مجتمع

“آريتي القورينية” والمرأة الآمازيغية

لمين إشمان
لمين إشمان

مع تصاعد إرهاصات الوعي بالذات الشمال إفريقية، وخاصة وعي المرأة الآمازيغية فيما يخص حقوقها وواجباتها، وجب علينا النظر في تاريخنا الأمازيغي القديم لنرى كيف كانت المرأة في المجتمع، وماهي خصوصياتها الفكرية والتأملية في الحياة والوجود والمجتمع، هذه النظرة عبارة عن اعتبار ذاتي يدخل في الأصالة، نظرة تاريخية تعيد لنا النفس العميق لنخرج المرأة الأمازيغية إلى مقدمة المجتمع.

يذكر الأستاذ عبد السلام بن ميس في كتابه : “مظاهر الفكر العقلاني في الثقافة الامازيغية القديمة” تعريفا بسيطا وجميلا عن نموذج فلسفي خاص بالمرأة الامازيغية، حيث يعرف أريتي القورينية (الليبية) قائلا :

أريتي القورينية :- / بداية 5 – نهاية 4 قبل الميلاد / *Arete de cyrene … أول فيلسوفة في تاريخ شمال افريقيا حسب المعلومات التي نملكها، هي ابنة الفيلسوف القوريني أريستيبوس صاحب المدرسة الشكانية، وأريتي كلمة يونانية تعني معرفة الخير أو الفضيلة، واتخذت هذه المرأة لنفسها مذهبا نفس المبادئ الفلسفية التي سطرها لها أبوها: أي الشك في ميدان المعرفة والبحث عن اللذة في ميدان الأخلاق

من هذا التعريف البسيط أريد أن أقارن بين الماضي والحاضر، أين أصبحت المرأة الأمازيغية حاليا مستلبة وعالقة بين قيم العروبة وقيم الغرب، بعيدة عن أصالتها وفلسفتها التي تخصها وهي منتمية لأرض شمال افريقيا، كل هذا الاستلاب نتيجة اعتبار التاريخ انه بدأ مع دخول الاسلام، وأيضا نتيجة المد الغربي الثقافي الذي يريد نشر ثقافته بكل الوسائل المتاحة، وأيضا انعدام طرح أمازيغي جديد يخص منظومة القيم، وغياب رهيب للخطاب الفلسفي الأخلاقي الذي يتماشى مع خصوصية المرأة الامازيغية.

إذن فجدتك أيتها المرأة الامازيغية كان اسمها آريتي اسمها يعني “معرفة الخير”، وكانت منهمكة في البحث المعرفي عقلانية بمعنى الكلمة، باحثة عن اللذة في ميدان الاخلاق الانسانية، جديرة بأن تكون فيلسوفة، آمنت بذاتها وعقلها، احترمت وجودها وأعلت من شأن أمازيغيتها فكانت المرأة الحرة الراقية في وقتها، شكاكة لاتتوقف عند قيمة أخلاقية معينة بل دائما تسعى بحريتها لترسيخ القيم المتينة التي توطذ علاقة المجتمع ببعضه البعض، غير متعصبة لأي معتقد باحثة عن الاخلاق سواءا في الاديان أو في الفلسفات أو غيرها

نعم نحتاج فيك أيتها المرأة الامازيغية المعاصرة آريتي جديدة أمازيغية لاتقبل الذوبان في العروبة والقيم الغربية، بل آريتي بحق، متلهفة لمعرفة الخير الانساني العالمي، متجردة من كل الاحتقارات الدينية والقبلية، مساهمة في البناء الاخلاقي المتين، باحثة عن اللذة، عالمة مثقفة دكتورة فنانة مربية مصلحة طبيبة أستاذة، حاملة لكل الشهادات العالية موجودة وحاضرة بكل قوة في مجتمع شمال افريقيا، شهمة تقدس جسدها وجمالها تحافظ على تفردها وعائلتها، متأصلة في لغتها الامازيغية، قوية في هويتها الحرة، ساعية لمصلحة مجتمعها، بانية لجيل انساني قويم، عالمي يعبر بأمازيغيته عن الانسانية، ويعبر بإنسانيته للأمازيغية.

في الأخير أؤكد على قدرة المرأة الامازيغية في اعادة أصالتها انطلاقا من كونها انسانة حرة، والحرية في المعنى الفلسفي لأريتي يعني الحرية الفكرية المطلقة، بحكم أن مذهبها شكاني، والحرية الاخلاقية مربوطة بالنظام الاجتماعي المعاصر المتحضر، لأن مبادئ فلسفة أريتي هو البحث عن اللذة في ميدان الاخلاق.

وميدان الاخلاق في المجتمع الامازيغي ليس فيه اكراه على الاتباع، بل كل القواعد الاخلاقية المبنية على أساس الانسان الحر تكون قواعد مقنعة، لانحتاج فيها لاكراه أو ترهيب أو فرض للاتباع بالقوة والعنف، وكل هذه المساعي المعرفية والمبادرات من المرأة الامازيغية عندما تحققها ستحدث ثورة فكرية وثقافية واخلاقية راقية، فالمرأة الامازيغية المعاصرة قادرة وبكل قوة على استعاد اصالة المرأة الحرة لترتقي بمجتمعنا نحو المجتمع الانساني.

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى