أقلام حرّة

هل يميز المغاربة بين تيفيناغ والحرف الليبي الأمازيغي؟

مع الأسف تجهل الغالبية الساحقة من المغاربة المتعلمين والمثقفين الفرق بين هذه الأشياء الثلاثة:

1 – الحرف “الليبي – الأمازيغي”، بالإنجليزية: Libyco-Berber، وهو أقدم حرف أمازيغي على الإطلاق وهو الذي توجد نقوشه بالمغرب تحديدا وباقي العالم الأمازيغي بما فيه جزر الكناري. ويقدر تاريخ ظهور الحرف “الليبي – الأمازيغي” Libyco-Berber بما بين 2500 إلى 3000 عام قبل اليوم، (أي حوالي عام 500 قبل الميلاد أو 1000 قبل الميلاد). والمعنى القديم لـ”ليبيا / الليبيون” هو: الأمازيغ.

2 – حرف “تيفيناغ الطوارق”، بالإنجليزية: Tuareg Tifinagh، وهو مستعمل حاليا في بلاد الطوارق فقط ولم يتواجد تاريخيا بالمغرب. حرف “تيفيناغ الطوارق” مشتق ومتفرع من أبيه الحرف الليبي – الأمازيغي. ولكن عمر “تيفيناغ الطوارق” بالتأكيد قرون عديدة من الزمن وقد حافظ عليه الأمازيغ الطوارق في جنوب الجزائر ومالي والنيجر وجنوب ليبيا إلى اليوم ويستعملونه في الرسائل العائلية والنقوش والزينة.

3 – حرف “تيفيناغ الجديد”، بالإنجليزية: Neo-Tifinagh، وهو فرع مستحدث من تيفيناغ الطوارق طوره باحثون ومثقفون جزائريون منذ ستينات القرن 20 وأضافوا إليه حروفا جديدة اخترعوها وحذفوا منه حروفا طوارقية أصيلة منقطة (متكونة بأكملها من نقط). وهذا “التيفيناغ الجديد” Neo-Tifinagh هو الحرف الوحيد الذي يروجه الآن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الإيركام) بالمغرب.

التمييز بين هذه الأشياء الثلاثة ضروري جدا وإلا فلن تفهم شيئا.

بسبب الأمية والتجهيل فإن المغاربة خصوصا والأمازيغ عموما يجهلون (في غالبيتهم) وجود شيء اسمه حرف “ليبي – أمازيغي” Libyco-Berber بالمغرب. ولا يعرفون إلا “تيفيناغ” عبر الإعلام السطحي. وزيادة على ذلك لا يميزون بين “تيفيناغ الطوارق” الأصيل و”التيفيناغ الجديد” الذي يروجه الإيركام.

المصريون لديهم النقوش والهيروغليفيات القبطية. أما المغرب فـ”هيروغليفياته” (مجازا) هي الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber. والغريب العجيب أنه يتم ترويج التيفيناغ الإيركامي الجديد الذي نصف حروفه مخترعة حديثا بينما يتم إهمال الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber الأصيل بالمغرب.

 (والحرف اللاتيني هو الأكثر استعمالا حاليا في كتابة اللغة الأمازيغية أدبيا وأكاديميا وتدرَّس به اللغة الأمازيغية بالجزائر في أغلب الحالات. وهنالك مخطوطات أمازيغية اللغة مكتوبة بالحرف العربي وأقدمها “كتاب البربرية” الزناتي الذي كتب في تونس أو ليبيا أو شرق الجزائر حين كان المذهب الإباضي سائدا).

ويظن المغاربة أنه توجد نقوش تيفيناغ بالمغرب وهذا غلط. فحرف تيفيناغ لا وجود له بالمغرب تاريخيا. وإنما النقوش الأصلية الموجودة بالمغرب هي نقوش الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber.

والجدول الذي أعددته في الصورة التالية يوضح الحرف “الليبي – الأمازيغي” و”تيفيناغ الطوارق” و”التيفيناغ الجديد”:

_Libyco_Berber_Tamazight

1) نقوش الحرف الليبي – الأمازيغي موجودة بالمغرب منذ 2500 إلى 3000 عام:

نقوش الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber موجودة بالمغرب بشماله وجنوبه وكل العالم الأمازيغي من ليبيا إلى جزر الكناري. ويقدر عمرها بما بين سنة 500 ق.م. إلى سنة 1000 ق.م.

وحسب كثير من الباحثين (سنتعرف عليهم أسفله) فإن النسخة البدائية الأولى والأقدم archaic من الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber ظهرت وتطورت أولا بالمغرب الأقصى (Murakuc) في الألفية الأولى قبل الميلاد، ثم انتشر الحرف الليبي – الأمازيغي من المغرب في اتجاه الشرق نحو الجزائر وتونس وليبيا وانتشر أيضا من المغرب نحو جزر الكناري الأمازيغية. ثم تطورت نسخة ثانية “كلاسيكية” classical من الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber في الدولتين الأمازيغيتين النوميديتين Massylii وَ Masaesyli بشمال الجزائر وشمال تونس ثم انتشرت هذه النسخة الثانية من شمال الجزائر وشمال تونس نحو المغرب غربا (أي أن هذا الحرف عاد إلى المغرب الأقصى في نسخة جديدة) ونحو جزر الكناري الأمازيغية غرب المغرب وانتشرت أيضا شرقا من الجزائر وتونس نحو ليبيا.

وإحدى أقدم النقوش الليبية – الأمازيغية Libyco-Berber موجودة بجبال الأطلس الكبير بالمغرب بمنطقة أوكايمدان Ukayemdan الجبلية وعمر تلك النقوش قد يصل إلى 2700 سنة أو أكثر.

فقد قام باحثون بدراسة موقع أثري بمنطقة أوكايمدان Ukayemdan الجبلية المغربية توجد به نقوش ليبية – أمازيغية Libyco-Berber ورسوم صخرية لحيوانات راينوسيروس Rhinoceros. ومكان هذه النقوش الليبية – الأمازيغية والرسوم الحيوانية مشهور بالاسم Frise aux éléphants. وفي أعمال التنقيب وجد الباحثون بالضبط أمام النقوش موقدين أثريين للتدفئة، واستخرجوا الفحم منهما وأرسلوه إلى مختبر جامعة Helsinki في فنلندا ليتم حساب عمره بتقنية التأريخ الكربوني C-14 فجاءت النتائج بأن عمر أقدم موقد بالموقع هو 2680 سنة. وبالتصحيحات الحسابية (حسب تلك الدراسة) يكون تاريخه ما بين سنة 900 ق.م. وسنة 750 ق.م. ويمكن الاستنتاج بأن من عاشوا بتلك المنطقة الجبلية المغربية وأوقدوا النار ورسموا الحروف الليبية – الأمازيغية في ذلك الموقع ربما فعلوا ذلك منذ أزيد من 2700 عام.

اسم هذه الدراسة العلمية هو:

El Graoui, M., et al. (2008). Recherche d’indices chronologiques sur le passage des graveurs de rochers de l’Oukaïmeden (Haut Atlas, Maroc). Sahara, 19, 105–108

والمعطيات من هذه الدراسة وغيرها تشير إلى أن عمر الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber بالمغرب يتراوح بين 2500 إلى 3000 عام. وهذا التقدير ليس قاطعا ولا مؤكدا ولكنه معقول جدا.

2) تيفيناغ الطوارق غير موجود بالمغرب:

تيفيناغ الطوارق غير موجود بالمغرب بل هو موجود بجنوب الجزائر وشمال مالي والنيجر وجنوب ليبيا ويستعمله الطوارق اليوم في الرسائل العائلية والتزيين.

ومن يسمي الآن الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber بالاسم “تيفيناغ” فهو يستخدم اسما مغلوطا لأنه لا يعقل أن ننسب الأقدم إلى الأحدث. لا يعقل أن ننسب الأب إلى ابنه.

3) توجد 3 أنواع من الكتابات الحجرية المنقوشة والمصبوغة الأمازيغية القديمة:

– نقوش الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco – Berber (الأقدم على الإطلاق) وهي موجودة بالمغرب وبقية العالم الأمازيغي بما فيه جزر الكناري Taknara التي تحتلها إسبانيا حاليا.

– نقوش “التيفيناغ الصحراوي” (بالصحراء الكبرى) وهي كتابات هجينة تبدو كمرحلة انتقالية بين الحرف الليبي – الأمازيغي القديم وتيفيناغ الطوارق الحالي. فهي تشتمل على الخطوط المتوازية الطويلة المميزة للحرف الليبي – الأمازيغي القديم، وتشتمل على حروف متكونة من نقط وهي مميزة لتيفيناغ الطوارق.

– نقوش تيفيناغ الطوارق (في جنوب الجزائر وليبيا وشمال مالي والنيجر) وهي مطابقة لكتابة الطوارق الحالية وتتميز بكثرة الحروف المنقطة (المتكونة بأكملها من نقط).

4) “التيفيناغ الجديد” Neo-Tifinagh الذي يروجه الإيركام نصفه مخترع:

هذه الحروف الـ 15 التالية ⴻⵕⵄⵖⵃⵠⵁⴿⵞⵒⵇⵚⴽⵅⵥ هي حروف تيفيناغية مخترعة تم اختراع أغلبها من طرف نشطاء ثقافيين أمازيغ جزائريين منذ بضعة عقود ضمن حرف “التيفيناغ الجديد” Neo-Tifinagh الذي يتبناه ويروجه الإيركام بالمغرب منذ 2003.

أما هذه الحروف الـ 16 التالية ⵜⵟⴰⴷⴹⵣⵔⵓⵉⵢⵊⵏⵎⵙⴳⵛ فهي مأخوذة من “تيفيناغ الطوارق” الأصيل.

وأما هذه الحروف السبعة ⵌ ⵗ ⵈ ⴾ ⵂ ⵆ ⴶ الطوارقية الأصلية فقد تم استبعادها تماما من التيفيناغ الجديد. وأيضا تم استبعاد الحروف الليبية – الأمازيغية Libyco-Berber تماما فلا يتم تعريف التلاميذ بها أبدا.

وأما الحرف ⵀ (أو ⵁ الجزائري) فيروجه الإيركام كحرف هاء H بينما ⵀ هو في الحقيقة باء B لدى الطوارق بالتيفيناغ الطوارقي الأصلي. الهاء H التيفيناغية الطوارقية الأصلية هي ⵂ (أربع نقط عمودية).

إذن فإن التيفيناغ الجديد الذي يروجه الإيركام نصفه طوارقي أصيل ونصفه الآخر مخترع حديثا.

5) التيفيناغ الجديد Neo-Tifinagh معدل وراثيا عن أصله تيفيناغ الطوارق:

منذ ستينات القرن العشرين قام بعض الجزائريين بتعديل “تيفيناغ الطوارق” الأصلي فتخلصوا من الحروف التيفيناغية الطوارقية المتكونة بأكملها من نقط واخترعوا بدلها حروفا “تيفيناغية” جديدة.

وفي المغرب تم منع اللغة الأمازيغية عام 2003 من استعمال الحرف اللاتيني  في التدريس (رغم مطالبة النشطاء والأكاديميين بتدريس اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني) وهكذا لجأ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى استيراد ذلك التيفيناغ الجزائري المستحدث المسمى علميا Neo-Tifinagh (التيفيناغ الجديد) وأضاف الإيركام عليه تعديلات هو بدوره ثم بدأ يروجه بالمغرب على أنه “تيفيناغ” بينما هو Neo-Tifinagh.

وعلى الأرجح تخلص الجزائريون من الحروف التيفيناغية الطوارقية الأصيلة المتكونة بأكملها من نقط لأنهم وجدوها غير عملية impractical أو ربما وجدوها غير جميلة (وهي في الحقيقة جميلة).

وها هي أهم الحروف التيفيناغية الطوارقية الأصلية الأصيلة المتكونة بأكملها من نقط:

– الحرف ⴾ (ثلاث نقط تشكل مثلثا) = ك (حرف الكاف الطوارقي).

– الحرف ⵈ (ثلاث نقط أفقية) = ق (حرف القاف الطوارقي).

– الحرف ⵗ (ثلاث نقط عمودية) = غ (حرف الغين الطوارقي).

– الحرف ⵂ (أربع نقط عمودية) = هـ (حرف الهاء الطوارقي).

– الحرف ⵆ (أربع نقط تشكل مربعا) = خ (حرف الخاء الطوارقي).

– الحرف ⴶ (خط عمودي مع نقطتين أعلاه) = دج (في أمازيغية الطوارق).

أما هذه الحروف التيفيناغية الجديدة ⴽⵇⵖⵁⵅ فهي حروف مخترعة حديثا وضعها جزائريون لتحل محل الحروف المنقطة المذكورة أعلاه. الحروف المخترعة ⴽⵇⵖⵁⵅ ليست من التيفيناغ الطوارقي الأصلي.

فالحرف التيفيناغي الجديد ⴽ اخترع حديثا كتقليد للحرف اللاتيني K.

والحرف التيفيناغي الجديد ⵇ (ق) صنعوه بالاشتقاق من ⴽ (ك).

والحرف التيفيناغي الجديد ⵖ (غ) تقليد لحرف الغاما اليونانية γ (غ).

والحرف التيفيناغي الجديد ⵁ اخترعه الجزائريون للتعبير عن الهاء (هـ) وفي نفس الوقت احتفظوا بحرف ⵀ لصوت الباء حسب ما هو موجود لدى الطوارق. أما الإيركام بالمغرب فكان له رأي آخر حيث قرر استخدام ⵀ للتعبير عن (هـ) مخالفا بذلك النطق الطوارقي الأصلي للحرف ⵀ الذي هو الباء (ب) طبعا. بينما صوت الهاء (هـ) يكتبه الطوارق بالحرف الطوارقي الأصيل ⵂ (أربع نقط عمودية) كما رأينا سابقا.

والحرف ⵥ (زاي غليظة) اخترعه الإيركام رغم وجود حرف تيفيناغي طوارقي أصيل قديم هو ⵌ يعبر عن الزاي الغليظة ورغم وجود حرف ليبي – أمازيغي قديم يعبر هو أيضا عن الزاي الغليظة.

وأما الحرف التيفيناغي الجديد ⵅ (خ) فهو أيضا اختراع جزائري يشبه الخاء اليونانية χ.

والحرف ⵚ تم اختراعه للتعبير عن (ص) رغم وجود حرف ليبي – أمازيغي قديم للصاد. وأيضا يوجد حرف طوارقي للصاد (انظر الصورة).

إذن السؤال المطروح هو: لماذا يروج الإيركام حروفا “تيفيناغية جديدة” مخترعة حديثا بينما الحروف الطوارقية الأصيلة موجودة منذ قرون؟! بل والحروف الليبية – الأمازيغية Libyco-Berber موجودة بالمغرب منذ 3000 عام وهي أقدم حتى من الحروف الطوارقية الأصيلة؟

الاختراع واجب إذا كان هنالك نقص. ولكن إذا لم يكن هنالك نقص أو حاجة فإن اختراع حروف جديدة لتحل محل حروف قديمة أصيلة هو عبث وشطط وتلاعب وبيع للوهم.

هذه الحروف التيفيناغية المخترعة ⴽⵇⵚⵖⵁⵥⵅ لا لزوم لها إطلاقا لأن تيفيناغ الطوارق الأصيل وأباه الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber يفيان بالغرض منذ قرون طويلة وفيهما الخير والبركة.

فلماذا إعادة اختراع العجلة رغم وجود العجلة الأقدم والأصلح؟!

إذا كنت تعشق حرف تيفيناغ فعليك أن تقبله بأكمله كما هو أي كما أوصله إلينا الطوارق أي بكل حروفه الأصلية بما فيها طبعا الحروف الطوارقية الأصيلة المتكونة من نقط وهي ⴶ ⵈ ⵗ ⴾ ⵆ ⵂ

أما أن تقبل ببعض حروف تيفيناغ الطوارق وتكفر بالحروف الأخرى الأصيلة التي لم تعجبك وتخترع بدلها حروفا جديدة وتخلط الحروف الأصيلة بالحروف المخترعة الغير الضرورية وتسمي ذلك كله “حرفا تيفيناغيا عريقا” فهذا عبث وتلاعب غير مبرر وغير مشروع.

يتحدث أنصار التيفيناغ الإيركامي عن الأصالة والهوية فلماذا يهملون الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber العريق الذي يوجد بالمغرب تحت أنوفهم منذ 3000 عام ويهرولون اليوم وراء الحرف التيفيناغي الجديد Neo-Tifinagh الإيركامي المعدل وراثيا بحروفه المخترعة حديثا؟!

6) أصل نشوء الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber ما زال غير محسوم:

هنالك نظريات متعددة ومتنافسة حول أصل الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber ومن بينها:

– أولا: هنالك باحثون مثل Werner Pichler وَ Robert Kerr وَ A. José Farrujia de la Rosa وَ Alain Rodrigue وَ Sergio García Marín وَ Dominique Casajus وَغيرهم يميلون إلى أنه ذو أصل فينيقي، جزئيا، أي أن بعض حروفه تقليد أو اقتباس من حروف فينيقية وأن حروفه الأخرى اختراع أمازيغي لاحق أو تطوير أمازيغي لاحق. ويبنون نظرياتهم على:

– وجود ما بين 2 إلى 7 حروف ليبية – أمازيغية (حسب التنوعات) تشبه نطقيا وشكليا حروفا فينيقية.

– الطابع الأبجدي abjad أو الصوامتي consonantal المشترك للأبجديتين.

– انعدام مرحلة الكتابة الرسومية / الهيروغليفية بالعالم الأمازيغي عكس بلاد القبط وبلاد سومر بالعراق.

– ثانيا: هنالك باحثون مثل Salem Chaker وَ Lionel Galand وَ Mohamed Aghali-Zakara وَ Malika Hachid وَ Iddir Amara وَ Slimane Hachi وغيرهم يميلون إلى أن الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber بأكمله أو معظمه اختراع أمازيغي محلي بدون تأثير أجنبي أو بتأثيرات أجنبية متأخرة أو هامشية. ويبنون نظرياتهم على:

– صغر مساحة التشابه بين الحرف الليبي – الأمازيغي والحرف الفينيقي.

– الأشكال الهندسية المستقيمة المربعة بالزوايا الحادة للحروف الليبية – الأمازيغية تخالف منذ اليوم الأول الأشكال المقوسة والمائلة والمعوجة للحروف الفينيقية في لبنان والبونيقية في قرطاج في تونس.

– وجود الحروف الليبية – الأمازيغية بنسختها الأقدم في أعماق الأطلس الكبير المغربي ومناطق أخرى عميقة (بعيدا عن السواحل) يضعف نظرية الأصل الفينيقي. أقدم الحروف الليبية – الأمازيغية Libyco-Berber موجودة بالمغرب في عمق جبال الأطلس الكبير وليس بقرطاج ولا بالجزائر الشرقية ولا بليبيا.

– انعدام مرحلة انتقالية واضحة بين الحرف الفينيقي والحرف الليبي – الأمازيغي وكأن الحرفين الفينيقي والليبي – الأمازيغي ظهرا في نفس الوقت بالبلدان الأمازيغية كحرفين منفصلين بشكلين مختلفين منذ اليوم الأول، وهذا يضعف التأثير الفينيقي أو يقزمه (علما أن الحرف الفينيقي بلبنان عمره هو أيضا حوالي 3000 سنة وهذا لا يترك كثيرا من الوقت لأي تأثير فينيقي في ظهور الحرف الليبي – الأمازيغي).

– شيوع عادة الكتابة العمودية (من تحت إلى فوق أو العكس) في الحرف الليبي – الأمازيغي وندرتها في الحرف الفينيقي البونيقي مما يزيد من أصالة الحرف الليبي – الأمازيغي واستبعاد التأثير الفينيقي.

– فعل (verb) “اكتبْ” في اللغة الأمازيغية ari أو aru أمازيغي أصيل قديم وليس مقترضا من لغة أخرى.

ويقترح بعض أصحاب نظرية الأصل الأمازيغي المحلي للحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber أن تطوره قد يكون بدأ من رموز حجرية صحراوية Saharan petroglyphs بالصحراء الكبرى ومن الفنون الصخرية Rock art ورموز الوشم الأمازيغي وزركشات الأواني الفخارية الأمازيغية ونحوها.

ويختلف الباحثون أيضا حول أصل الحرف الفينيقي فبعضهم يعتبره من أصل قبطي Egyptian وآخرون يعتبرون الحرف الفينيقي من أصل سومري Sumerian (العراق). ويرى الباحثون أن الحرف الإغريقي (اليوناني) من أصل فينيقي. والحرف الإغريقي أول ألفبائية alphabet حقيقية كاملة في التاريخ تميز بدقة بين الصوائت vowels والصوامت consonants. ومن الحرف الإغريقي تطور الحرف اللاتيني.

7) كلمة “تيفيناغ” تطورت من Punici اللاتينية وتعني “الفينيقيات”:

Tifinaɣ كلمة أمازيغية طوارقية بصيغة الجمع المؤنث تعني: حروف الكتابة. أما صيغة مفردها بأمازيغية الطوارق فهي Tafineq [تافينق] وهي النطق الطوارقي اللهجي لكلمة Tafineɣt [تافينغت]. وكذلك كلمة Tamaziɣt تحولت لدى الطوارق إلى Tamajaq وَ Tamaceq [تاماشق] وَ Tamahaq.

ومن المرجح أن المعنى القديم والأصلي لكلمة Tifinaɣ هو “الفينيقيات / البونيقيات” بصيغة الجمع المؤنث وأن Tifinaɣ صيغة ممزغة للكلمة اللاتينية Punicus أو Punici [پونيكي] (البونيقيون / الفينيقيون).

وهذا لا يعني بالضرورة أن حرف تيفيناغ الطوارق أو أباه الليبي – الأمازيغي فينيقيان وإنما يعني أن بعض الأمازيغ القدامى أو أمازيغ الصحراء ربما ربطوا بين الحروف الليبية – الأمازيغية والكلمة اللاتينية Punicus (بونيقي / فينيقي) وَ Punici [پونيكي] (بونيقيون / فينيقيون). فربما خلطوا الحرف الليبي – الأمازيغي بالنقوش البونيقية القرطاجية عمدا أو سهوا أو جهلا فسموا الحروف بـ Tifinaɣ (الفينيقيات).

– ملاحظة: “كنعان” هو الاسم القديم لما نسميه الآن: إسرائيل وفلسطين ولبنان. و”اللغة الكنعانية” تشمل العبرية والفينيقية والعمونية وغيرها. ومن الأسماء المحتملة التي ميز بها الفينيقيون أنفسهم عن اليهود/العبريين (الكنعانيين أيضا) نجد Sorim (الصوريون) وَ Ponnim الذي جاء من Put وهو الاسم القديم المحتمل لبلاد لبنان. واليونانيون سموا الفينيقيين Phoinikes وسموا الأمازيغيين Libues. ولكن كلمة Tifinaɣ الأمازيغية لا يمكن أن تأتي من الكلمة الفينيقية Ponnim نظرا لوجود الغين الأمازيغية ɣ في Tifinaɣ وهذه الغين لابد أنها تقابل الكاف اللاتينية C في Punicus أو Punici [پونيكي] أو الكاف اليونانية K في Phoinikes. إذن فالأرجح أن كلمة Tifinaɣ تطورت مباشرة من اللاتينية أو الإغريقية.

لهذا فإن Tifinaɣ ربما “اسم مغلوط” صاغه أمازيغ قدامى كترجمة للكلمة اللاتينية Punicus أو Punici [پونيكي] حيث خلطوا بين الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber والحرف البونيقي رغم اختلافهما الواضح شكليا وبصريا. وهذا الغلط في التسمية يسمى بالإنجليزية: misnomer.

ويمكن تشبيه هذا بظاهرة تسمية المغاربة للحروف اللاتينية بـ”الحروف الفرنسية”. وهذا غلط طبعا.

الحرف الليبي – الأمازيغي يسمى بالإنجليزية Libyco-Berber. ويسمى بالفرنسية Libyco-berbère أو Libyque. وبالألمانية يسمى Libysch-Berberisch. والترجمة الأمازيغية للمصطلح هي:

Alibu-Maziɣ = الليبي – الأمازيغي.

Talibu-Maziɣt = الليبية – الأمازيغية.

فكلمة Libu هي الاسم الأمازيغي القديم لبلد ليبيا وشعب ليبيا وكان يعمم أيضا على كل شمال أفريقيا.

8) كتب قيمة حول نقوش الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber بالمغرب والجزائر والكناري:

الإنترنيت تعج بالدراسات والكتب المجانية حول الموضوع بالصور والرسومات والتفاصيل ومن بينها:

– Recueil des inscriptions libyques مجموعة النقوش الليبية. واختصاره المعروف هو RIL. وهو للباحث J.B. Chabot. طبعة 1941 في باريس، فرنسا، Imprimerie nationale.

– L’alphabet libyque de Dougga الألفبائية الليبية لمدينة TBGG التونسية الأمازيغية. للباحث Lionel Galand. بمجلة Revue de l’Occident musulman et de la Méditerranée عام 1973.

– L’écriture libyco-berbère الكتابة الليبية – الأمازيغية. للباحث Salem Chaker. في ندوة Colloque annuel de la SHESL, Lyon-ENS. في عام 2002.

– Inscriptions libyques النقوش الليبية. للباحث Lionel Galand. منشور عام 1966.

– The Libyco-Berber and Latino-Canarian scripts الحروف الليبية – الأمازيغية واللاتينية – الكنارية. للباحثين A. José Farrujia de la Rosa وَ Werner Pichler وَ Alain Rodrigue وَ Sergio García Marín. منشور عام 2010.

– Terminologie libyque des titres et fonctions الاصطلاحات الليبية (الأمازيغية القديمة) للمناصب والوظائف (في دولة نوميديا الأمازيغية). للباحث Salem Chaker. منشور في مجلة Annali del’Istituto Universitario Orientale di Napoli. إيطاليا. عام 1986.

– À propos de l’origine et de l’âge de l’écriture libyco-berbère، حول أصل وعمر الكتابة الليبية – الأمازيغية، للباحثين Salem Chaker وَ Slimane Hachi. عام 2000.

9) كتب قيمة حول تيفيناغ الطوارق الأصيل كما هو مستعمل لدى الطوارق الآن:

– Grammaire, dialogues et dictionnaire touaregs النحو والحوارات والقاموس الطوارقي. للباحث A. de Motylinski. وأعده للنشر René Basset. منشور عام 1908.

– Dictionnaire français touareg. للباحث Émile Masqueray. منشور عام 1893.

– Le tifinagh au Niger contemporain تيفيناغ في بلاد النيجر المعاصرة. للباحث Ramada Elghamis. في عام 2011. (انظر الصفحتين 64 وَ 65 من الكتاب).

– Wörterbuch zur Sprache und Kultur der Twareg, Twareg – Französisch – Deutsch قاموس لغة وثقافة الطوارق، طوارقي – فرنسي – ألماني، للباحث Hans Ritter، في مجلدين اثنين، منشور في Wiesbaden، ألمانيا، 2009.

وهذه الكتب متاحة بالمجان على الإنترنيت.

10) خلاصات واقتراحات:

من حيث التدريس والترسيم والتطبيق الإداري والإعلامي والاقتصادي فالحرف الأنفع حاليا للغة الأمازيغية هو طبعا الحرف اللاتيني لأسباب عملية وتقنية وأكاديمية وإعلامية وديموغرافية وبيداغوجية واقتصادية. والمقصود هنا بالحرف اللاتيني هو هذه الحروف الـ 35 المتوافقة مع حاجيات اللغة الأمازيغية وهي:

a b c č d ḍ e ɛ f g ǧ ɣ h ḥ i j k l m n o q r ř ṛ s ṣ t ṭ u w x y z ẓ

ومن الواجب طبعا تعريف كل التلاميذ المغاربة بالحرف الأقدم بالمغرب وهو الحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber الذي توجد نقوشه بالمغرب منذ ما يقارب 3000 عام.

ويجب أيضا تعريف كل التلاميذ المغاربة بحرف تيفيناغ الطوارق بصيغته الأصلية الأصيلة بدون الإضافات المصطنعة الغير الضرورية التي اخترعت في القرن العشرين ويروجها الإيركام حاليا.

وما دام المغاربة اليوم بمثقفيهم ومتعلميهم يراوغون ويدفنون رؤوسهم في الرمال ويتجنبون مناقشة كل هذه المسائل المتعلقة بالحرف اللاتيني وحرف “تيفيناغ الطوارق” والحرف الليبي – الأمازيغي Libyco-Berber ويتجنبون أيضا مناقشة المسائل المتعلقة بالجمع (دون تدمير ولا تخريب) بين اللهجات الأمازيغية في لغة أمازيغية واحدة موسعة متعددة المراكز Pluricentric (كاللغة الألمانية ذات المراكز المتعددة واللهجات المتعددة في ألمانيا وسويسرا والنمسا) فإن مشاكل الأمازيغية لن تحل نفسها بنفسها وستستمر أزمة اللغة الأمازيغية حرفا وكتابة ودسترة وتدريسا وترسيما في التسرطن والنزيف والتعفن الذي هي غارقة فيه الآن وسط تفرج العارفين وحيرة الجاهلين وعبث العابثين.

والشيء المؤكد هو أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الإيركام) كان كارثة على اللغة الأمازيغية مثل كارثة الترسيم الدستوري المشوه في الفصل الخامس من دستور المغرب ومثل كارثة القانون التنظيمي.

لهذا يجب فتح الحوار اللغوي شعبيا وسياسيا في كل ما يتعلق بالأمازيغية لغة وحرفا ودسترة وتدريسا.

وتجب إعادة النظر في كل شيء جذريا: الحرف وتجميع اللهجات والترسيم الدستوري وطريقة التدريس.

وتجب مناقشة كل المسلّمات الزائفة والمكتسبات الزائفة والعقائد الزائفة التي يقدسها كهنة كنيسة “السياسة البربرية الجديدة” وكهنة الإيركام الذي تم ضمه مؤخرا إلى مؤسسة كهنوتية جديدة هي “مجلس اللغات”.

لا تعولوا على النخب المغربية الثقافية الأمازيغية وغير الأمازيغية أو على الحركة الأمازيغية. النخب انسحبت من الميدان واعتنقت ديانة جديدة اسمها “الانتظارية”. وأصبحوا جميعا متخصصين في “التحليلات الصحفية” يتقمصون فيها دور محلل صحفي أجنبي عن المغرب يحلل أخبار المخزن وقرارات المخزن وأحوال القبائل ومصائب الأهالي (وكأن ما ينقص المغرب هو التحليلات الصحفية!)، بدل أن يقترحوا الحلول الجريئة السياسية والتعليمية والاجتماعية ويثقفوا المغاربة بالحقائق المطموسة والمسكوت عنها.

حان الوقت ليناقش الشباب هذه القضايا بعقلية 2020 وليس بعقلية الستينات والسبعينات المنتهية الصلاحية.

اِقرأ المعلومات أيها المغربي بنفسك وفكر بنفسك وقرر بنفسك وقدم المبادرات والاقتراحات والحلول العملية بنفسك، ولا تدع الكهنة يفكرون مكانك ويقررون مكانك!

tussna-tamazight@outlook.com

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى