أقلام حرّة

ينّار 2966 مناسبة أخرى لتمييع الحراك الآمازيغي في آوراس؟…

ڨاسمي فؤاد : مدون
ڨاسمي فؤاد : مدون

يحلّ علينا خلال أسابيع “آمنزو نينّار” رأس السنة الآمازيغية الجديدة 2966؛ مناسبة احتفالية شمال إفريقية آمازيغية بامتياز، يحتفي بها كلّ المواطنين في كلّ جهات الشمال الإفريقي، كلّ على طريقته. فمنهم من يحتفل باليوم ولا يدري أنّه يحتفل أصلا، ومنهم من يعد وجبة شهية، ومن يغير أثاث المطبخ… لكنّها تبقى مناسبة جدّ مميزة بالنسبة للحراكات الآمازيغية في كامل الشمال الإفريقي وفي بلاد إيشاويّن على وجه الخصوص.

تستغل الجمعيات والفعاليات المدنية وحتى الأحزاب السياسية المناسبة التقليدية/التاريخية لإعلان الانتماء الآمازيغي، وإقامة المحافل “الثقافية” ورفع المطالب كالعادة بترسيم اللغة الآمازيغية و… وهو ما أصبح تقليدا سنويا لنشطاء التوجّه الآمازيغي يقابل برفض وتسفيه وتكذيب وتقزيم من قبل مريدي إيديولوجيات عروبية أو إسلاموية، ما يجعل المناسبة محلّ “ضجّة” إعلامية بامتياز. فكلّنا نذكر خرجات عثمان سعدي العروبي كل سنة باتّهامه “البربريست” بصناعة هذا الحدث، وخرجة الوزير عمّار غول من داخل جلباب الإسلاموية عندما وصفّ ينّار بالبدعة وخرجات أخرى…

لذلك علينا أن نعترف بأن المناسبة سيّست شاء مريدوها أم أبو، وأصبح من الطبيعي عند كلّ محفل “ينّار” يقيمه الآمازيغيون les Amazighistes أن يُجَرّو إلى السياق السياسوي الشعبوي، في موضع الدفاع غالبا وهو الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي لم يتمكن أي منهم إلى اليوم من تفاديه.

وإن كان الحراك الآمازيغي في آوراس، يعاني عدم نضج سياسي بالمعنى الصريح والواسع للكلمة، إلّا أنّه يتمتع بـ”سياقات ثقافية” (شعبوية في غالبها) منفصلة تماما عن السياسة، وهي القيمة التي يغفل كثير من أرباب هذا المجال (أقصد الحراك الآمازيغي في آوراس) عن أهمّيتها القصوى، ودورها الفعّال إن استغلّت كما يجب في نشر الوعي بالذّات بين الأفراد، بكلّ سهولة، وهي ما يجب حقّا استغلاله في مواجهة التسييس المقصود من قبل منابر إعلامية/سياسية عروبية تعدّ عند كلّ مناسبة آمازيغية خطّة ترويج مضادّة Contre-propagande  تهدف أساسا إلى تحييد التأثير الشعبي لمحافل الثقافة الآمازيغية الوطنية، والتأثير على الرأي العام ومواصلة خطّة الشيطنة التي تنتهجها منذ عقود ضدّ كل ماله علاقة بالآمازيغية، وكذا توجيه الحراكات الآمازيغية نحو اللغط والجدال والهرج، لإلهائها عن أهدافها الحقيقية وإغراقها في سياسة التبرير إن لم تغرق آليا وتلقائيا في سياسة التناطح المعتادة.

وبعد؟!

أعتقد أن المقدمة أعلاه، أكثر من واضحة فيما يتعلّق بالظروف العامة لتوجّه ضعيف نسبيا (الآمازيغية)، في خندق، في مواجهة ترسانة إعلامية ضخمة، مقارنة بإمكانيات هذا التوجه، في خندق ثان؛ يشتغل الآمازيغيون على الثقافة لكن المعادين لتوجّههم يسيّسون كلّ ما يصدر عنهم، وهو ما يحدث اختلالا في المفاهيم ويجعل المواطن ينفرُ من كلّ ما له علاقة بالآمازيغية من معين الوطنية.  هذا الاختلال الذي أصبح يشكّل ثقلا زائدا على النشطاء الآمازيغييين الذين كثيرا ما يتساءلون ما الحلّ في مواجهة هذا الغول؟

هذا ما يغفله الآمازيغيون، المنخرطون بشره في الإعداد لمحافل “ثقافية” كما يعتقدون، تهدف غالبا إلى الرجوع خطوة إلى الوراء، عن طريق خلق مبادرات متشابهة (مثلا) الهدف الرئيسي منها “تكسير” الآخر، هذا الآخر الذي يشتغل على نفس القضية ويكرّس نفسه كالآخرين فيها لتطويرها والنهوض بها والترويج لها.

إننا نعمد عند كلّ مناسبة إلى استنساخ أنفسنا، ومحاولة القيام بما قمنا به مرّات عديدة بنفس الطريقة والشّكل، خدمة لرغبات شخصية أحيانا، ولأجندات “رسمية” أحيانا أخرى. فنقوم بما يعرفُ بالتمييع أو صبّ الماء في وعاء يحوي “مركَّزًا” ما للتقليل من حدّته وتأثيره، وهو ما يندرج في قلب سياسة النظام الرامية إلى “احتواء” الآمازيغية في آوراس على وجه الخصوص؛ وعليه فإن اتّهام من يقوم بذلك بالعمالة (أكان يعلم أو لا يعلم) أمر منطقي ومعقول.

إنّ علينا كنشطاء أن نكون أكثر حداثة ومرونة وأعمق تفكير وأكثر ذكاءا، من أجل خدمة هذه الثقافة التي أصابها كثير منّا بأعطاب ليس من السّهل تصليحها. وعلى الفاعلين أن يحاولوا “الخلق” بدل التقليد والسرقة والتشابه الذي يصبّ في سياق استراتيجية “التمييع” التي انتهجتها أجهزة كثيرة للقضاء على هذا الحراك، فلا فائدة من أن نؤسس “مكتبتين إلكترونيتين” متشابهتين مثلا، في ذلك هدر للطاقات وقتل للمبادرة الجادة، وكلامي جدّ واضح ومفهوم .. أظنّ!

إن الوضع يقتضي اطّلاع مختلف النشطاء والفعاليات والجمعيات، على محور أكثر من هام، بل وحتميّ، لحياة توجّههم ومسيرتهم من أجل الآمازيغية، ألا وهو الإعلام، والاتصال .. الإعلام البديل والاتصال المناسباتي la communication évènementielle  ؛ وهي عملية التحضير والتنفيذ والترويج للأحداث، وفق خطّة مدروسة وكرونولوجيّة محسوبة ووسائل حديثة/متطوّرة. وهي العملية التي من شأنها إيصال أصواتهم واضحة عالية لجمهور عريض، ومواجهة محاولات التشويش (أي التسييس) والاحتواء والشيطنة التي تمارسها المنظومة بشقّيها (المعادي والمتعاطف) شريطة توافر الرغبة الصادقة والتمكن من الوسائل، وهذا ما يجب أن نشتغل عليه حقّا : “مواجهة الآخر” لا استنساخ أنفسنا وخدمة الرّاغبين في تمييع الساحة.

ملاحظة أخيرة؛

من السّهل جدّا أيها “النشطاء” أن نخلق صفحات فايسبوكية، وأن ننشر عليها كلّ ما نقوم به خلال محافلنا بالصورة، والصورة والصوت، والنص، ولكنَّ تلك ليست هي الغاية، فصورة واحدة تكفي لتغطية حدثٍ بأكمله أحيانا شريطة أن تكون تلك الصورة “روح الحدث” وهو ما يجب أن نراعيه جميعا خلال التحضير لنشاطاتنا، فلا توجد صورة ولا آلة تصوير في العالم يمكنها أن تبث الروح في حدث ميّت مفرغ منها، وما الفلكرة la folklorisation التي ينتهجها كثير منّا بدعوى “جلب الجمهور” إلّا شكلّ من أشكال الموت التي نعانيها. إن الفرد البسيط ينجذب بقدر أكبر وأقوى إلى حدث مليء بالشباب والشّابات ذوي الهندام العصري والمظهر المناسب وتؤثّر فيه عملية احتكاكه بأولئك الشباب عشرات المرّات أكثر مما تفعل محافل الرّقص والأكلات التقليدية والفتيات المتشحات ملاحف بالية موسومات الوجوه بأقلام الحبر اللائي سينساهنّ وينسى لمّ وقفن هنالك أصلا بمجرّد خروجه من ذلك المحفل. كما أنّ المحاضرات المتكررة كلّ سنة وعند كلّ مناسبة شكلا ومضمونا، ونوعا وكمّا، هي قاتلٌ حقيقي لكلّ روحٍ قد يحتويها الحدث، أيّا كان. وعليه فإنّ خلق “موضوع” un thème جديد متجدد لكل احتفاليّة من احتفاليات الثقافة الآمازيغية في آوراس، أصبح أكثر من ضروري، وهو ما تتحمّلون جميعا مسؤوليته كنشطاء وفاعلين في السّاحة الثقافية.

ليس الغرض من هذه السطور، محاولة التنظير لإبداع جديد في مجال بعينه، أو التأسيس لمشروع ما؛ بل التنبيه فقط إلى بعض النّقاط التي أصبح من الواجب الاطّلاع عليها على ضوء المعطيات التقنية/الثقافية/الإعلامية العالمية الحالية، وفي ظلّ محاولات الاحتواء الحثيثة الممارَسة من قبل أجهزة الدّولة في إطار خلق حراك آمازيغي “رسمي” (بالرّسمي أقصد حراكا مواليا للنظام الدزيري، ومعتنقا لآمازيغيةٍ خاصة بالنظام).

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى