بالعربيةسياسة

نحن لا نستحق البلد، ولا التاريخ!

زين العابدين غبولي - مدوّن
زين العابدين غبولي – مدوّن

طوال مسيرتي الدراسية، علموني أنني ابن بلد عظيم بتاريخ متنوع، بحضارة تمتد أصولها إلى مئات السنين؛ لقد تم هندسة عقلي، ككل الجزائريين، على تبني هوية معينة دون أن أسال، واللعنة علي إن فعلت ! لقد كان للصدمة وقعها عندما أدركت أن تلك الهوية ليست إلا نتيجة لصرخة أحدهم الذي أعجبته قومية عبد الناصر وعلى إثر ذلك داس على تاريخ هذا الوطن، وكان لنفس الصدمة وقع أكبر عندما وجدت نفسي أمام حقائق تاريخية تحكي سياسات عنصرية لمن داس هو الآخر على ثقافة، وهوية البلد لصالح هوية أخرى، لمن سعى وبكل الوسائل إلى ردم كل ما له علاقة بالأمازيغية كثقافة، كلغة، وكتاريخ وفي خضم مسيرته جاءت مسألة “التعريب” برغبة منه كوسيلة من تلك الوسائل.

لكن، ورغم كل هذا، إلا أن صدمتي من كل السياسات العنصرية، من كل محاولات تزوير التاريخ والهوية، لا يمكنها أن تقارن بصدمة أتلقاها يومياً، بصدمة تتحول إلى حزن عميق، إلى شعور بالذل والهوان كل صباح وأنا أرتشف قهوة ساخنة تغلي في أعماقي، ليس بسبب حرارتها وإنما بسبب حريق يشتعل داخلي وأنا أرى نفحات العنصرية تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا أقرأ ما يندى له الجبين من ناس يسعون بكل ما أوتوا إلى تحطيم وتدمير ما تبقى من تاريخ، وأنا أرى مجتمعاً أعلن ردة هوياتية وأصبح يسبح بحمد من يحتقرونه في كل مكان.

سأتجاوز تلك الهمسات التي تردد كلمة “عنصرية” هنا وهناك فلو كنت عنصريا لما كتبت حرفاً واحداً بهذه اللغة التي يقرأ كلماتها القارئ الآن؛ كما أنني أجد نفسي مجبراً على المرور مرور الكرام على بعض من صيحات المساندين لحملة “إنهاء الوصاية الفرنسية” والتي باسمها يتقدم البعض ماسحا الأرض بهويتنا وتاريخنا فلست فعلاً في مزاج يسمح لي بتقديم درس تاريخي ولا بنقاش من، وباسم أيديولوجيا شمولية، يريدون أن يتحولوا من “وصاية فرنسية” تؤرق مضاجعهم كما يزعمون إلى وصاية خليجية لا أرى إلا أنها فخورون وسعيدون بها؛ أنا في حالة اكتئاب من حال هذا البلد الذي يغتصبه كثيرون، كل بطريقته؛ انا في حالة شفقة على تاريخ يشعر أصحابه بالعار منه.

سمعتهم يتحدثون كثيرا عن حالة المسخ الأخلاقي، والثقافي التي يعيشها أهل الجزائر، لقد صوروا للجميع أن الجزائر أصبحت فجأة تشبه عواصم أوربا بينما خيل لي وأنا أسير في شوارع هذا البلد أنني لم أعد في وطن إسمه الجزائر، بل لعلي في محمية خليجية أو ربما مستعمرة تركية.

لا أرى تلك التفاصيل الصغيرة التي توحي للشخص بأنه يسير فوق أرضه لها حضارة عظيمة وراقية، بل كل ما أراه يجعلني أشك بأنني في بلد باعه أصحابه في سوق النخاسة.

إنّ المجتمع الجزائري يسعى لربط نفسه بثقافات لا تمت لتاريخه بصلة، يشعر بالإشمئزاز من نفسه ومن هويته، يحس بالخزي لإنتمائه للجزائر ثقافة وتاريخاً وهوية وبالعار لعدم كونه فرداً من بقعة أخرى في هذا العالم؛ إنه يعيش قطيعة مع نفسه، مع تاريخه، مع بلده، مع هويته، مع حضارته…

وعوض أن يعالج هذه القطيعة ويكسرها، فإنه مصمم على تقديسها بل ومحاربة من ينوون إنهاءها. لذلك فليعذرني القارئ الكريم عندما أقول له بأن بلده أوشك على الضياع، فليعذرني عندما أكسر أحلامه الوردية بمطرقة الحقيقة المرة وأخبره بأن بلاده تعج بجالية خليجية وتركية تسعى لدفن هويته، تتحالف مع أيديولوجية تحمل فكر ثيوقراطيا ليخرجوا له بالخلطة السحرية التي يسمونها عبثا “هوية عربية إسلامية”؛ فليعذرني القارئ عندما أخبره بأن الجزائريين في الجزائر أصبحوا أقلية، بينما اكتظت هذه الأخيرة بأغلبية تحمل، عن عار، جواز سفر أخضر وتتمنى ليلة في قصر سعادة الأمير أو الخليفة؛ أغلبية يمكنها في أي لحظة أن تحرق هذا البلد من أوله لآخره.

لقد وصلت إلى قناعة بأن الحل لا يكمن إلا في المجتمع نفسه، بأن التحرر لا يمكنه أن يأتي إلا من لدن الحركات الاجتماعية. لذلك، لستُ أثق بأن نظاماً لطالما حارب الهوية الأمازيغية يمكنه إعادة قيمة هذه الأخيرة، لستُ أثق كذلك بشبه معارضة تتظاهر بشعارات “نحن ضد النظام” بينما جل إن لم يكن كل برنامجها يتمحور حول محو هوية هذا البلد وأهله؛ أنا مؤمن بأن هذا المجتمع عليه عن يعود عن ردته إن أراد الابتعاد عن خط مستقبل أسود، كما أنني مؤمن بأن التغيير لن يأتي ما لم ننفض غبار التزييف عن أنفسنا، بأنفسنا.

لقد أصبحت أشعر شخصيا بالخزي لما أراه ولما عشته فلقد تربيت دون أن تتاح لي فرصت التعرف على لغتي الأم، وكلما كبرت كلما تم حقني بأكاذيب حول مناطق معينة لإشعال فتيل الكراهية ولأنسى من أنا. إنني أرى بلدي يضيع شبرا شبراً ومجتمعا فرحاً بذلك؛ ويكفيني أن أقول بأن المسؤولية جماعية ومن يحكمون بيد من الحديد والنار لن يتحركوا من مناصبهم مادام هناك مجتمع لا يجد مانعا من بيع نفسه.

إن الأمر بالأول والأخير يرجع لنا، فإن واصلنا في نفس مسيرة الإنكار التي نعيشها فإنني لا أجد حرجاً على الإطلاق من قول أننا فعلا لا نستحق لا بلدا ولا تاريخا كهذين مادمنا باسم “الهوية الشمولية” نريد أن ننتحر هوياتياً.

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى