بالعربيةبيئةسياسة

إيغزر نثاقا: معركة الشرفاء ضدّ جشع رأس المال.

بعد مبادرات فريدة من نوعها، بدأت بحراك مدنيّ واسع في المدينة، بجمع التوقيعات ومراسلة مختلف الإدارات، ومحاولة مقابلة الوالي، التي باءت بالفشل، والتحسيس بالقضيّة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحشد التأييد من المناطق المجاورة، عبر أحداث ومناسبات عديدة، نجح فيها نشطاء المدينة، في تسليط الضوء على قضيّتهم العادلة، رغم التعتيم الإعلامي الآليّ من قبل مختلف وسائل الإعلام العامة والخاصّة، والمواقف الغريبة والمشينة، لبعض الصحفيين المحليّين المحسوبين على المنطقة، يواصل نشطاء “إيغزر نثاقا” (بوحمار، ولاية باتنة) حراكهم السّلمي المباشر، لإيقاف مشروع إقامة مصنع الإسمنت في محيط منطقتهم الفلاحية والسياحية، والّذي سيؤدّي إلى تدميرها وتلويث المناطق المحيطة بها.

المعركة التي يخوضها شباب إيغزر نثاقا، من أجل مصلحة منطقتهم وساكنتها، منفردين ضدّ جشع الأثرياء الجدد، ومسانديهم في الإدارة الجزائرية، تتواصل بتحكّم منقطع النظير من قبل النشطاء، الذين انتهجوا الطريق الأصعب: الطريق السلمي، من أجل الوقوف في وجه تدمير منطقتهم، في عرض رائع لنموذج واعٍ وناضج للنشاط البيئي والمدني، الفعّال والفريد من نوعه.

هذا النموذج، الذي في حال نجاحه، سيشكّل طفرة حقيقية على الساحة في بلاد إيشاويّن، ويصبح مثالا يحتذى به، لمختلف الحراكات المحليّة في المنطقة، وبذرة تغيير حقيقية تبدأ منها “ثورة” كما سبق وتنبأتُ في آوراس آمقران، هو مصدر قلق حقيقي لجميع الأطراف المتورّطة في الدولة والإدارة وأدواتها.

فالشّاوي العنيف الذي تعوّدت عليه السلطة، والّذي لا يحسن تسيير الأزمات، ويتم استغلاله غالبا لخلق أزمات من أجل التسيير، غاب تماما عن المشهد في إيغزر نثاقا، وحلّ محلّه شباب في مقتبل العمر، متمكّنون من مختلف تقنيات التواصل والترويج، وعلى درجة جدّ عاليّة من الوعي البيئي والاجتماعي والسياسي، مكّنتهم من التحرّك بسلاسة والوقوف بثبات في وجه تعنّت الإدارة متمثّلة في والي باتنة، ومن يقف في صفّه.

الشّاوي المنقاد لشرعيّة “البيّاعين” المزيّفة أيضا غاب هذه المرّة، واختفى دور المجتمع المدني البديل الذي نجحت السلطة في زرعه بالمنطقة لتسيير الأزمات وامتصاص الغضب وتفويت الفرصة على النزهاء من نشطائها، وحلّ محلّه شباب استطاع تحريك الجميع، لصالح قضيّته وصالح المنطقة، بدءًا بالأعيان وانتهاءً بالأسرة الثوريّة، وهذه سابقة يجب دراستها بجديّة.

ورغم التعتيم الآلي والمتعمّد من طرف أغلبية وسائل الإعلام، إلّا أنّ الحراك في إيغزر نثاقا نجح، بل وتميّز، في توفير تغطية إعلامية خاصة به، واستثمار وسائل الإعلام البديل، كمواقع التواصل الاجتماعي، في الترويج للقضية وكسب التعاطف، والضغط إعلاميّا، وهي وسيلة أثبتت نجاعتها، ومناعتها ضدّ التأطير والتّلاعب السلطوي والإداري.

غياب الأحزاب السياسية ومختلف فعاليات المجتمع المدني الرسمي، حتّى الآمازيغية منها والتي من المفروض أنّها “مستقلّة”، عن المشهد، هي نقطة تطرح نفسها بقوّة إلى جانب السكوت المطبق الذي يخيّم على ساحة ممثّلي الشّعب من برلمانيين، “انتُخبوا” لحماية مصالح المنطقة وأبنائها، ولكنّهم يواصلون، ومعهم الأحزاب المطبّلة والمعارضة، لعب دور المتفرّج في أزمة، سيؤدّي تعنّت رأس المال ومعه الإدارة أمام إصرار النشطاء الشباب، إلى تفجيرها.

المعركة، التي لا يمكنني أن أكون محايدا فيها، لأنّها معركتي ومعركة جميع أبناء المنطقة، دون استثناء، هي معركة الشرفاء، الغيورين الواعين بالوضع في منطقتنا، ضدّ جشع رأس المال، والفساد المستشري في دواليب السلطة والغدارة في الدولة الجزائرية، معركة “حياة أو موت” ستغيّر ملامح النشاط في بلاد إيشاويّن إلى الأحسن، أو تؤدّي إلى كارثة اجتماعية وبيئية وصحيّة أو أمنيّة، يدفع ثمنها مرّة أخرى، كسابقاتها في “هكوكث” و”قايس” و”واد الما”، أبناء المنطقة، الذين يئنون تحت وطأة منظومة مسخ وتهميش جهويّة بامتياز.

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى