أنثروبونيميامجتمع

الأسماء الأمازيغية والمواطنة والإدارة في بلاد إيشاويّن

ڨاسمي فؤاد - مدوّن
ڨاسمي فؤاد – مدوّن

عادت إلى السطح هذا الأسبوع، على شبكات التواصل الاجتماعية، قضيّة العنصريّة الممارسة ضد الأسماء الأمازيغية من قبل الإدارة في كثير جدّا من البلديات ببلاد إيشاويّن. هذه المرّة، برفض مصلحة الحالة المدنيّة لبلدية “آريس” (باتنة) تسجيل مولود تحت اسم “سيفاو” (ويعني المنير). “سيفاو” كان أوفر حظّا من سلفه “ڤايا” الذي قضى والده قرابة السنتين في المحاكم من أجل تسجيله في نفس البلديّة، “آريس” التي يجدر الذّكر بأنّها ناطقة بالشّاوية بنسبة 97%.

بعد أخذ وردّ وجد أخيرا والد “سيفاو” دعما من قبل بعض النشطاء الذين احتجّوا أمام نائب رئيس المجلس البلدي لبلدية آريس، وتم تسجيل الاسم يوم أمس بصفة رسميّة.

قضيّة الأسماء الأمازيغية في بلاد إيشاويّن، لا تزال محلّ رفض من قبل الإدارة بصفة تعسفية وغير قانونية، رغم وضوح النصوص فيها، والتعليمات الفوقية التي تسهل المسألة. لأسباب كثيرة، أساسها إيديولوجيّات وأفكار كثير من الأفراد المتمكنين من دواليب الإدارة.

لكنَّ الأمر لا يقتصر على ذلك، لأنّ الأزمة في حقيقتها هي أزمة “مواطنة” و“عنصرية”

العنصريّة في بلاد إيشاويّن ضدّ كلّ ما هو شاوي!

لقد تحوّل الأمر إلى عادة؛ أن يتعرّض مواطنون إلى “عنصريّة” أفراد مؤدلَجين، في المجالات الإدارية المختلفة في بلاد إيشاويّن، والعنصرية لا تتوقّف فقط عند الأسماء الأمازيغية، التي غالبا ما يكون أصحابها واعين ببعض حقوقهم ويجدون الدعم اللازم من قبل النشطاء الذين يهتمون كثيرا بالموضوع، بل تتعدّاها إلى أشكال أبشع وأفظع من العنصريّة لا يجد المتعرّضون لها أيّ دعم أو مساندة، أبسطها، عجز السكّان الناطقين بالشّاوية حتّى عن المثول أمام المحاكم بلغتهم، التي من المفروض أنّها لغة وطنيّة ودستورية.

فمثلا : قبل أسابيع، في إحدى محافظات الشرطة بولاية خنشلة، رفض عون شرطة تسجيل شهادة مواطن في قضيّة نزاع بين مواطنين والإدارة حول ملكيّة قطعة أرضيّة، والسبب أنّ المواطن: لا يتكلّم العربيّة. لينتهي الأمر بإسقاطه أصلا من قائمة الشهود وسط ذهوله وقلّة حيرته، دون أن تحدث القضيّة أيّة ضجّة.

قضايا كهذه لا تجدُ صدى على شبكات التواصل الاجتماعية لأنّها غالبا ما تحدث لمواطنين معزولين عن هذا الفضاء، في مناطق لا يهتمُ فيها النشطاء إلّا بشكليات الأمازيغية من لافتات وأعلام وصور.

وإنْ كانت المسؤولية أوّلا تقع على الإدارة التي لا تتقيّد بالنصوص القانونية والتنظيمية وتغفل عن عمد النصوص الدستوريّة المقرّة لحقوق المواطنين الناطقين بالشاوية في لغتهم الوطنية والرسمية، إلّا أنّ جزءًا كبيرا من المسؤولية يقع أيضا على عاتق نشطاء الحراك الأمازيغي الذين لم يبذلوا ما يكفي من الجهود لتوعيّة المواطنين بحقوقهم، خاصّة اللغوية، مكتفين بتظاهرات فلكلورية وشعارات حماسية واعتصامات حول قضايا “شكلانيّة”.

الحراك الأمازيغي اليوم، يتحمّل نتيجة ثلاثين سنة من النشاط، لم تقارَب فيها النسخة المدنية والمواطناتية للعمل، أنتجت “المنظومة” خلالها مواطنا لا يعرف من حقوقه شيئا، وبالتّالي بروز قضايا الأسماء الأمازيغية وأخذها هذه الأبعاد ليس إلّا نتيجة مباشرة لغياب مفهوم “المواطن”.

المواطن هو الفرد الواعي بحقوقه أوّلا:

أيّا كان موقع أو منصب الموظّف الممتنع عن تسجيل أسماء مواليد أمازيغية، لا يجب أن نغفل بأنّه محكوم بنصوص تنظيمية وقانونية تجبره على ممارسة مهام محددة، وتعرّضه للمساءلة الإدارية والقانونية في حالة الامتناع عنها.

هذا هو لب القضيّة، والمشاكل التي تثار كلّ مرّة حول تسجيل اسم أمازيغي هنا وهناك هي في الحقيقة مخالفة قانونية من قبل هؤلاء الموظّفين، يجبُ أن تقابَل بحزم وإصرار من قبل المواطن صاحب القضيّة. صحيح تماما، أنّ الحركات الاحتجاجية والحملات التي يقوم بها نشطاء وفاعلون جمعويون وحقوقيون حول المسألة كلّما أثيرت، فعّالة ومؤثّرة ولكنّها ليست كافيّة وليست المطلوب حقّا.

إنّ جهل المواطنين بحقوقهم هو ما يعرّضهم غالبا لمثل هذه الممارسات العنصريّة، خاصّة في المناطق التي تحكمها منظومة “الحزب الواحد” من أبناء مجاهدين وشهداء ووو … أين يغلب النفوذ القبلي والشرعية الثورية المقرّة لكلّ ما قالت به “الدولة” في عهد القومية العربية، ويتفوّق ويسود على حساب أيّ قانون آخر، وفي ظلّ جهل المواطنين بالقانون واتخاذهم هم أيضا طرق المحسوبية واللجوء إلى “النخب” السياسية والاجتماعية لقضاء حوائجهم الشخصيّة، فقد استفحلت الظاهرة وتحولّت إلى “عادة”.

خلاصة الأمر أنّ التوجّه الأمازيغي في بلاد إيشاويّن، هو المسؤول الأول والأخير عن عدم تكوينه لنخب جهويّة ومحلّية وعدم اشتغاله على مبحث الوعي بالحقوق، وعدم استثماره في مشروع “مواطن”. وهو الخاسر الأكبر في معركة الإيديولوجيّات المسيطرة على الإدارات والدوائر والمؤسسات الحكومية في بلاد إيشاويّن، لصالح إيديولوجيّات ظلاميّة واستلابيّة لا تزال مسيطرة، رغما عن أنف الدستور.

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى