أقلام حرّة

الحرية والإنسان الحر “الأمازيغي”

لايخفى على أي مواطن في شمال افريقيا معنى كلمة أمازيغي التي هي *الإنسان النبيل أو الإنسان الحر*، ولكن التعرض لفلسفة الحرية منعدم تقريبا في أوساط الناشطين خصوصا فيما يخص المسألة الأمازيغية وموضوع الحرية، وكطالب جامعي مختص في الشؤون الاجتماعية أود أن أدلي بدلوي فيما يخص الحرية، بحكم أني أعترف وأفتخر بانتمائي الامازيغي، وبالتالي لدي نزعة الحرية والتنادي بها، يبقى علي التفصيل، بحكم أن مفاهيم الحرية المطروحة حاليا على الساحة الأمازيغية شبه ضبابية ولم يتم توضيح الحرية بمفهوم مشترك عام، ولا أقصد أن أعطي المفهوم الصحيح للحرية، فالمفاهيم تتغير بتغير البنى الاجتماعية والعلاقات بين الافراد، لذلك مساهمتي في إثراء موضوع الحرية هو بالكاد عمل متواضع وجهد بسيط، يبقى النقاش وفتح الحوار الأمر المفصلي في كل القضايا الاجتماعية التي تخص مجتمعنا الأمازيغي.

لمين إشمان (amine thinker) طالب جامعي، مهتم بالامور الاجتماعية
لمين إشمان (amine thinker)
طالب جامعي، مهتم بالامور الاجتماعية

حتى لاأطيل ندخل في صلب الموضوع …

أولا: فلسفتي في الحرية تقوم على الوجودية، فوجودك كإنسان على أرض شمال افريقيا هو تحدّ منك لتخلق ماتريده أنت، بتأملك عن الوجود والحياة، أي كما قال ميشال فوكو عن سؤال لماذا أنا موجود؟ هو أن الانسان كان في الأول مندمجا مع الوجود والإله ولم يكن يطرح هذا السؤال، حتى جاءت اللغة لتخلق سوابق في الفكر الانساني ويبحث عن ماهية وجوده، وهذا السؤال هو ناتج عن السوابق التي يتلقاها الانسان، حين عجزت اللغة عن التعبير ، من هنا نجد أن مفاهيم الحرية كلها تقريبا خاضعة للسوابق التي تم تلقيننا إياها من طرف المجتمع، لذلك سنطرح السؤال: لماذا أنا حر؟.

بمجرد طرح السؤال سنجد أنفسنا نتأمل ما حولنا، ونعيد تكرار السؤال جيدا، هل هذا السؤال صحيح؟ أم أني فقط تلقيت أني أمازيغي إذن أنا حر !!!، -هذا التساؤل هو

ركيزة فلسفتي عن الحرية-، هل حقا أنا حر؟ أو بالأحرى أنا أمازيغي، لماذا أنا حر؟.

أحاول أن أعطي مفتاحا ليجيب كل قارئ بنفسه ويعرف فلسفته عن الحرية، لان كل الاجابات متعلّقة السوابق التي تلقّيناها من المجتمع من أفكار ومفاهيم، وأريد الابتعاد عن الاجابة الخاضعة للسوابق، بل أريد إجابة قائمة على الحرية في ذاتها، وبالتالي سنجد أنفسنا نرجع للأصل الأول قبل نشوء اللغة، ذاك الأصل الذي هو الإندماج في الوجود لتحدي كل مايعرقل وجودي في أن أكون موجودا بحق، وخالقا لانتمائي الانساني ولأرض شمال افريقيا بالأخص.

قد أكون سافرت من المحيط الذي نحن فيه، وتجرّدنا من كل السوابق التي تعطي تعاريف ومفاهيم للحرية، إذ هي الإنتماء والاندماج في الوجود لجعله مستمرا بخلق ووضع بصمة الإبداع والفن الانساني، وأعيد وأرجع لبصمة الأمازيغي الذي ربط انتماءه لأرض شمال افريقيا وكان حرا عبر كل العصور، أين خلّد لنا التاريخ مفهوم الحرية الأمازيغية بحق، وهو وجودي أنا بعيدا عن أي استعمار، وجودي أنا كأمازيغي في أرضي لايهمني الموت لأني أتحدّاه لأكون موجودا، لايعرقلني استعمار لأني أتحدّاه لأنزع سطوته الاستعبادية، لا أخاف من فلسفة حريتي لأني ربطتها بانتمائي لأرض شمال افريقيا، وسأبقي الحرية بمفهومها الفلسفي الأصيل،أنها التنظيم الخاص بي أنا من قناعاتي الشخصية وطبيعتي البيولوجية والنفسية والتأملية الوجودية التي من نتائجها سأتحمل كل مسؤولياتي، وأنها التنظيم الإجتماعي القويم في خلق الوجود الذاتي على أرضي أرض شمال افريقيا، التنظيم الاجتماعي السليم في تكوين الوجود الأمازيغي المسؤول عن نتائج تأملاته فيما يخص وجوده وفلسفته عن الحرية.

من هنا سندخل في التفصيلات والاطروحات الفكرية عن الحرية، إذ وجب علينا التنبيه إلى مشكلة التقديس، لأن كل التيارات الناشطة في الساحة الاجتماعية في مجتمعنا الدزيري الامازيغي كلها تقدّس مفاهيمها حول الحريّة، فأيّما وقت وجدنا حديثا عن الحرية، إلا وكان صاحبها معتقدا بمفهومه أنه الأصح والمطلق والأفضل لنا، وسيلائم سيرورة مجتمعنا لنصبح على قدر مسؤوليتنا وغيرها من الخطابات الإقصائية في عمقها، والتي تتغنى بالمصطلحات الكبيرة الجوفاء.

لكي تتوضح فكرتي عن إشكالية القداسة، نلاحظ غياب الحوار الذي يطرح مفاهيم الحرية التي تساهم في جمعنا في بوتقة واحدة تلائمنا كلنا، بل أصبح المتحاورون يضعون مفاهيم للحرية ويحاول كل مجتهد أن يُذيبنا في مفاهيمه، ولايوجد أي تقبل للنقد من الطرف الآخر، وبالتالي لايمكننا وضع مفاهيم عن الحرية تخصنا، والمفاهيم كلها تقريبا عاجزة عن التصدي للنقد، أو إقناع المتلقي دون عنف لفظي أو جسدي.

ومثالي البسيط فيما يخص مسألة حرية المرأة في اللباس، حيث نرى وجود قداسة لمفاهيم حرية المرأة، فالمتديّن يتعصّب بكل قوّة لمفاهيمه، وأن الحرية لها شروطها، وهاهو سندي ودليلي الصحيح والمقنع، والعلماني أيضا يتعصّب بكل قوّة لمفاهيمه عن الحرية، وأن حرية المرأة هي كذا وكذا وكذا.

لن أدخل في التفاصيل عن مرجعيات أي تيّار فكري له خطاب تربوي للمجتمع، لأن من حق أي إنسان إبداء رأيه وتوجهه الفكري والفلسفي، بل أريد التّنويه أن القداسة هي تقديس حرية اختيار الفرد لما يتلقّاه من مفاهيم، وتقديس احترام الاستماع والانصات لانتقاداته عن المفاهيم التي تلقّاها، وتقديس قناعاته، وأكثر من هذا كلّه تقديس الحوار البنّاء المبني على الأخذ والرّد، فأنا شخصيّا لاتهمني مرجعية أي مخاطب لي، بقدر ماتهمّني الفكرة التي أتلقّاها، وتهمني الفسحة في تأمّل المفاهيم وغربلتها بعقلي ومنطقي وانتقادها بكل أريحية، والاقتناع بها دون ضغط أو تهديد أو تصنيف، فكل مفهوم يتم بناؤه بالحوار سيكون مفهوما شموليا واقعيا سنتحمل مسؤولية الأخطاء التي تنجم من جراء تطبيقه.

وكل القداسة التي ذكرتها وهي تقديس حرية اختيار الانسان، تنبع من تأملي الفلسفي الوجودي القائم على الإنسان ككائن عاقل وواع، حر في اختيار نمط حياته وثقافته، ومسؤولا حق المسؤولية عن نتائج حريته، وبالتأكيد حرا ضمن المجتمع الذي بنى وكوّن مفاهيم الحرية الخاصة بكل فرد، وبالتأكيد لاننسى أن حرية المعتقد تكون خاصة بكل فرد، يتم بها تشكيل المعتقد الجمعي المبني على تأمل كل شخص -يمكن ان نسميه المخيال الاجتماعي كما اشار اليه الدكتور محمد أركون-، سواءا عن الآلهة أو عن التدين أو عن نمط الشخصية والتفكير، بينما الحريات الاخلاقية تكون مبنية حسب ماتوافق عليه المجتمع، بعد الحوارات وتشكيل التنظيمات المختلفة في سيرورة علاقة الافراد فيما بينهم.

أخيرا أؤكد أن مفاهيم الحرية المساهمة في المصلحة العامة الاجتماعية، لاتكون إلا بالحوار الهادئ الجامع لكل التيارات الفكرية المساهمة في خلق الخطاب التربوي، وأيّما مفهوم تم طرحه على الساحة الاجتماعية وجب أن يكون قد مر بالنّقد والتمحيص، وأن لايتم فرضه على قناعات الافراد بالقوة، ويجب أن نخلق الفسحة الكاملة لكل فرد لكي ينتقد يرفض يقبل يراجع يمحّص يغربل أي فكرة يتلقّاها وأي مفهوم يعيه، °° فالقناعات لا تُفرض °°.

لمين إشمان (amine thinker)
 طالب جامعي، مهتم بالامور الاجتماعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى