بالعربيةسياسة

أيّ مستقبل للحراك الآمازيغي “التقليدي” في بلاد إيشاويّن؟

ڨاسمي فؤاد - مدوّن
ڨاسمي فؤاد – مدوّن

منذ بداياته، كان الحراك الأمازيغي حائط سدّ على المستوى الاجتماعي والفكري و”السياسوي”، في وجه كلّ محاولات التيّارات الرجعية، والحزب الواحد منها بكلّ تأكيد، للتحكّم في زمام المشهد ببلاد إيشاويّن، كما في دزاير عامّة. وإنْ كان “هناك ما يقال” في نجاعة أو فعاليّة هذا الحراك، بوصفه حراكا، إلّا أنّ وجوده ووجود أفرادٍ محسوبين عليه فكريّا، على الأقل، شكلّ بدون شكّ حجرَ عثرة وعنصر ممانعة في وجوه الرجعيين والظلاميين من آفلانيين وإسلامويين.

اليوم، وقد ظهر على الساحة : حلف يائس؛ بين مختلف أقطاب الظلامية في دزاير من عروبيين وإسلاميين وقيادات “رأي” (قبلية) تمارس سياسة العزل والاحتواء على المناطق “الناطقة بالدارجة”، باقتراح نظريّة مؤامرة كونية-آمازيغية، ضدّ كلّ ما هو “عربي” في دزاير، تجسيدا للفكر القومي العربي والإسلاموي السنيّ الحقيقي ونظرته الأصلية و”الصادقة” تجاه الناطقين بالأمازيغية كمواطنين، والآمازيغية كلغة وثقافة، وتيّار هوياتي ثقافي مطلبي؛ باعتماد خطاب “التخوين” وتعبئة الساذجين، في محاولة أخيرة للحفاظ على ما اكتسبه هؤلاء الظلاميون خلال أكثر من نصف عقد من سيطرة العقلية “العروبية” للحزب الواحد، على سياسات الدولة.

ومع التصعيد الذي ينتهجه هذا الحلف، أمام محاولات المنظومة الحاكمة في دزاير العودة إلى “الأمازيغية” – التي أعلنها صراحة وبكلّ جرأة وحدة بمناسبة احتفاليّات رأس السنة الآمازيغية 2967 برفع شعار “آمازيغي وأفتخر” -كورقة “استقرار” له، وملجأ أخير لإبقاء الوضع على ما هو عليه، والحؤول دون “تغيير حتميّ”، أو على الأقل تغييره، أو ربّما “تجنّب الأسوء”.

ومع الدفق الهائل للمعطيات والمستجدات على الساحة السياسية والثقافية في دزاير عامة، وفي بلاد إيشاويّن خاصة، التي تعرف اختراقات متعدّدة من طرف جماعات “سلفيّة” و”شيعية” مهيكلة، ونشاطا موسّعا ومركّزا لخلايا التنظيمات والأحزاب السياسية الإخوانيّة، التي وجدت الساحة مفرغة تماما من أي مقاومة، لتلجأ اليوم إلى استعمال كلّ ما هو متاح: بدءًا بالتحالف مع “الحزب الواحد” والاحتيال على “الأسرة الثورية” التي يبدي كثير جدّا من المنتمين إليها في المنطقة استعدادا للتحالف حتى مع الشيّطان من أجل الوقوف في وجه “فكرة جديدة” ستحرمهم الشكل الّذي مكنّهم من التحكم في البلاد لأكثر من نصف قرن.

أمام هذا كلّه، لم يبق من الحراك الأمازيغي “التقليدي” في بلاد إيشاويّن، إلّا مجموعة من “الجمعيات” ينخرط بكلّ “رسمية” أفرادها في عمليّة “الأمزغة” الطارئة التي يمارسها النظام، مستعدين استعدادا تامّا لخلافة “الأسرة الثورية” ونيل مركز مقرّب من الإدارة، ووضع كلّ إمكاناتهم، وسمعة “الحراك الآمازيغي” في خدمة “النظام”.

ولو أنّ هذا “الحراك” في شكله المعروف، والذي رفض التطوّر إلى حراك سياسي، أو حركات مواطناتية فعلية، قد انخفضت فاعليّته رغم تزايد ظهوره “الملحوظ” (خلال السنوات الخمس الأخيرة)، إلّا أنّه وبصفته وريثا شرعيّا لعقود من “النضالات” الهوياتية والمواطناتية الممانِعة، يعتبر منبع شرعيّة للميول “الجديدة” الذي تنتهجه المنظومة بمحاولتها تمزيغ توجهها، في خطوة أخيرة وراديكاليّة من الاستعمال الممارس على الأمازيغية منذ تمكّن بوتفليقة من الحكم.

في ظلّ هذه المعطيات، يُطرحُ تساؤل “ساخر” للأسف نفسه على الموضوع: “هل يعلم البربريست أن هذا ما يحصل؟”… التساؤل، أو الإشكالية الحقيقية التي تطرح نفسها، وسط هذه الوضعية الشائكة، هو: هل سيسعى الحراك الآمازيغي “التقليدي”، أمام فرصة خضوع المنظومة الحاكمة لمطالبه “بالجملة”، إلى إعادة توليد نفسه للعمل من أجل “مستقبل أفضل” (كشعار على الأقل!) …

أم أنّه سيكتفي كما اكتفت “رموز” تيارات أخرى قبله، بممارسة “الوصاية” على الهوية الأمازيغية “الرسمية” ولعب دور شادّ الحبل المتشدد الذي لا يتوقف عن المطالبة بتحسين “شكليات” الانتماء الهوياتي، من لافتات تيفيناغ واحتفال بالأعياد الأمازيغية وتنصيب للتماثيل والنصب التذكارية… ؟ بينما يمارس “رموزه” الوعظ والتكفير ضدّ كلّ “محدثة” أو “محدث” يطرأ، للضرورة، على “الساحة النضاليّة” كما فعل ويفعلُ اليومَ كثير جدّا من “مريديه” القدامى ضدّ التحرّكات الشبّانية؟

أم أنّه سينخرط للمرّة الأولى خلال تاريخه في التأسيس لمقاربة “سياسوية” حقيقية، تمنح هذه البلاد فرصة للنجاة مما يحيط بها؟ ببساطة أكثر، وعمق أكبر: هل الحراك الآمازيغي في بلاد إيشاويّن واعٍ سياسيّا بما فيه الكفاية ليكون بديلا حقيقيّا؟

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى