انثروبولوجيا

أصول التقويم الأمازيغي

إحتفلنا منذ  أيام برأس السنة الأمازيغية ” ينّار”  2967,  عيد مشترك لكل شمال أفريقيا ، يتم الإحتفال به سنويا بنفس الإهتمام في المناطق الناطقة بالعربية كما في المناطق الناطقة بالأمازيغية.

الطقوس المرافقة للسنة الأمازيغية يمكنها أن تحيل ، وفقا ل جون سارفي  Jean Servier، لأربعة أفكار رئيسية:  القضاء على الجوع ، التنبؤ بالسنة القادمة ، تكريس تعاقب دورات الطبيعة وإستقبال القوى الخفية على الأرض.

وفقا لنفس الكاتب ،كان للأمازيغ  تقويمهم الخاص بهم  يرافق وتيرة دورة الحياة النباتية , فالوقت بين فصلين محسوب بتطور القمر ، دورة كاملة أو فصل كبير هي الفترة التي تنتقل من إنقلاب لآخر, في بلاد القبائل هذه الفترات تسمى “ثيبورين  أوسقاس” أبواب السنة.[1]هذا التقويم الأولي كان يرافق وتيرة الحياة الزراعية عند الأمازيغ ويبدأ مع الحرث ففي بلاد إيشاوين  الخريف يطلق عليه :” ثامنزوث” أي الفصل الأول .

هذا التقويم سيتم التخلي عنه شيئا فشيئا لصالح التقويم اليولياني ” Calendrier julien ” ، الذي يقدم إطارا أكثر ملائمة للنشاطات البشرية والذي تسجل فيه المراحل الكبرى للدورة السنوية للحياة النباتية. هذا التقويم حَفظ  وغيّر -من طرف اللهجات المحلية -، الأسماء اللاتينية للشهور ، يناير(أو ينار،إناير) يوافق شهر Ianiarius ايانياريوس ( جانفي)، يبرير إلى أبريليس (أفريل ) شتمبر إلى سبتمر،  جمبر إلى ديسمبر[2]

من أين جاء عيد ينّار (ينّاير):

يناير أو Ianiarius يانياريوس الروماني ، شهر الإله  جانوس أو يانوس Janus إله المداخل في ميثولوجيا رومانية و يرمز للتجديد, هذا العيد لرأس السنة الرومانية يُطلق عليه أيضا  أول جانفي ”  calendes de janvier ” .

توجد العديد من المصادر القديمة التي تشهد على أن أول جانفي ” calends de janvier ” كان مشهورا سابقا  في شمال أفريقيا.

أول من أثار الموضوع كان  Tertullien( حوالي150-حوالي230) , هذا الأب المتشدد للكنيسة ، أمازيغي الأصل  …كان ساخطا ضد الإحتفالات المبهجة التي تقام كل عام بقرطاج للإحتفال بالأول جانفي  calends de janvier : ” كان أغلب المسيحيين يعتقدون أنه مغفور لهم أن يتصرفوا مثل الوثنيين (…) يعتقدون أنه خلال الاحتفال بعيد ساترون  وكالند saturnales et kalendes شهر جانفي أن  الرب  معجب بفعلتِهم؟ (…) إنه  ممنوع إتباع الخرافات الوثنية” .
قرن ونصف بعد ذلك جاء دور سانت اوغيستن Saint Augustin من هيبون “عنابة حاليا” (354-430) لينقد بدوره الإحتفال بعيد اليانياريوس أو يناير في  كتابه المشهور”  مدينة الله ضد الوثنيين ” .

أخيرا في الجدارية التي وُجدت في الموقع القديم Thysdrus(الْجمْ بتونس) و المُؤرَخة بين 222 و235، تعرض، في القاعة 6، الفصول الأربعة والأشهر. الوجه الذي يرمز ل Ianiarius أو يناير يعرض رجلين يأخذان بعضهما بالأحضان ويقبلان بعضهما البعض كما في الاحتفال بالسنة الجديدة, في الخلفية  نميّز ” فروع شجرة ، خبزة والباقي فواكه طازجة ، مشكّلة وجبة السنة الجديدة اللاتينية”. الأمر الذي يوضح أن  الإحتفال ب calendes de janvier كانت ممارسة في افريقيا  الشمالية خلال هذا العصر  كما في كامل محيط البحر الأبيض المتوسط.

تبنّي المزارعين الأمازيغ للتقويم اليولياني :

الأثر الأول الرسمي للانتقال إلى التقويم اليولياني اللاتيني عند المثقفين المسلمين الناطقين بالعربية يتواجد في تقويم قرطبة المشهور[3] هذا الكتاب أٌلف في 961 من طرف ريثموندو الإلبيري Recemundo ،أُسقف مسيحي ل: الفيرا Elvira ,المعروف أيضا بالاسم العربي:  ربيع ابن زياد  مستشار وديبلوماسي في مجلس الخلفاء بقرطبة . هذا التقويم وُضع باللغة العربية ( ترجم للاتينية في القرن 12) أخذ بالتقسيم الروماني للوقت ( التقويم اليولياني) الذي أضيفت اليه بعض الأطروحات  الفلكية الشعبية. تقويم قرطبة يشير في كل شهر لمختلف الاحتفالات  المسيحية، و ما يحدث فيه على المستويات الفلكية و المناخية و الزراعية من رعود وأمطار و أنواء و زراعة و حصاد واحتفالات و اعياد وغيرها .

هذا الكتاب سيكون له تأثير كبير على علماء الأندلس، في الواقع ، هؤلاء سيعترفون بان التقويم الشمسي اليولياني يسمح بمتابعة الفصول (محددا بحركة الأرض حول الشمس )على عكس التقويم  القمري الاسلامي.  أبو زكريا ابن العوّام  ببحثه عن الزراعة المشهورة” كتاب الفلاحة” المؤلف في 1175، سيأخذ بأغلب توصيفات تقويم قرطبة.

البحث يركز على التقويم اليولياني لوصف سير مجموعة النشاطات الزراعية على مدار السنة، جاعلا إياه موافقا بصفة دائمة التقاويم السريانية، الفارسية،  والعبرية.  بهذا الكتاب الموسوعي الأندلسي أدخلت  في معجم شمال افريقيا مصطلحات مثل : “لْيالي”  أو “سمايم ” ( كلمات سريانية التي أخطأنا في اعتقادنا إياها كلمات عربية)[4]

بداية من القرن 13 سيقوم علماء أمازيغ من خلال بحوث في علم الفلك بإدخال التقويم اليولياني  إلى شمال إفريقيا على غرار أبو ميقرا البطاوي ،أصله من الريف (المغرب حاليا) هو مؤلف كتاب حول الفلك  يحتوي قصيدة تعليمية حول التقويم, الخداري(1512-1585) شاوي أصوله من بسكرة كتب بحثا مخصص بكامله للتقاويم في شكل قصائد تعليمية, هذا الكتاب أصبح فيما بعد مرجعا لكل علماء شمال إفريقيا.[5]

في القرن 17 ، قام عالم أمازيغي آخر  متمثل في شخص “السوسي” (توفي عام 1679)  ألّف أطروحة ” نظم الممتع في شرح المقنع” الذي سمح خاصة بتحديد أي يوم يصادف  أول جانفي لأي سنة.[6]

التقويم اليولياني ( مثل الاحتفال بيناير المرافق له) عرف إنتشارا واسعا  في شمال إفريقيا بفضل كتب الفلك الشعبي ,ثم بفضل “الطٌلْبة” في الزوايا على مستوى الجماهير الريفية , هذه العادات الفلكية العلمية تم تبسيطها و حفظها من طرف الذاكرة الشعبية في شكل أمثال و أقوال مأثورة . [7]

من أين أتى الرقم  2966؟

, اختراع مثل هذا من شأنه أن يُوحّد الأمة الأمازيغية و يأكد على أصالتها ، أمّة غيّبت تاريخها حكومات ما بعد الاستعمار الشمال افريقية.

على غرار العصر المسيحي الذي يبدأ من ميلاد المسيح والتقويم الاسلامي (الهجري) الذي كان بداية انطلاق الهجرة  للرسول من مكة نحو المدينة ، كان يجب على مصمم التقويم الأمازيغي  ايجاد حدث مميز في تاريخ الشعب الأمازيغي، حدثا تاريخيا مهما ليكون نقطة الصفر للتقويم, إختيار عمار نقادي وقع بشكل طبيعي على سنة 950 قبل الميلاد.

هذا التاريخ يوافق إعتلاء الملك الأمازيغي شاشناق الأول ( يكتب ايضا: شيشنق،شيشناق،شيشونق..)  عرش مصر و تأسيس الأسرة الفرعونية الثالثة و العشرين التي حكمت مصر لغاية سنة 176 قبل الميلاد.

هذا الملك الأمازيغي الذي نجح في توحيد مصر ليحتل فيما بعد فلسطين, يقال عنه أنه استولى على كنوز قصر النبي سليمان بالقدس، هذه الحادثة مؤرخة في الانجيل و تُعد أول حدث مُوثق حول شخصية أمازيغية في التاريخ .

بعد أن تم ايجاد التاريخ/المُنطلق للعصر الأمازيغي، إهتم عمار نقادي بتصميم التقويم الأمازيغي الذي نشره فيما بعد في عام 1980 عن طريق جمعيته: ” ثديوت نآغريف آمازيغ ” ( إتحاد الشعب الامازيغي) , كتب عمّار نقادي في هذا الشأن: « أوّل مرّة نُشر فيها ووزّع تقويم آمازيغي كانت سنة 2930 (آمازيغي) – أي سنة 1980 ميلادي – من قبل جمعية ثديوت نآغريف آمازيغ (إتحاد الشعب الآمازيغي UPA)، التي كان لي الشرف في تأسيسها وتسييرها، إذن فأنا المبادر بهذا التقويم الشهير. التقويم بسيطا جدّا ومتواضعا تبعا لإمكانياتنا في ذلك الوقت، صدر على الشكل الآتي: مخطوطا ومطبوعا في آن معا، بحجم 30×42 سم، ووسطه رسم على ثلاثة أرباعه العليا “طارقي” (إيموهاق) يستل سيفه من غمد مزخرف بكلمة مكتوبة بحروف “تيفيناغ” , الكتابة والرسم كانتا بالأزرق النّيلي[8]  » .

يوغرطا حنّاشي 
ترجمة : خديجة أولم

المقال الأصلي بالفرنسية هنا

هوامش :

[1]Jugurtha Hanachi , Aux origine de la célébration de Yennayer , Le matin Dz .

[2]FOUCHER Louis. « Le calendrier de Thysdrus », Antiquités africaines, p. 72 .

[3]Annotations PELLAT Charles, Le Calendrier de Cordoue, Leiden, Brill, 1961.

[4]Yidir Plantade , « Yennayer en Afrique du nord : histoire d’un mot », Tamazgha.fr.

[5]Ibid

[6]Rapport du commandant Ganen », Paris, Revue du monde musulman, 1909, p. 516

[7]« Les Portes de l’année : Rites et symboles, l’Algérie dans la tradition méditerranéenne », Jean Servier (1962).

[8] S H E S H N A Q et le calendrier Amazigh » Ammar Negadi, aureschaouia.free.fr.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى