مجتمع

بين الـFuturists والعورَبة ولغة أهل الجنّة .. إلى متى؟

«الأمّيون في القرن الواحد والعشرين لن يكونوا أولئك الّذين لا يحسنون القراءة والكتابة، بل أولئك الّذين لا يستطيعون التعلّم، مسح ما تعلّموا، ثمّ التعلّم من جديد» – آلفين توفلر

بينما بقيّة الأمم غارقة في عمليّات التحسين والتأسيس لمدارس جديدة، وخوض غمار التعليم “البديل” والتعليم “الحر”، وبينما يملأ الكتّاب والمثقّفون الثّوريّون والمستقبليّون سماء الولايات المتحدة وأوروبا ضجيجا، ضدّ المنظومات التعليمية “المدجّنة” للأطفال.

وبينما يملكُ هؤلاء “الكفّار” من يسمّونهم بالـ”مستقبليين”، لتخصّصهم في “التنبؤ” أو بالأحرى توقّع أنماط المعيشة والمجتمعات والصراعات السياسية والكوارث البيئية والأسواق والأوضاع الاقتصادية والأفكار والنّزعات ووو… المستقبليّة، تطلّ محاولات بن غبريط “لإصلاح” المنظومة التربويّة، وسط صخب ولغط لا مثيل لهما، يثيره روّاد المجال “الثقافي” الدزيريّ، المشهورون والمعروفون…

وسط ما يثيره هؤلاء “المثقفون” من لغط، وتحاول تلك “الوزيرة” أن تمرّر من إصلاحات؛ ومع بداية الدّخول المدرسي في “الجمهوريّة الجزائريّة” برزت على شبكات التواصل الاجتماعيّة، كحالة عابرة، لكنّها جدّ “معبّرة” معلّمة في مدرسة ابتدائيّة بـ: بريكة، باتنة؛ بفيديو أثار جدلًا واسعا، بين مستحسنٍ له، ومستنكر.

ملخّص الأمر : أنّ المعلّمة صوّرت بهاتفها النّقال، فيديو ترويجي لنفسها، تلقّن الأطفال، الّذين لا تتجاوز أعمارهم على أقصى تقدير 10 سنوات، بعضا من شعارات دورات “التنميّة البشريّة” التجارية، وكثيرا من شعارات القوميّة العربيّة والإيديولوجيّة “الإخوانية”. من : “العربيّة أغنى لغة في العالم” .. إلى .. “هذا العام لن أعبّر بغير اللغة العربيّة” .. وصولا إلى “لغة أهل الجنّة هي العربيّة”. نجحت المعلّمة الشّابة، في إنتاج فيديو من النوع الذي يثير الضجّة، من داخل قسم دراسي، في مؤسسة تربويّة، في ساعات الدوام الرّسمية .. هكذا بكلّ بساطة، أرادت أن تفعل ففعلت!

وبقطعِ النّظر عن كون هذه المعلّمة، قد خالفت كومة من القوانين المعمول بها، وانتهكت كثيرا من الأخلاق المهنيّة، وحقوق الطّفل، وخصوصيّة المؤسسة والأطفال؛ وبغضّه كذلك عن أنّي شخصيّا صوّرت فيديو تهكّميّا تعليقا على ما فعلت، وأنّ بن غبريط استُنفرَتْ وأمرَت بفتح تحقيق في الشّأن. ترسّبت كالعادة آلاف التّعليقات بين مستهجنة للفيديو ومناصرة له، بين مهاجمة للأستاذة، ومهاجمة لكلّ من ينتقدها. ردّ الفعل، بحكم “قوانين الـBuzz” على شبكات التواصل الاجتماعي المعروفة، كان متوقّعا، وكان تنفيسا يحمل دلالات واضحة وضوح الشّمس، على انقسام الرأي العامّ في بلاد إيشاويّن، وفي دزاير، إلى فصيلين متباينين؛

الفصيل الأوّل يريد مدرسة حديثة بعيدة عن الصّراعات الإيديولوجيّة، يعلّم فيها الأطفال “كيف يفكّرون” ويتلقّون عبرها قدرا مقبولا من المعارف الضرورية. أمّا الفصيل الثّاني فيريد مدرسة باديسيّة، يلقّن فيها الأطفال شعارات القوميّة العربيّة، ويغنّون “أنا بنت عربيّة” ويحفظون القرآن، وتاريخ “نظرية المؤامرة على العرب” ويشحنون بالحقد على إسرائيل وفرنسا، وكلّ مختلف بالمرّة.

وبين هؤلاء وهؤلاء، أجدُ نفسي حائرا؛

“بينما” يبني الـ”كفّار” حضارتهم، ويؤسّسون لتوجّه كهذا “المستقبليّ” (futurology) ووسط الواقع الذي نعيشه في بلاد إيشاويّن، والّذي هو أسوء من كثير من بقيّة جهات دزاير، بكثيـر، ما الّذي يجعل هذه البقعة الموبوءة، الّتي عكفت فرنسا وحكومات دزاير المتعاقبة على تدميرها منهجيا، تنخرطُ إلى اليوم، حتّى بعد وضوح الصّورة وضوح الشّمس، في صراعات من أجل سراب، كالعربيّة والعروبة والعوربة؟ إلى متى نعوجُّ رقابنا لتفسير الواقع بالخرافة، والسعي نحو تدمير الحضارة بدل الانخراط فيها، والانكفاء على جهلنا بدل التفتّح على العلوم .. إلى متى نواصل التّغني بهراء من قبيل “العربيّة لغة أهل الجنّة”؟ إلى متّى تحكم رقابنا هذه الأساطير الّتي لا يقبلها عقل؟

إلى متى؟

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى