أقلام حرّة

التطاول على التاريخ أو عندما يتم التنكر لوجود الامازيغية اصلا !

استمعت الى مقطع قصير (اقل من ثلاث دقائق ) من تدخل الاستاذ الدكتور محمد الامين بلغيث في حصة الحدث, والتي بُثت يوم 31-10-2019 على قناة الشروق نيوز ,بمناسبة ذكرى اول نوفمبر , وقد خصص جزء من الحصة لتنصيب تمثال الملك ماسينيسا في ساحة تافورة بالجزائر العاصمة . و قد تساءل الصحفي عن علاقة “ماسينيسا “بالجزائر العاصمة ,حتى يقام له تمثال بها ,ليفسح المجال لتدخل ضيف الحصة , الذي كان جازما في ردّه,ان لا علاقة لماسينيسا بالعاصمة ,وأن دولته “نوميديا ” لاتتجاوز الحدود الغربية لسطيفيس (سطيف).

هذا الجزم في تدخلات الاستاذ الدكتور والتي تجانب الصواب عادة ,وتطغى عليها الذاتية ,والتسرع في اصدار الاحكام ,دون تمعن و نظر ,هي التي دفعتني لهذا الرد .

اولا :يجزم الاستاذ ان لاعلاقة لمسينيسا بمنطقة العاصمة , وان منطقة العاصمة , كانت تابعة لموريطانيا القيصرية , وان مملكة نوميديا لا تتجاوز الحدود الغربية لسطيفيس.

طبعا هذا الجزم ناتج عن جهل مطبق للأستاذ بتاريخ الجزائر في هذه الفترة
1- نتساءل بدورنا , هل كانت لسطيف في هذه الفترة حدود غربية؟وحتى اي منطقة كانت تمتد هذه الحدود؟, طبعا انا واثق مثلما هو جازم ,انه لن يستطيع الاجابة على هذه التساؤلات ,لسبب واحد هو ان سطيفيس لم تكن موجودة اصلا في عهد الملك ماسينيسا ,فسطيفيس,مستوطنة لقدامى المحاربين من انشاء الامبراطور نيرفا (امبراطور 96-98 م) في اواخر القرن الاول الميلادي .

2-  ليكن في علم الاستاذ ,ان مملكة نوميديا الموحَّدة في عهد الملك ماسينيسا ,كانت تمتد من وادي الملوية بالمغرب الاقصى الحالي ,حتى وادي ثوسكة بمنطقة طبرقة بتونس الى معابد الاخوين فيلينوس, التي تعرف بالقوس (جبل علي) الى الشرق من طرابلس بليبيا حاليا بأزيد من خمسمائة كيلومتر. وهذا يعني ان منطقة الجزائر العاصمة الحالية ,التي تقول ليست ارضا نوميدية ,هي من صميم نوميديا في عهد ماسينيسا .

3- يؤكد الاستاذ بإلحاح وثقة ,”هنا من موريطانيا القيصرية ….هذه المنطقة تابعة لموريطانيا القيصرية “,اقول للأستاذ ان موريطانيا القيصرية في عهد الملك ماسينيسا وابنائه (238-148 ق.م)لم يكن لها وجود ,وانها من تأسيس الامبراطور كلاوديوس (امبراطور 41-54 م),سنة 42 م ,بعد اغتيال الملك بطليموس ابن يوبا الثاني سنة 40 م , من طرف الامبراطور كاليكولا (امبراطور 37-41 م )و الحاق موريطانيا نظريا بالممتلكات الرومانية ,لكن ثورة ايدمون وسلابوس,ارجأ الالحاق الفعلي حتى عهد كلاوديوس الذي قسم موريطانيا الى مقاطعتين :
* موريطانيا الطنجية ,طنجة كمقر المغرب الاقصى
* موريطانيا القيصرية ,بقيصرية (يول /شرشال)كعاصمة ,وتمتد على غرب ووسط الجزائر الحالية حتى وادي الصومام.

4- يبعد الاستاذ خنشلة ,عن مملكة نوميديا ,وهو مخطئ ,لان الاوراس النمامشة في الجزائر وجبال مطماطة بتونس ونفوسة بليبيا تابعة لنوميديا , والى ابعد من ذلك , ولا نبعد الكاهنة وقبيلة جراوة, لكن يا استاذ بين نوميديا ماسينيسا , وجبال الاوراس النمامشة للكاهنة مالا يقل عن تسعة قرون .اي كانت تابعة لماسينيسا وأبنائه (203-46 ق.م),ثم للكاهنة  اواخر القرن السابع لميلادي, وأبناء الاوراس الاشم ,الذين يفتخرون بهذا الانتماء , مثلما يفتخر ابناء جرجرة الشامخة ,الذين يؤمنون بالاختلاف ويتعايشون مع الاخر ,لكن هم باقون كالجبل الشامخ ,لا يذوبون ولا ينحنون ,يفضلون الانكسار على الانحناء ولن ينكسروا,لان الاختلاف من سنن الله حيث يقول تعالى “( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ ألْسِنَتِكُمْ وألْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم ,الاية 22. ويقول ايضا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَ أَكْرَمَكُمّ عِند اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إن الله عَلِيمٌ خَبِيرً ) الحجرات, الاية 13.

اذن الجهة التي نصبت التمثال لم تكن مخطئة إلا في مخيالك,بل انت من اخطأ الحكم .

5-  ماسينيسا وثني لا يمثلك ,و يوغرطة الوثني يمثلك , وأنت تقول بعدها ,التماثيل من الاوثان ,تقول ان يوغرطة خانه الابناء و الاصهار,كلمة الاصهار ب”الجمع “انت ادرى بها ؟ اما الابناء ,فنحن نعرف تاريخيا اثنين من ابناء يوغرطة ,وقد القي عليهما القبض رفقة والدهما ,ولم نعرف خيانتهما لا لوالدهما ولا لغيره ,ونحن نعرف ان يوغرطة ,حفيد ماسينيسا ,مما يجعلنا نتساءل ,كيف كان المكان جديرا بالحفيد ,وحرام على الجد ,طبعا هذا لاعتبارات ايديولوجية ,الشرق والغرب ,سأشرحهما في موضع أخر طبعا انت تنظر للماضي بمنظار الحاضر.

6-  يتحدث الاستاذ عن رغبة الملك ان يكون بطلا قوميا للأفارقة و النوميديين ,ويتساءل ان يضع الشخصيات و الزعامات التي ولدت و اندمجت في الحضارة البونيقية …على رأسهم حنبعل الذي كان بطلا قوميا .

يتكلم الاستاذ عن “القوميات “وكأنه في القرن التاسع عشر مع ظهور الوحدة الايطالية و الاتحاد الالماني وتصاعد الحركات القومية و العمالية في اوروبا .

لا تقلق حنبعل لم يولد , ولم يندمج في الحضارة البونيقية , وانما هو بونيقي بالمولد و الاصل ,ولا احد انكر له ذلك, والإخوة في تونس يعتبرونه بطلا وطنيا تونسيا ,ولا يحتاجون الى من ينبههم الى ذلك , والسيد محمد حسين فنطر بصدد تحضير موسوعة حول حنبعل في عدة اجزاء .
لا ادري ان كان علم التاريخ موجودا ايام ماسينيسا الذي قرأه قراءة مغلوطة ام لا ؟

ماسينيسا يريد ان يكون بطلا قوميا للأفارقة او النوميديين , مما يعني ان النوميديين و الافارقة سيان عند الاستاذ .
لا يا سي بلغيث نوميديا شيء وإفريقيا شيء اخر,ولهذا اعتبرنا حنبعل افريقي وماسينيسا نوميدي .

ثانيا : حول البعد الامازيغي
نظرا لبلوغ الاستاذ درجة عالية من التهور في هذه المسألة بالضبط ,ارى نقل ما قاله بالكامل حتى يتم التعليق عليه ,يقول الاستاذ :”ما كان لا بعد امازيغي ولا هم يحزنون ,هذا الرجل نوميدي ,هذا الرجل افريقي ,الامازيغية استحداث الاكاديمية البربرية ,هذه الامازيغية غير موجودة اصلا , الوحيد الذي ذكر القضية الامازيغية في التاريخ هو ابن خلدون “.

في هذا الجزء يكون الاستاذ قد بلغ قمة التهور ,يعتقد نفسه جهبذا,لا احد يضاهيه علما ,لا من السابقين ولا من الحاضرين الذين يتكلمون عن الامازيغ و الامازيغية ,ويتطاول على مرحلة من التاريخ دون احترام للأخر  مادام يعلن هكذا بكل عنجهية :”ان لابعد امازيغي ولا هم يحزنون ..الامازيغية غير موجودة اصلا ” .

الامر يجعلنا نتساءل فعلا ان كان يدرك ما يقول , ام ان الامر عنده لا يتجاوز كلام مقاهي,ام هي ثقة مفرطة في علمه وقد رأينا سابقا ان كل ما قاله جانب فيه الصواب.
مع ذلك ,اسايره في هذه الفقرة ايضا وأبيْن انه له انها عبارة عن خلط في موضوع لا يتحكم فيه رغم قربه من تخصصه .

1-  يقول “هذا الرجل نوميدي ,هذا الرجل افريقي” ,استاذ تعليم عالي يقول مثل هذا الكلام و يكون في كامل قواه ,هل يعقل لماسينيسا او لأي شخص اخر ,ان يكون نوميديا وفي الوقت نفسه افريقيا ,هل تعلم ايها الاستاذ ان مصطلح “افريقيا” ,”افريقي” لم يظهر بعد في عهد ماسينيسا وانك تصول و تجول دون علم ,كمن قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم :” اتخذ الناس رؤساء ,جهالا ,فسئلوا ,فأفتوا بغير علم ,فضلوا و أضلوا” رواه البخاري .

2-  يقول ان الامازيغية من استحداث الاكاديمية البربرية ,ثم يتنكر لوجود الامازيغية اصلا ,ويقول الوحيد الذي ذكر القضية الامازيغية هو ابن خلدون .
طبعا في هذه الفقرة ,يبدو عدم تمييز الاستاذ بين المصطلحات ,رغم قرب الموضوع من تخصصه .
أ) عندما يقول ان الامازيغية من استحداث الاكاديمية البربرية وطبعا كان في حالة هذيان ,لانه هل يمكن لأية اكاديمية , ان تستحدث “لغة ” من فراغ مهما كانت امكانياتها ووسائلها ,فما بالك بأكاديمية من متطوعين غيورين على لغتهم وهويتهم وفي مدة زمنية تقل عن عقدين .

ب) يقول ابن خلدون ,هو الوحيد الذي يذكر القضية الامازيغية – هكذا القضية في التاريخ –
اقدم ملاحظتين :
– اذ كان ابن خلدون قد ذكر ” القضية الامازيغية ” في القرن الرابع عشر ,يكون ابن خلدون (1332-1406م)
قد سبق عصره , والامازيغ ايضا سبقوا الايطاليين و الالمان و العرب بالدعوة الى القومية الامازيغية ,أ لا تلاحظ انك لا تميز المصطلحات ؟ .
– هل ابن خلدون , ذكر الامازيغية ام القضية الامازيغية , الا تلاحظ انك لا تميز بين الاشياء ,وانك لا تحترم المشاهد ؟ كفاك تهورا.

تقول ان ابن خلدون هو الوحيد من ذكر ,لا اقول القضية – اقول الامازيغة في التاريخ ,ما رأيك في الرواية المتداولة عن القائد ”المغراوي وزمار بن صولات” الذي اشترط ان يسلم على يد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال له : “انا امازيغي “من باب الافتخار بالشمائل امام العرب المسلمين ” قد لا تصدقني ,لكن تصدق شنيتي (انظر كتابه الجزائر ,قراءة في جذور التاريخ …ص,70) .

اضف الى ذلك ,اننا نجد في جداول الانساب للعصور الوسطى ذكرا لبطل اسطوري هو “مازيغ ” جد البرانس .
– يؤكد ليون الافريقي (شريف الوزاني 1433-1554) في اواخر القرن السادس عشر , ان جميع البربر لهم لغة واحدة يسمونها “اقل امازيغ “Aquel Amazigh” التي تعني في رأيه “اللغة النبيلة ” ونحن نعرف ان “اقل ” تعني “اهل”,او “شعب ” وبالتالي تكون ترجمته الشعب النبيل او الحر على رأي الذين يرون ان “امازيغ “هو الحر او النبيل ,خلافا لابن خلدون ,الذي ينسبهم الى جدهم “مازيغ “بن مصرايم بن كنعان بن حام. نلاحظ هنا اثر التوراة على ابن خلدون ,التي ابعدت كنعان عن الساميين ونسبته الى الحاميين في اطار الصراع على فلسطين , ان كنت تعرف هذا و المفروض انك تعرف ان كنعان هو ابن سام وليس ابن حام .

اذن تلاحظ ان الامازيغ و الامازيغية تم ذكرهم اكثر من مرة في فترة تخصصك وانت تتغاض عن ذلك , ولم يكن ابن خلدون الوحيد من ذكرهم ,إلا اذ كنت تقصد القضية الامازيغية فعلا, فيكون حتى ابن خلدون لم يذكرها ,مادامت الحركات القومية لم تظهر بعد.

هذا حول فترة تخصصك ,التي اتصور انك تعرفها افضل مني ,اما في العصور القديمة ,فنجد لهذا الاسم اصولا قديمة جدا ,يمكن الذهاب بها الى ما قبل القرن التاسع ق .م, اذ تشير اسطورة تأسيس قرطاجة من طرف عليسا ,الى ملك المازيكس /المازيغ ,والذي ابتاعت منه قطعة الارض التي بنيت عليها “قرط- حدشت ” بل ابعد من ذلك اذا اخذنا برأي الكثير من المؤرخين الذين ينسبون المشواش الذين حكموا مصر الى قبيلة “امازير/امازيغ بالجنوب الشرقي التونسي .
اما في النقوش , التي تعود الى القرن الثالث و الثاني ق .م ,فنجدها تشير الى الامازيغ ومعروف ان الكتابة الليبية ,تكتب بالحروف الصامتة فقط (الصوامت /les  consonnes) دون حروف العلة و ونجد الكثير من النقوش بالشكل التالي: م.ز.غ/G.Z.M , وعندما نضيف لهذه النقوش حروف العلة تعطينا امازيغ /AMAZIGH,وهي نقوش موزعة في الزمان و المكان من القرن الثالث ق .م الى القرن السادس الميلادي ,وفي كامل مجال الامازيغ من المغرب الاقصى الى برقة وفي التل والصحراء .

الى جانب النقوش الليبية هناك العديد من النقوش اللاتينية التي تذكر هذه القبائل في مناطق مختلفة من البلاد المغاربية , مم يدل ان هذا الاسم الذي استخدم قبل قدوم الرومان وتأسيس قرطاجة .

كما نجد في النصوص الكتابية العديد من الاشارات ,اذ نجد في مؤلف جغرافي من القرن الرابع ميلادي اشارة الى وجود منطقة صحراوية واسعة ,تسكنها شعوب بربرية تسمى مازيس/مازيكس(Mazaces) ,كما نجد مؤلفا اخر, يشير الى عشائر امازيكية/امازيغية متعددة(Gentes Amazices Multas), وهو المدلول , الذي نجده عند هيكاتايوس في القرن السادس- الخامس قبل الميلاد , مازاس /مازاكس (Mazaces) ,مما يعني ان هذا الاسم هو الذي كان يطلق على سكان شمال افريقيا من غرب النيل الى المحيط الاطلسي ومن البحر الابيض المتوسط الى الاطراف الجنوبية لمالي و النيجر.

ثالثا : ”التفينياغ حروف بونيقية متطورة جاءت من اسلافنا الفينيقيين ,وتبسة مدينة فينيقية وبعد ذلك تصبح كنعانية , ويتحدث عن اكبر مغالطة هي تزوير التاريخ” .
في هذه الفقرة يتجلى لنا ان الاستاذ قد اقحم نفسه في موضوع لا يفقه فيه شيئا .

1-التيفيناغ ليس من اختراع ماسينيسا وهو محق في ذلك لان الكتابة الليبية سابقة له ,ويعود ليقول انها حروف بونيقية متطورة ,جاءتنا من اسلافنا الفينيقيين , مما يعني ان الكتابة البونيقية هي كتابة فينيقية وهو في هذا يجانب الصواب لأنه لو كانت كذلك ,لماذا نعطيها اسم البونيقية ؟ . ثم يتهرب من كتابة التفينياغ ليقول ان تبسة مدينة فينيقية ,دون ان يأتي ذكر تبسة في سياق الحديث . ثم يقول “بعد ذلك تصبح كنعانية ” ,لا ادري متى؟ وماذا كانت قبل ذلك ,وهنا دليل اخر ان الاستاذ لا يعي ما يقول وما دام لا يعرف ان الفينيقيين جزء من هذا الشعب الكنعاني الذي سكن سواحل الشام .

و ليعلم الاستاذ ان مدينة تبسة مدينة نوميدية بامتياز ,ولم يذكر اي مؤرخ او اثري انها من تأسيس الفينيقيين إلا اذا كان مؤرخا نزيها لا يفرق بين مايقول ,والمدينة ليست من تأسيس البونيقيين ,فما بالك ان تكون من تأسيس الفينيقيين ,لكن انا واثق انك لا تعرف الفرق بين الفينيقيين و البونيقيين .

2-  التيفيناغ ,”هي حروف بونيقية متطورة جاءتنا من اسلافنا الفينيقيين ”,كان على الاستاذ ان يتحرى الحقيقة قبل ان يصدر الاحكام الجزافية دون علم او تبصر خاصة في جزء يتحدث فيه عن تزوير التاريخ “اكبر مغالطة هو تزوير التاريخ “يا استاذ عندما لا تعرف تصمت :

ا) لم يسبق لي ان سمعت او قرأت لمؤرخ تونسي او مغربي او غيرهم من مؤرخي بلدان غرب المتوسط الذين خضعت بلدانهم لحكم البونيقيين ,أن استخدم عبارة “اسلافنا الفينيقيين “حتى سمعت ابن بئر العاتر ,الذي تمتد حضارته “بئر العاتر ” الى ازيد من اربعين الف سنة ق.م, والتي امتدت الى مصر و اسبانيا ,ينسب نفسه الى الفينيقيين الذين عرفناهم منذ اواخر القرن الثاني عشر ق .م ,لا قبل ذلك مع احترامنا للأخوة اللبنانيين و السوريين و الحضارة الفينيقية .
لم اسمع اي واحد من هؤلاء المؤرخين خاصة ,التونسيين , والسيد محمد حسين فنطر – اطال الله في عمره –من اكبر المختصين في العالم في الدراسات البونيقية , وهو الاقرب الى البونيقيين ,ولم يقل هذا اطلاقا ,بل يدعو الان الى وجوب معرفة هذا “الموروث الليبي “لدراسة الحضارة البونيقية في شمال افريقيا ,وهو مانسميه “المحتوى المحلي “لأنه بغير ذلك لايمكن تجنب الخطأ,مادامت الحضارة البونيقية في شمال افريقيا هي ثمرة هذا التعاون الليبي- الفينيقي .

ب)يقول الدكتور ان “التفيناغ حروف بونيقية متطورة “,قول لم يقله حتى كبار منظري المدرسة الاستعمارية الذين لو اكتشفوا ذرة من ذلك ,لأحدثوا ضجة ,وهم الذين لا هم لهم سوى اثبات قصورنا الفطري.

ليكن في علمك, ايها الاستاذ ان التفيناغ القديم (القرن الاول – القرن الخامس ) تطور عن الكتابة الليبية المعاصرة للكتابة البونيقية ,المختلفة عنها تماما ,تأتي بعدها الكتابة المعروفة بالنقوش الليبية البربرية ,التي عُثر عليها في مختلف مناطق البلاد المغاربية :جنوب وهران, المغرب الاقصى ,اقليم طرابلس ,برقة ومناطق متفرقة من الصحراء ,وهي النقوش التي تقدم شكلا من الكتابة الانتقالية بين الكتابة الليبية القديمة والكتابة التفيناغية الحالية المشتقة منها ,و لا علاقة لها على الاطلاق بالبونيقية التي تطورت الى البونيقية الجديدة (new punic) في القرن الاول- الثاني الميلاديين.
تلك اذن بعض الملاحظات عما ذكره الدكتور ,ولا اظن بعد -ما قدمته –انني متحامل عليه ,بل نلاحظ ان الاستاذ يتسرع في اصدار الاحكام الجزافية , التي تبدو فيها الذاتية والعواطف بادية , وكان عليه ان يعمق معارفه فيما يبدي من احكام ,والتسرع و الذاتية ليست من سمات الباحث ,الذي يجب ان يتجلى بالموضوعية و يتجرد من الذاتية عند اصدار الاحكام وخاصة في تدخل يدعو فيه الى ما يجمع الامة .

أ.د محمد الهادي حارش
عين البنيان – الجزائر في :05-11-2019

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى