مجتمع

أخطار تهدّد الثقافة الشاويّة بالاندثار (الجزء الثّاني)

من الصّعب جدّا أن نحدد للثقافة الشّاوية، كجوهر لا كتسمية، مجالا أو نطاقَ بدايةٍ في الزّمن، فالوعاء البشري المحتوي لهذه الثقافة هو واحد من أقدم الكيانات المكوّنة للشمال الإفريقي … لقراءة الجزء الأوّل من المقال  أنقر هنا

الثقافة العاجزة عن التطوّر جنينٌ سيولدُ ميتًا!

ڨاسمي فؤاد
ڨاسمي فؤاد

أمام التطوّر الهائل لوسائل “المعلومة” من صوت وصورة ونصّ، ورغم انتشار ثقافة التواصل اللّحظي/الكوني، إلّا أنّ الثقافة الشّاوية إلى اليوم، عاجزة عن إصدار إنتاجات مرئية مسموعة محترمة، تحوز لها مجالا حيويّا في السّاحة الرّقمية، والواقعية؛ رغم كثرة المنابر المنافحة عنها، أكانت جمعيّات أو بؤر نشاط سايبري، إلّا أنّ أغلبها يعاني إحدى المساوئ التاليّة أو جميعها:

قلّة الإمكانات، وبالتّالي ضعف الإنتاج. عدم الجديّة والمواصلة. رداءة المحتوى وتفاهته في كثير من الأحيان. التبعية وانعدام المرجعية الذّاتية (أقصد الشّاوية الأصيلة). انعدام الاحترافية، والجهل بمجالات تصدير المعلومة والتسويق لها. ومساوئ أخرى.

هذه المنابر الّتي انتشرت على صفحات موقع التواصل الاجتماعي : فايسبوك بشكلٍ حصري، لم تنجح إلى اليوم في تشكيل الخلطة السحرية المناسبة لتكوين “واجهة إعلامية” حقيقية للثقافة الشّاوية تبثّ جوهرها، وتستقطب الرّاغبين فيها والفضوليين إليها.

وإنْ كان مشروع “الواجهة الإعلامية الشّاوية” يتجسّد في خطواته الأولى بموقع “إينوميدن.كوم” إلّا أنّه هو الآخر، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، يعاني من نقص الأفراد والوسائل، لا الأفكار. بعكس كثير من الكيانات الفايسبوكية والجمعوية التي تعجز عن إنتاج الأفكار أو التسويق لمنتج هويّاتي/ثقافي شاويّ ولكنّها تزخر بكمّ هائل من الإمكانات والأفراد، وهو ما يضعنا موضع التساؤل (في انتظار إجابة قادمة ربّما) : لماذا؟

عامل آخر، يثير حيرتي شخصيّا، هو “انعدام” المدوّنين Bloggeurs من الشّباب أو الشيب، في الثّقافة الشّاوية، كأنّ الوعاء الثّقافي الشّاوي بعكس كثير من الكيانات البشرية الأقلّ “تطوّرا” إن صح الوصف، والّتي انتشرت بها ثقافة التدوين blogging وساهمت بشكل ملحوظ في تطوّر الوعي بقضاياها الخاصّة والذّاتية، وهو سؤال آخر يحتاج إلى بحث سوسيونفسي مستفيض: لماذا لا يدوّن إيشاويّن؟

هذا كلّه، إذا أضفنا إليه انعدام التطوير، والرّغبة في التّطوير، والعزوف عن التحديث والحداثة فيما يتعلّق بالمأكل والملبس الشّاوي على وجه التّحديد، والتي هي عوامل تساعد على نهوض الثقافة بل وممارستها للتوسّع على حساب فضاءات مجاورة خالية تماما من أيّ ملامح للثقافة “المحلّية”، يضعنا في موقع تساؤليّ بحثي أكثر منه نقدي، فثقافتنا في ظلّ التطوّرات الحالية، جنين سيموت قريبا، قبل إعادة ميلاده إلى العالم الحديث، لأنّه غير قادر، ببساطة، على العيش في الظّروف الجديدة.

نعم! لقد قايضنا هويّتنا بوطنيّة مزيّفة.

كلّ ما ذكرتُ، قد لا يعدو ربّما مظاهرَ من مظاهر الانحدار والتقهقر التي تعانيها الثقافة الشّاوية أكثر منها أخطارا تواجهها، ولكنْ يبقى العنصر الأهمّ والّذي سيطر على العقول الشّاوية وجعلها تعزف عن ذاتها، في مقابل الارتماء في حضن “وطنيّة” مسمومة أريد لها أن تستبدل الذّات بأرضية هشّة غير مستقرّة وغير حقيقية، ينتسب إليها الجميع دون استثناء، لكنّهم مطالبون من أجل ولوج عالمها بالتّخلي عن تفرّدهم وخصوصيّاتهم الثقافية والجهوية التي أصبحت بفعل المفهوم السّائد والرّائج للوطنية : فرقة وفتنة وطائفية، كأنّ المواطنة تفرض على الجميع أن يكونوا نسخا طبق الأصل.

هذه الوطنية التي رغم شموليّتها إلّا أنها لم تقضِ على العوامل الهدّامة في أصل الثقافة الشّاوية والتي تم، بالعكس، استثمارها من قبل أقطاب هذه الوطنية الزائفة، وعلى رأسها عقدة القبيلة، التي جعلت من الوطن قبيلة كبيرة كلّ من خارجها عدوّ، بالنسبة إلى الوطنيين (المنتسبين إليها) يجب القضاء عليه لأنّه مختلفٌ يضرّ بمصالح القبيلة، أو لنسمّها القطيع.

وفوق هذا وذاك، تقبع الثّقافة الشّاوية تحت وطأة أكثر العوامل هدما لها، وهي الإرادة السيّاسية في محوها واستبدالها بثقافة هجينة تحيل الشّاوي كشاويّ على مسميّات ومناصب أخرى أسمى اهتماماتها، القضاء على انتمائه إلى ذاته لتحكّم أكبر به.

 ڨاسمي فؤاد

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى