أقلام حرّةالسينما والمسرح

بداية المسرح الجزائري بين الحقائق التاريخية و المهاترات الكلامية

للأسف وبقدرة قادر اتفقت كل الدراسات الأكاديمية أن الجزائريين اكتشفوا المسرح  بعد زيارة فرقة جورج ابيض إلى الجزائر سنة 1921 و بعد ذالك حاولوا تقليده أو إتباعه فظهر المسرح الجزائري بأول مسرحية فاشلة عنوانها في سبيل الوطن اقتبسها و أخرجها محمد رضا المنصيلي و أقول فاشلة ليس لمستواها بل لطبيعة لغتها التي كانت بالعربية الفصحى  لان مخرجها و مقتبسها كان يقطن لبنان أي المشرق  فطبعا الجمهور لم يستسغها و توالت المسرحيات بفضل فرقة جورج ابيض الذي عرَّف الجزائريين على فن لم يعرفوه من قبل أسف هذا الموجود في معظم الكتب و الدراسات حتى قيل أن أول مسرحية شدت الجمهور هي “جحا و المرابي” لسلال علي سنة  1926 و للأسف أيضا أن كل هذا غير صحيح أنا هنا لا أريد طرح الموضوع بشوفينية أو طرح دراسة عن تاريخ المسرح الجزائري بل لتصحيح بعض المفاهيم المتعارف عليها في حقل الثقافة عامة و المسرح خاصة   سنعود قليلا إلى الوراء لنفند كل هذه الادعاءات واحدةً واحدة .

عبد الباسط تيحمامين , مسرحي
عبد الباسط تيحمامين , مسرحي

أولا  “عدم معرفة الجزائريين بالمسرح” : كيف لا يعرف الجزائريون المسرح حتى سنة 1921؟ و أول بناية للمسرح بالمفهوم الحديث في الجزائر كانت سنة 1853 وعرضت فيها أول مسرحية بعنوان الجزائر 1830-1853  وقد حظر إلى الجزائر كبار الفنانين العالمين  و قد يقول البعض أن العروض كانت للمعمرين فهذا خطأ و تفنيد هذه الفرضية بسيط جدا فمسرحيات الكاتب “انري تيري لنرمان” الذي كتب مجموعة من المسرحيات عنونها “الإستعمارية” و التي تتحدث عن جو حياة الأقليات الأوروبية النازحة وسلوكياتها اتجاه الأهالي و أنجحها كانت بعنوان “سيمون” و التي تتحدث عن الحياة التعيسة للأهالي في ظل تعسف الإدارة الاستعمارية فكانت مسرحيات تجلب جمهور من الجزائريين .

هذا من ناحية التلقي ,أما من ناحية الإبداع ففي سنة 1893 عرضة مسرحية “mystère de sa langue ” و كانت من تمثيل قدماء الطلبة الثانويين و كانوا من الأهالي .

ممكن أن يقول لنا احدهم أن هذا مسرح فرنسي و أن الجزائري يجب أن يقدم مسرح بالعربية و حسب المتعارف عليه أن المسرح العربي في الجزائر بدأ سنة 1922 لكن تفنيد هذه الفرضية جاءنا من بريطانيا على يد الباحث الجامعي البريطاني “فيليب سادجروف”، وهو أستاذ محاضر في جامعة أدنبره أسكوتلندا، حيث صرح أنه عثر أخيراً في مكتبة اللغات الشرقية التابعة للمدينة، على نسخة نادرة من مسرحية مجهولة حتى الآن، يعتقد أنها أقدم نص مسرحي باللغة العربية و هي للكاتب ابراهيم دنينوس و يعود تاريخها إلى 1847 أي قبل كتابة المسرحية المزعومة “البخيل” ل:”مارون النقاش” التي تعتبر أول نص عربي و المكتوبة سنة 1848رغم أنها في الحقيقة مسرحية البخيل لموليار  ويقول الباحث لبريطاني أن مسرحية ابراهيم دانينوس (نزاهة المشتاق وغصَّة العشاق في مدينة طرياق في العراق) لا تعتبر مهمة لأنها أول نص باللغة العربية فحسب بل أيضا من حيث المتن و القوة الدرامية للنص من حيث البنية و المشهدية  وحتى الارشادات الاخراجية مستعملا التراث الجزائري وفن الموشحات

من كلام الباحث البريطاني نفهم أن صاحب النص و الذي كان يشتغل مترجم في المحكمة الأهلية في الجزائر يعرف جيدا آليات الكتابة الدرامية يعني انه لم يكتشف المسرح مع جورج أبيض أو حتى مارون النقاش .

للأسف يتحاش الباحثون ذكر ابراهيم دنينوس لأنه يهودي الدين رغم انه جزائري فهل ينكر المصريون مثلا يعقوب صنوع أو أوائل صُناع السينما المصرية ؟ طبعا لا لأنهم مصريون .

لنعد إلى الخلف في التاريخ أكثر و نتحدث عن المدن الأثرية المتواجدة في الجزائر أو في كل شمال إفريقيا فبمجرد الزيارة لهذه المدن وحتى لغير الدارس يتبادر إلى ذهنك سؤال : لماذا هذه المسارح كبيرة ؟ و نستطيع القول إنها العامل المشترك بين هذه المدن و الجواب بسيط لأنها كانت تقدم مسرح مثل المدن الإغريقية و الرومانية ممكن أن يقول أحد أن هذه المسارح كانت لعروض المقاتلين الجواب واضح هذه المسارح في هندستها هي مسارح عرض .

الشكل (1)
الشكل (1)

و المخطط (أنظر الشكل 1)يوضح مكان الجمهور و مكان العرض مع العلم أن المسارح المتواجدة في الجزائر  تختلف عن المتواجدة في روما و تشبه الإغريقية مع بعض الاختلاف  .

ويذكر التاريخ أيضا حب يوبا الثاني للفنون و منها المسرح حيث انتدب إلى بلاطه احد أشهر الممثلين و المشخصين و اسمه “ليونتوس لاريخوسي”  و من دلائل تواجد المسرح في الجزائر و هو ثقافة متجذرة ما نجده في كتاب “الإعترافات” للقديس أوغستين  حيث يعترف بحبه الكبير للمسرح و ممارسته له لكنه فيما بعد اعتبره محرم .

لقد تجنبت هنا الحديث عن المسرح النوميدي لأنه للأسف هناك كتاب واحد يتحدث عنه و يثبت و جود مسرح نوميدي قبل التواجد الروماني وهو كتاب “حفريات في المسرح النوميدي” للدكتورة “طامر أنوال” أستاذة بجامعة وهران قسم الفنون   فارتأيت أن نقدمه في عرض للكتاب و شرح له لوحده في مداخلات قادمة نظرا لأهمية الموضوع و التعتيم الممارس عليه .

عبد الباسط تيحمامين ( مسرحي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى