أقلام حرّة

عندما استنجد عثمان سعدي بالشيخ زايد و القذافي لمنع ترسيم الأمازيغية

لم ينفك  منظّرو التيار القومجي العروبي عن التشكيك بوطنية المدافعين عن الأمازيغية و اتهامهم بالعمالة للخارج . لكن الاحداث التاريخية المفصلية التي شهدتها الجزائر منذ الاستقلال , أكدت أن الحركة الأمازيغية كانت دائما القاطرة التي قادت النضال من أجل الديمقراطية و الحرية ضد الأنظمة القمعية التي تعاقبت على حكم الجزائر.
كما أثبت القومجيون العروبيون أنهم مجرد بيادق في يد هذه الأنظمة المستبدة تستعملهم لشق وحدة الشعب الجزائري و إضعاف نخبه كما يحدث هذه الأيام .فهؤلاء العروبيين أقل الجزائريين إنتماءا للوطن و أكثرهم تعلقا بالمشرق .
و لعل أشهر مثال على ذلك ما قام به عثمان سعدي  عندما توسل إلى الرئيس الليبي معمر القذافي و رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان للتدخل سريعا في الجزائر لمنع ترقية الأمازيغية إلى لغة وطنية.
و كان ذلك سنة 2002 بعد أحداث الربيع الأسود في منطقة القبائل عندما أعلن الرئيس المخلوع بوتفليقة ترقية الأمازيغية الى لغة وطنية في تعديل دستوري وشيك محاولة منه تهدئة الوضع في منطقة القبائل  بعد حملة القمع الوحشية التي أودت بحياة 126 شابا .
في حوار مع جريدة الشرق الأوسط يوم 20 مارس 2002 , دعى عثمان سعدي الشيخ زايد و الرئيس الليبي الى التدخل لدى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من أجل حمله “على التراجع عن قراره الأخير بترقية الأمازيغية إلى لغة وطنية في الجزائر وإدراجها في التعديل الدستوري المقبل من دون استفتاء رأي الشعب في المسألة” . و وصف عثمان سعدي قرار جعل الأمازيغية لغة وطنية بأنه تحدّ “لإرادة الشعب الجزائري” و “تغيير لهوية الشعب” . وقال سعدي : ” لا يملك أي رئيس دولة تغيير هوية شعب إلا بالعودة للشعب، فهوية الجزائر منذ أربعة عشر قرنا هي العروبة”.
و عن سؤال حول إن كانت ترقية الأمازيغية إلى لغة وطنية يمثل “إنتصارا للحركة الأمازيغية” , أجاب عثمان سعدي : ” لا يوجد نضال من أجل البربرية، وإنما توجد عمالة للاستعمار الفرنسي الجديد” . و لم يذكر عثمان سعدي ما هي علاقة ترقية الأمازيغية و “العمالة للاستعمار الفرنسي” .
ثم يعرض هوسه القديم بالمؤامرة الاستعمارية قائلا ” الفرنسيون أسسوا عام 1967 الأكاديمية البربرية بباريس لشق وحدة الشعب الجزائري إلى شعبين: شعب يتكلم العربية وآخر يتكلم البربرية، من أجل هدف واحد وهو أن تكون الفرنسية لغة مشتركة بين الشعبين، وتؤبد بذلك هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية ” . و هنا  لم يكتف عثمان سعدي بجعل الأكاديمية  البربرية صنيعة استعمارية بل جعل حتى اللغة الأمازيغية جزءا من هذه المؤامرة الكولونيالية  “لتأبيد الفرنسية”.
ثم يعرض سعدي هذيانه المعروف المتعلق بعروبة الأمازيغية قائلا” ” أما الأمازيغية، فهي لغة عربية عاربة، ما زال يتحدث بها في اليمن وسلطنة عمان ” . فاذا كانت الأمازيغية لغة “عربية عاربة” كما يدّعيه سعدي فلماذا يقف ضد ترقيتها و الاعتراف بها ؟   .
و يقول في موضع آخر من الحوار ” إن ترسيم الأمازيغية لا يعني الأمازيغ الأحرار الذين يؤمنون بوحدانية اللغة أي بالعربية، ويمارسون لهجاتهم دون عقدة ” . و يعرض لنا عثمان سعدي في هذا المقطع إيديولوجيته القومجية التي تقوم على تقديس العربية و وجوب “الإيمان  بوحدانيتها” و يرى في أي تنوع ثقافي أو اللغوي  شِرْكا و كفرا بهذه “الوحدانية” .
ثم يستطرد عثمان سعدي ” الأمازيغ موزعون على ثلاث عشرة فئة ويمثلون عشرين في المائة وفقا لإحصائية الإدارة الفرنسية بالخمسينيات. وللعلم فان الفئات الاثنتي عشرة تؤمن بوحدانية اللغة العربية، وترفض أن تكون لها ضرة. والفئة الوحيدة التي استطاع الاستعمار الفرنسي تشويهها ومسخها هي فئة القبائل التي تمثل ستة في المائة فقط من الشعب الجزائري، وذلك بنشر الفرنسية والمسيحية بين أبنائها ” .
هذا الكلام الخطير الذي يقطر عنصرية اتجاه منطقة القبائل جاء بعد أشهر قليلة من القمع الوحشي لنظام بوتفليقة ضد المنطقة و الذي خلّف 126 ضحية . فكلامه يشرعن بطريقة ما كل تلك الجرائم التي ارتكبها النظام ضد سكان المنطقة العزّل .
وفي موضع آخر من الحوار يتّهم عثمان سعدي القبائل بإتهام خطير بدون أي دليل مادي فيقول : ” هم وأسيادهم بفرنسا يرون في هذا الاعتراف (ترقية الأمازيغية الى لغة وطنية ) مرحلة تليها مرحلة أخرى يطالبون فيها بإلغاء العربية من الوجود الجزائري ” .
و يختم عثمان سعدي حواره مع جريدة “الشرق الأوسط”  قائلا : ” إننا نحن أنصار لغة الضاد بالجزائر نهيب بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن يعمل على إقناع الرئيس بوتفليقة الذي يكن له تقديرا عاليا، بألا يصدر مرسومه بوطنية ما يسمى بالأمازيغية، وأن يجنب الجزائريين والمغاربة والعرب كارثة محققة. كما نهيب بالقائد معمر القذافي أن يتدخل أيضاً” .
لا يمكننا تصور قيام أي قومجي مشرقي  بالمطالبة  من رئيس دولة أخرى التدخل في بلاده لفرض أمر ما , كما لا يمكننا تصور ان يصدر هذا الأمر من أي شخص لديه إنتماء لوطنه مهما كانت إيدولوجيته .
فعثمان سعدي لا يملك أي تجذر جزائري أو شمال إفريقي , فهو مرتزق بدون أي انتماء تغذيه عنصرية مقيتة اتجاه منطقة القبائل و الأمازيغ بصفة عامة .

يوغرطا حنّاشي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى