلا ؤ صميض ” فهي طبق الأصل للدارجة أما بالنسبة للجملة الأخيرة ” الماء باردين ” فالماء في العربية مفرد يقال الماء موجود أما في الأمازيغية الماء جمع و لا مفرد له و يقال ” أمان اللان .

وإذا تعمقنا أكثر فإننا نجد علاقة كبيرة جدا بين اللغتين ، فعلى سبيل المثال و ليس الحصر نورد مايلي: وجود حروف في الدارجة غير موجودة في العربية مثل ” دج ” ( دجميلة ) و ” دز” ( دزاير ) ، ومعروف أن في العربية ” الزاي” لايلي ” الدال ” و إذا ورد دلك في كلمة فهي دخيلة مثل لفظ ” دز ”

أما بالنسبة للإضافة ففي العربية تتم من غير أداة وإنما بالإعراب مثل ” أموال محمد ” بينما في الدارجة نقول ” المال نتاع محمد ” ( نتاع = أداة إضافة ) و تنطبق تماما على صيغة الإضافة في الأمازيغية ” آقل ن موحند ” ( ن= اداة إضافة = نتاع). والملاحظة أيضا أن النفي في الدارجة هو نفسه في الأمازيغية، ينفي الفعل بوضعه بين وحدتين “أور” … مثل ( أور سويغ ش ) في الأمازيغية ، ( ما شربت ش ) في الدارجة بينما ينفي في العربية بأدوات تسبق الفعل ( لم ، لا ، لن حسب الحالات ) والملاحظ أيضا أن شبه الجملة في العربية الدارجة تنفي مثل الفعل لأن في الأمازيغية الفعل وشبه الجملة ينفيان بنفس الطريقة مثل ” أور غري ش) بينما في العربية الفصحى تنفي بالأداة ” ليس”.

كما لا يوجد مثنى في الدارجة مثل الأمازيغية تماما مثل ” أشربو = سوث ” لإثنين أو أكثر بينما في الفصحى يفرق بين المثنى والجمع ” أشربا للإثنين و أشربو ا لأكثر. كما يمكننا أن نشير إلى أن كثيرا من دلالات الدارجة مقتبسة من الأمازيغية مثل ” غيل ” ( الذراع ) الذي يدل في كل من الأمازيغية والدارجة على القوة ” نقول بالدارجة ” دار عليك الذراع ” = “ييقا فلاك غيل” أي إستعمل القوة .

أما من ناحية المفردات فهناك عدد ضخم من الكلمات التي تكون في اللغة الدارجة وإليكم بعض امنها ., القنط ( الزاوية ، الركن ) ، ئحاحي ( يطارد ) ، قمن ( تذكر ، تعرف ) ، النزقوم ( الهم و الأسى ) ، سخابلي ( يبدو لي ) ، كرتفو ( القى عليه القبض وهو في حالة تلبس ” ، المسلان ( الخصر) ، القرجومة ( القصبة الهوائية ) ، لوستي ( أخت زوجي )، زرت ( الزردة ) ، رزث ( الرزة ) ، الثويزا ( التويزة ) إلى غير ذلك من المفردات ذات الأصل الأمازيغي والتي تؤلف الدارجة. ومع العلم فإن الدارجة تكونت عبر مئات السنين وهي تختلف من منطقة إلى أخرى حسب ظروف كل منطقة فهناك الحواضر تعربت قبل الأرياف و المزارعون تعربوا قبل الرعاة بسبب اختلاطهم وامتزاجهم بالعناصر الهلالية. ومن الملاحظ فإن المفردات والتراكيب الأمازيغية تبدو أكثر وضوحا في الشمال القسنطيني( قبائل كتامة ) لأن الاستعراب بها كان متأخرا . وإليكم بعضا من المفردات ” أياو ” ( الحفيد ) ” مقرمان ” ( نبات مائي ) ” الغنجاية ” ( الملعقة ) ” اتنفونزرت ” ( رعفت ) القربوس ( الكدية او السرج )، أدغس ( البا ) ” ختارز ” ( يضرب خارج عقله ) ، ” القايز” ( العجل ) إلى غير ذلك من المفردات العديدة بالإضافة إلى حف تس الذي لم يتخلصوا منه وحتى مدينة قسنطينة نفسها وهذا الحرف مميز للكنتها وكذلك محافظتهم على فعل الكينونة إن صح العبير ( يقولون د الباب د الكلب إلخ و لا يفوتنا أن نشير إلى أن معظم أسماء الأماكن بقيت على أسمائها الأصلية الأمازيغية مثل ، تسا ، تاغليسيا ، تكسانة ، آفنسو ، و بعض أسماء القبائل مثل ” بني آوجانة ” ، زردازة ، بني فوغال إلى آخره و كما نلاحظ أيضا في منطقة السهوب أن هناك كثيرا من أسماء النباتات بالأمازيغية ( التيرفاس ، التاورة و المتافغة ، التالمة ، التامرزقة ، المريوة ، التاقوفط …إلخ) أضف إلى ذلك قلب الغين ( غ ) قافا ( ق ) في مناطق كثيرة خاصة الحضنة و يعتبر ذلك من الخصائص الفونولوجية اللأمازيغية .

التأثير التبادل بين الأمازيغية والعربية

لقد قلنا إن العربية والأمازيغية تمازجتا وتكونت منهما اللغة الدارجة إلا أنه يجب أن ننبه إلى أن هناك كثيرا من المفردات العربية دخلت إلى الأمازيغية وهدا شيء جميل يؤدي إلى إثراء اللغة العربية التي تعتبر الأمازيغية أحد روافدها إلى جانب أخواتها الحاميات المصرية والكوشية وغيرهما. إلا أن الغريب في ألأمر هو غياب الأمانة العلمية، بحيث نجد علماء اللغة العربية وواضعي القواميس لا يشيرون إطلاقا إلى ذلك إلا في الحالات النادرة جدا بل يضفون الطابع العربي المحض على ذلك بالرغم من أن الكثير من هذه الألفاظ، وخاصة المنحوت منه لا يستطيعون طمسه وإخفاء حقيقة أصله الأمازيغي بينما نجد في بعض القواميس العربية يذكرون الأصل الفارسي واليوناني وحتى السرياني إلى غير ذلك من اللغات بالرغم من التمازج الحضاري بين المشرق و المغرب وأربعة عشر قرنا من الإسلام وفتوحات الأمازيغ للأندلس والخلافة الفاطمية وأحداث كثيرة إلا أن التعصب وعقدة التفوق أضاع الأمانة العلمية بل نجد الكثير في عصرنا هذا يستعملون كل الحجج والبراهين لإثبات أن الألفاظ الأمازيغية أصلها عربية ونسوا أن واضع أقدم قاموس عربي ( لسان العرب ) هو ” إبن منظور التونسي”. ألم يتأثر هدا ببئته وبالتالي بالأمازيغية؟..

لقد ذكر الأقدمون بعض ألألفاظ الأمازيغية التي دخلت إلى اللغة العربية ومنهم ” جلال الدين السيوطي”، ولكن باحتشام. و من الألفاظ الأمازيغية الواردة في القرآن الكريم على سبيل المثال وليس الحصر ( المهل ، إيناه ) و ” المهل ” لازال مستعملا عند مقطري القطران و إيناه أصله : ” ئنوا”= نضج والهاء عربية تمثل ضمير الغائب أي نضجه، وإليك لفظين كمثال على ذلك نجدها عندما نتفحص القواميس الحديثة بأنهما من أصل عربي و هما ” مرز ” و ” اسدل ” فبالنسبة،ل ” مرز ” = شج الرأس أصلها ” أمرز ” فعل منحوت “م” = مثل ، شبه ، ” رز” = أرشق أي ” الرشق في الرأس ” ، أما أسدل فهو فعل مزيد جذره ” دل” = تغطى ، أسدل = غطى ( ملاحظة : الفعل المجرد و المزيد لا تنطبق عليهما القاعدة العربية ) ” أسدول” = الغطاء ….إلخ وخلاصة القول فإن هناك علاقة كبيرة بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية ولكن هذا لا يعني أنهما ينتميان لعائلة واحدة ( فاللغة الأمازيغية تنتمي إلى العائلة الحامية و اللغة العربية تنتمي إلى العائلة السامية ) ولذا يجب أن ندون اللغة الأمازيغية ونتدارسها ومن ثم يسهل علينا أن نتعرب على التأثير المتبادل بينها وبين اللغة العربية بصفة خاصة لأنها أكثر تأثيرا فيها و مع اللغات الأخرى بصفة عامة، أما بالنسبة لعملية الاستعراب فتحتاج إلى دراسة خاصة، و يمكن القول بأن سكان المناطق الجبلية و المناطق النائية هم المحافظون على الأمازيغية أكثر من غيرهم و لكن بعد الاستقلال ازدادت عملية الاستعراب فتعلم الكثير من هؤلاء العربية وهي أقرب إلى الفصحى منها إلى الدارجة عن طريق المدارس وتسخير الدولة لكل وسائل الإعلام المختلفة وتبني سياسة التعريب ومن فصول هذه السياسة تعريب المحيط بما فيها أسماء الأماكن والطبيعة و التاريخ ومنع الأشخاص من تسمية أبنائهم بالأسماء الأمازيغية. وهذا يعتبر خرقا لحقوق الإنسان، وكفرا بآيات الله لأن الله سبحانه و تعالى يقال في كتابه العزيز : ( و من آياته خلق السموات و الأرض و إختلاف ألسنتكم و ألوانكم ) . سورة الروم الآية- 22-

( و ما أرسلنا من الرسول إلا بلسان قومه ) سورة إبراهيم الآية-

اللغة الأمازيغية لغة غنية و متكاملة

يبدو للوهلة الأولى أن اللغة الأمازيغية متشبعة وتتفرع إلى لغات عديدة بل يحلو لبعض أن يسميها لهجات وهذه اللهجات متباعدة، لكن إذا أخذنا الأمر بالدراسة والتحليل نجدها كلها تعود إلى لغة واحدة ذات جذور مشتركة، وإذا ما قمنا بالمقارنة فيما يسهل علينا إيجاد الجذور الأصلية المشتركة وعلى الأساس ليست لهجة بالمفهوم العربي كما أسلفنا القول يعرفها بأنها نغم الكلام ( جرس الكلام ) يقال فلان فصيح اللهجة كما أنها ليست Dialecte بالمفهوم الأوروبي و بما أنها لا تنحدر من أية لغة أخرى ولا تنتمي إليها إنما هي بذاتها لها قوانينها ولها أسسها اللغوية كجميع اللغات ( فجميع فروعها لغات محلية تفرعت عن اللغة الأم وهي اللغة الأمازيغية.

اللغة الأمازيغية لغة غنية بمفرداتها

لقد ذكرنا أنه لو دونا هذه اللغة لو و جدنها غنية جدا فلو قلنا مثلا: ( ؤقور – أدو = أمشي ، سر ) أو ( أذف – أكشم = أدخل ) أو ( رق- فغ – أقلا = أخرج ) أو أطلقنا أسماء متعددة على شيء واحد مثل ( أقرزيز – أوثول- أقنون = الأرنب ) أو ( ئيلف- أخنتوش – أجعجوع = الخنزير ) أو ( أغرزوت – أيذي – أبرهوش – أقجون – أمرزو …إلخ = الكلب ) وتساءلنا أي الألفاظ صحيح لقلنا إنها عبارة عن مترادفات ولها دلالات معينة دقيقة لأن من مميزات الأمازيغية أنها لغة تعتمد على البيئة والحس بدليل وجود كلمات لا يمكن ترجمتها إلى أية لغة في العالم اللهم إذا استعملنا المعنى العام وبعبارة أخرى فإن هذه المترادفات إما أن تكون أوصافا للشيء المسمى أو تعبيراحسيا يرتبط بالحركة أو الزمن أو أي شيء آخر. فإذا قلنا بالعربية الأسد، الضرغام ، الغضنفر ، الهزبر ، الصيد ، السبع إلى غير ذلك من أسماء الأسد العديدة فهذه الأسماء عبارة عن أوصاف للأسد وعندما نقارن مثلا بين اسمي الأسد في منطقتي الشاوية و القبائل ( آر ، ئزم ) نجد أن ئزم مأخوذ من الصوت لأن الشاوية يقولون آر ئتزيم ( الأسد يزأر) و إليكم مثال آخر، فأسماء: أغرزول تعني الكلب القبيح المنظر و أيذي = الكلب العادي و أقجون = الكلب الجميل ، أبرهوش = الكلب الشاطر و أمرزو = الكلب الصيد و أقزين = الجرو ، وبالمقارنة والبحث عن الاستعمال الدقيق لأي لفظ نتبين دلالة الحقيقية فالفرق بين ( ءميرا و ثورا ) فكلا اللفظين يتواجدان في الشاوية ويؤديان معنى الآن لكن المعنى الدقيق يختلف فإميرا تدل على هذا الوقت ( ئمير = الوقت ، أيا = هذا ) أما ثورا فهي تدل على الآن ولكن بعد هنيهة وكذلك بالنسبة لألفاظ ئنسا و يخسي ( إنطفأ) نجد أن الكلمة ئنسا لها علاقة بالمبيت ( ئنسا = بات ) والاختفاء. أما يخسي فلها علاقة بالانتهاء بفقد الوعي، بالخفوت ونضرب مثالا آخر لإعطاء الدلالات المختلفة للفظ الرؤية والنظر ئزرا، ئقل ( ئموقل )، ئمناذ ، ئهنا ، ئخزر ، فلفظ ئزرا هو الشائع في اللغة الأمازيغية ويدل على الرؤية بصفة عامة وئقل يستعمل لنظر ( نظر ) و ئمناذ يستعمل للرؤية والنظر الحاد والدقيق ومنه أخذ اسم القائد الجزائري مناد ( شواف ). أما يخزر يدل على النظر الذي به حيرة أو ريبة. أما ئهنا، فهو يدل على الرؤية التي لا شك فيها أو الرؤية الواضحة وقد يستعمل مكان هذا اللفظ الكلمة ذات الأصل العربي ئبين، ( تبين الشيء أي تحقق منه ) ويقال أيضا ئهناث أي طمأنه هذا فيما يخص المترادفات ودلالة الألفاظ وهناك جانب آخر يبين مدى غناء اللغة الأمازيغية بحسب اختلاف أقاليمها الطبيعية والمناخية أي بمعنى كل منطقة تتوفر على ألفاظ وأسماء وقد لا تتوفر في منطقة أخرى تبعا لظروف البيئة فمثلا يشتهر ساحل المحيط الأطلسي وخاصة المنطقة الواقعة جنوب الصويرة بلغة البحر والصيد فهناك أربعون اسما لأنواع من الأسماك ولا يوجد لها مقابل في اللغة اللاتينية أو العربية وكذلك الحال بالنسبة لمناطق الأنهار في الصحراء، نجد أسماء للتماسيح، ( أغوشاف) والفيل ( ءيلو ، ءيلوان ) و الزرافة ( ءمذغ ، ءيمذغن) والرز ( ثافغث) كما نجد أسماء قائمة في منطقة ومختفية في منطقة أخرى مثل الجحش ( ءاسنوس ) والبصل ( ءازاليم ، زاي مفخمة) و نجد حتى الأسماء مثل الرحمة ( ثامالوث ) و الصلاة ( ءامود ) كما يطلق هذا اللفظ أيضا على البذور إلا أن اسم الصلاة في الشمال يسمى ( ثازاليت ، زاي مفخمة ) فالباحثون لم يجزموا بأنها من أصل عربي هي و( ثامتانت=الموت ) لأنهم و جدوا نقوشا قديمة جدا منقوشا عليها هذان اللفظان كما توجد كثير من الألفاظ حلت محلها ألفاظ عربية بالخصوص مثل ملح ( ئسيسن = ملح وعرف ) و (ئسوتر ، ئسقسا ) بمعنى سأل و ( أسيسم ) = حلي و ( ئسوتر ) و ( ئسوكف) = قلع و (ءلقاغ) = الأملس( ءوقمير ) = الضيق إلى غير ذلك من الأسماء والألفاظ وعموما فإن جمع هذه اللغة ودراستها يؤديان إلى ترقيتها و هم مكوناتها. وبفهمها نستطيع أن نفهم أنفسنا وتاريخنا ونعمل على تقوية شخصيتنا .

البحث عن جذور الكلمات

من الملاحظ أيضا أن هناك كلمات أميتت في منطقة و بقية حية في منطقة أخرى أو نجد الفعل المجرد في منطقة والمزيد في منطقة أخرى أو بالنسبة لفعل قرع ( ئجض ) الأقرع ( أمجوض ) في حين نجد هذا الفعل في الأوراس مزيدا ويلفظ ( أزجيض = آججيض = القرع ) ( ئزجض = قرع ) وتقتصر تسميته على الداء الذي يصيب الحيوانات في أجسامها ويزيل شعرها كما قد يعتقد سكان منطقة ما أن هناك ألفاظا معينة لا توجد عندهم ولا يعرفونها والسبب يعود إلى استعمالهم لهذه الألفاظ في حالات معينة والإنسان الغير مهتم لا يتفطن إلى ذلك والمثال على ذالك جذر ( فغ ) يقابلها في الأوراس ( رق) = أخرج ، لكن إذا دققنا النظر في الشاوية نجد هذا الجذر يقتصر استعماله في حالات خاصة مثلا:

ئفغ ؤفان ( ءاطاجين) = خرج الطاجين أي كان كيه جيدا ” شسفغ ثازيزاو” = أخرجت النحل ” ئسوفغ أول ئنو ” = أخرج قلبي …إلخ .

كما أننا قد نجد ألفاظا اختفت وحلت محلها ألفاظ أجنبية بالرغم من و جود هذه الألفاظ حتى في المناطق المتقاربة مثل : ” ثيسنت ” حل محلها الملح، وجذر الكلمة في الأوراس أميت ولم يبق إلا اسم الشيء أما ” أسيسن ” التمليح فقد أميت ( ئسيسن = ملح ، عرف ) و كذلك الحال بالنسبة للفظ الضيق ( ءقمير ) حل مكانه الحشران و نجد هذه الظاهرة بالخصوص في أسماء الآلة أو الأداة مثل ( ئيسكرز = المحراث ) فكثير من المناطق تستعمل في تعبيرها لفظ أمحراث ( العربية ) ومناطق أخرى تطلق لفظ ” ءيماسن “على المحراث و ( ئماسن ) تعني الأدوات و مفردها ” ءاماس ” و الاسم الأصلي للمحراث هو ” ءيسكرز ” وقد احتفظت بهذا الاسم كثير من الجهات .

تصحيح النطق

يمكن تعديل الانحرافات المسجلة في النطق وذلك بالاعتماد على الدراسات اللغوية واللسانية وتطبيق القواعد الخاصة باللغة الأمازيغية ومن ثم يمكن أن نكتشف مثلا بأن هذه الانحرافات تعود إلى خصائص فونولوجية كعملية الإبدال أو التقديم والتأخير أو غيرها من العوامل المختلفة التي قد تسبب الاختلافات المتنوعة كالعوامل الطبيعية أو الاجتماعية أو البيئة أو التأثير الديني أو الاحتكاك الثقافي إلى ذلك من الأسباب المتعددة .

بالمقارنة بين المناطق اللغوية المختلفة يمكن أن نعطي صورة مبدئية وعامة على الاختلافات المتنوعة و تتمثل في الانحرافات التي قد تحدث في قصر استعمال بعض الألفاظ على حالات خاصة دون تعميمها وقد نجد ألفاظا دخيلة حلت محل الألفاظ الأصلية ومن أمثلة الكلمات المماتة في بعض المناطق و بقائها حية في مناطق أخرى ( ون = أصعد ) هذا الجذر ممات في الأوراس و بقي من مشتقاته اسم الموضع ( ساون ) بينما بقي الجذر حيا في المغرب الأقصى وكذلك الحال بالنسبة لجذر ( ئمر ) سخن أو حمي إن صح التعبير أميت هذا الجذر و لم يبق إلا عند بعض القبائل في الأوراس ولكن اسم المكان بقي حيا في كل المناطق وهو ( سامر )= المتشمس المكان المقابل للشمس أما بالنسبة للفعل المجرد و المزيد ففي منطقة مثلا يستعمل الفعل المجرد مثلما هو عليه الحال في المغرب نطق بعض الكلمات سواء بالاستغناء عن بعض الحروف أو في إبدال الحروف بعضها ببعض أو في تنوع النطق واختلاف النغامات أو في دلالات الكلمات كأن تكون أوصافا للشيء مثلا أو القصد منها التفاوت الزمني أو مراحل العمر أو هي كناية أو إستعارة …إلخ.

وفيما يلي بعض الأمثلة لتوضيح ذلك فالألفاظ مثل ( ءانخجوف ) في الأوراس و ( ءانجوف ) في المغرب يؤديان معنى الأبله لكن ما هي الدلالة الدقيقة لهذين اللفظين؟ فإذا علمنا أن هناك لفظا آخر و هو ( أخجف ) له ارتباط دلالي بالبلاهة وهو الكلام السفيه الغير المتزن حينئذ يمكن أن نقول ” أنجف ” هو الأبله و أنخجوف هو الأبله الذي يتفوه بكلام غير لائق و يمكن تعديل الانحراف المسجل في النطق مثل ( فوس ، أضار ، غيل ) ، ( اليد ، الرجل ، الذراع ) لتصبح ( ءافوس ، ءاضار ، ءاغيل ) وذلك تطبيقا للقاعدة العامة و هي أن كل اسم مذكر يبدأ بالألف، كما يمكن أن يظهر الانحراف في تضخيم الحروف مثل: ءاضرغال ( الأعمى ) أو ءادرغال بتطبيق قواعد الصرف يتضح أن الأصل هو ( أدرغال) و نفس الشيء ينطبق على ( أيذي ) الكلب . فعند جمعه يقال ( ءيضان ) و لكن كما يقال الخطأ الشائع والمألوف يصبح صحيحا .

ويمكن أن يظهر الانحراف أيضا عن طريق الإبدال ومن خلال نطق أسماء الأسد والحلم يتضح ذلك فعند التوارق يسمى الأسد ( ءاهار ) وفي بني مزاب ( وار ) و في الأوراس ( ءار) الإبدال وقع بين حروف الهاء والواو والألف. أما الحلم فيسمى عند التوارق ( ثاهرقيث) وفي السوس ( ثاورقيث ) الإبدال وقع بين الهاء والواو وفي الأوراس ( ثارجيث ) وفي القبائل ( ثارقيث ) الإبدال حدث بين الجيم والقاف، والملاحظ أن الجذر لكل تسميات الحلم هو ( أرجي ) و ( أرقي) يورجي ( يورقي ) = حلم ونفس الشيء يحدث عند تطبيقنا لعملية الإبدال فكلمة ( سوذم ، سوذن ) قبل حدث الإبدال بين الميم والنون ومن الواضح أن الميم هي الأصلي أن كلمة “سوذم ” لها علاقة بلوجه ( أوذم ) الذي بدوره له علاقة بالتقبيل ويمكن أيضا أن نضرب أمثلة عن اختلافات اللهجية أي التنغيم مثل: النخاع يسمى عند التوارق والمزاب والشاوية ( أذوف ) وعند القبائل والسوس ( ءاليم ) وألأمثلة عديدة وكثيرة ويمكن أن نطبق في هذه الحالة قاعدة العموم والسواد وهناك أشكال أخرى من التنغيم إن صح التعبير مثل: ( أزداذ = ؤسديذ ) = الرقيق كما قد تصادفنا ألفاظ بها زيادة أو نقص في الحروف مثل كلمة “صب ” في المناطق الأربعة السابقة الذكر تلفظ ( ئفي ) وفي بني مزاب تنطق (ئفسا ) وكذلك الحال بالنسبة لحيوان الجمل و يطلق عليه اسم ( ءالغم ) في الشمال وتوجد مناطق أخرى وخاصة في الجنوب تسميه ( ءالم) أما ما يخص الوصف فقد ذكرناه سابقا في أوصاف الكلب. أما بالنسبة لمراحل العمر فالكبش أحسن مثال يسمى عند الطوارق ( ءاكرر ) وفي المزاب ( ءوفريش ، ءوفريك) وفي الشاوية ( ءيكر ، ءيكري ) و في السوس ( ءاهروي ) وفي القبائل ( ءيكري ) هذه الأسماء يمكن أن نصنف بعضا منها حسب العمر ، ءيزمر = الخروف ، ءفريك = بعد مرحلة الجز ، ءيكر = بعد مرحلة البلوغ، هذه التصنيفات متعارف عليها في الأوراس كما لا يفوتنا أن نذكر بأن جمع (ءيكر) هو ( أكرارن ) وهذا يدل على أن هذا الجمع له علاقة ب(ءاكرر ). وقد نجد للفظ الواحد معنيين و كن لهما نفس الدلالة العامة مثل ( ءازنزون) ( الزين المفخمة ) في المغرب الأقصى يطلق على الأبكم أما في الأوراس فيقصد به الثقيل و ينطق ( ءازنزول ) بحيث وقع الإبدال بين النون واللام. ولهذين دلالة واحدة لأن الأبكم ثقيل السمع، ولا ننسى أيضا ذكر بعض المرادفات مثل : ءاقليم =جلد الذبيحة أو يسمى أيضا ( ءالم )، هل هاتان المترادفتان لهما دلالات دقيقة أم أن إحداهما حدث بها انحراف؟ فعندما نلجأ إلى الكلمة المركبة ( ءالمسير ) والتي تسمى بالدارجة ” الهيدورة ” ونقوم بتفكيكها نجدها تتركب من ( ءالم ) = الجلد و ( ءاسير) = الرحى بمعنى جلد الرحى ولا ننسى أيضا انحرافات أخرى في النطق يمكن تصحيحها عن طريق تطبيق قواعد الصرف الصحيحة فكلمة ( ءامجو = الأذن ) تجمع ( ءيمجان ) وحسب القاعدة والقياس فإن مفرد ( ءيمجان ) يكون ( ءيمجي) لأن ( ءامجو ) مثل ( ءيمتشي ) يجمع ( ءيمتشان ) .

و كذلك الحال بالنسبة لفعل ( يوقور ، يورو) ( مشى ، ولد ) تنطق خطأ ( يوقير ، يوري) فتصريفها كالتالي: يوقور – يقور – يورو – ئتارو- أذيارو – أرو.

بمعرفتنا للغة الأمازيغية نستطيع التعرف على كثير من المظاهر الطبيعية و بعض الظواهر الاجتماعية. وهذا يساعدنا على اكتشاف كثير من الحقائق التاريخية والجغرافية وبالتالي التوصل إلى معرفة الكثير من ماضي هذا المجتمع وإبراز خصائصه وتكويناته لفهم طبائعه وإليكم بعض الأمثلة القصيرة. فالأسماء التي سميت بها كثير من المناطق، الكثير منا لا يعرف معناها ولكن بمعرفة الأمازيغية نستطيع التعرف عليها مثل : مازر ، تاغليسيا ، تيغزا ، ثيفصكوين ، أقور ، ساغس …إلخ.

مازر = الشلال، تاغليسيا = مكان العبور ، ثيغزا = الأرض المستصلحة وتؤدي معنى الحدائق و الجنان، تيفصكوين = الأعياد أو المواسم .

أقور = القربان، ساغس = طوطم معين ( شعوذة )، وهناك الآلاف المؤلفة من الأسماء والألفاظ المختلفة والتي لا يعرف المجتمع معانيها ولكن من السهل التواصل إلى الكشف عنها. فلو سألنا مثلا أي شخص عن معنى نيردي أو ثامستاوث فربما يجيبنا بأن ” نيردي ” مشتق من الردى وثامستاوث مشتق من الاستواء لكن بمعرفتنا للأمازيغية فالأمر يصبح هينا فلفظ نيردي مفرد و يجمع ( ئيرذن ) أي القمح وهذا إذا علمنا أنه في المغرب الأقصى القمح مفرده ( ئردي ) وفي الأوراس هناك نوع من الشعير ذو قشرة رقيقة يسمى” ثيردين “و هذا الاسم مكون من ن = للملكية كما تم شرحه في السابق ” ئيردي” = القمح في حالة المفرد وبهذا يتم اكتشافنا إذا عرفنا موقع المكان و خصائصه ” فنيردي ” حوض جبلي يقع في جبال المحمل في منطقة أولاد عبيد ويشتهر بإنتاجه الجيد للقمح ومن حيث النوعية وقد تحصل على جائزة في العهد الاستعماري وكذلك الحال بالنسبة لجبل مستاوى ( ثامستاوث) إذا ما عرفنا أن مصدر الاسم هو ” أستاو” بمعنى التجرد و ( ئستو ) تجرد من ملابسه و إن جبل مستاوا الواقع غرب سريانة قمته عارية ومجردا من الأشجار وهناك أسماء كثيرة ولكنها تحتاج إلى تصحيح في النطق والبحث عن جذر الكلمة وإذا ما توصلنا إلى ذلك نستطيع أن نكتشف معاني ودلالات كثيرة في الأسماء على سبيل المثال فلفظ ( ئفورس) عند المغاربة تعني تشقق أما في الأوراس فهناك لفظ مشابه له ويشترك معه في الدلالة يقال ( ثافيراست ) الإجاص وتجمع ( ثيفيراسين ) كما يطلق هذا الجمع على الأراضي الطينية التي تتشقق تربتها و جذع الإجاص ( الشجرة التقليدية ) يتشقق ، إذن فثيفيراسين هي كناية عن الأراضي المتشققة ويقال في الأوراس أيضا ( ئفيرس – ئفكرس) أي عندما يؤثر البرد في أطراف الإنسان وتتشقق وتصبح جوانب الشقوق يابسة ومتسخة. وخلاصة القول فبالدراسة وإتباع منهج المقارنة نستطيع أن نتعرف على دلالات كل الألفاظ وتصحيح الأخطاء المسجلة في النطق. وبمعرفتنا الجيدة للغة الأمازيغية نستطيع أن نكتشف كثيرا من المفاهيم والتعريفات الخاطئة أو المغرضة التي بينها الجاهلون أو الحاقدون على هذه اللغة مثل ( تيفيناغ ) أتت من كلمة فنيقي ، و تيغانمين أتت من تاج أمين و سريانة حملت اسم ساكنيها السوريين إلى غير ذلك الأخطاء الشائعة والمتعددة.

محمّد مرداسي

سبق ونشر هذا المقال، على صفحات مجلّة “الجمعية الوطنية آوراس الكاهنة” سنة 1995

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى