بالعربيةمجتمع

المنظومة التربوية و الإرهاب: العشق الأبدي

(الإطار الزماني للأحداث: ربيع سنة ٢٠١٠)

محمد فوغالي
محمد فوغالي

ككل يوم منذ ما يقارب السنتين، توجهت لثانوية الإخوة عشي (بمدينة قايس)، التي سبق لي و كنت طالبا بها، لأمارس هوايتي – و مهنتي – في تربية و تعليم الأجيال الصاعدة. ألقيت التحية على تلاميذي تائقا لاصطحابهم بجولة جديدة من المتعة و الإثارة في عالمي الفيزياء و الكيمياء، قبل أن يقع ناظراي على ما تشيب له الرؤوس و تقشعر منه الأبدان. “اصبر تراش..” خاطبت – بالعامية كعادتي – التلميذ الذي طالبته منذ لحظات بمحو السبورة و رحت أندب* في قرارات نفسي حظ هؤلاء المراهقين المساكين و مستقبل بلدي في آن واحد.

نعم، ليس الأمر بحلم و لا بهلوسة، إنه درس في “العلوم الإسلامية”** حول الحدود و ضرورة تطبيقها من طرف الحاكم بما في ذلك قتل المرتد. المثير للاهتمام هو سبب دعوتي للفتى بالتريث. صدقا، لحد الساعة لا أدري، فالأجدر كان أمره بالإسراع بإزالة كارثة مشابهة من مجال بصري حتى ولو لم يكن ذلك حلا للمعضلة ألبتة. رغم تلك الحيرة، فإنني أنجح في الكثير من الأحيان بإقناع نفسي أنني فعلت ذلك من باب الأمل. كنت ربما أرجو أن الدرس احتوى – على الأقل – جميع الآراء التي تطرقت لهكذا موضوع جدلي، بما في ذلك مناورات “المعاصرين” المعروفين بمناهضتهم للفهم المباشر و إبداعاتهم – أو بدعهم – في التأويل المنمق – أو المفبرك – ، الأمر الذي كان ليخفف من هول صدمتي و من وطء شجني. كلها لحظات غدت لأكتشف أن آمالي لم تكن سوى أضغاث أحلام يقظة تلاشت مع منحي الضوء الأخضر لطمس ما تبقى من تلك “الوخيذة” التي لا يسعني قاموس أية لغة للتعبير عن مدى فداحتها و خطورتها.

من هو المرتد؟ كل من تخلى عن دينه، الإسلام في سياقنا هذا. بعبارة أدق، كل إنسان غير معتقده – أو بالأحرى تبنى قناعة خاصة به آخذين بعين الاعتبار الطريقة التي تنتشر بها الأديان عبر العالم ألا و هي التلقين و التوارث – ممارسا حقه الأساسي و الطبيعي بحرية الرأي و الاعتقاد. هكذا إنسان، حسب مدرستنا الظلامية ، يعدم… بل و لدينا الجرأة الكافية لتلقين سلوك إجرامي مماثل لأبنائنا. هذه النظرة الرجعية المدمرة، و التي يباركها أغلب “مشايخنا” و “أئمتنا”***، لا تنفك تستقر بكل أريحية في عقول مراهقينا و شبابنا المؤهلين مسبقا لتلقيها من خلال الأطوار الأولى لنفس المنظومة المدرسية المبنية على التلقين و التخويف و إقصاء الغير (للمزيد يمكنكم مراجعة مقالي جمعية العلماء و أزمة المواطنة) في ظل غياب شبه تام للرأي الآخر.

على ضوء – أو بالأحرى ظلمة – هاته المعطيات، و رغم أن البلد دفع غاليا فاتورة الإرهاب في التسعينيات، فإن المؤسسات التربوية و الدينية لا تتوانى، بغض النظر عن ما إذا كان ذلك مقصودا أو عرضيا، عن مواصلة تكريس كل ما يروج له الإسلاميون. بالفعل، النية لا تهم فالحصيلة واحدة: شباب مخدر جاهز للتطرف بين الفينة و الأخرى. في بلاد إيشاوين، نعت ” وخيمة” هو أقل ما يمكن أن توصف به النتائج. قرى شبه خالية، هجرها أغلب شبابها للالتحاق بصفوف الجيش (لدرء الفقر و العوز)، تستعد للتحول لأوكار للإرهابيين (كون ما تبقى من شبابها تمت تربيته بامتياز على يد المدرسة الشمولية و المسجد الوهابي). و الأدهى و الأمر؟ رجل دولة يخرج لنا متصببا عرقا، تعلوه علامات الخشوع من الحزن و الأسى متربعة على ملامح تشوبها الدهشة و يعتريها التفاجؤ ليلقي إلينا بخطابه المعهود “هؤلاء… وحوش”. لا شك في ذلك سيدي العزيز، وحوش… صنعتموها أنتم.

* في وعكس اتجاه عقارب الساعة
** طباق
*** مفاجأة! (خريجو نفس المدرسة)

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى