انثروبولوجيا

ملامح نمط الإنتاج الأصيل عند الأمازيغ

لم تأتي أغلب دراسات أنماط الإنتاج ما قبل الاستعمار وحتى بعده في شمال إفريقيا على قدر كبير من الحياد، إذ يمكن إبداء ملاحظات حول أغلبها:

– دراستها نمطا إنتاجيا اعتبرته وحيدا، وفي أحسن الأحوال إلى جانبه أنماط إنتاجية غير ذات أهمية.

– إلحاقها نمط الإنتاج المدروس بأنماط مختلفة وبعيدة عنه، من قبيل نمط الإنتاج الفيودالي أو نمط الإنتاج الآسيوي.

لقد جاءت مجرد إسقاطات تعكس الإيديولوجيات والمواقف السياسية لأصحابها، أكثر ما تعكس الحقيقة، ولعل المثال الصارخ منها الدراسات الكولونيالية.

سؤال المدخل:

دراسات نمط الإنتاج بشمال إفريقيا بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، وهي فترة تعايشت فيها أنماط إنتاج عديدة جنبا إلى جنب، فهل يوجد ضمنها نمط إنتاج يخص شمال إفريقيا ما قبل الاستعمارات وما هي خصائصه وسماته؟

موضوع الدراسة:

 درست نماذج لنمط الإنتاج في شمال إفريقيا في تجمعات لقبائل أمازيغية، فسمي بنمط الإنتاج العتيق أو التقليدي أو البدائي.

من خلال دراسة نمط الإنتاج عند قبيلة آيت وراين كعينة، يتم تبين خصائصه وسماته وهل يمكن اعتباره بدائيا.

اختيار العنوان:

حاولت انتقاء مفردات العنوان بعناية لغايات وبمبررات:

 – اخترت مفردة ملامح رغم أن الدراسة كشف للخصائص لاعتبارين اثنين، أولهما أنني لم أعتبر الدراسة حاسمة جامعة مانعة، بل بمثابة المدخل المؤسس الذي يحتاج المزيد من التدقيق والتوسيع من أهل الاختصاص، وثانيهما أن بعض بقايا نمط الإنتاج المدروس ستبين الدراسة أنها لا تزال حية تقاوم الزوال وتعيش من داخل النمط الإنتاجي الرأسمالي المزيح للأصيل.

-استخدمت مفردة الأصيل بدل التقليدي أو القديم كذلك لاعتبارين، أولهما أن بقايا من نمط الإنتاج المدروس لا تزال قائمة وقد يفهم من إحدى المفردتين انتفاء الوجود في الحاضر، وثانيهما احتمال أخذ إحدى المفردتين كحكم بتخلف نمط الإنتاج المذكور، ليس في سلم التطور التاريخي بل من حيث نسق الثقافة والتقاليد المرتبطة به.

– استخدمت مفردة عينة بدل نموذج على اعتبار المجال الضيق للدراسة مقارنة بشمال افريقيا بما يجعله أشبه بعينة مجهرية، وثانيا على اعتبار المعاينة والمعايشة للمجال المدروسة خصائص نمط الإنتاج به.

قيمة الموضوع وأهمية دراسته:

للموضوع أهميته لما لدراسته ونتائجها من دور في فهم الارتباط بين البنى الاقتصادية والاجتماعية و السياسية والثقافية للقبيلة الأمازيغية، مما يمكن من فهم تجددها واستمرارها وأسباب التحولات الحاصلة فيها، ويساهم في تفسير مسارات من تاريخ الأمازيغ عامة وتكوين شخصيتهم وطبيعة ثقافتهم.

مجال الدراسة الجغرافي والبشري:

آيت وراين في أعالي حوض مللو بالمغرب الشرقي من فخذتي آيت تايدا المنتمين لآيت وراين إشرقيين موطنهم الأصلي جبل تايدا، وآيت تلت المنتمين لآيت وراين إغربيين موطنهم الأصلي جبلي حميدت وبوسعد، وتوحدهم جميعا البيئة الطبيعية والأنشطة والمهارات والتقاليد والأعراف الإنتاجية.

مجال الدراسة المعرفي:

دراسة نمط الإنتاج لم تعد من صلب اهتمامات الاقتصاديين والمؤرخين فقط، فقد أصبح نمط الإنتاج موضوعا محوريا في الدراسات الاجتماعية والانتربولوجية وغيرها من العلوم الإنسانية، حيث تتضافر قراءاتها رغم اختلافات مناهجها وزوايا نظرها لتشكل صورة واحدة متكاملة.

المنهج:

اعتمدت منهجا يمكن تقسيم عملياته إلى:

 تركيب الصورة الحالية ثم وصفها وتفكيكها وتحليل عناصرها بما يجعل هذا الجانب من الدراسة سنكرونيا.

تركيب صورة الماضي ثم وصفها وتفكيكها وتحليل عناصرها.

تفسير الأثر البيني للبنيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأسباب ومسارات التحول بما يجعل هذا الجانب من الدراسة دياكرونيا.

أدوات البحث:

يمكن قصرها على الملاحظة بحكم المعاينة والمعايشة لعينة البحث وللظواهر الاقتصادية/ الاجتماعية فيها.

المصادر:

تتحدد في الرواية الشفوية المعتمدة لمحاولة رسم صورة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمرحلة ما قبل الاستعمار.

المفاهيم:

كون الدراسة تستخدم مصطلحات اقتصادية واجتماعية فلا بد من رسم حدودها، حيث تختلف بين هذا الدارس أو ذاك بحسب موضوع الدراسة والمنهج والمدرسة.

– المجال الحيوي : هو المساحة الكافية أو الفائضة المملوكة لمجموعة بشرية وما تحتويه من رأسمال طبيعي تربة ومعادنا ومياها وغابات.

– نمط الإنتاج : يمكن الاقتصار على تفسيره بالعلاقات شبه الثابتة المرتبطة بالإنتاج بين أفراد مجتمع وبينهم وبين أدوات الإنتاج.

– وسائل الإنتاج : تتمثل في الرأسمال الطبيعي، إضافة للآلات والأدوات والمنشآت الإنتاجية.

//نمط الإنتاج وعلاقات الإنتاج في عينة الدراسة.

   /وسائل الإنتاج ووضعيتها.

     = الرأسمال الطبيعي:

  • الغابات والمراعي و الأراضي الغابوية: تعود ملكيتها للدولة تحت مسؤولية للمياه والغابات.
  • أراضي البور: أراضي جموع تقسم عن طريق الإرث، للسكان حق استغلالها دون ملكيتها، وينتقل حق الاستغلال إرثا أو بيعا.
  • الأراضي السقوية على النهر: وهي (جدية) مملوكة تقسم بالإرث، وتنقل بيعا وإرثا.

   – المياه:ملك للدولة تحت إدارة المياه والغابات.

    =المنشآت الإنتاجية:

  • السدود: أو حصارات المياه التي قامت الدولة بإنشائها ملك لها، قانونيا تحت إدارة جمعيات السقي وإشراف الفلاحة والداخلية.
  • السواقي: المبنية من قبل الدولة كالسدود في وضعيتها، بينما تعتبر سواها جماعية لكل من له أراضي تسقى من المياه التي تنقلها.

  = أدوات الإنتاج:

    – الآلات الفلاحية وعربات النقل: ملكية خاصة متاحة للكراء.

    – مطاحن الحبوب والزيتون: ملكية خاصة كشركة غالبا، متاحة إما للاستخدام أو لتقديم الخدمة بالمقابل.

– الأدوات الفلاحية البسيطة والدواب: ملكية خاصة للأسر، تمنح مجانا للاستخدام للطالب بما تحدده علاقات القرابة والجيرة والصداقة.

– أدوات حرفية بسيطة الإنتاجية: في ملكية الحرفيين الذين يشتغلون بها بمقابل، وقد يتم كراء بعضها.

= توزيع وسائل الإنتاج وانتقالها: وسائل الإنتاج متواضعة تنتقل إرثا أو بيعا، لا يظهر فيها احتكار.

/ أقسام علاقات الإنتاج وأشكال العمل.

=عمل الفرد للفرد:

  • العمل بالأجر: أضحى العمل بالأجر هو السائد في العلاقات الإنتاجية سواء في أشغال الفلاحة أو البناء وغيرها، وهو إما يحدد بأجر يومي أو بإنجاز مهمة كاملة.
  • العمل بالمحاصصة: وهو عمل بأجر كذلك إلا أنه يكون بحصة من الغلال، وهو آخذ في الاحتضار مع تنامي العمل بالمقابل المالي.

= عمل الفرد للمجموعة:

وهي أشكال مؤجرة.

  • توالا: حيث يقوم مجموعة من الناس بتأجير من يقوم بعمل الرعي لقطيع أبقارهم بمقابل مادي، وقد يكون الاستغلال واضحا في حالات منه، حيث أن العمل لا يقوم به إلا الفرد الوحيد من دون عائلة أو العبيط أو الغريب من دون أملاك، وقد اختفى هذا الشكل في السبعينات.
  • الراعي: حالات اتخاذ مجموعة من الناس راعيا واحدا لقطعانهم بأجر سنوي، ضمنه حصة من الجديان ومنتجات القطعان من سمن وصوف أو شعر، وقد اختفى العمل بهذا النظام في التسعينات.

= عمل الفرد للجماعة:

عمل مؤجر لعل النموذج الوحيد الذي استمر أطول مدة، و في طريقه إلى الزوال، هو تأجير الفقيه سنويا بأجر ضمنه حصة من الغلال الزراعية.

= عمل المجموعة للفرد:

  • تويزي: وهو عمل غير مؤجر، ويعني أداء العمل الجماعي لفرد من دون مقابل غير الإطعام.

= عمل المجموعة للمجموعة:

وهما شكلين غير مؤجرين.

  • أدوال: نظام يقوم على عمل بين مجموعة وبشكل دوري، ويحصل في حالات حاجة الأفراد لنفس العمل و تقارب قدر هذا العمل، يمكن تشبيهه بسلفة العمل.
  • توالا: نظام توالا يتعلق برعي قطيع الأبقار أو قطيع الدواب، فيكون بالتناوب بين الأسر المساهمة في العملية من خلال أبنائها وغالبا ما تكون العملية موسمية في ندرة المرعى للدواب بالوادي، أما بالنسبة للأبقار فيتناوب الصغار على رعيها كونها تكون في موسم وجود المرعى بالأماكن القريبة كالمروج والأراضي غير المستصلحة، وقد لفظت توالا كعادة ونظام أنفاسها نهاية تسعينيات القرن الماضي.

/ حجم إنتاج الثروة والأنشطة المنتجة لها:

الأنشطة مرتبطة بما يوفره الرأسمال الطبيعي وتطور أدوات الإنتاج وغيرها من العوامل، تبقى فلاحية متميزة بطغيان الأنشطة التسويقية كإنتاج الزيتون وتسمين المواشي، إلى جانب الأنشطة التقليدية للاستهلاك الذاتي. بحسب ما يسمح به حجم الرأسمال الطبيعي وتطور المهارات والتقنيات المستخدمة وأدوات العمل وعوامل أخرى، يبقى إنتاج الثروة متواضعا لا يتجاوز المعاشي نحو مراكمة سريعة.

/ توزيع الدخل وتداول المنتج:

  يتم تخزين المنتجات التي يعاد استخدامها للاستهلاك الخاص بالأسر ولا يسوق إلا الفائض منها، ويوزع الدخل بين خدمة المصاريف والاستهلاك حيث أن تنمية راس المال لا تحوز منه نسبة مهمة.

/ حركة التجارة والاستهلاك:

يتم التزود بالحاجات من المحلات التجارية الثاتة،  ومن الأسواق الأسبوعية المحلية ومن المدن، حيث حركة التجارة في نمو منذ عقود نظرا لظهور المنتجات التسويقية، وتغير العادات الاستهلاكية وسقف الحاجات والتطلعات ومفهوم الرفاه.

/ خصائص نمط الإنتاج الحالي:

نمط إنتاج رأسمالي متواضع في حجم إنتاجه للثروة وفي قدر مردودية أنشطته ودرجة استثمار إمكانياته من رأس المال الطبيعي ومن قوة العمل، مع سيادة للأنشطة الفلاحية المتميزة بتواضع الاستغلاليات نتيجة تفكك البنية العقارية، وتواضع المردودية، وباختفاء الكثير من الحرف واحتضار الأخرى.

علاقة العمل بالأجر رغم سيادتها على غيرها من العلاقات فهي غير مرتبطة بوجود طبقة عاملة  متمايزة وثابتة، فالحدود غير واضحة بين طبقة ملاك وطبقة عمال بالأجر، كل ما هناك أن الحاجة قد تدفع الفلاح إلى العمل المؤقت بالأجر كما تدفع فلاحا آخر إلى تأجير عامل، أو أن البحث عن آفاق أفضل أو الضغط الديموغرافي على المجال الحيوي يدفعان بفئة الشباب إلى الهجرة والتحول من فلاحين في ملكياتهم الأسرية إلى صفوف العمال الموسميين أو الدائمين.

/ العادات الاجتماعية ومنظومة القيم:

تقلص دور الروابط الاجتماعية وما ميزها من تكافل وتضامن، لصالح قيم رأسمالية بما تعنيه من نزعة فردية وبناء للعلاقات والمواقف على أساس المصالح لا المبادئ والأخلاق…

//نمط الإنتاج وعلاقات الإنتاج في عينة الدراسة قبل الاستعمار الفرنسي.

   /وسائل الإنتاج ووضعيتها.

     = الرأسمال الطبيعي.

  • الغابات والمراعي: لكل عشيرة ملكها الغابوي.
  • أراضي البور غير الإرثية: لكل عشيرة ملكها المحدد المساحة و تتم عملية إعادة توزيعه بين أفرادها من الذكور البالغين أي في سن حمل السلاح بشكل دوري كل سنة.
  • أراضي البور الإرثية: تقسم عن طريق الإرث، وتنتقل إرثا أو بيعا أو مبادلة وهي في المداشر أو مجاورة لها.
  • الأراضي السقوية على النهر: وهي جدية مملوكة تقسم بالإرث وتنتقل بيعا أو إرثا أو مبادلة.

   – المياه:تعتبر المياه ملكا جماعيا.

    =المنشآت الإنتاجية.

  • السدود: ملك لكل من له أراضي تسقى من المياه التي تجمعها.
  • السواقي: ملك لكل من له أراضي تسقى من المياه التي تنقلها.
  • البيادر: ملك للجماعة قبل أن تظهر العائلية منها ثم الأسرية، ورغم كونها ملكية خاصة للأسرة فإن استغلالها من قبل الآخرين لا يخضع لأجر أو تعويض فهو متاح بشكل مجاني، وحتى من دون استشارة أصحابها، إلّا في تنظيم مواعيد الدراسة.
  • ورشات الحدادة: في ملكية أسر تنتج أدوات منزلية وفلاحية وأسلحة لذا حرصت الجماعات على استقدام وتوطين الحدادين.

 =  أدوات الإنتاج.

  • طواحين مائية: الطواحين المائية حديثة العهد نسبيا شرع في استخدامها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على الأغلب، وهي ملكية خاصة كشركة بين أسر في الغالب، ويخضع استخدامها لتأدية حصة من الحبوب.
  • معاصر الزيتون: جماعية كل مدشر يمتلك رحى بشكل جماعي ويقوم بصيانتها وتجديدها.
  • الدواب: تعتبر الدواب ملكية خاصة لكنها في متناول كل من يحتاجها لأعمال الفلاحة وغيرها.
  • أدوات فلاحية بسيطة: من محارث ومعاول وغيرها ملكية خاصة، وهي متوفرة عند كل الأسر، إلا أن إعارتها أمر سائد وواجب على مالكها.
  • أدوات حرفية بسيطة الإنتاجية: إنها أدوات في ملكية الأسر تتم إعارتها، أو في ملكية الحرفيين لاستخدامها في أعمالهم المؤجرة، وتعار في أبسط الأعمال.

= توزيع وسائل الإنتاج وانتقالها:

وسائل إنتاج متواضعة تنتقل إرثا أو بيعا، لا احتكار في ملكيتها وتتوزع على ملكية فردية يتمتع بها كل أفراد الجماعة بقدر غير متساو بالضرورة، وعلى ملكية جماعية لكل أفراد الجماعة.

/ أقسام علاقات الإنتاج وأشكال العمل.

  =  العمل غير المؤجر.

     العمل الجماعي للجماعة:

  • إنشاء السد: عملية إنشاء السد عمل جماعي ينطم فيها كبار السن الخبراء بأحوال الوادي العمل ويشرفون عليه، يساهم في العملية كل من يملك أراضي على السد المراد إنشاؤه، والحضور غير إجباري حيث يغيب ملاك الأراضي والأشجار المثمرة من مناطق بعيدة، كما يمكن أن يحضر من الأسرة الواحدة كل الرجال ومن أخرى لا يحضر أحد.

إلا أن التخلف من دون مبرر يدخل في نطاق التصرف الممجوج، كما أن عملية إنشاء السد احتفالية، ويؤجر عليها من الناحية الدينية، فيطعم المشتغلون طيب الطعام الذي يتصدق به من قبل الجميع سواء ممن امتلك أرضا على السد أم لا لما لعرق الفلاحين من قدسية.

  • إصلاح وصيانة السواقي: المعنيون بالاشتغال فيها هم ملاك الأراضي التي تأتي مياه سقيها عبرها، ويشرف على تنظيم العمل وتسييره قيم على الساقية، ويحدد قدر العمل في الأصل بمساحة الأراضي، الحضور إلزامي إلا أن يكون المتخلف ممن يملكون أراضي ضيقة، وبالتالي فالمسافة المطلوب منه تنقيتها تكون قليلة، وهو ما يقوم به المجاور له في العمل الذي يكون غالبا من أبناء عمومته.

عمل الجماعة للفرد:

يصعب حصر العمل الجماعي للفرد، فهو يمتد من الأنشطة المنتجة إلى الإعمال البيتية إلى المناسبات وغيرها، ومنه العمل النسائي والذكوري وعمل الصبية ومنه المختلط:

  • تويزي: وتعني أداء العمل جماعة لفائدة فرد من دون مقابل غير الإطعام، وفي حالات اجتماعية محددة يمكن للمساهمين استقدام طعامهم، العمال قد يأتون من جماعات مجاورة في الأعمال الكبرى، أو بسبب العلاقات الاجتماعية، وقد يقتصر العدد على قدر محدود بحسب نوعية العمل.

عمل الفرد للجماعة:

  • توالا: نظام توالا يتعلق برعي قطيع الأبقار أو قطيع الدواب، فيكون بالتناوب بين الأسر المساهمة في العملية من خلال أبنائها، إلا أن القاعدة لا تمنع استفادة البعض من دون المساهمة كالأسر التي ليس لديها ذكور يقومون بالرعي، وغالبا ما تكون العملية موسمية في ندرة المرعى بالوادي، أما بالنسبة للأبقار فتتناوب مجموعات الصغار على رعيها، كونها تكون في موسم وجود المرعى بالأماكن القريبة كالمروج والأراضي غير المستصلحة.

عمل الفرد للفرد:

  • وهي حالة تقديم المعونة و الدعم من دون انتظار طلبه، حيث لا يكون الشخص ملزما بالبقاء إلى حين انتهاء الأشغال.

= العمل المؤجر.

     العمل من أجل الجماعة:

يمكن حصره في الفقيه الذي يتحصل أجرا سنويا من غلال الفلاحة على عمله الديني.

   العمل من أجل الفرد:

        لعل أبرزها أشغال الفلاحة والرعي التي يتحدد أجرها بحصص من المنتج على أساس فترة تصل السنة.

إضافة للأعمال الحرفية التي كانت مؤجرة، ولعل أهمها الحدادة.

/ تقسيم العمل.

فيما يتعلق بتقسيم الأنشطة المنتجة فقد تحكم في تقسيم العمل عنصري الجنس والعمر.

أما تقسيم العمل في النشاط الإنتاجي الواحد فيقوم على أساس المردودية والإمكانيات التي تتحدد بالمهارة والكفاءة والقدرات البدنية، فيكتفي العجوز مثلا خلال الدراسة بكنس الشوائب أو غيرها من الأعمال الدقيقة غير المجهدة بما يلاءم خبرته وطاقته البدنية.

/ حجم إنتاج الثروة والأنشطة المنتجة لها.

أنشطة السكان كانت فلاحية لتوفير ما يحتاجونه، حيث استهلاك المنتجات  وادخار الفائض هو أساس العملية الإنتاجية.

/ توزيع الدخل وتداول المنتج.

  يوزع المنتج بين الحصص التي يفرضها الدين والتقاليد كالأعشار والهبات للزوايا، يتم تخزين المتبقي من المنتجات التي يعاد استخدامها للاستهلاك الخاص بالأسر.

/ حركة التجارة والاستهلاك.

يتم التزود بالحاجات من سوق محلية وأساسا من المدن، حيث حركة التجارة ضعيفة وحاجات السكان بسيطة ونادرة، في نمط استهلاكي لا يعرف الكماليات.

/ خصائص نمط الإنتاج.

تميز اقتصاد العينة بسعة المجال الحيوي ووفرة رأس المال الطبيعي، دون أن يعني

بالضرورة الفائض في الإنتاج مثلا حالات الأوبئة والجفاف، وبممارسة أنشطته فلاحية موجهة للاستهلاك الذاتي، درجة استثمار إمكانيات رأس المال الطبيعي بسيطة بعيدة عن التدمير والاستنزاف وكذلك درجة استثمار قوة العمل، حجم إنتاج الثروة متواضع، مما لا يسمح بمراكمتها.

أما نمط الإنتاج فتميز بوجود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ووجود ملكية جماعية، في ظل علاقات إنتاج تتواضع فيها علاقة العمل بالأجر أمام علاقات العمل الجماعية غير المؤجرة، وغياب طبقات اجتماعية حيث الجميع فلاحين مالكين للأراضي على قدر غير متساو قابل للتغير.

/ النظام السياسي والقانوني والعادات الاجتماعية و القيم.

شكلت العشائر مجتمعات قائمة بذاتها مع كونها جزءا من بنيات أكبر هي الفخذات والقبيلة، وقد كانت إدارتها تتم بشكل ديمقراطي ويتشارك الجميع في القرار وفي التنفيذ، فتقاسم الثروة كان واضحا كما تقاسم الأعباء من عمل ومساهمات مالية ، وسادت القيم والروح الجماعية كالتضامن والتكافل مع كونها ليست اختيارية بل في حكم الواجب، حيث أن ما يمس الفرد يمس الجماعة، مما جعل العادات والقيم مساهمة في إعادة إنتاج أو الحفاظ على نفس العلاقات الإنتاجية التي لم تساهم في بروز طبقات.  فكان الفلاحون هم سواعد المجتمع ومحاربوه ومسيروه، في تمجيد لقيم العمل والشجاعة والتضحية، وغياب عادات الاستهلاك الباذخ والترف.

  • سد الحاجة اعتبار التسول اضطرارا وليس مهنة

عددا غير حالة حسب الرواية الشفوية في حالة قاضي شرعي يمنع نسائه من مغادرة البيت وهناك رويايات عن حالة عبودية

  • وحالات تزويجه ليحرر العبد ويملك وحالة لتزويج الابنة دائما حسب الرواية الشفوية ومنحه الوصية ووراثته الارض واسم العائلة… لن تستمر

المتضررين باعتبارها تقليدا وشكلا من اعادة توزيع الثروة او استمرار تركيزها…

  • يتميز المجال الحيوي بتوفيره كل الحاجات، والملاحظ هنا غياب التجارة التي تعكس الحاجة المتباينة بمعنى ان ما يشكل منتجا فائضا عند احد ما يشكل حاجة ملحة عند الاخر

نمط الإنتاج الامازيغي الا ان هذا لا ينفي تميزه واختلافه عن كل الانماط القديمة(قديم) التي تمت دراستها من العبودي والاقطاعي والمشاعي و ووجود ملكية جماعية فقط

هو الاصل فلو كانت دخيلة لشكلت مدخلا

وهو أمر مستبعد افتراض اصالة الملكية الخاصة فلو كانت دخيلة لشكلت مدخلا

/ فرضية: وتحول الفلاح إلى مجرد عامل دون أرض، إضافة لوجود الملكية الجماعية غير القابلة للبيع…  المجال الحيوي

/مقارنة نمطي الإنتاج لعينة الدراسة الحالي والسابق على دخول الاستعمار.

إن عقد مقارنة بسيطة بين نمط الإنتاج في عينة الدراسة قبيل دخول الاستعمار ونمط الإنتاج الحالي سيمكن من رصد الفوارق، و هي التي ستبين مسارات التحول وتسمح بإمكانية رسم صورة أقرب للحقيقية لنمط الإنتاج الأصيل.

  • التحولات في المجال الحيوي: نتيجة النمو الديمغرافي، ونتيجة تحول ملكية الغابات وأراضيها إلى الإدارة الاستعمارية ستعرف بالضرورة وسائل الإنتاج وبالضبط رأس المال الطبيعي تقلصا، ليظهر معها البدايات الأولى لاستصلاح الأراضي الزراعية التي كانت مهملة على الوادي.
  • التحولات في نوع الأنشطة الفلاحية: لعل أهم تحول جاء مع الاستعمار هو اكتمال تحول السكان من أنصاف رحل إلى مستقرين، وبالتالي تزايد أهمية النشاط الزراعي على حساب الرعوي.

سيظهر التحول إلى تربية الضأن مع المزاوجة بين الرعي و تربية الإسطبلات ثم ستسود التربية في الإسطبلات والتسمين بطريقة عصرية إلى حد ما.

سيتزامن التحول في تربية الماشية مع تحول نحو الزراعات العلفية ونحو غراسة الزيتون مع ارتفاع أثمنته نتيجة ازدهار صناعة تصبيره وانتشار المطاحن الحديثة.

  • التحول في علاقات الإنتاج: مع تزايد أهمية أنشطة الزراعة على حساب الرعي سيتحول الرعي إلى مهنة هامشية، أصبح بإمكان أفراد الأسرة عدم التركيز عليها لتظهر فئات الرعاة المؤجرين، ومع تراجع أعداد قطعان الماعز سيظهر الرعاة المؤجرون لمجموعة من الأسر.

في الزراعة سيسود العمل السنوي بالمحاصصة ويترك مكانه للعمل اليومي بالأجر كلما تزايدت أهمية التجارة وتغير نمط الاستهلاك، وتحول الإنتاج إلى التسويق بدل تحقيق الاكتفاء الذاتي.

يظهر أن تويزي علاقة العمل السائدة قد تقلصت أهميتها لصالح أدوال الذي ظلت أهميته ضئيلة أمام العمل المؤجر.

إن تفتت البنية العقارية مع التزايد السكاني إضافة إلى التوقف عن إعادة توزيع أراضي البور الجماعية سيسمح بتفويت حقوق استغلالها وبالتالي ظهور فئة من الفلاحين بدون أرض أو ذوي أراضي لا تكفيهم.

-التحول في أنماط الاستهلاك والعادات الاستهلاكية: يسهل رصد التحولات نظرا لتأخر اقتحام القيم الرأسمالية للعينة، حيث أن تأثيرها جاء متأخرا وبطيئا، ففي الوقت الذي كانت الزراعة للاكتفاء الذاتي كان استهلاك المنتجات المصنعة يدخل في خانة الفعل المخجل للفلاح، ومع التركيز على منتجات للتسويق صار اقتناء الحاجيات من السوق أمرا عاديا.

 لقد انتقلت عينة الدراسة من نمط استهلاك يركز على الضروريات في أبسط صورها، إلى نمط استهلاك يبحث عن الكماليات ولو أنه لا زال لم يصل إلى الاقتناء من أجل تحقيق متعة الاقتناء وليس الاستهلاك فقط.

  • منطومة القيم والعادات:

إن احتضار العادات والقيم المؤطرة لها غير خاف على أجيال السبعينات التي عايشت الأمر، فقيم التضامن اختفت واختفت معها كل العادات المرتبطة بها.

 فانتقلت الجماعة من اعتبار الفقر الذي قد يدفع الفرد للهجرة أو التسول يمس أبناء الجماعة كلهم بما يلزمهم من منعه تضامنا، إلى اعتبار الأمر فرديا ومجرد قدر أو نتيجة لأخطاء الفرد عليه تحملها فاختفت عادة رزيت.

/ صور للإسناد:

لعل الكثير من العادات المشهودة إلى عهد قريب، أو الوقائع المروية يمكنها أن تسند ما ذهبت إليه الدراسة:

  • عمليات الحصاد بتويزي التي كانت تتم إلى عهد قريب وإن خارج عينة الدراسة، حيث يتم بدء عملية الحصاد من أراضي الأرامل والعجائز لتشمل كل الساكنة.
  • حملات الصيد الجماعي التي ظلت إلى عهد قريب خصوصا في مواجهة الخنازير البرية.
  • حملات الاحتطاب والالتقاط الجماعي.
  • صناعة البارود الجماعية والمقذوفات الجماعية عند المسجد قبل الاستعمار.
  • منح السكن أو بقع لبناء السكن والأراضي للوافد والدخيل الموطن.
  • رغم عمل الفقيه بالحصص المسماة شرط فإن منحه الأراضي أو الأشجار المثمرة هي عملية توزيع الثروة وتوطين للأبناء.
  • دخل الاستعمار ليجد حالة أو اثنتين للعبودية البيتية تحولت إحداها إلى حالة تبني لأن العبودية متنافرة مع البيئة الثقافية ومع نمط الإنتاج، ناهيك عن مرويات حول الأصول عن حالات تزويج العبد للابنة التي راجت عند مجموعات أمازيغية عدة ولا شك انها تعكس جزءا من حقيقة لا التاريخ بل الثقافة والقيم.
  • مع الاستعمار الفرنسي وفدت أسر يهودية للتجارة المستقرة وعادت من حيث أتت، مما يبين أن حركة التبادل كانت لا تزال غير مغرية لقطاع التجارة، وأن العينة كانت لا تزال منكفئة على ذاتها في اقتصاد شبه اكتفاء ذاتي تنتج فيه أغلب حاجياتها.
  • حالات التبني والتي لا تزال سارية في المجتمع المغربي رغم حرمتها، وقبولها من طرف الورثة ذوي الحقوق، و حالات أمحاز والذي كانت ترافقه (منزلت لولد) والتي تخالف الوصية وهي كذلك شكل لا يعترض عليه من قبل ذوي الحقوق من الورثة مما يعني مساهمة التقليدين في عدم تركيز الثروة…

/ الخلاصة.

يظهر أن نمط الإنتاج المدروس متميز عن غيره من الأنماط السابقة واللاحقة، وإن منحه تسميات من قبيل الجماعي أو البدائي لا تحيل على تميزه و فرادته، لذا اقترح تسميته بنمط الإنتاج الأمازيغي.

= مميزات نمط الإنتاج:

يقوم على ملكية جماعية وفردية وعلى علاقات عمل جماعية وعلى توزيع للثروة في تكفل إجباري للجماعة بحاجيات الفرد المحتاج.

ولا شك أن مجتمعا عرف وفادة وحركات وفادة مجموعات أخرى إما هجرة دائمة أو مؤقتة إما حربا أو سلما سيعرف نمطه الإنتاجي تقاسم المجال أو التأثر والتداخل، وهو ما قد يدفع البعض إلى القول أن النمط الأصيل  ربما عرف غياب الملكية الفردية، وما يدفع بعدم صحة الفرض و يؤكد أصالة الملكية الخاصة مع غياب علاقات استغلال من عبودية وعمل بالأجر، هو كونها لم تشكل مدخلا لتراكم للثروة ينتج عنه احتكار وسائل الإنتاج ونشوء الطبقات، إن وجود آلية مانعة لذلك هو ما يجعل الأمر أصيلا…

= موانع وجود طبقات وعلاقات استغلالية:

لعل أهم ما يميز نمط الإنتاج الأمازيغي آليات استمراره أي المانعة لنشوء الطبقات الاجتماعية وبالتالي لعلاقات الاستغلال ويمكن إجمالها في:

  • غياب مراكمة الثروة:

إن عدم مراكمة الثروة يتحقق من خلال غياب علاقات ربوية في الدين قد تسلب الأراضي للبعض وتراكمها في يد البعض كما أن غياب العمل بالأجر يحول الاستغلال ومراكمة الثروة، غير ذات فائدة في مجتمع راكد التجارة وذو اقتصاد لتحقيق الاكتفاء الذاتي…

  • تقليص احتمالات فقد الثروة:

إن وجود أراضي الملك الجماعي التي لا تباع تضمن للأسر توفر حد ادني من وسائل الإنتاج، كما ان فقد الثروة في الاستهلاك أمر غير وارد في مجتمع لا يعرف الترف ولا حركة التجارة، فيبقى الاحتمالات الواردة في حالات الآفات موت القطيع أو السرقة أو النار وهي حالات ظل إلى عهد قريب التضامن المسمى رزيت يكسب فيها المتضرر أكثر مما فقد.

  • إمكانيات إعادة إنشاء الثروة:

إن إعادة توزيع الرأسمال الطبيعي من خلال توزيع أراضي الجماعة وكذا التضامن تسمح بإعادة تحصيل الثروة وعدم الاستمرار في الانحدار الاجتماعي.

/ النتائج ودورها في التفسير.

  • نمط الإنتاج الأمازيغي لا طبقي لذا لا يمكن أن ينتج إلا مؤسسات سياسية ديمقراطية وتشاركية، ولا ينتج الا قيم المساواة والإنسانية.
  • إن شساعة المجال و وجود هذا الكم الهائل من الساكنة المتجانسة، و المكتسبة لتقاليد الحرب و الممجدة والمتصفة بقيم الشجاعة لم يساعد على نشوء قوة غازية في اغلب فترات التاريخ، نظرا لغياب علاقات استغلالية تنتج التراتبية وتقسيم الأدوار ونشوء السلطة القادرة وحدها على السيادة وبسطها على الداخل وتمديدها للخارج ، بحيث يصير العمل الإداري والسياسي و العسكري شأنا يخص طبقة محددة من المجتمع بدل أن يظل مجالا لمساهمة كل أفراد المجموعة البشرية، فجاءت حروب الأمازيغ دفاعا لمنع استغلالهم أو توسعية لتوسيع المجال الحيوي نتيجة نمو ديمغرافي أو هزيمة أو جفاف أو وباء.
  • ان استمرار نمط الإنتاج الأمازيغي إلى دخول الإستعمار الفرنسي دليل على أن الاستعمار الفرنسي شكل أول استعمار حقيقي قام بتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية الأصيلة ومؤسساتها التقليدية، بعد أن ظلت الاستعمارات و تأثيرات الوافدين تشبه بقع زيت متفرقة على مساحة مائية تتوسع ولكن ببطء.
  • كون نمط الانتاج كان للإكتفاء الذاتي ارتبط بتبادل غير ذي أهمية، هو ما يفسر وفادة الفينيقيين واستقرارهم وارتباطهم بصراعات وحروب لنشوء الطبقات في المناطق التي استوطنوها.

 الهاشمي وفيق

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى