بالعربية

بين التربية المثالية والخطاب التربوي!

لمين إشمان
لمين إيشمان

لايكاد يخلوا يوم إلا ويتلقى الشباب خطابا تربويا، سواءا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو في المؤسسات الدينية والتعليمية، أو غيرها من التجمعات واللقاءات الشبانية، والمتداول في معظم الحوارات أن كل المعلومات التي يتلقاها الشباب هي من منظومة تربوية مثالية، وأن من يفهم هذه المنظومة التربوية سيجدها رائعة، وتطبيقها سياتي بنتائج قيمة يصلح المجتمع بها وتكون منها نهضة على كل الأصعدة.

 كعادتي لن أنتقد أي خطاب تربوي، بل سأطرح معايير أرجح أنها يمكن أن تعطينا مستوى التربية التي نتحدث عنها، وصلوحيتها في واقع المجتمع، وككل مرة أؤكد أن الحوار والتفاعل وتبادل الآراء هو التقييم الأفضل لأي منظومة تربوية، فالتربية أيضا لها تاريخ وتصبح أساسياتها لاتصلح، لذلك الحرص ثم الحرص على فهم ديناميكية المجتمعات والتغير في التعامل بين أفراد المجتمع، لمسايرة كل تجدد وإصلاح كل هفوة معرفية أو تربوية.

أبدأ موضوعي بتعريف بسيط عن التربية؛ وهي مجموعة المناهج التي ننقل بها القيم والأخلاق والعادات والتقاليد وغيرها من الخصوصيات الثقافية للمجتمع إلى الجيل الناشئ، هذه المناهج تتبلور وتتكوّن وتنشأ من مصادر مختلفة، وكل مصدر له خصوصياته التي تعطي للمنهج صبغته الأخيرة التي يتقوّم بها في إيصال مجمل ماذكرنا سابقا للجيل الناشئ.

أولا; حول المنهج:

لكل منظومة تربوية منهج معين ترسخ به خصوصياتها، والمنهج هو مجموعة من الإجراءات والخطوات والاختبارات والقواعد التي يتخذها المربي لإيصال القيم أو الأخلاق، ويجب على المنهج أن يتكوّن من جملة شروط ليكون صحيحا وهي:

1/ أن يكون المنهج بخطاب في مستوى طبيعة الافراد حول فهمهم للأفكار والأخلاق والقيم التي يتلقّونها.

 2/ أن يكون المنهج غارسا للقيم بأساليب خالية من العنف والتهديد والإكراه، وأيما رفض للمتلقي حول فكرة مـــا فيجب أن يكون المخاطب مرنا في تغيير أساليبه، وإلا فالمنهج ذو الأسلوب الواحد لايرقى ليوصل الفكرة والقيمة المعينة لجيل مــا.

3/ أن يكون المنهج مرتبطا بواقع الأفراد ومصلحتهم ومنفعتهم العامة المتبادلة، أي كل إجراء عملي أو خطابي يجب أن يربط الفكرة بمصلحة الناس العامة وبواقعهم المعاش، لكي يعايش المُخاطبون التربية التي يتلقّونها.

4/ أن يكون المنهج مساهما في زرع الثقة بذات الفرد، وذلك بإعطاء الفرد الحرية التامة في إبداء رأيه عن الحوار والخطاب والقيم والاخلاق التي يتلقاها، وبالتالي يكون المربي مطورا لمنهجه ومتفاعلا مع قناعات أبناءه أو مجتمعه، وبالتالي أيما نتيجة واقعية سيتم تحمل المسؤولية الكاملة من طرف المتلقي، وأيضا مدركا للأخطاء التطبيقية وبالتالي سهولة كبيرة في التصحيح والاصلاح، وبهذا فهذا المنهج لديه المتغير النسبي الذي يتماشى مع التغيرات المختلفة في سيرورة الأفراد والمجتمعات.

5/ أن يخلوا المنهج من المنطق الإملائي التلقيني دون نقد أو إقناع، فالمناهج التي فيها صبغة دكتاتورية تُنشأ أفرادا متناقضين، أيما فرد وجد نفسه بعيدا عن السلطة إلا وارتكب كل الجرائم الأخلاقية حتى وإن كان مدركا بأنه على خطأ، فطبيعة الفرد هي حرة الفعل والإرادة، وأيما تلقين خال من الأخذ والرد إلا وكان المتلقي في حالة نفسية مضغوطة، وفي جو ضبابي متصارع.

 ثانيا; حول الأخلاق والمعايير التربوية

أيما تربية لها خصوصيات ومكونات تميزها عن باقي التربيات، وسأحاول أن أتحدث عن القيم والأخلاق والمعايير التي أرى أنها تصلح لقوام تربية مجتمعنا الامازيغي الدزيري، وانطلاقتي تكون من نزعتي الأمازيغية المنادية بالإنسان الحر، والحرية في التربية تعني تحمل مسؤولية نتائج حريتي، وكل مسعى أخلاقي يكون شاملا لمجتمعي.

حسنا لكل خُلق معين معيار نقيس به صحة الخلق من خطئه، وفي مجتمعنا معاييرنا غير خاصة بنا، والأحكام التي نصدرها على الممارسات الانسانية المختلفة في التعاملات وفي تصرفات الآخرين لاتمت للمصلحة العامة بصلة، وهذا راجع لنظرة الشباب حول الأخلاق، فالأخلاق عبارة عن نصوص ثابتة، وهي اتباع أوامر ونواهي معينة، وممارسة شكل معين من الممارسات الفعلية والقولية والفكرية، وبالتالي الأحكام لاتكون عقلانية، بل كل فعل خلقي جديد تتم مصادرته، أو إعادة أمر ونهي الفرد الذي أتى بشيء خارج عن المألوف.

والاخلاق مرتبطة بالمعايير التي نحدد بها مستوى قيمة أخلاقية عن أخرى، والمعايير يحددها العقل الأنا الأعلى، وميزانهم الضمير المتعالي، وكل الاخلاق الحسنة هي ماكانت مع المصلحة العامة للمجتمع، وماعارض المصلحة العامة فهو فعل لا أخلاقي، ولكن المصلحة العامة يجب أن تكون محتوية لكل أفراد المجتمع، ولايجب أن يكون الخطاب التربوي الذي يحدد معايير القيم ويحدد الأخلاقيات الأحسن دوغمائيا أو ساردا للأخلاقيات من أجل الانصهار فيها واتباعها بالقوة رغما عن عدم قناعة الأفراد.

بل يجب أن تكون الاخلاقيات مبنيّة على قناعات كل الافراد، والفرد يقتنع أكثر بالاخلاقيات الاجتماعية كلما كان الخطاب له عقلانيّا ويترك له الفرصة للإنتقاد والسؤال لماذا أتبع قانونا عن آخر ولماذا هذا الخلق وليس هذا الخلق الآخر…الخ.

وحتى الخطاب للأفراد يجب أن يكون تعليميا في كيفية تحديد المعايير الأنسب، وإلا لأصبح كل الأفراد قطيعا لايتحمّلون مسؤوليتهم ولايصححون أخطاءهم الأخلاقية لأنها لم تنبع من قناعاتهم الشخصية، وأيضا ندعّم ذلك بالضمير الذي يتم بناؤه بالاسئلة الوجودية الخاصة

لماذا أنا أريد أن أكون أخلاقيا،،، لماذا أنا موجود ولدي شغف بأن أكون أخلاقيا، وغيرها من الأسئلة التي يجب طرحها لخلق الدوافع الاخلاقية نحو ترقية المجتمع وعلاقاته وتعاملاته مع الوجود، وكل الأجوبة يجب أن تُقبل، فالذي يقول انا اريد ان اكون اخلاقيا لان الله له جنة، أو لأنني أريد انا هذا، أو لأني احب الخير وأريد ان اعيش حياة مثالية، فله ذلك، ولكن لا أحد  يفرض على الآخر نوع إرادته، أو يسخر من ماهية إرادة الآخرين فيما يريدون أن يكونوا عليه.

في الأخير أؤكد أن كل شيء يجب أن يُبنى بالحوار وإلا فلن نصل لأي نتيجة، ولن نستطيع بناء معايير لتحديد أخلاقياتنا مالم نربطها بمصلحة مجتمعنا الآمازيغي، ولن نقدر على إنشاء جيل عامل متخلّق مالم نتخلى عن خطاباتنا التخويفية القائمة على الأمر والنهي، والعقابات الغير مبررة، وأيضا لن نصل لنتيجة فعلية وواقع أحسن بالعنف اللفظي والجسدي والمنطق الأبوي التسلطي الدكتاتوري

باسم عابدي

مهتم بالتاريخ بصفة عامة، أطلقت "المكتبة الرقمية الأمازيغية" سنة 2013، وهي مخصصة لتاريخ وثقافة الأمازيغ. وساهمت سنة 2015 في تأسيس "البوابة الثقافية الشاوية"، المعروفة بـ إينوميدن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى