سياسة

الأوراس الأشمّ!…

ڨاسمي فؤاد : مدون
ڨاسمي فؤاد : مدون

لسنوات متتالية تولّت المنطقة التاريخية الأولى “آوراس-نمامشا” قيادة الثورة التحريرية الكبرى، التي أنجبت بعد طوفان من الدماء والدموع والبارود “جمهورية جزائرية ديمقراطية شعبية”. تلك الجمهورية “المدنية” المتشبّعة أدبياتها بقيم الوطنية، حدّ الشمولية والوحدوية، فكان لزاما على المنتمين إليها، المنطوين تحت لوائها، المريدين لنهجها، التخلّي عن كلّ خصوصياتهم التاريخية والثقافية والجهوية إرضاءا لوطنيتهم المثالية. “لا للجهوية” كان، ولا يزال إلى اليوم، شعار الشّاوي في آوراسه الشامخ الذي تكبّد أكبر خسائر حرب التحرير المقدّسة، ودفع وإيّاه أفدح الأثمان من أجل حرّية “دزاير” التي لا تقدّر عنده بثمن.

مسيرة نضالية مشرّفة خاضتها الولاية التاريخية الأولى، لا تزال إلى اليوم على الألسن، حتّى بعد 61 سنة من انطلاقها، وإنْ كان تركيزها يخفّ مع السنون، وتخفف بمياه راكدة تضاف مكان كلّ جرعة يصبّها تاريخ آوراس من دمه في عروق “إخوة الوطن” من أجل الوطنية، واللاجهوية، وإطفاء نار الفتنة واجتناب الحزازات …

يقول صديقي أحمد متهكّما :

“نتمنّى أن تنتهي مهزلة درج الأرشيف المتمثل في آوراس الذي يفتح صبيحة كل فاتح من نوفمبر ليعاد غلقه عشيته، ويبقى كذلك في ظلمته وغباره طول السنة”

لقد صدق احمد للأسف…

في آوراس سجّلت لسنوات أعلى نسب الإصابة بالسرطان، والتهاب الكبد الوبائي الفيروسي، دون أن يلتفت إليه أحدٌ كأنّه خارج زمكان الدولة الجزائرية، وتسجل كثير من ولاياته أسوأ معدّلات نجاح في الامتحانات المصيرية، وأعلى نسب التسرب المدرسي، وأعلى نسب البطالة، وأعلى نسب الجريمة، دون أن يثير ذلك اهتمام أحدٍ كأنْ مستقبل هؤلاء “الشاوية حاشا رزق ربّي” كما يقول سلاّل عبد المالك رئيس حكومة الجمهورية الجزائرية، لا يهمّ أحدًا.

في آوراس أيضا أعلى مخزون وأجود أنواع الكيوف، والأقراص المهلوسة، يستهلكُها شبابه كأنهّم “شاوي وطاح في المقروظ” كما قال عبد العزيز بوتفليقة، رئيس نفس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية التي منعت عنهم البارات ومساحات بيع الخمور -التي تنتجها هي نفسها- ولكنّها سمحت لهم بتعاطي الكيف المعالج والاتّجار فيه لتعويض “نقص مناصب الشّغل” و”ارتفاع نسبة البطالة”، لك أن تبحث، ففي ولايات بلاد إيشاويّن “من الحدادا للحدادا” كما يقول التبسّي، لا يوجد قطب اقتصادي أو مصنع واحد !

في آوراس أيضا، لا وجود للثقافة، وحدها الأعراس الرّيفية تشكّل أحداثا ثقافية هنا، لأنّ أحدهم قرّر، على ما يبدو، أن لا حاجة لإيشاويّن بدور الثقافة والمكتبات العمومية، وصالات السينما، المسارح، كما أنْ لا حاجة لهم بمواقعهم التاريخية والأثرية والأفضل بدل صرف ميزانيات عواصم الثقافات الأجنبية في ترميمها وتأطيرها، لتتحوّل إلى أقطاب سياحية تجذب السياحة والعمل وتشبع هؤلاء خبزا وثقافة، أن تترك تتآكلها المزابل واللصوص.

في آوراس لا يمكننا أن نكون جاحدين بفضل وطننا ! وننكر أنّ أكبر السجون في البلاد ها هنا في أرضنا .. وأنّ المؤسسة العسكرية، مشكورة، تحتضن أكبر عدد من الجنود وصفّ الجنود من أبنائنا…

في آوراس، صباح كلّ فاتح من نوفمبر يزورنا الوزير، والمسؤول الكبير، فتزيّن الساحات بالأعلام، وتدهن الجدران، وترقّع الطرق .. لا بل إنّ طرقًا تشقّ خصيصا، بالمناسبة، من أجل وصول السيد الوزير والمسؤول إلى الكبير إلى محلّ الزيارة، ليدشّن “نصبا تذكاريا” يخلّد مآثر المنطقة، فيلقي على ملء الحاضرين الوافدين من كلّ جهة خطابات مصيرية لا يمكن أن أنسى فحواها : “خنشلة هذه الولاية المجاهدة ! … الأوراس الأشم !”

ثمّ يعودُ السيّد الوزير، والمسؤول الكبير إلى عاصمتهم البيضاء … ويتركون الشاوي الذي قطع كيلوميترات وكيلوميترات ليحيّي سيادة الوزير، ويصفّق لإنجازه –النصب التذكاري- العظيم، يتساءل ماذا أحضرو معهم؟!…

درجٌ مغلق فتح صباح أول نوفمبر ثم أغلق مرّة أخرى … صدّقت يا احمد !

لعلّ الردّ على هذا الخطاب، سيكون يوم يرمي مرّة أخرى التاريخ بثقله على آوراسَ ويستجدي تضحية أخرى ودماءا أخرى ودموعا أخرى وبارودا مرّة أخرى، وسيكون بليغا على نسق : قيو !

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى