أقلام حرّة

اليمن ليس بلدا عربيا بل هو حِمْيَريّ مِهْرِيّ

يظن كثيرون من المغاربة بالخطإ أن اليمن عربي شعبا ولغة وحضارة وهوية. وهناك من يظن أن اليمن هو أصل العرب والعروبة. وهذا كله غير صحيح. فاليمن ليس بلدا عربيا وليس هو أصل العرب بالضبط مثلما أن إسرائيل (القديمة والجديدة) ليست بلدا عربيا وليست هي أصل العرب.

وعلى مدى أزيد من نصف قرن، نشرت الأنظمة العربية في كل الكتب والجرائد والتلفزات خريطة زائفة لما يسمى “العالم العربي” تقحم فيها بلدانا أمازيغية مثل المغرب وليبيا مع بلدان غير أمازيغية مثل العراق واليمن زاعمة بأنها كلها “بلدان عربية” تشكل “وطنا عربيا” وهميا، متجاهلة الهويات الحقيقية لهذه البلدان والشعوب. والهدف من ذلك هو تعريب البشر والحجر ومحو اللغات والهويات الأصلية.

وحاليا مع سقوط اليمن بجزأيه الشيعي الشمالي والسني الجنوبي في الحرب والمجاعة يتم إقحام الهوية مرارا في الموضوع لأن الهوية مرتبطة دائما بالسياسة. والحقيقة هي أن القومية العربية التعريبية التي أصيب بها اليمن جلبت عليه المصائب (من حروب أهلية وتدخلات أجنبية) لأن القومية العربية هي التي تبرر تدخل العرب (بمختلف اتجاهاتهم ومصالحهم ومذاهبهم) في اليمن بينما اليمن ليس عربيا أصلا.

وقصة اليمن مع التعريب والقومية العربية التوسعية التخريبية هي تكرار لقصص بلدان أخرى مع نفس المشكل. فالقومية العربية هي التي أنتجت منظمة البوليساريو العربية الانفصالية المسلحة في المغرب الأمازيغي. والقومية العربية هي التي خربت القضية الفلسطينية ومنعت الفلسطينيين من تسوية مشكلهم سلميا مع اليهود عام 1948 وما بعده. فالفلسطينيون رفضوا خطة الأمم المتحدة عام 1948 لتقسيم أرض فلسطين/إسرائيل مناصفة بين الفلسطينيين واليهود وإنشاء دولتين مستقلتين، أما اليهود فقد قبلوا خطة الأمم المتحدة. والرفض الفلسطيني كان بحجة واهية روجها القوميون العرب الإمبرياليون وهي أن “فلسطين كلها أرض عربية لا مكان لليهود فيها”. وفوت الفلسطينيون على أنفسهم الفرصة تلو الفرصة لتسوية مشكلهم مع إسرائيل بسبب تبعيتهم لفكر القومية العربية الإمبريالي المدمر بجانب الإسلام السياسي الإمبريالي المدمر هو الآخر. هذا التعنت القومجي العربي الإمبريالي هو “اللي خْرجْ على الفلسطينيين” وقصم ظهرهم وشردهم وتركهم اليوم بخفي حنين. كما أن القومية العربية هي التي خربت العراق وسوريا واليمن وبهدلت مصر والسودان ولبنان وليبيا لأن العروبة شكلت الأساس الأيديولوجي للأنظمة الاستبدادية هناك وجهَّلت تلك الشعوب بتراثها اللغوي والحضاري الأصلي القديم السابق لظهور الإسلام فأصبحت يتيمة الهوية يتلاعب بها العرب الحقيقيون (الخليجيون) والفرس الإيرانيون بالتدخلات العسكرية وتمويل الانقلابات وتمويل جماعات السلفية والإخوان والشيعة.

ومشكلة القوميين العرب هي عقليتهم الاستعمارية الإمبريالية التوسعية الغنائمية التي تعتبر أن “كل أرض يوجد فيها ناطقون بالعربية هي أرض عربية يملكها العرب”. تصوروا معي لو أن الإسبان قالوا بأن كل أرض يوجد فيها ناطقون بالإسبانية هي أرض إسبانية يملكها الإسبان!

واليوم تتسبب أكذوبة “عروبة اليمن” في اعتبار اليمن ملكا للعرب ومجالا حيويا للعرب يحق لهم التدخل فيه متى شاءوا لمحاربة الفرس. وهكذا تتسبب القومية العربية والهوية العربية الزائفة لليمن في تخريبه عبر جعله ميدانا للصراع العربي الفارسي أو السني الشيعي. أما اليمن فليس عربيا ولا فارسيا.

هوية اليمن القومية الأصلية حِمْيَريّة، وهوية إسرائيل عبرية، وهوية فلسطين آرامية أو فلستية.

اللغة الفرنسية منتشرة بشكل عارم في السنغال ولكن هذا لا يعني أن السنغاليين فرنسيون. وكذلك اللغة الإنجليزية منتشرة بقوة في نيجيريا التي يبلغ تعدادها 190 مليونا ولكن هذا لا يعني أن النيجيريين إنجليزيون.

اللغة التاريخية الأصلية لليمن وعُمَان هي لغة سامية جنوبية South Semitic كان العرب في العصر الإسلامي يسمّونها “لغة حِمْيَر” Himyar وهي لغة مختلفة عن العربية ولا يفهمها العرب.

أما العربية والعبرية والآرامية فهي لغات سامية وسطى Central Semitic. والمكان الأصلي للغة العربية هو الحجاز ونجد وبعض أجزاء الشام الجنوبي والعراق الجنوبي وبعض أجزاء الأردن. نستطيع أن نقول أن المكان الأصلي التاريخي للعرب واللغة العربية هو المنطقة الوسطى الموجودة بين اليمن والشام، علما أن الشام واليمن ليسا عربيين. أما المكان الأصلي للشعب الآرامي/السرياني واللغة الآرامية/السريانية فهو ما يسمى الآن سوريا والعراق.

ورغم استعراب اليمن وعمان لغويا مع انتشار الإسلام فقد بقيت إلى يومنا هذا في اليمن وعمان ساكنة تعدادها ما بين 100.000 إلى 200.000 من المواطنين الناطقين باللغة المهرية Mehri كلغة أمّ. ويمكن اعتبار اللغة المهرية Mehri اليوم لغة منحدرة من “لغة حِمْيَر” اليمنية القديمة.

1) أمثلة بسيطة من كلمات اللغة المهرية Mehri المستخدمة حاليا في اليمن وعمان:

ṭād [طاد] = واحد.

ṯroh [ثروه] = إثنان.

cāṯayt [شاثَيْت] = ثلاثة.

hō = أنا.

hēt = أنتَ / أنتِ.

hē = هو.

sē = هي.

ekay = نحن الإثنان.

etay = أنتما.

hay = هما.

nḥa [نحا] = نحن.

etēm = أنتم.

etēn = أنتن.

hēm = هم.

sēn = هن.

ġīggēn [غيگّين] = ولد / صبي.

ġegenōt [غگنوت] = بنت / صبية.

ġayg [غَيْگ] = رَجُل.

tēṯ [تيث] = امرأة.

ḥayb [حَيْب] = الأب.

ḥāmē [حامي] = الأمّ.

ḥebrē [حبري] = الابن.

brīt أو ḥebrīt [حبريت] = الابنة.

rībay = رفيق، صديق.

ḥerōh [حروه] = الرأس.

fām = رِجْل، قَدَم.

ewbōn = أبيض اللون.

ḥōwer [حور] = أسود اللون.

ɛōfer [عوفر] = أحمر.

behlīt [بهليت] = كلمة.

kewṯēt [كوثيت] = رواية، حكاية.

reḥbēt [رحبيت] = مدينة.

xewfēt [خوفيت] = نافذة.

gōr = خادم.

gerīt [گريت] = خادمة.

deḥlīl [دحليل] = كهف، ثقب.

deḥlōl [دحلول] = كهوف، ثقوب.

ḥeyawm [حياوم] = الشمس.

ḥārīt [حاريت] = القمر.

ḥemoh [حموه] = الماء.

kermaym = جبل.

kermōm = جبال.

herōm = شجرة، شجر.

mewsē = مطر، أمطار.

yebīt = ناقة.

ferhayn = حصان.

ḥayr [حير] = حمار.

ṣār [صار] = غزال.

kawb = كلب، ذئب.

tayh = جدي، ماعز.

wōz = معزة، أنثى الماعز.

cexōf [شخوف] = حليب.

taywi = لحم.

dabh [دبه] = عسل.

– المصادر:

– The Mehri language of Oman “اللغة المهرية في عُمَان”، للباحث: Aaron D. Rubin. منشورات دار Brill، في Leiden، هولندا. 2010.

– تكلم اللهجة المهرية، تأليف: محمد بن مسلم دبلان المهري، 2006، صلالة، سلطنة عمان.

2) العرب القدامى اعترفوا باختلاف “لغة حِمْيَر” عن “لغة العرب”:

كتب العديد من العرب والأعاجم القدامى يؤكدون أن “لغة حِمْيَر” لغة مختلفة عن لغة العرب. وتوجد في التراث العربي الإسلامي مقولة مشهورة لأبي عمرو بن العلاء البصري (توفي عام 770 ميلادي) قال فيها: “ما لسان حِمْيَر وأقاصي اليمن بلساننا وما عربيتهم بعربيتنا”. وقال ابن خلدون: “ولغة حِمْيَر لغة أخرى مغايرة للغة مُضَر”.

والحقائق اللسانية والتاريخية تخالف فكرة “الأصل اليمني للعرب” وفكرة “عروبة اليمن” وفكرة “العرب العاربة والعرب المستعربة”. فاليمنيون شعب سامي جنوبي South Semitic منفصل يختلف عن العرب والعبريين اللذان هما شعبان ساميان شماليان أو أوسطيان حسب التقسيمات اللغوية.

وشاعت خرافة أن اليمن عربي أو أنه أكثر عروبة من العرب الحقيقيين في الحجاز مع انتشار الإسلام في اليمن واستعرابه التدريجي وفقدان معظم اليمنيين لغتهم الحِميرية / المهرية الأصلية. ثم وصلت قصة عروبة اليمن العجيبة إلى الأمازيغ عبر الإسلام فركب بعض دهاة الأمازيغ على خرافة “العرب العاربة” وخرافة “عروبة حِمير” فاخترع بعض هؤلاء الأمازيغ لأنفسهم أنسابا يمنية حِميرية مزيفة لإثبات “شدة عروبتهم” طمعا في تولي الحكم والخلافة الإسلامية والحصول على المنافع الاجتماعية والريعية بين أوساط الأمازيغ المسلمين.

والتعريبيون اليوم يبذلون مجهودا عظيما لنسب الأمازيغ إلى أصل يمني من أجل تعريب الأمازيغ. إلا أن المفاجأة هي أن اليمنيين أصلا ليسوا عربا في أصلهم التاريخي والقومي واللغوي. وبالتالي يستحيل تعريب الأمازيغ عبر اليمن مثلما يستحيل تعريب الأمازيغ عبر الجرمان.

إذا جاء إليك شخص وقال لك: “لقد اكتشفت أن الأمازيغ من أصل دانماركي، إذن هذا دليل قاطع على أن الأمازيغ عرب!” فهذا منطق سفيه لا يستقيم لأن الدانماركيين ليسوا عربا أصلا.

إذن فمحاولة إلصاق نسب الأمازيغ بشعب اليمن أو بشعب مملكة حِمْيَر القديمة لإثبات عروبة الأمازيغ (المزيفة) هي استراتيجية تعريبية فاشلة لأن اليمنيين والحِمْيَريين أنفسهم ليسوا عربا.

ويتفق اللسانيون المتخصصون اليوم على أن اللغة المهرية Mehri الموجودة حاليا في جنوب اليمن وجزء من عُمان هي لغة مختلفة عن العربية وأنها لغة مستقلة بذاتها وأنه لا علاقة مباشرة بينهما. فالعربية ليست لهجة مهرية/حِميرية، والمهرية الحِميرية ليست لهجة عربية. كما أن الناطقين بأي لغة أو لهجة عربية حاليا لا يفهمون اللغة “المهرية” اليمنية بسبب الاختلاف الجذري بين اللغتين.

3) لغة اليمن “المهرية” Mehri ما زالت مستخدمة في اليمن وعمان:

في زمن YouTube ما عليك سوى أن تدخل عبارة “اللغة المهرية” Mehri في محرك البحث لتجد فيديوهات وأغاني بهذه اللغة ولتتعرف على كلماتها ونطقها. كما أن باحثين أوروبيين أنجزوا أبحاثا أكاديمية عديدة حول اللغة المهرية متوفرة على الإنترنيت. وحاليا يحاول بعض المثقفين اليمنيين الناطقين باللغة المهرية خصوصا في إقليم “المهرة” اليمني نشر لغتهم وتدريسها.

واللغة اليمنية العمانية “المهرية” Mehri هي لغة شقيقة للغة “الأمهرية” Amharic المنتشرة في إثيوبيا والتي هي لغة رسمية لإثيوبيا ويتكلمها حوالي 60 مليون إثيوبي كلغة أولى أو ثانية. والمهرية اليمنية لغة شقيقة أيضا للغة Tigrinya المستخدمة في إيريتريا.

الذي حدث في اليمن هو مثل الذي حدث في مصر (بلاد القبط) وهو استعراب لغوي تدريجي بطيء بفعل تأثير الإسلام. وهكذا استعرب القبطيون/المصريون لغويا بالتدريج عبر القرون واختفت اللغة القبطية من مصر (باستثناء كتابات الكنائس المسيحية القبطية). وفي اليمن وعمان تناقص استخدام اللغة الحِمْيَرية تدريجيا مع انتشار الإسلام. واستعرب معظم اليمنيين والعمانيين، ولكن ما زالت بقية من لغتهم الحِميرية الأصلية ممثلة في المهرية Mehri موجودة إلى يومنا هذا يتحدث بها عشرات الآلاف في اليمن وعمان. واللغة المهرية تملك لهجات وتنوعات محلية عديدة خاصة بها في إقليم المهرة اليمني ومنطقة ظفار العمانية حسب الباحث Aaron Rubin.

إذن فمثلما أن المغرب أمازيغي، وأن مصر قبطية، وأن سوريا سريانية، وأن كردستان كردية، وأن إيران فارسية، وأن إسرائيل عبرية، فكذلك اليمن حِمْيَريّ وليس عربيا.

مبارك بلقاسم –المغرب

tussna@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى