بالعربية

لهذا أغضب كلّما سمعت عبارة «الأوراس الأشم»…

ڨاسمي فؤاد - مدوّن
ڨاسمي فؤاد – مدوّن

في لسان العرب، “أشمَّ الرّجل” أي مرّ رافعا رأسه متكبّرا، و “شمَّ الرّجل” أي ترفّع وتكبّر واعتزّ، ويقال “أكمة أو قمّة شمّاء” أي عالية وشامخة، والجبل الأشمّ هو الجبل العال. هذا هو باختصار، المعنى اللغوي للعبارة الرنّانة التي أحيلت إلى punch line وكلمة مفتاحيّة رئيسيّة في خطابات السّاسة ومثقّفيهم والعامّة من المغلوبين على عقولهم فايسبوكيًّا وورقيًّا.

منذ سنتين تقريبا، أصابني، يا عافاكم، داءٌ عضالٌ يجعلني أرغي وأزبد كلّما سمعت هذه العبارة، إنّه مرض “الأشمُّ-فوبيا” على ما يبدوا. والراجح أنّه مرضٌ نادرُ جدًّا في بلاد إيشاويّن، خاصّة وأنّ هذه العبارة تندرج في خانة النافِخات المبلعِطات للكائن الشاويّ الهومونوفمبري Homonovembrus “الأشمّ”، وما أكثر هذه الكائنات هنا!

وإنْ كان كرهي لهذه العبارة غير مبرّر كما يرى كثيرون، لكنّه، وهذا رأيي، مؤسَّسٌ ومأصّل له بعناية، فمجرّد نظرة خاطفة خارج الإطار الذي رسم لهذا الأوراس المسكين، ستجعلك تمقت اليوم الّذي ولدت فيه آوراسيّا، وتتمنّى لو كنت فردا في قبيلة تشوكوتكا الرّوسية، بدل هذا الحال العصيّ على الإصلاح الذي نحن فيه.

كلّما هلّ الفاتح من نوفمبر، أو الخامس من جويلية، أو زارت شخصيّة من فئة “الفخامة” أو “السيادة” أو “المعالي” فُتحَ الدّرج واستخرجت عبارة “الأوراس الأشم” لينفض عنها غبار العفن الذي تساكنه، وتعلّق على مداخل المدن والقرى والمداشر، يلج سيّدنا (الشخصية) المحلّ، تزيّن له الطرقات، بل وتشقّ “في خاطرو” إلى حيث يريد الوصول، ليلتها. يقف مولانا (الشخصية) خطيبا في الجموع الغفيرة التي استجلبت إحياءً لهذا الحدث المهيب، ويبلعطهم “عيناني” بكوكتالٍ معيَّر من عبارات النفخ والتزلّف من قبيل “الأوراس الأشم” التي أكره، والولاية المجاهدة التي أضحك حدّ البكاء كلّما سمعتها، و”الشّاوية الأحرارْ” التي تجعلني أتلفّت يمنة ويسرة أبحث عن الأحرار علّي أجدهم.

ثم تساق “رموز” الثقافة الشاوية العريقة من راقصات عجائز وڨصاصبة عتقاء وبرابش وشخاشخ ولبن و”إيرشمنْ”، ويدشّن وليّ نعمتنا (الشخصية) المشروع الضّخم الّذي جاء لتدشينه، ثم يركب سيارته الفارهة وينطلق فارًّا من آوراس كأنما به برص.

هنا يجرّني الفضول وأهرول لإلقاء نظرة على ما دشّن رازقنا (الشخصية) لأجد .. ماذا سأجد في رأيكم؟ لن أجد يوما غير “نصب تذكاري” من الخرسانة المسلحة، لا يتعدّى طوله أمتارا ثلاثة في أحسن الحالات، كلّف بصبّه عامل يدوي، لم يرسم يوما خطّا مستقيما، ومن أجل ماذا؟ تخليدًا لمآثر هذا “الأوراس الأشم”.

ثمّ إذا ما ألقيت نظرة خاطفة على هذا الأوراس الأشم الذي صدّع الدنيا تاريخا ومآثر وكرامات، أجدُ أنّه واحد من أفقر مناطق القطر الدزيري رغم الثروات، وصاحب مرتبة أولى في إصابة أبنائه بالسيليكوز والسرطان والتهاب الكبد الوبائي الفيروسي ومرتبة أخيرة في التنمية والبيئة والتعليم والسياحة والوعي والثقافة.

بجديّة، إنَّ مثل هذه العبارات، التي لا تساق إلّا في محلّ استعطاف الشّاوي وتحريض أنفته بغرض إلهائه عن أمر ما، أصبحت مهينة، ناهيك عن كونها مبتذلة، فهذا الأوراس الأشم لا يذكرُ إلّا إذا كان السياق فيه “إنّ” .. إذا كان هذا الأوراس أشمّا فما بال أنفه يمرّغ اليوم في تراب الفقر والجهل والتهميش …

لهذا أغضب كلّما سمعت هذه العبارة فمتى تعقلون وتكرهونها أنتم كذلك؟

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى